أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
2386
التاريخ: 14-3-2022
1939
التاريخ: 22-8-2020
2750
التاريخ: 2024-03-17
798
|
كل ما يلقى العبد في الدنيا ، و ما يوافق هواه ، أو لا يوافقه ، بل يكرهه ، و هو في كل منهما محتاج إلى الصبر.
اذ ما يوافق هواه ، كالصحة الجسمية ، و اتساع الأسباب الدنيوية ، و نيل الجاه و المال ، و كثرة الأولاد و الاتباع ، لو لم يصبر عليه ، و لم يضبط نفسه عن الانهماك فيه و الاغترار به أدركه الطغيان و البطر, {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق : 6، 7] , و قال بعض الأكابر : «البلاء يصبر عليه المؤمن ، و العوافي لا يصبر عليها الا الصديق» , و قال بعض العرفاء : «الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء» , و لذا لما توسعت الدنيا على الصحابة و زال عنهم ضيق المعاش ، قالوا : «ابتلينا بفتنة الضراء فصبرنا ، و ابتلينا بفتنة السراء فلا نقدر على الصبر عليها» , و من هنا قال اللّه سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون : 9] , و قال : {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} [التغابن : 14].
ومعنى الصبر على متاع الدنيا : ألا يركن إليه ، و يعلم أنه مستودع عنده ، وعن قريب يسترجع عنه ، فلا ينهمك في التنعم و التلذذ ، و لا يتفاخر به على فاقده من اخوانه المؤمنين ، و يرعى حقوق اللّه في ماله بالانفاق ، و في بدنه ببذل المعونة للخلق ، و في منصبه بإعانة المظلومين و كذلك في سائر ما أنعم اللّه به عليه.
والسر في كون الصبر عليها أشد من الصبر على البلاء : انه ليس مجبورا على ترك ملاذ الدنيا بل له القدرة و التمكن على التمتع بها ، بخلاف البلاء ، فانه مجبور عليه ، و لا يقدر على دفعه فالصبر عليه أسهل , ولذا ترى أن الجائع إذا لم يقدر على الطعام أقدر على الصبر منه إذا قدر عليه.
و أما ما لا يوافق هواه و طبعه ، فله ثلاثة اقسام :
الأول - ما يكون مقدورا للعبد ، كالطاعات و المعاصي , أما الطاعة ، فالصبر عليها شديد لأن النفس بطبعها تنفر عنها ، و تشتهي التقهر و الربوبية ، كما يأتي وجهه.
ومع ذلك يثقل عليها بعض العبادات باعتبار الكسل ، و بعضها باعتبار البخل ، و بعضها باعتبارهما ، كالحج و الجهاد ، فلا تخلو طاعة من اعتبار يشق على النفس ان تصبر عليه ، و مع ذلك يحتاج المطيع فيها إلى الصبر في حالات ثلاثة تتضاعف لأجلها الصعوبة ، إذ يحتاج إليها قبل العمل في تصحيح النية و الإخلاص ، وتطهيرها عن شوائب الرياء ، و في حالة العمل لئلا يغفل عن اللّه في اثنائه ، و لا يخل بشيء من وظائفه و آدابه ، و يستمر على ذلك إلى الفراغ و بعد الفراغ عنه ، لئلا يتطرق إليه العجب ، و لا يظهر رياء و سمعة.
والنهي عن إبطال العمل و عن إبطال الصدقات بالمن و الاذى امر بهذا القسم من الصبر , و أما المعاصي ، فلكون جميعها مما تشتهيها النفس ، فصبرها عليها شديد ، وعلى المألوفة المعتادة أشد ، إذ العادة كالطبيعة الخامسة ، و لذا ترى أن كل معصية شاعت و تكررت ثقل استنكارها ، فان الاستبعاد في مثل لبس الحرير أكثر من الاستبعاد في إطلاق اللسان طول النهار في اعراض الناس ، مع ان الغيبة أشد من الزنا ، كما نطقت به الاخبار, فإذا انضافت العادة إلى الشهوة ، ظهر جندان من جنود الشيطان على جند اللّه ، فيصعب تركها.
ثم المعصية ان كانت مما يسهل فعلها ، كان الصبر عنها أشد ، كمعاصي اللسان من الغيبة و الكذب ، و لو كانت مع ذلك مشتملة على تمام ما تقتضيه جبلة النفس من الاستعلاء و الربوبية كالكلمات التي توجب نفي الغير و القدح فيه ، و الثناء على ذاتها تصريحا أو تعريضا ، كان الصبر عنها أشد.
اذ مثل ذلك - مع كونها مما تيسر فعله و صار مألوفا معتادا - انضافت إليه شهوتان للنفس فيه : إحداهما نفي الكمال من غيرها ، و اخراهما اثباته لذاتها.
وميل النفس إلى مثل تلك المعصية في غاية الكمال ، إذ به يتم ما تقتضيه جبلتها من التوفق و العلو، فصبرها عنها في غاية الصعوبة , وقد ظهر مما ذكر : أن أكثر ما شاع و ذاع من المعاصي انما يصدر من اللسان , فينبغي لكل أحد ان يجتهد في حفظ لسانه بتقديم التروي على كلام يريد أن يتكلم به ، فان لم يكن معصية تكلم به ، و إلا تركه ، و لو لم يقدر على ذلك ، و كان لسانه خارجا عن اطاعته في المحاورات ، وجبت عليه العزلة و الانفراد و تركه التكلم مع الناس ، حتى تحصل له ملكة الاقدار على حفظه ، ثم صعوبة الصبر و سهولته لما كانت تختلف في آحاد المعاصي باختلاف داعية تلك المعاصي قوة و ضعفا ، فينبغي لكل طالب السعادة أن يعلم ان داعية نفسه الى أي معصية أشد ، فيكون سعيه في تركها أكثر, ثم حركة الخواطر باختلاج الوساوس ايسر بكثير من حركة اللسان بقبائح الكلمات ، فلا يمكن الصبر عنها أصلا إلا بأن يغلب على القلب هم آخر في الدين يستغرفه ، كمن أصبح و همومه هم واحد , و أكثر جولان الخاطر إنما يكون في فائت لا تدارك له ، او في مستقبل لا بد و ان يحصل منه ما هو مقدور, و كيف كان فهو تصور باطل ، و تضييع وقت , إذ آلة استكمال العبد قلبه ، فإذا غفل القلب في لحظة من ذكر يستفيد به انسا باللّه ، او فكر يستفيد به معرفة باللّه ، و يستفيد بالمعرفة حب اللّه ، فهو مغبون.
الثاني- ما ليس حصوله مقدورا للعبد ، و لكنه يقدر على دفعه بالتشفي ، كما لو أوذى بفعل او قول ، او جنى عليه في نفسه او ماله ، فان حصول الاذية و الجناية و ان لم يرتبط باختياره إلا انه يقدر على التشفي من المؤذي او الجاني بالانتقام منه ، و الصبر على ذلك بترك المكافاة.
وهو قد يكون واجبا ، و قد يكون فضيلة ، و هو أعلى مراتب الصبر.
و لأجل ذلك خاطب اللّه نبيه (صلى الله عليه واله) بقوله : {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف : 35] .
وبقوله : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا } [المزمل : 10] , و بقوله : {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } [الأحزاب : 48] , و قال : {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران : 186] , و قال : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل : 126].
و قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله) : «صل من قطعك ، و اعط من حرمك ، و اعف عمن ظلمك».
وروى : «أنه (صلى الله عليه واله) قسم مرة مالا ، فقال بعض الاعراب من المسلمين : هذه قسمة ما أريد بها وجه اللّه! فاخبر به رسول اللّه ، فاحمرت وجنتاه ، ثم قال : رحم اللّه أخي موسى ، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر».
الثالث- ما ليس مقدورا للعبد مطلقا ، كالمصائب و النوائب .
و الصبر عليه شديد في غاية الصعوبة ، و لا ينال إلا ببضاعة الصديقين ، و الوصول اليه يتوقف على اليقين التام.
ولذا قال النبي (صلى الله عليه واله): «أسألك من اليقين ما يهون علي مصائب الدنيا», و قال (صلى الله عليه واله) : «قال اللّه : اذا ابتليت عبدي ببلائي فصبر، و لم يشكني إلى عواده أبدلته لحما خيرا من لحمه ، و دما خيرا من دمه ، فان أبرأته أبرأته و لا ذنب له ، و ان توفيته فإلى رحمتي».
وقال (صلى الله عليه واله) : «من إجلال اللّه و معرفة حقه : ألا تشكو وجعك ، و لا تذكر مصيبتك» , و قال (صلى الله عليه واله) : «من ابتلى فصبر، و أعطى فشكر، و ظلم فغفر أولئك لهم الأمن و هم مهتدون» , و قال (صلى الله عليه واله) : «إن اللّه - تعالى- قال لجبرئيل : ما جزاء من سلبت كريمته؟ , فقال : سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا , قال : جزاؤه الخلود في داري ، و النظر إلى وجهي».
وقال داود (عليه السلام) : «يا رب! ما جزاء الحزين يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك؟
قال : جزاؤه أن ألبسه لباس الأمان ، لا انزعه عنه ابدا» , و قال لابنه سليمان (عليهما السلام): «يستدل على تقوى المؤمن بثلاث : حسن التوكل فيما لم ينل ، و حسن الرضا فيما قد نال ، و حسن الصبر في ما قد فات».
وروي : «أن من ابتلى بموت ثلاثة أولاد ، لم يرد على النار أصلا».
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|