أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016
1653
التاريخ: 9-8-2016
2851
التاريخ: 11-7-2020
2868
التاريخ: 7-7-2020
2331
|
لابدّ فيه من تنقيح محلّ النزاع قبل الخوض في أصل المسألة.
فنقول: قال المحقّق النائيني (رحمه الله): «إنّ محلّ الكلام في المقام هو الوصف المعتمد على موصوفه، وامّا غير المعتمد عليه فلا إشكال في عدم دلالته على المفهوم، فهو حينئذ خارج عن محلّ النزاع، إذ لو كان الوصف على إطلاقه ولو كان غير معتمد على الموصوف محلا للنزاع لدخلت الجوامد في محلّ النزاع أيضاً ... إلى أن قال:
بل يمكن أن يقال: إنّ كون المبدأ الجوهري مناطاً للحكم بحيث يرتفع الحكم عند عدمه أولى من كون المبدأ العرضي مناطاً له، فهو أولى بالدلالة على المفهوم من الوصف غير المعتمد»(1).
فحاصل كلامه أنّ الوصف غير المعتمد خارج عن محلّ النزاع لأنّه كاللقب، بل اللقب أولى منه من هذه الجهة لأنّه حاك عن الذات، بينما الوصف غير المعتمد يحكي عن الصفة، وكون الذات مناطاً للحكم بحيث ينتفي بانتفائها أولى من كون الوصف (الذي يكون مبدأً عرضياً للحكم) مناطاً له.
ولكن الإنصاف أنّ محلّ النزاع أعمّ كما صرّح به في تهذيب الاُصول(2)، والشاهد على ذلك أنّ المثبت للمفهوم قد يتمسّك بأمثلة تكون من مصاديق الوصف غير المعتمد من دون أن يعترض عليه النافي للمفهوم بأنّها خارجة عن محلّ الكلام، نظير التمسّك بفهم أبي عبيدة في قوله(صلى الله عليه وآله) «مطل الغني ظلم»(3) وقوله (صلى الله عليه وآله): «ليّ الواجد بالدين يحلّ عقوبته وعرضه»(4) ونظير
التمسّك بقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] هذا ـ مضافاً إلى أنّه لا يجري بناءً على مبنى القائلين باشتمال المشتقّ على الذات حيث إنّه حينئذ لا فرق بين القسمين في الاعتماد على الذات.
وكيف كان ـ فقد استدلّ القائل بعدم المفهوم (مع أنّه على المنكر إقامة الدليل) بوجهين:
الوجه الأوّل: إنّ دلالة الوصف على المفهوم امّا بالوضع أو بالقرينة العامّة، وكلاهما ممنوعان، إمّا الوضع فلأنّه لو كان الوصف دالا على المفهوم بالوضع لكان استعماله في غيره مجازاً، وهو ممنوع.
وأمّا القرينة العامّة فلأنّها لا تخلو من أن تكون واحدة من الثلاثة: لزوم اللغويّة، كون الوصف مطلقاً مع أنّ المتكلّم في مقام البيان، وكونه مشعراً بالعلّية المنحصرة.
أمّا لزوم اللغويّة فالجواب عنه إنّ اللغويّة إنّما تلزم فيما إذا انحصرت فائدة الوصف في المفهوم مع أنّه قد يترتّب عليه فوائد كثيرة اُخرى فقد يؤتى به لإبراز شدّة الإهتمام بمورد الوصف، مثل قوله: «إيّاك وظلم اليتيم»، أو «إيّاك وغيبة العلماء» أو لدفع توهّم عدم شمول الحكم لمورد الوصف كما في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31] (هذا شبيه الوصف) أو لعدم حاجة السامع إلى ما سوى مورد الوصف كقولك لمن لا يجد غير ماء البئر: ماء البئر طاهر مطهّر، أو لغير ذلك من اُمور اُخر كعلم المخاطب بحكم غير مورد الوصف أو توضيح ما اُريد بالموصوف والكشف عنه أو غير ذلك.
وأمّا الإطلاق (والمقصود منه إنّه لو كان للوصف عديل أو جزء آخر لذكره المتكلّم لكونه في مقام البيان فإطلاقه دالّ على أنّه لا عديل له، كما أنّه دالّ على كونه تمام الموضوع للحكم).
فيرد عليه: أنّ هذا الإطلاق ـ الذي يكون إطلاقاً مقاميّاً على فرض وجوده، أي على فرض كون المتكلّم بصدد بيان العلّة المنحصرة أو الموضوع المنحصر للحكم ـ لا يختصّ في دلالته على المفهوم بباب الوصف بل إنّه يجري في اللقب أيضاً، وحينئذ تكون الدلالة على المفهوم مستندة إلى وجود القرينة لا إلى الوصف وإلاّ لكانت الدلالة مختصّة بالوصف فحسب.
وأمّا إشعار الوصف بالعلّية المنحصرة فالجواب عنه: إنّ إشعار الوصف بها وإن كان مسلّماً، إلاّ أنّه لا يفيد في الدلالة على المفهوم ما لم يصل إلى حدّ الظهور.
هذا كلّه هو الوجه الأوّل لمنكري مفهوم الوصف، وهو وجه تامّ إلاّ من ناحية حصرهم القرائن العامّة في الثلاثة المزبورة فانّه ممّا لا دليل عليه عقلا.
الوج الثاني: ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) (ووافقه على ذلك في هامش أجود التقريرات وصرّح بأنّه متين) وحاصله: إنّ القيود الواردة في الكلام تارةً ترجع إلى المفهوم الإفرادي (الموضوع أو المتعلّق) واُخرى إلى الجملة التركيبية بحيث يكون القيد قيداً للمادّة المنتسبة (الحكم)، وملاك الدلالة على المفهوم هو أن يكون القيد راجعاً إلى الحكم، أي إلى المادّة المنتسبة ليترتّب عليه ارتفاع الحكم عند ارتفاع قيده، إذ لو كان الحكم ثابتاً عند عدم القيد أيضاً لما كان الحكم مقيّداً به بالضرورة، ففرض تقييد الحكم بشيء يستلزم فرض انتفائه بانتفائه، وأمّا إذا كان القيد راجعاً إلى المفهومي الإفرادي والموضوع، فغاية ما يترتّب على التقييد هو ثبوت الحكم على المقيّد، ومن الضروري أنّ ثبوت شيء لشيء لا يستلزم نفيه عن غيره، وإلاّ لكان كلّ قضيّة مشتملة على ثبوت حكم على شيء دالة على المفهوم وذلك واضح البطلان، وبما أنّ الظاهر في الأوصاف أن تكون قيوداً للمفاهيم الإفراديّة يكون الأصل فيها عدم الدلالة على المفهوم كما هو الحال في اللقب عيناً(5).
أقول: الإنصاف أنّ ما أفاده إنّما هو أحد طرق إثبات المفهوم، فإنّه ربّما يستفاد من ناحية إحترازيّة القيود مع رجوعها إلى الموضوع والمفهوم الإفرادي على تعبيره، بل قد لا يكون للكلام مفهوم وان رجع القيد إلى الحكم والمفهوم التركيبي إذا كان المقصود من أخذه في الكلام أمراً آخر غير الانتفاء عند الانتفاء كأن يؤتى به لكون مورده محلا لابتلاء المخاطب مثلا.
فظهر إلى هنا عدم تمام كلا الوجهين لإثبات عدم المفهوم فالأولى لمنكره الاكتفاء بما هو مقتضى القاعدة وطلب البرهان من مدّعيه.
فنقول: استدلّ المثبتون بوجوه اُشير إلى بعضها ضمن بيان أدلّة المنكرين (منها اللغويّة لولا المفهوم، والإطلاق وإشعاره بالعلّية) وبقى غيرها:
فمنها: أنّ الأصل في القيود أن تكون إحترازيّة وذلك ببيانين:
أحدهما: أنّ معنى كون شيء قيداً لموضوع حكم هو أنّ ذات الموضوع غير قابلة لتعلّق الحكم بها إلاّ بعد تقيّده بهذا القيد واتّصافه بهذا الوصف، فيكون القيد أو الوصف حينئذ متمّماً لقابلية القابل، وهو في الحقيقة عبارة اُخرى عن معنى الاشتراط، فترجع القضيّة إلى القضيّة الشرطيّة لبّاً، وبما الظاهر دخل هذا القيد بخصوصه وبعنوانه الخاصّ (إذ لازم دخل قيد آخر أن تكون العلّة والشرط هو الجامع بين الشرطين لأنّ الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد، وهو خلاف الظاهر) فلا محالة ينتفي سنخ الحكم بانتفائه وهو معنى المفهوم.
ولكن يرد عليه:
أوّلا: إنّه مبني على قبول قاعدة الواحد، وقد مرّ عدم جريانها في الاُمور الاعتباريّة أصلا وعكساً.
وثانياً: إنّ علّة الأحكام إنّما هي إرادة المولى لا غير كما مرّ مراراً.
ثانيهما: أنّ للإنسان في بيان مقاصده وما ليس مقصوداً له طريقين: فإنّه تارةً يصرّح باسم المقصود ويجعله بعنوان موضوعاً لحكمه، وهذا يتصوّر فيما إذا كان للمقصود اسم خاصّ، واُخرى لا يكون له اسم خاصّ فيتمسّك بذيل القيود والأوصاف فيذكر مقصوده أوّلا بنحو كلّي ثمّ يقيّده بقيد بعد قيد حتّى يبيّن مراده بتمامه ويخرج ما ليس بمقصوده، ففلسفة القيود حينئذ هو بيان المقصود وإخراج ما ليس بمقصود، وهذا معنى إحترازيّة القيود، ولازمها الانتفاء عند الانتفاء وهو المراد من المفهوم.
ولكن يمكن الجواب عنه أيضاً بأنّ غاية ما يقتضيه هذا البيان وما سبقه هو ظهور القيد في أنّه دخيل في موضوع الحكم ومقصوده، وأنّ الحكم غير ثابت ومقصوده غير حاصل إلاّ مقيّداً بهذا القيد لا مطلقاً، ولا يقتضي نفي الحكم عن حصّة اُخرى من ذات الموضوع ولو بملاك آخر وبقيد آخر، وبعبارة اُخرى: مجرّد أخذ القيد في العنوان لا يكون دليلا على كونه إحترازيّاً، نعم لو علمنا من القرائن الحاليّة أو الكلاميّة كون المتكلّم بصدد الإحتراز كان للقيود مفهوم حتّى للألقاب.
ومنها: فهم أهل اللسان ـ ولعلّه أحسنها ـ فإنّ أهل اللسان يفهمون من الوصف المفهوم في موارد مختلفة كما فهم أبو عبيدة فيما رواه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)«ليّ الواجد بالدين يحلّ عرضه
وعقوبته»(6) أنّ ليّ الفقير لا يحلّ عرضه وعقوبته، نعم الإشكال في سنده لمكان هارون بن عمرو والمجاشعيّ في طريق الشيخ (رحمه الله)على ما نقله صاحب الوسائل عن مجالسه.
ومن هذه الموارد قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [النساء: 23] فالكثير من الاُصوليين والمفسّرين يعتذرون عن أخذ المفهوم فيها بأنّ قيد «في حجوركم» من القيود الغالبيّة، ولذا لا مفهوم له، فإنّ اعتذارهم هذا دالّ على كون المفهوم في مثل هذه الموارد أمراً وجدانياً وإرتكازيّاً لهم، إنّما المانع هو كون القيد غالبيّاً، كما أنّ وصف «دخلتم بهنّ» الوارد في صدر الآية يدلّ على المفهوم وهو قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) الوارد في ذيلها، فإنّ ترتّب هذا الذيل على ذلك الصدر بفاء التفريع يشهد على أنّه لو لم يصرّح به لكنّا نفهمه من نفس الوصف الوارد في الصدر.
ومن هذه الموارد قوله تعالى: { وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] فإنّ وصفي «لا يرجون نكاحاً» و «غير متبرّجات» يدلاّن على أنّ القواعد اللاتي يرجون نكاحاً أو يتبرّجنّ بزينة فعليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ كما أفتى به الفقهاء فحكموا بحرمة وضعهنّ ثيابهنّ.
وكيف كان، فقد فهم أهل اللسان من هذه الموارد ونظائرها المفهوم، وهو يدلّ على دلالة الوصف على المفهوم.
نعم يمكن أن يقال: إنّ فهم المفهوم في هذه الموارد إنّما هو لوجود قرينة مقاميّة، وهي كون المتكلّم في مقام الإحتراز عمّا ليس داخلا في الحكم، ومحلّ النزاع هو صورة فقد القرينة، فتأمّل.
ومنها: «إنّ القضيّة الوصفية لو لم تدلّ على المفهوم وانحصار التكليف بما فيه الوصف لم يكن موجب لحمل المطلق على المقيّد، حيث إنّ النكتة في هذا الحمل هي دلالة المقيّد على انحصار التكليف به وعدم ثبوته لغيره»(7).
ولكن يمكن الجواب عنه:
أوّلا: بأنّ هذا إنّما يتصوّر في ما إذا كان المطلق والمقيّد مثبتين وعلمنا بوحدة المطلوب كما في قولك: «إن ظاهرت فاعتق رقبة» و «إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة»، وأمّا إذا كان أحدهما مثبتاً والآخر نافياً كما في قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وقوله (عليه السلام): «نهى النبي عن بيع الغرر» فالمقيّد حينئذ هو نفس المنطوق وهو في المثال منطوق قوله (عليه السلام) «نهى النبي عن بيع الغرر» لا مفهومه كما لا يخفى.
وثانياً: نقول في المثبتين أيضاً: إنّ المفهوم فيهما إنّما هو لأجل قرينية وحدة الحكم التي تستكشف من وحدة الشرط (وهو «إن ظاهرت» في المثال) وإلاّ لو لم يكن الشرط واحداً ولم تعلم وحدة الحكم كما في قولك: «أكرم العلماء» و «أكرم العلماء العدول» فلا مفهوم للجملة الثانية، ولذلك لا تقيّد الاُولى بالثانية بل إنّهما من قبيل تعدّد المطلوب كما صرّح به القوم في محلّه، بل تصريحهم هذا دليل على عدم المفهوم في باب المطلق والمقيّد، وعلى أنّ فهم المفهوم في مثال «إن ظاهرت» إنّما هو من باب وجود القرينة.
فظهر ممّا ذكرنا كلّه عدم تماميّة وجه من الوجوه التي استدلّوا بها على المفهوم ، ولكن مع ذلك كلّه يستفاد من الوجه الثاني دلالة الوصف على المفهوم غالباً لكون القيد إحترازيّاً في الغالب ، فلا بدّ حينئذٍ من ملاحظة المقامات والمناسبات ، وأنّ خصوصيّة المقام هل تكون قرينة على كون القيد إحترازيّاً أو لا؟
بقي هنا امور:
الأمر الأوّل : فيما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في المقام من أنّ دلالة القضيّة على المفهوم ترتكز على أن يكون القيد فيها راجعاً إلى الحكم دون الموضوع فإن رجع إلى الحكم فلها مفهوم وإلاّ فلا ، وقد مرّ تفصيل بيانه في الوجه الثاني من الوجهين اللذين استدلّ بهما منكروا المفهوم في المقام ، وأجبنا عنه هناك ، ونقول هنا أيضاً :
الإنصاف أنّ القيود بأسرها قيود للحكم وراجعة إلى الحكم إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة ، حتّى في مثل قولنا : « في الغنم السائمة زكاة » يكون وصف « السائمة » قيداً للموضوع ( وهو الغنم ) بلحاظ الحكم لأنّ الموضوع المفرد من دون تعلّق حكم عليه لا معنى لتقييده بقيد ، هذا أوّلاً.
وثانياً : ليس رجوع القيد إلى الحكم تمام الملاك للدلالة على المفهوم ( كما مرّ بيانه ) لأنّ لتقييده دواعياً مختلفة لا تنحصر في نفي الحكم عن الغير كأن يكون مورد الوصف محلاً لابتلاء المتكلّم فعلاً ونحوه.
الأمر الثاني : أنّ الأوصاف الغالبيّة ليس لها مفهوم حتّى بناءً على القول بمفهوم الوصف ، نظير وصف « في حجوركم » في قوله تعالى : {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] فإنّه قيد غالبي ورد في الآية ( بلحاظ أنّ الغالب في النساء اللاتي يردن النكاح أن تكون ربائبهنّ في حجورهنّ ومصاحبة معهنّ ، لصغر سنّهن ولم يأت وقت نكاحهنّ حتّى يحصل الفراق بينهنّ وبين امّهاتهنّ ، ولو كنّ مستعدّات للنكاح كانت امّهاتهنّ خارجات عن هذا الاستعداد ) والقيود الغالبيّة قيود توضيحية تصدر من المتكلّم من باب التوضيح والتفسير ، فلا تلزم لغويّة الوصف إن قلنا بعدم دلالتها على المفهوم ، ولا تجري فيها قاعدة إحترازيّة القيود.
نعم القيد الوارد في الآية ـ مضافاً إلى صدوره لأجل التوضيح ـ توجد فيه نكتة اخرى ، وهي الإشارة إلى أنّ حكمة حرمة نكاح الربائب تربيتهنّ ونشوئهنّ في حجوركم ، فلا ينبغي أن يتزوّج الرجل بمن عاشت وكبرت في حجره وكانت بمنزلة بناته في الواقع.
ولكن مع ذلك فهذه النكتة جارية في غالب موارد جعل الحكم بحرمة النكاح بنحو العموم ، فيعمّ الربائب اللاتي لَسْنَ في حجورهم فتكون من قبيل الحكمة لا العلّة.
الأمر الثالث : إنّ الوصف تارةً يكون مساوياً لموصوفه كقولنا : « أكرم إنساناً ضاحكاً » واخرى يكون أعمّ منه مطلقاً كقولنا : « أكرم إنساناً ماشياً » وثالثة يكون أخصّ منه كذلك ، كقولنا : « أضف إنساناً عالماً » ورابعة يكون أعمّ منه من وجه كقوله عليه السلام : « في الغنم السائمة زكاة ».
ولا إشكال في خروج الأوّل والثاني عن محلّ البحث لأنّ الوصف فيهما لا يوجب تقييداً للموصوف حتّى يكون له دلالة على المفهوم كما لا يخفى.
وأمّا الثالث فلا إشكال في دخوله في محلّ الكلام لأنّ انتفائه لا يوجب انتفاء الموصوف بل الموصوف باقٍ على حاله فيبحث حينئذٍ في انتفاء الحكم عنه بانتفاء وصفه وعدمه.
وأمّا الرابع فهو أيضاً داخل في محلّ النزاع ، إلاّ أنّه يدلّ على المفهوم ( على القول به ) بالنسبة إلى خصوص ذات الموضوع المذكور في القضيّة ، ففي المثال المزبور يدلّ على أنّه لا زكاة في الغنم المعلومة ، أمّا بالنسبة إلى غير هذا الموضوع فلا يدلّ على انتفاء الحكم عنه ، فلا يدلّ على انتفاء الزّكاة في البقر المعلوفة مثلاً كما نسب إلى بعض الشافعيّة ، إلاّ أن يقال : إنّ المستفاد من الحديث إنّ السوم علّة منحصرة للزكاة بالنسبة إلى جميع الحيوانات ، وذكر الغنم إنّما يكون بعنوان المثال ، لكن أنّى لنا بإثبات ذلك.
ثمّ إنّه تنبغي الإشارة هنا إلى نكتة فقهيّة ، وهي أنّ الملاك في زكاة الغنم ليس هو خصوص كونها سائمة كما هو المعروف ، بل المستفاد من الأخبار أنّ المعيار عدم كونها من العوامل ، وأمّا ذكر وصف السائمة في بعض الرّوايات فإنّه للملازمة الخارجيّة العرفيّة بينها وبين عدم كونها من العوامل في عرف ذلك الزمان ، فكونها سائمة من اللوازم القهريّة لعدم كونها عوامل، لعدم الداعي حينئذٍ عادةً على إبقائها في بيوتها بل إنّها تسرح في مرجها وتسام إذا ساعدت الظروف ، وقد ذكرنا في تعليقتنا على العروة مؤيّدات عديدة لذلك فراجع (8).
الأمر الرابع : إنّ المراد من الوصف في ما نحن فيه أعمّ من الوصف الاصولي والوصف النحوي ، فهو عبارة عن كلّ ما صار قيداً للحكم في الكلام ، فيعمّ الحال إذا صار قيداً للحكم كقولك : « من جاءك ذاكراً فأكرمه » كما يعمّ ما يكون ظرفاً للحكم كقولك : « أكرم زيداً يوم الجمعة » فتأمّل.
إلى هنا تمّ الكلام في مفهوم الوصف ، وقد ظهر منه عدم إمكان المساعدة على دلالة الوصف على المفهوم في جميع الموارد ، وإن كان لا يمكن إنكاره أيضاً مطلقاً ، فإنّ القيود والأوصاف كثيراً مّا ترد في مقام الإحتراز ، والقرائن الحاليّة والمقاميّة تدلّ عليه.
بل قد يقال : إنّ الأصل في كلّ قيد هو كونه إحترازيّاً ، وإمّا الإتيان بالقيود لمقاصد اخرى مثل كونه محلاً للابتلاء أو قيداً غالبياً أو شبه ذلك فإنّها خلاف الأصل ، وحينئذٍ يستفاد المفهوم من هذه القيود حتّى في غير الأوصاف من القيود الزمانيّة والمكانيّة وغيرهما ( بناءً على عدم شمول الوصف بمعناه الأعمّ لهذه القيود ) من دون فرق بين أن يكون الوصف معتمداً على الموصوف أو لا يكون ، فإنّه أيضاً يرجع إلى التقييد ويكون الأصل فيه الإحتراز ، فلا فرق بين أن يقول المولى : « إن ظاهرت أكرم رجلاً عالماً » أو « أكرم عالماً ».
وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من التأمّل في كلّ مقام ، وملاحظة ما يقتضيه ، وإيّاك أن ترفض مفهوم الوصف والقيود كلّها فإنّه خطأ محض ، والله العالم بحقائق الامور.
__________________
1. أجود التقريرات: ج1، ص433 ـ 434.
2. راجع تهذيب الاُصول: ج 1، ص 362، من طبع مهر.
3. المطل هو التأخير في أداء الدَين فإذا كان المديون غنيّاً وأخّر أداء دَينه فقد ظلم.
4. اللّي بمعنى التأخير في أداء الدَين، فإذا كان المديون واجداً وأخّر أداء دَينه جازت عقوبته وتوبيخه.
5. أجود التقريرات: ج1، ص434 ـ 435.
6. سنن أبي داود: ج3، ص313; الوسائل: ج13، الباب 8، من أبواب الدين، ح4.
7. نقله في المحاضرات: ج5، ص131.
8. راجع تعليقات الاستاذ دام ظلّه على العروة الوثقى : ج 1 ، ص 330.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|