المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

الربح والخسارة في اللعب
20-4-2016
من بركات الاجتناب عن الذنب
21-4-2020
الاعلام العلمي
18-8-2019
Acute Osteomyelitis
22-2-2016
النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأسباب النزول
2024-10-14
Andre-Louis Cholesky
26-4-2017


التجرّي  
  
594   10:42 صباحاً   التاريخ: 10-8-2016
المؤلف : تقريرا لبحث السيد الخميني - بقلم الشيخ السبحاني
الكتاب أو المصدر : تهذيب الأصول
الجزء والصفحة : ج2. ص.297
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016 536
التاريخ: 10-8-2016 1864
التاريخ: 4-9-2016 535
التاريخ: 4-9-2016 667

  والبحث فيه عن جهات :

الجهة الاُولى : في اُصولية المسألة:

ربّما يتوهّم أنّ المسألة اُصولية ; بتقريب أنّ البحث إذا وقع في أنّ ارتكاب الشيء المقطوع حرمته هل هو قبيح أو لا ، فإذا حكم بقبحه يحكم بالملازمة بحرمة عمله شرعاً ، فيصير نتيجة البحث كبرى لمسألة فرعية(1) .

وفيه أمّا أوّلاً : أنّ هذه القاعدة ـ لو تمّت ـ إنّما تصحّ في سلسلـة علل الأحكام ومبادئها ـ كالمصالح والمفاسد ـ لا في سلسلة معاليلها ـ كالإطاعة والعصيان ـ وقبح مخالفة القاطع لقطعه إنّما هي في سلسلة المعاليل والنتائج دون العلل والمقدّمات ، واختصاص القاعدة لما ذكر واضح; إذ لو كان حكم العقل بوجوب الإطاعة وحرمة العصيان كاشفاً عن حكم مولوي شرعي لزم عدم انتهاء الأحكام إلى حدّ ، ولزم تسلسل العقوبات في معصية واحدة .

وبالجملة : أنّ لازم شمول القاعدة لموارد المعاليل القول باشتمال معصية واحدة على معصيتين، والإطاعة على طاعتين : إحداهما لأجل مخالفة نهي المولى وأمره أو موافقته ، وثانيهما لأجل موافقة الأمر المستكشف من حكم العقل بإطاعة المولى أو مخالفته ، وبما أنّ العقل يحكم بوجوب إطاعة الأمر المستكشف وحرمة مخالفته كالأوّل فله إطاعة وعصيان ، وهكذا ، فلا يقف عند حدّ .

ومثله المقام ; فإنّ قبحه لا يستلزم حكماً شرعياً ; لأنّه لو كان فهو بملاك الجرأة على المولى المحقّقة في المعصية أيضاً ، فيلزم عدم تناهي الأحكام والعقوبات في التجرّي .

وأمّا ثانياً : فلأنّ المسألة الاُصولية هي الملازمة بين القبح العقلي والحرمة الشرعية ، وأمّا البحث عن أنّ التجرّي هل هو قبيح أو لا ، فهو بحث عن مبادئ المسألة الاُصولية .

ومن ذلك يظهر : عدم صحّة عدّها مسألة فقهية ; لعدم صحّة تعلّق حكم شرعي بحرمته ; لكونه على فرض صحّته بمناط الجرأة الحاصلة في المعصيـة فيلزم ما تقدّم من عدم التناهي ; وذلك لأنّ التجـرّي إذا كان حـراماً يكون مخالفـة هـذا الحرام تجرّياً حـراماً ، ومخالفة ذلك كذلك ، فلا ينتهي عـدد التجـرّي والحـرام إلى حدّ . وهـذا نظير ما يقال : إنّ الإطاعـة لو وجبت يكون إطاعة هـذا الواجب واجباً ، وهكذا .

ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر أفاد وجهاً آخر لعقد المسألة اُصولية وهو : أنّ البحث إذا وقع في أنّ الخطابات الشرعية تعمّ صورتي مصادفة القطع للواقع ومخالفته تصير المسألة اُصولية(2) .

وفيه : أنّ لازمه إدراج جلّ المسائل الفقهية في الاُصولية ; إذ قلّما يتّفق في مسألة من المسائل الفقهية أن لا يرجع البحث عن الإطلاق والعموم إلى شمولهما لبعض الموضوعات المشكوكة فيها .

والحاصل : أنّ المسألة الاُصولية هو أنّ العموم أو الإطلاق حجّة أو لا ـ مثلاًـ وأمّا البحث عن وجودهما فليس مسألة اُصولية .

ثمّ إنّه يظهر من المحقّق الخراساني امتناع تعلّق الحرمة على المقطوع به بما هو مقطوع ، وخلاصة ما أفاده في «حاشية الفرائد» و«كفايته» : أنّ الفعل المتجرّى به أو المنقاد به بما هو مقطوع الحرمة أو الوجوب لا يكون فعلاً اختيارياً ; فإنّ القاطع لا يقصده إلاّ بما قطع  أنّه عليه من العنوان الواقعي الاستقلالي ، لا بعنوانه الطارئ الآلي ، بل لا يكون غالباً بهذا العنوان ملتفتاً إليه ، فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلاً ، ومن مناطات الوجوب والحرمة شرعاً(3)؟! انتهى .

وهو بما ذكره بصدد نفي الحرمة عن الفعل المتجرّى به بما هو مقطوع ، ويستفاد منه بالملازمة حكم ما نحن بصدده ; من عدم الملاك لجعل المسألة فقهية . وأوضح مرامه في «حاشيته» بأنّ المتجرّي قد لا يصدر عنه فعل اختياري أصلاً ; لأنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع .

وفيه أوّلاً : أنّ إنكار صدور الفعل الاختياري منه واضح الإيراد ; إذ ليس الفعل الإرادي إلاّ كون الفعل مسبوقاً بالعلم والإرادة .

وثانياً : أنّ ما ذكره من عدم الالتفات إلى العلم والقطع لا يخلو عن إشكال ، لا لما ذكره بعض أعاظم العصر من أنّ الالتفات إلى العلم من أتمّ الالتفاتات(4) ; فإنّه أشبه بالخطابة ; لأنّ الضرورة قاضية بأنّ القاطع لا يتوجّه حين قطعه إلاّ إلى المقطوع به ، وليس القطع مورداً للالتفات إلاّ آلياً .

بل الإشكال فيه : أنّ العناوين المغفول عنها على قسمين : أحدهما ما لا يمكن الالتفات إليها ; ولو بالنظرة الثانية ، كعنوان النسيان والتجرّي . وثانيهما : ما يمكن الالتفات إليها كذلك ، كعنوان القصد والعلم .

فالأوّل لا يمكن اختصاص الخطاب به ، فلا يمكن أن يقال : «أيّها الناسي الجزء الفلاني افعل كذا» ; فإنّه بنفس هذا الخطاب يخرج عن العنوان ، ويندرج في العنوان المضادّ له . نعم يمكن الخطاب بالعناوين الملازمة مع وجوده .

وأمّا ما كان من قبيل الثاني فلا مانع من تعلّق الخطاب به ; فإنّ العالم بالخمر بعدما التفت إلى أنّ معلومه بما هو معلوم له حكم كذا يتوجّه بالنظرة الثانية إلى علمه توجّهاً استقلالياً وناهيك وقوع القصد وأشباهه موضوعاً للأحكام ; فإنّ قاصد الإقامة في مكان معيّن له بحسب الشرع أحكام ، مع أنّ نسبة القصد إلى المقصود كنسبة العلم إلى المعلوم .

ثمّ إنّه يظهر عن بعض أعاظم العصر وجهاً آخر ـ بل وجهين ـ لامتناع عمومية الخطاب صورة المصادفة والمخالفة ; بأن يقال : «لا تشرب معلوم الخمر» مع تعلّق خطاب بالخمر الواقعي أيضاً ، ولكن المقرّر ـ رحمه الله ـ قد خلط بينهما .

وحاصل الوجه الأوّل : أنّ تعلّق الحكم بالمقطوع به موجب لاجتماع المثلين في نظر العالم دائماً; وإن لم يلزم في الواقع ; لأنّ النسبة بين الخمر ومقطوعه هي العموم من وجه ، فيتأكّد الوجهان في صورة الاجتماع .

وحاصل الوجه الثاني : لغوية الخطاب ; لعدم صلاحية ذلك الأمر للباعثية بحيال ذاته ; لعدم افتراق العنواني ; وذلك لأنّ حكم الخمر إن كان محرّكاً فلا نحتاج لمحرّك آخر ، وإلاّ فلا ينبعث من ذلك الأمر أيضاً(5) .

ولا يخفى : أنّ في كلامه مجالاً للنظر :

أمّا الأوّل : فلأنّه لا مجال لجعل المقام من قبيل اجتماع المثلين في نظر القاطع دائماً بعدما اعترف أنّ النسبة بين العنوانين هي العموم من وجه ; فإنّ القاطع قد يرى اجتماع العنوانين عنده مع تصديقه بأنّهما عامّان من وجه ; لأنّ مقطوع الخمرية قد يكون خمراً وقد لا يكون ; ولو بالنسبة إلى سائر القاطعين . فعدم احتمال تخلّف قطعه لا يوجب اعتقاد اجتماع المثلين على العنوانين ، بل يوجب اعتقاد تصادق العنوانين حال قطعه .

أمّا الثاني : فلأنّ المراد ليس انبعاث كلّ فرد من المكلّفين من هذا الخطاب ، بل المراد انبعاث عدّة منهم ، ومن المعلوم أنّ العبد ربّما لا ينبعث عن أمر واحد ، وينبعث عن أمرين أو أكثر ; لما يرى من شدّة تبعاته وصعوبة لوازمه ; لما يرى أنّ تخلّف الأمرين يورث عقابين ، فيصير ذلك داعياً لإطاعته أو اجتنابه .

فتلخّص بما مرّ : أنّ المسألة عقلية صرفة .

الجهة الثانية : في استحقاق المتجرّي العقوبة وعدمه :

ولا يخفى : أنّ مجرّد قبحه عقلاً لا يستتبع الحرمة ; إذ لا ملازمة بين قبح شيء واستلزامه العقوبة ; فإنّ ترجيح المرجوح قبيح ولا يوجب العقاب ، وكذا كثير من القبائح العقلية أو العقلائية إذا لم يرد فيها نهي أو لم ينطبق عليها عناوين محرّمة أو لم يدرك العقل صحّة عقوبة مخالفته .

فإن قلت : يمكن ادّعاء الملازمة بين القبح والعقاب فيما إذا ارتكب قبيحاً يرجع إلى دائرة المولوية والعبودية ، ولا شكّ في أنّ ارتكاب ما لا يجوز ارتكابه العقل في تلك الدائرة ويعدّ تركه من شؤون العبودية ، يستلزم العقوبة .

قلت : غاية الأمر كون ذلك موجباً للّوم والكشف عن سوء السريرة ، وأمّا العقاب فلا ; ولهذا لم يحكم العقلاء بصحّة العقاب على مقدّمات الحرام ; زائداً على نفس الحرام ، ولا على الحرام مرّتين : تارة للتجرّي ، واُخرى للمخالفة ، كما يأتي الكلام فيه .

والالتزام بالتفكيك ; بأن يقال مع الإصابة لا يستحقّ إلاّ على المخالفة ولا ينظر إلى تجرّيه ، ومع التخلّف يستحقّ على التجرّي ; لصيرورته منظوراً فيه ، غير وجيه ; لأنّ عدم كون الشيء منظوراً فيه لا يوجب رفع القبح والاستحقاق الواقعيين .

وعلى أيّ حال : فلابدّ من لحاظ حكم العقل ; من حيث استحقاقه للعقوبة لأجل ارتكاب ذلك الفعل مستقلاًّ ، من غير قناعة على حكمه بالقبح ، كما لابدّ من لحاظه مجرّداً عن كلّ العناوين الخارجة عن ذاته ; حتّى لا يختلط الأمر .

فنقول : إنّ بين التجرّي والمعصية جهة اشتراك وجهة امتياز :

أمّا الثاني : فيمتاز التجرّي عنها في انطباق عنوان المخالفة عليها دونه ، ولا إشكال في حكم العقل بقبح مخالفة أمر المولى ونهيه مع الاختيار ، والعقلاء مطبقون على صحّة المؤاخذة على مخالفة المولى بترك ما أمره وارتكاب ما نهى عنه ، ولا ريب أنّ تمام الموضوع في التقبيح هو المخالفة فقط ، من غير نظر إلى عناوين اُخر ، كهتكه وظلمه وخروجه عن رسم العبودية إلى غير ذلك .

كما أنّها تمام الموضوع أيضاً عند العقلاء ، الذين أطبقوا على صحّة مؤاخذة المخالف ، من غير فرق فيما ذكرنا بين أن يكون نفس العمل ممّا يحكم العقل بقبحه مستقلاًّ كالفواحش ، أو لا كصوم يوم العيد والإحرام قبل الميقات .

والحاصل : أنّ العقل إذا لاحظ نفس مخالفة المولى عن اختيار يحكم بقبحه مجرّدة عن كافّة العناوين ; من الجرأة وأشباهها .

وأمّا الأوّل ـ أعني الجهة المشتركة بينهما ـ فهي الجرأة على المولى والخروج من رسم العبودية وزيّ الرقّية والعزم والبناء على العصيان وأمثالها .

وأمّا الهتك فليس من لوازم التجرّي ولا المعصية ; فإنّ مجرّد المخالفة أو التجرّي ليس عند العقلاء هتكاً للمولى وظلماً عليه .

وعند ذلك يقع البحث في أنّ التجرّي هل هو قبيح عقلاً أو لا ، وعلى فرض قبحه هل هو مستلزم للعقاب أو لا ; لما عرفت(6)  من عدم الملازمة بين كون الشيء قبيحاً وكونه مستلزماً للعقوبة .

والذي يقوى في النفس سالفاً وعاجلاً : عدم استلزامه للعقوبة ; سواء قلنا بقبحه أم لا .

والشاهد عليه : أنّه لو فرض حكم العقل بقبح التجرّي واستحقاق العقوبة عليه فليس هذا الحكم بملاك يختصّ بالتجرّي ولا يوجد في المعصية ، بل لو فرض حكمه بالقبح وصحّة المؤاخذة فلابدّ أن يكون بملاك مشترك بينه وبين المعصية ، كأحد العناوين المتقدّمة المشتركة .

ولو كانت الجهة المشتركة بينهما ملاكاً مستقلاًّ للقبح واستحقاق العقوبة لزم القول بتعدّد الاستحقاق في صورة المصادفة ; لما عرفت أنّ مخالفة المولى علّة مستقلّة للقبح والاستحقاق ، فيصير الجهـة المشتركـة ملاكاً مغايـراً موجـباً لاستحقاق آخر.

وأمّا ما أفاده بعض محقّقي العصر ـ فراراً عن الالتزام بتعدّد الاستحقاق ـ من أنّ الموضوع لحكم العقل في العصيان ليس مخالفة المولى ، بل الهتك والجرأة عليه أو العزم على العصيان أو الطغيان وغيرها ممّا هي جهات مشتركة ، وعند وحدة الملاك يصير العقاب واحداً(7) .

غير مفيد ; لما عرفت من أنّ العقل إذا جرّد النظر عن تمام القيود والملاكات ، ونظر إلى نفس ذاك العنوان ـ أعني مخالفـة المولى عن اختيار ـ لَحَكم بالقبح وصحّة العقوبة .

فلو كان هذا عنواناً مستقلاًّ وذاك ـ أعني أحد هذه العناوين المشتركة بين المقامين ـ عنواناً مستقلاًّ آخر لزم القول باستحقاق عقابين ، مع أنّ العقل والعقلاء يحكمان على خلافه ; فإنّ العاصي لا يستحقّ إلاّ عقاباً واحداً ; ل أنّه لم يرتكب إلاّ قبيحاً واحداً ; وهو ارتكاب المنهي عنه مع العمد والاختيار .

وأمّا العزم على العصيان والجرأة على المولى فهما وأشباههما من الأفعال الجنانية التي لا تستلزم إلاّ الذمّ واللوم ، ولو فرضنا قبح التجرّي فقد عرفت في صدر البحث أنّ مجرّد كونه أمراً قبيحاً لا يستلزم الاستحقاق للعقوبة .

وأمّا حديث التداخل(8) فهو لا يرجع إلى محصّل .

الجهة الثالثة : في عدم حرمة المتجرّى به :

الظاهر أنّ الفعل المتجري به لا يخرج عمّا هو عليه ، ولا يصير فعلاً قبيحاً ـ  ولو قلنا بقبح التجرّي ـ فإنّ توهّم قبحه لو كان بحسب عنوانه الواقعي فواضح الفساد ; فإنّ الفعل الخارجي ـ أعني شرب الماء ـ ليس بقبيح ; وإن كان لأجل انطباق عنوان قبيح عليه ، فليس هنا عنوان ينطبق عليه حتّى يصير لأجل ذلك الانطباق متّصفاً بالقبح ; فإنّ ما يتصوّر هنا من العناوين فإنّما هي التجرّي والطغيان والعزم وأمثالها ، ولكن التجرّي وأخويه من العناوين القائمة بالفاعل والمتّصف بالجرأة إنّما هو النفس والعمل يكشف عن كون الفاعل جريئاً ، وليس ارتكاب مقطوع الخمرية نفس الجرأة على المولى ، بل هو كاشف عن وجود المبدأ في النفس . وقس عليه الطغيان والعزم ; فإنّهما من صفات الفاعل لا الفعل الخارجي .

وأمّا الهتك والظلم فهما وإن كانا ينطبقان على الخارج إلاّ أنّك قد عرفت عدم الملازمة بينهما وبين التجرّي(9) .

فتحصّل : أنّ الفعل المتجري به باق على عنوانه الواقعي ، ولا يعرض له عنوان قبيح .

نعم ، لو قلنا بسراية القبح إلى العمل الخارجي الكاشف عن وجود هذه المبادئ في النفس فلا بأس بالقول باجتماع الحكمين لأجل اختلاف العناوين ، ولا يصير المقام من باب اجتماع الضدّين ; فإنّ امتناع اجتماع الضدّين يرتفع باختلاف المورد ، وقد وافاك بما لا مزيد عليه : أنّ مصبّ الأحكام وموضوعاتها إنّما هي العناوين والحيثيات(10) ، فلا إشكال لو قلنا بإباحة هذا الفعل ـ أعني شرب الماء ـ بما  أنّه شرب وحرمته من أجل الهتك والتجرّي والطغيان .

فالعنوانان منطبقان على مصداق خارجي ، والخارجي مصداق لكلا العنوانين ، وهما مصبّان للأحكام على ما أوضحناه في مبحث الاجتماع(11) .

وأمّا ما ربّما يقال في دفع التضادّ : من أنّ العناوين المنتزعة عـن مرتبة الـذات مقدّمة على العناوين المنتزعة عن الشيء بعدما يقع معروضة للإرادة ، فإنّ المقام مـن هـذا القبيل ، فإنّ شرب الماء ينتزع عـن مرتبـة الـذات للفعل ، وأمّا التجرّي فإنّما ينتزع عـن الذات المعروضة للإرادة . ونظير المقام الإطاعـة ; فإنّها متأخّـرة عـن ذات العمل(12) .

فغير مفيد ; لأنّ القياس مع الفارق ; فإنّ الإرادة لم تتعلّق إلاّ بإتيان ما هو مقطوع الحرمة ، والتجرّي منتزع عن إرادة إتيان ما هو مقطوع الحرمة أو منتزع من إتيانه . وإرادة إتيانه أو نفس إتيانه الذي ينتزع منهما التجرّي ليسا متأخّرين عن عنوان شرب الماء بحسب الرتبة .

والحاصل : أنّ الإرادة لم تتعلّق بشرب الماء حتّى تتأخّر عن الشرب ، ويتأخّر عنوان التجرّي عن هذه الإرادة ; تأخّر المنتزع عن منشأ انتزاعه ، وهذا بخلاف الطاعة المتأخّرة عن الإرادة والأمر ، وهما متأخّران عن عنوان الذات ; أعني الصلاة والصوم .

ثمّ إنّ القوم فتحوا هنا باباً واسعاً للبحث عن الإرادة وملاك اختياريتها واختيار الأفعال الصادرة عنها . وبما أ نّا قد استوفينا حقّ المقال فيهما عند البحث عن اتّحاد الطلب والإرادة فالأولى ترك الكلام ; روماً للاختصار(13) .

__________

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 36، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 335.

2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 37 و 50.

3 ـ كفاية الاُصول: 299، درر الفوائد، المحقّق الخراساني: 37.

4 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 45.

5 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 45 ـ 46.

6 ـ تقدّم في الصفحة 302 .

7 ـ نهاية الأفكار 3: 35 ـ 36.

8 ـ الفصول الغروية: 87 / السطر36.

9 ـ تقدّم في الصفحة 303 .

10 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 489 .

11 ـ تقدّم في الصفحة 39 .

12 ـ نهاية الأفكار 3: 32 ـ 33.

13 ـ فقد أفردنا لما أفاده سيّدنا الاُستاذ في هذه المباحث من الحقائق الراهنة والكنوز العلمية رسالة مفردة ، وعلّقنا عليها بعض التعاليق ، وهي جاهزة للطبع . [المؤلّف].




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.