المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

البيض واللحم البايولوجي او العضوي
10-9-2021
إسحاق بن الهيثم كوفي
27-9-2020
كيف تصنع الطلاء
2023-06-06
وظائف المدن - تصـنيف كـارل ساور Carl Sawer
23-2-2022
تطور مفهوم الاخراج
9-7-2020
يوم الرحرحان
9-11-2016


دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة  
  
608   09:02 صباحاً   التاريخ: 11-9-2016
المؤلف : الشيخ محمد صنقور علي
الكتاب أو المصدر : المعجم الأصولي
الجزء والصفحة : ج2 ص 99.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المصطلحات الاصولية / حرف الدال /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016 267
التاريخ: 11-9-2016 684
التاريخ: 11-9-2016 403
التاريخ: 13-6-2019 624

والمدعى انّ هذه القاعدة من القواعد العقلائية والتي يستكشف إمضاء الشارع لها بواسطة عدم الردع عنها رغم استحكامها في المرتكزات العقلائيّة والجري على وفقها في شئونهم اليوميّة ، فعدم التصدي للردع عنها لو لم تكن متناسبة مع المتبنيات الشرعية يهدّد بانسحابها الى الشئون الشرعيّة ، وهذا ما ينافي حكمة الشارع لو لم تكن متناسبه مع أغراضه ممّا يعبّر عدم الردع عن امضائه لهذه القاعدة ومناسبتها لأغراضه ومتبنياته ، وبهذا يصحّ الاستناد إليها في الشئون الشرعيّة.

هذا هو أقصى ما يمكن أن تقرّر به حجيّة هذه القاعدة ، وقبل التعرّف على تماميّة هذه الدعوى أو عدم تماميّتها لا بدّ من البحث عن حدود هذه القاعدة. وهنا مجموعة من الاحتمالات :

الاحتمال الاول : انّ هذه القاعدة مطردة في تمام الحالات التي يدور فيها الأمر بين دفع المفسدة وجلب المصلحة ، أي سواء كانت المفسدة أقوى من المصلحة أو كانت المصلحة هي الأقوى ، فدفع المفسدة دائما هو المقدّم مهما تعاظمت المصلحة المقابلة لها ومهما تضاءلت المفسدة المنافية لجلب المصلحة ، من غير فرق بين أن يكون متعلّق الدوران فعلا واحدا ، كما لو كان الفعل مشتملا على مصلحة ومفسدة معا فإنّ المقدّم هو جانب المفسدة ، وعليه لا بدّ من ترك هذا الفعل دفعا للمفسدة وان كان سيؤدي ذلك الى فوات المصلحة الأهمّ أو الأقل أهميّة. أو كان متعلّق الدوران فعلين إلاّ انّه تضييق قدرة المكلّف عن التحفّظ عليهما ، وحينئذ يكون المقدّم هو ترك أو فعل ما يوجب دفع المفسدة وان أدى ذلك الى فوات المصلحة الأهمّ أو الأقلّ أهميّة.

الاحتمال الثاني : انّ القاعدة مطردة ولكن في خصوص المفسدة والمصلحة الخطيرتين ، بمعنى انّ دفع المفسدة الخطيرة مقدم على جلب المصلحة الخطيرة وان كانت أكثر أهميّة من دفع المفسدة المترتّبة.

الاحتمال الثالث : انّ مورد القاعدة هو ما لو دار الأمر بين دفع المفسدة أو جلب المصلحة في حالة تساويهما في الأهميّة ، فالمقدم هو دفع المفسدة من غير فرق بين أن يكون متعلّق الدوران فعلا واحدا أو فعلين.

الاحتمال الرابع : انّ مورد القاعدة هو حالة الدوران مع افتراض أهميّة دفع المفسدة.

الاحتمال الخامس : وهو أوسع من الأوّل بأن يفترض شمول القاعدة لحالات عدم العلم باشتمال الفعلين أو الفعل على المصلحة والمفسدة إلاّ انّه مع احتمال المفسدة واحتمال المصلحة يكون المقدم ما يحتمل معه المفسدة ، بمعنى الالتزام بما يوجب دفع المفسدة المحتملة.

ومثاله : ما لو قدّم لنا طعام نحتمل انّه نافع كما نحتمل انّه ضار ، فحينئذ يكون المقدم هو تركه ، لأنّ تركه يوجب دفع المفسدة المحتملة.

وهذا الاحتمال ينحل الى الاحتمالات الأربعة ، وهي امّا الاطلاق بمعنى ترجيح دفع المفسدة حتى لو كانت المفسدة المحتملة أضعف من المصلحة المحتملة أو اختصاصه بحالات كون المحتمل من المفسدة والمصلحة خطيرا لو اتّفق موافقته للواقع ، أو تقييد الترجيح بحالات التساوي ، أو تقييده بحالات أقوائية المفسدة على المصلحة المحتملة.

هذه هي الاحتمالات الثبوتيّة المحتمل إرادتها من القاعدة ، ثمّ انّ الكلام يقع عمّا هو المراد من المصلحة والمفسدة ، وما هو المراد من الاولويّة في القاعدة.

أمّا ما هو المراد من المصلحة والمفسدة فنحتمل له ستّة احتمالات :

الاحتمال الاوّل : انّ المراد من المفسدة التي يلزم تقديمها على المصلحة هي المفسدة الشخصيّة بقطع النظر عن انّ المصلحة المقابلة لها مصلحة شخصيّة أو نوعيّة.

الاحتمال الثاني : انّ المراد من المفسدة هي المفسدة الشخصيّة إذا كان المقابل لها مصلحة شخصيّة. أمّا لو كان المقابل لها مصلحة نوعيّة فإنّ القاعدة غير متصدّية لهذا الفرض.

الاحتمال الثالث : انّ المراد من المفسدة هي المفسدة النوعيّة وكذلك هو المراد من المصلحة المقابلة لها ، فلا صلة لهذه القاعدة بالمصالح والمفاسد الشخصيّة.

الاحتمال الرابع : انّ المراد من المفسدة والمصلحة هو المفسدة الخطيرة المقابلة للمصلحة الخطيرة.

الاحتمال الخامس : انّ المراد من المفسدة والمصلحة هما الشخصيتان ولكن بشرط عدم منافاة التقديم لمصلحة نوعيّة.

الاحتمال السادس : انّ المراد من المفسدة والمصلحة هما ما يتمّ التعرّف عليهما بواسطة الشارع، بأن يدعى انّ هذا المقدار هو المحرز امضاؤه من السيرة العقلائيّة ، وحينئذ اذا دار الأمر بين مفسدة مستكشفة عن الشارع ومصلحة مستكشفة عن الشارع أيضا فإنّ المقدم هو دفع المفسدة على جلب المصلحة.

هذه هي الاحتمالات المعقولة للمراد من المصلحة والمفسدة في القاعدة.

وأمّا المراد من الأولويّة في القاعدة فنحتمل له أربعة احتمالات :

الاحتمال الاول : انّ المراد من الاولويّة هو اللزوم العقلائي ، بمعنى انّ العقلاء يذمون كلّ من أهمل دفع المفسدة في سبيل جلب المصلحة ويعتبرونه سفيها.

الاحتمال الثاني : انّ المراد من الاولوية هو اللزوم العقلي ، بمعنى انّ العقل يرى قبح اهمال دفع المفسدة في سبيل جلب المصلحة ، لأنّه من ترجيح المرجوح.

الاحتمال الثالث : انّ المراد من الأولويّة هي الراجحيّة ، بمعنى انّ الإنسان مخير بينهما ، غايته انّ الأفضل والأجدر هو ترجيح جانب المفسدة.

الاحتمال الرابع : انّ الاولوية في حالات دوران الأمر بين المصلحة والمفسدة النوعيتين الخطيرتين تعنى اللزوم العقلي أو العقلائي أو هما معا ، وأمّا في حالات دوران الأمر بين المصلحة والمفسدة الشخصيّتين فالأولويّة بمعنى الراجحيّة وانّه لا سبيل لذمّه ولا لتقبيح فعله لو اختار العكس في اموره الشخصيّة.

وبهذا تتّضح معالم القاعدة ، ولم يبق سوى أمر لا بدّ من التنبيه عليه ، وهو انّه قد يكون اهمال المصلحة المتنافية مع المفسدة يوجب الوقوع في مفسدة ، بمعنى انّ الدوران لا يكون دائما بين دفع المفسدة وجلب المصلحة الزائدة ، إذ قد يتّفق انّ عدم جلب المصلحة يوجب الوقوع في المفسدة ، وحينئذ يكون جلب المصلحة مساوقا لدفع المفسدة ، فيكون الدوران واقعا بين دفع مفسدة ودفع مفسدة أخرى.

والظاهر بل المطمئن به انّ هذا الفرض خارج عن موضوع القاعدة ، وانّ القاعدة متمحّضة لحالات دوران الأمر بين دفع المفسدة وجلب مصلحة لا يترتّب على تفويتها الوقوع في مفسدة.

وبهذا يتّضح انّ المراد من المفسدة على تمام الاحتمالات هي النقص والضرر والحرج أو ما يساوق ذلك ، وانّ المراد من المصلحة هي المنفعة والزيادة والتي لا يترتّب على عدم تحصيلها نقص أو حرج.

وبعد بيان المراد من القاعدة نستعرض بعض الموارد التي استفاد بعض الأعلام تحديد الحكم الشرعي لها بواسطة القاعدة :

المورد الاول : حالات التزاحم بين الوجوب والحرمة ، بتقريب انّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها ، فالحرمة تعبّر عن مفسدة في متعلّقها كما انّ الوجوب يعبّر عن مصلحة في متعلّقه ، وحينئذ لو دار الأمر بين امتثال الوجوب وامتثال الحرمة فإنّ القاعدة تقتضي امتثال الحرمة ، لانّه بامتثالها تندفع المفسدة الكامنة في متعلّق الحرمة.

فلو دار الأمر بين انقاذ غريق وبين عبور الأرض المغصوبة فإنّ المقدّم هو ترك العبور باعتباره محرّم وذو مفسدة فيقدّم على جلب المصلحة وهي انقاذ الغريق الواجب.

إلاّ انّ هذا مبني على انّ المراد من المفسدة هي المفسدة المستكشفة بواسطة الشارع وإلاّ فلا مفسدة شخصيّة من عبور الأرض المغصوبة كما انّه لا مفسدة نوعيّة في بعض حالات عبور الأرض المغصوبة ، ومبني أيضا على انّ المراد من المفسدة المقدّمة هي الأعم من الخطيرة والحقيرة ، كما انّه مبني على اطلاق تقديم المفسدة وان كان مقابلها مصلحة نوعيّة كإنقاذ الغريق خصوصا لو كان من ذوي النفع العام.

ثمّ انّ الظاهر خروج هذا المثال عن موضوع القاعدة ، إذ انّ جلب المصلحة في هذا المثال يساوق دفع المفسدة ، وقد قلنا بخروج هذا الفرض عن موضوع القاعدة إلاّ أن يقال انّ الذي هو خارج عن موضوع القاعدة هو حالات مساوقة جلب المصلحة لدفع المفسدة الشخصيّة والمقام ليس من هذا القبيل ، إلاّ انّ هذا يستلزم ملاحظة الشارع للمصالح والمفاسد المتّصلة بكلّ مكلّف بقطع النظر عن سائر المكلّفين وهذا ينافي ما افترضناه من انّ المفسدة المترتّبة على عبور الأرض المغصوبة والمستكشفة عن الشارع انّما هي لملاحظة مالك الأرض وليس شخص المكلّف ، ولو كانت كذلك لكان المثال خارجا عن موضوع القاعدة أيضا ، إذ لا مصلحة ولا مفسدة متّصلة بشخص المكلّف ، فلا معنى لإجراء القاعدة.

إلاّ أن يقال انّ المصلحة والمفسدة متّصلة بشخص المكلّف من جهة ان حرمة العبور ووجوب الإنقاذ تكليفان متوجهان لشخص المكلّف ، فعليه لا بدّ من دفع مفسدة عقوبة ارتكاب الحرام وان كان سيترتّب على ذلك عدم تحصيل الثواب ـ بامتثال الواجب ـ والذي هو جلب مصلحة. وهو كما ترى ، إذ انّ ترك الواجب ممّا يترتّب عليه العقوبة أيضا.

المورد الثاني : التمسّك بالقاعدة لإثبات انّ الاصل في الأشياء الحظر ، وذلك بتقريب انّ كلّ فعل لا تعلم حرمته أو إباحته فإنّ ارتكابه موجب لاحتمال العقوبة من المولى ، وهذا معناه انّ ارتكابه يكون موجبا لاحتمال الوقوع في المفسدة ، فيكون دفعها أولى من جلب المصلحة الشخصيّة أو النوعيّة المترتّبة على ارتكاب الفعل.

ومن الواضح انّ دخول هذا المورد في موضوع القاعدة مترتّب على تبني الاحتمال الخامس لمعنى القاعدة ، وهو انّ دفع المفسدة حتى وان كانت محتملة أولى من جلب المصلحة ، على انّه يمكن افتراض خروج المورد حتى من هذا الاحتمال ، وذلك لشمول المورد لحالات احراز المصلحة ، فيكون الأمر دائرا بين دفع المفسدة المحتملة وجلب المصلحة المحرزة. والظاهر بل المطمئن به عدم شمول القاعدة لهذا الفرض.

إلاّ أن يقال انّ المفسدة المحتملة لو اتّفقت لكانت أكثر أهميّة ، وهذا ما أوجب ترجيحها على جلب المصلحة المحرزة ، إلاّ انّ هذا يقتضي انّ المتعيّن من الاحتمالات لمعنى القاعدة هو الاحتمال الرابع وهو اختصاص تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة بالحالات التي تكون فيها المفسدة أكثر أهميّة من المصلحة.

وهذا المقدار لو كان هو المراد من القاعدة لكان مآلها الى قاعدة قبح ترجيح المرجوح ، وذلك لأنّ فرض الكلام هو دوران الأمر بين دفع المفسدة الأهمّ وجلب المصلحة المهمّة ، وليس ثمّة خيار ثالث ، فإمّا أن يختار دفع المفسدة أو جلب المصلحة ، وحينئذ يكون اختياره لجلب المصلحة ترجيح لما هو مرجوح ، على انّ المورد المذكور لا يطابق الاحتمال الخامس كما لا يطابق قاعدة قبح ترجيح المرجوح إذ انّ موردهما هو المفسدة المحرزة أو المحتملة لو كانت المصلحة محتملة أيضا.

نعم يمكن أن يكون مدرك أصالة الحظر هو ما عليه البناء العقلائي من ملاحظة قوة المحتمل وترجيحه على المصلحة المحرزة لو كانت أقلّ أهميّة من المفسدة المحتملة لو اتّفقت ، أو يكون مدركها هو ما يدركه العقل من لزوم دفع الضرر المحتمل إذا لم يكن له مؤمّن. والمتحصّل انّ الظاهر هو عدم شمول القاعدة على جميع احتمالاتها لهذا المورد.

المورد الثالث : تأييد دعوى جريان الاحتياط الشرعي في الشبهات التحريميّة بالقاعدة ، بتقريب انّ احتمال الحرمة معناه احتمال المفسدة ، فدفعها يكون لازما ، وان كان ذلك يقتضي تفويت المصلحة.

ويرد على هذا التقريب ما أوردناه على المورد الثاني.

المورد الرابع : التمسّك بالقاعدة لتقديم جانب الحرمة في حالات دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات مع افتراض اتّحاد الواقعة ، أي مع افتراض كون متعلّق الدوران فعلا واحدا ، كما لو دار الأمر بين وجوب دفن الميّت أو حرمة دفنه ، فإنّ القاعدة تقتضي تقديم جانب الحرمة لان فيها دفعا للمفسدة المحتملة ، ومن هنا تقدم على جلب المصلحة المحتملة الكامنة في متعلّق الوجوب المحتمل.

وتماميّة هذه الدعوى مبني على اتّساع موضوع القاعدة لما هو مفترض في الاحتمال الخامس وان دفع المفسدة المحتملة مقدّم على جلب المصلحة المحتملة في حالات الدوران.

إلاّ انّه لا بدّ من احراز انّ تفويت المصلحة بترك جانب الوجوب لا يؤول الى الوقوع في المفسدة ، واحراز ذلك دونه خرط القتاد.

ثمّ انّه هناك موارد يمكن دعوى التمسّك بالقاعدة لتحديد الموقف الشرعي منها أوكلناها لمتابعة القارئ الكريم.

ثمّ انّ البحث عن تماميّة القاعدة أو عدم تماميتها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : والبحث فيه صغروي ، أي البحث عن وجود بناء عقلائي قاض بهذه القاعدة ومع افتراض وجوده واقعا فما هي حدود هذا البناء العقلائي؟

المقام الثاني : والبحث فيه كبروي ، بمعنى انّ الشارع هل أمضى هذا البناء العقلائي ، وما هي حدود هذا الإمضاء؟

أمّا المقام الأوّل : فإجمال الحديث عنه هو انّ الذي عليه البناء العقلائي ينافي الاحتمال الاول لمعنى القاعدة ، فإنّ ما نراه بالوجدان انّ الترجيح في حالات الدوران ـ عند العقلاء ـ لا يعتمد هذه القاعدة بمجرّد اشتمال أحد الطرفين على المفسدة وان ذلك يؤهّله للتقديم ـ بنظرهم ـ حتى مع تضاؤل مستوى المفسدة المشتمل عليها خصوصا لو كان المراد من المصلحة والمفسدة في القاعدة هو الاحتمال الاول والذي يفترض انّ المفسدة المقصودة هي المفسدة الشخصيّة ، فإنّ من الواضح انّ المتبنّيات العقلائيّة لا تراعي المفاسد والمصالح الشخصيّة إذا كانت منافية للمصلحة النوعية.

ولغرض التنبيه على ذلك نذكر هذه الأمثلة :

المثال الأوّل : لو دار الأمر بين الدخول في معركة عادلة مضمونة النجاح ويترتّب عليها فوائد كثيرة وبين عدم الدخول في هذه المعركة لأنّها تستلزم الوقوع في بعض المفاسد المحدودة كجرح بعض الجنود أو قتلهم ، فهل انّ العقلاء يبنون في مثل هذا الفرض على التحفّظ عن الوقوع في المفسدة رغم اشتمال ما يقابلها على مصلحة أقوى.

المثال الثاني : لو دار الأمر بين اطعام مجموعة من الجوعى المشرفين على الهلاك وبين التحفّظ على المال الشخصي من النقص بسبب الإطعام فأيّهما المقدّم بنظر العقلاء.

نعم النقض بما ذكرناه لا يكون ناقصا إلاّ بناء على الاحتمال الاول ومعه يتّضح سقوط الإطلاق في الاحتمال الخامس أيضا.

وأمّا الاحتمال الثاني فهو وان كان يضيّق من موضوع القاعدة إلاّ انّ اطلاق تقديم دفع المفسدة الخطيرة ـ حتى وان كان ما يقابلها من مصلحة أكثر خطورة وأهميّة ـ غير مسلّم لعين ما ذكرناه سابقا. فها نحن نشاهد العقلاء يبذلون الأموال الخطيرة بل يبذلون ما هو أعظم من الأموال في سبيل تحصيل مصالح أقوى وأشدّ وان كان يترتّب على تحصيلها الوقوع في مفاسد.

وبهذا يتعيّن ان يكون المراد من القاعدة أحد احتمالين أمّا الثالث أو الرابع ، والرابع والذي يفترض كون المفسدة أكثر أهميّة من المصلحة ـ هو القدر المتيقّن من القاعدة إلاّ انّه لو كان هو المتعيّن من القاعدة لكان من المحتمل قويا رجوع هذه القاعدة الى قاعدة قبح ترجيح المرجوح ، وحينئذ لا يكون لدفع المفسدة خصوصيّة تقتضي تقديمها في موارد الدوران بل انّ منشأ التقديم هو اتّفاق أهميّة المفسدة ، وبهذا لا يكون للقاعدة مورد مستقل عن قاعدة قبح ترجيح المرجوح إلاّ أن يدعى انّ المراد من المفسدة في القاعدة هي المفسدة الشخصيّة وان كان ما يقابلها مصلحة نوعيّة ، وعندها يكون لقاعدة دفع المفسدة مورد مستقلّ عن قاعدة ترجيح المرجوح. إلاّ انّ احتمال إرادة هذا المعنى من المفسدة في القاعدة بعيد جدا ، إذ انّ المتبنّيات العقلائيّة لا تراعي ـ كما قلنا ـ المصالح والمفاسد الشخصيّة إذا كانت منافية للمصالح والمفاسد النوعيّة.

وبهذا لا يبقى من الاحتمالات إلاّ الاحتمال الثالث والذي يفترض تساوي المفسدة مع المصلحة في الأهميّة ، وهنا أيضا قد يقال انّ منشأ تقديم دفع المفسدة هو قاعدة الترجيح إلاّ انّه مع ذلك يكون لقاعدة دفع المفسدة دور تنقيح صغرى قاعدة الترجيح ، إذ انّ قاعدة الترجيح لا تقتضي أكثر من الحكم على ترجيح المرجوح بالقبح إلاّ انّها غير متصدّية لتشخيص ما هو المرجوح من الراجح ولذلك يتمّ التعرّف على ذلك بوسائل اخرى ، ومنها هذه القاعدة حيث تقتضي في ظرف التساوي راجحيّة دفع المفسدة على جلب المصلحة وعندها يتنقّح موضوع قاعدة قبح ترجيح المرجوح.

إلاّ انّه مع ذلك لا يمكن القطع بوجود بناء عقلائي على تقديم جانب المفسدة فى فرض التساوي في الأهميّة خصوصا لو افترضنا انّ المراد من الأولويّة هو اللزوم.

وأمّا المقام الثاني : وهو البحث عن كبرى هذه القاعدة وحجيّتها.

فنقول : انّه لا بدّ وان يتمّ البحث عن امضاء هذه القاعدة في حدود الاحتمال الثالث ، إذ لم يتّضح ـ لما تقدّم ـ وجود بناء عقلائي يتّسع للاحتمالات الاخرى.

وأمّا الاحتمال الثالث وهو ترجيح جانب المفسدة في ظرف التساوي في الأهميّة مع جلب المصلحة فإنّ دعوى الإمضاء لهذا المقدار انّما تمّ بواسطة عدم الردع ، وانّ عدم الردع يهدد بامتداد هذا البناء للشئون الشرعية ، فلو لم يكن مرضيا من الشارع ومع ذلك لم يردع عنه لكان ذلك منافيا للحكمة والتحفّظ على الأغراض.

إلاّ انّ هذا التقريب لا يمكن قبوله ، وذلك لعدم امكان امتداد هذا البناء ـ لو كان ـ للشئون الشرعيّة ، إذ انّ امتداده منوط بإحراز العقلاء لحجم المصلحة المعتمدة للشارع وكذلك المفسدة وانّهما متساويان في الأهميّة ، وعندئذ يمكن القول بأنّ عدم الردع يساوق الإمضاء وإلاّ لكان نقضا للغرض.

وأمّا مع عدم إحراز ذلك فلا موضوع للقاعدة حتّى يبني العقلاء على تقديم جانب المفسدة ، وواضح انّ احراز العقلاء لحجم المصلحة والمفسدة الشرعيّتين ممّا لا سبيل له ، فحتّى لو صرّح الشارع بحرمة هذا الشيء وبوجوب الآخر فإنّ من غير الممكن التعرّف على انّ المفسدة الكامنة في متعلّق الحرمة أشد من المصلحة الموجودة في متعلّق الوجوب أو انّها أضعف أو انّ المصلحة والمفسدة متساويتان في الأهميّة ، وعليه لا يكون دوران الأمر بين الوجوب والحرمة مصحّحا لبناء العقلاء على تقديم جانب الحرمة ، لاحتمال انّ متعلق الوجوب أكثر أهميّة من متعلّق الحرمة ، فلا يكون هذا الفرض موردا للقاعدة ، ومن هنا لا يمكن استكشاف الإمضاء من عدم الردع ، إذ انّ عدم الردع لا يهدّد أغراض الشريعة.

نعم لو صرّح الشارع بحجم المصلحة المفسدة واتّضح من ذلك تساويهما في الأهميّة لكان من الممكن امتداد البناء العقلائي على القاعدة لهذا المورد إلاّ انّه مع ندرته لا يكون عدم الردع كاشفا عن الامضاء ، وذلك لأنّه لو كان البناء الشرعي قائما على التخيير في هذه الحالة لكان بناء العقلاء على ترجيح جانب المفسدة غير مضرّ بأغراض الشريعة ، إذ لا فرق في نظر الشارع ـ بناء على التخيير ـ بين تقديم جانب المصلحة أو تقديم جانب المفسدة.

نعم لو كان البناء الشرعي هو تقديم جانب المصلحة بنحو اللزوم لكان عدم الردع مضرا بالغرض الشرعي إلاّ انّ ندرة فرض التصريح بمستوى المصلحة والمفسدة واتّفاق تساويهما في الأهميّة تمنع من استكشاف الإمضاء من عدم الردع ، لأنّ ذلك لا يستوجب تهديدا بينا لأغراض الشارع ، فمن الصعب الجزم بالإمضاء ، نعم هو محتمل إلاّ انّ ذلك لا ينفع ، لأنّ الشك في الحجيّة مساوق للقطع بعدمها ، هذا أولا.

وثانيا : يمكن دعوى ردع الشارع عن هذا البناء العقلائي لو سلّمنا بوجوده ، وذلك يتّضح بملاحظة ما قرّره الشارع من أصول عملية في ظرف الجهل بالحكم الواقعي.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.