أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
826
التاريخ: 10-8-2016
600
التاريخ: 4-9-2016
729
التاريخ: 10-8-2016
529
|
لا شك في ان كل متشرع يعلم علما إجماليا بأن لله تعالى أحكاما إلزامية من نحو الوجوب والحرمة يجب على المكلفين امتثالها يشترك فيها العالم والجاهل بها. وهذا (العلم الإجمالي) منجز لتلك التكاليف الإلزامية الواقعية، فيجب على المكلف - بمقتضى حكم العقل بوجوب تفريغ الذمة مما علم اشتغالها به من تلك التكاليف - ان يسعى إلى تحصيل المعرفة بها بالطرق المؤمنة له التي يعلم بفراغ ذمته بأتباعها. ومن أجل هذا نذهب إلى القول بوجوب المعرفة وبوجوب الفحص من الأدلة والحجج المثبتة لتلك الأحكام، حتى يستفرغ المكلف وسعه في البحث ويستنفد مجهوده الممكن له (1). وحينئذ، إذا فحص المكلف وتمت له إقامة الحجة على جميع الموارد المحتملة كلها، فذاك هو كل المطلوب وهو أقصى ما يرمي إليه المجتهد الباحث ويطلب منه، ولكن هذا فرض لم يتفق حصوله لواحد من المجتهدين، بأن تحصل له الأدلة على الأحكام الإلزامية كلها، لعدم توفر الأدلة على الجميع. وأما إذا فحص ولم تتم له إقامة الحجة الا على جملة من الموارد، وبقيت لديه موارد أخرى يحتمل فيها ثبوت التكليف ويتعذر فيها إقامة الحجة لأي سبب كان (2) - فان المكلف يقع لا محالة في حالة من الشك تجعله في حيرة من أمر تكليفه. فماذا تراه صانعا؟ هل هناك حكم عقلي يركن إليه ويطمئن بالرجوع إلى مقتضاه؟ أو أن الشارع قد راعى هذه الحالة للمكلف لعلمه بوقوعه فيها فجعل له وظائف عملية يرجع إليها عند الحاجة ويعمل بها لتطمينه من الوقوع في العقاب؟ هذه أسئلة يجب الجواب عنها. وهذا المقصد الرابع وضع للجواب عنها، ليحصل للمكلف اليقين بوظيفته التي يجب عليه ان يعمل بها عند الشك والحيرة.
وهذه الوظيفة أو الوظائف هي التي تسمى عند الأصوليين بالأصل العملي، أو القاعدة الأصولية، أو الدليل الفقاهتي. وقد اتضح؟؟ لدى الأصوليين ان الوظيفة الجارية في جميع أبواب ألفقه من غير اختصاص بباب دون باب هي على أربعة أنواع:
1 - أصالة البراءة. 2 - أصالة الاحتياط. 3 - أصالة التخيير. 4 - أصالة الاستصحاب.
ومن جميع ما تقدم يتضح لنا:
أولا - ان موضوع هذا المقصد الرابع هو الشك بالحكم (3).
ثانيا - ان هذه الأصول الأربعة مأخوذ في موضوعها الشك بالحكم أيضا.
ثم اعلم ان الحصر في هذه الأصول الأربعة حصر استقرائي، لأنها هي التي وجدوا انها تجري في جميع أبواب ألفقه، ولذا يمكن فرض أصول أخرى غيرها ولو في أبواب خاصة من ألفقه. وبالفعل هناك جملة من الأصول في الموارد الخاصة يرجع إليها الشاك في الحكم مثل أصالة الطاهرة الجاري في مورد الشك بالطهارة في الشبهة الحكمية والموضوعية. وانما تعددت هذه الأصول الأربعة فلتعدد مجاريها أي مواردها التي تختلف باختلاف حالات الشك، إذ لكل أصل منها حالة من الشك هي مجراه على وجه لا يجزي فيها غيره من باقي الأصول. غير انه مما يوجب علمه ان مجاري هذه الأصول لا تعرف، كما لا يعرف ان مجرى هذه الحالة هو مجرى هذا الأصل مثلا إلى من طريق أدلة جريان هذه الأصول واعتبارها. وفي بعضها اختلاف باختلاف الأقوال فيها. وقد ذكر مشايخ الأصول على سبيل الفهرس في مجاريها وجوها مختلفة لا و يخل بعضها من نقد وملاحظات. وأحسنها - فيما يبدو - ما أفاد شيخنا النائيني أعلى الله مقامه. وخلاصته: ان الشك على نحوين:
1 - أن تكون للمشكوك حالة سابقة وقد لاحظها الشارع أي قد اعتبرها. وهذا هو مجرى (الاستصحاب).
2 - الا تكون له حالة سابقة أو كانت ولكن لم يلاحظها الشارع. وهذه الحالة لا تخلو عن أحدى صور ثلاث:
أ - أن يكون التكليف مجهولا مطلقا، أي لم يعلم حتى بجنسه. وهذه هي مجرى (أصالة البراءة).
ب - أن يكون التكليف معلوما في الجملة مع امكان الاحتياط. وهذه مجرى (أصالة الاحتياط). ج - أن يكون التكليف معلوما كذلك ولا يمكن الاحتياط. وهذه مجرى (قاعدة التخيير).
وقبل الكلام في كل واحدة من هذه الأصول لا بد من بيان أمور من باب المقدمة تنويرا للأذهان. وهي:
(الأول) - ان الشك في الشيء ينقسم باعتبار الحكم المأخوذ فيه على نحوين:
1 - أن يكون مأخوذا موضوعا للحكم الواقعي، كالشك في عدد ركعات الصلاة، فانه قد يوجب في بعض الحالات تبدل الحكم الواقعي إلى الركعات المنفصلة.
2 - أن يكون مأخوذا موضوعا للحكم الظاهري. وهذا النحو هو المقصود بالبحث في المقام. وأما النحو الأول فهو يدخل في مسائل ألفقه.
(الثاني) - ان الشك في الشيء ينقسم باعتبار متعلقه أي الشيء المشكوك فيه على نحوين:
1 - ان يكون المتعلق موضوعا خارجيا، كالشك في طهارة ماء معين أو في أن هذا المائع المعين خل أو خمر. وتسمى الشبهة حينئذ (موضوعية).
2 - أن يكون المتعلق حكما كليا، كالشك في حرمة التدخين، أو انه من المفطرات للصوم، أو نجاسة العصير العنبي إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه. وتسمى الشبهة حينئذ (حكمية).
والشبهة الحكمية هي المقصودة بالبحث في هذا المقصد ...، وإذا جاء التعرض لحكم الشبهات الموضوعية فإنما هو استطرادي قد تقتضيه طبيعة البحث باعتبار أن هذه الأصول في طبيعتها تعم الشبهات الحكمية والموضوعية في جريانها، وإلا فالبحث عن حكم الشك في الشبهة الموضوعية من مسائل ألفقه.
(الثالث) - انه قد علم مما تقدم في صدور التنبيه ان الرجوع إلى الأصول العملية انما يصح بعد الفحص واليأس من الظفر بالأمارة على الحكم الشرعي في مورد الشبهة. ومنه يعلم انه مع الأمل ووجود المجال للفحص لا وجه لإجراء الأصول والاكتفاء بها في مقام العمل، بل اللازم ان يفحص حتى ييأس، لان ذلك هو مقتضى وجوب المعرفة والتعلم، فلا معذر عن التكليف الواقعي لو وقع في مخالفته بالعمل بالأصل لا سيما مثل أصل البراءة.
____________
(1) لو فرض أن مكلفا لا يسعه فحص أدلة الأحكام لسبب ما، ولو من جهة لزوم العسر والحرج - فانه يجوز له أن يقلد من يطمئن إليه من المجتهدين الذي تم له فحص الأدلة وتحصيل الحجة، وذلك بمقتضى أدلة جواز التقليد ورجوع الجاهل إلى العالم، كما يجوز له أن يعمل بالاحتياط في جميع الموارد المحتملة للتكليف والتي يمكن فيها الاحتياط على النحو الذي يأتي بيانه في موقعه ومن هنا قسموا عليه المكلف إلى مجتهد ومقلد ومحتاط. ونحن غرضنا من هذا المقصد انما هو البحث عن وظيفة المجتهد فقط. وهو المناسب لعلم الأصول .
(2) ان تعذر إقامة الحجة قد يحصل من جهة فقدان الدليل، وقد يحصل من جهة إجماله، وقد يحصل من جهة تعارض الدليلين وتعادلهما من دون مرجح لأحدهما على الآخر.
(3) المقصود بالشك ما هو أعم من الشك الحقيقي (وهو تساوي الطرفين) ومن الظن غير المعتبر، نظرا إلى أن حكمه حكم الشك، بل باعتبار آخر يدخل الظن غير المعتبر في الشك حقيقة، من ناحية أنه لا يرفع حيرة المكلف بأتباعه فيبقى العامل به شاكا في فراغ ذمته.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|