أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-20
642
التاريخ: 2024-03-16
744
التاريخ: 2024-03-21
762
التاريخ: 2024-03-21
772
|
مشكلة الأثير
قبل معرفة حقيقة الضوء بزمن طويل (ماكسويل) كحالة خاصة من الإشعاع الكهرومغناطيسي كانت مشكلة كيفية انتقاله في الفراغ (الخلاء vacuum) قد قتلت بحثاً . فموجات الصوت ينجم عنها في الواقع اهتزازات vibrations عبر الهواء تتلاشى بغيابه ، ولكن كيف السبيل لتفسير انتقال ذبذبات الضوء عبر الفراغ ؟ وما هو الذي يتذبذب ؟ وللإجابة على ذلك فرض جديد بضرورة وجود وسط medium لطيف رقيق يشغل الكون بأكمله – الأثير ether . ثم برزت مشكلة استنتاج طبيعة الاثير من المعلومات الخاصة بقوانين ظواهر الضوء ، وبالعكس ، تفسير قوانين الضوء بأنموذج model ميكانيكي للأثير .
كان من السهل الإجابة على هذه الأسئلة في بداية القرن الماضي في إطار الميكانيكا المتقدمة جداً حينئذ . وتبعا لميكانيكا مراكز الكتلة التي تم شرح تصوراتها الأساسية في بداية الفصل الأول ثم وضع نظرية ميكانيكية تقترح وجود وسط مادي يملأ الفضاء ، كان هناك أساساً نظرية في الاهتزازات والموجات المرنة في الغازات والسوائل والجوامد . وفي هذا المقام لابد من التمييز بين الموجات الطولية longitudinal والمستعرضة transverse اي الموجات الموازية لاتجاه انتشار الموجة والموجات العمودية عليه على الترتيب .
وتسمح الأوساط الغازية بالموجات الطولية فقط وفيها يتعرض كل حجم صغير من الوسط الى تخلخل يعقبه تضاغط بصفة دورية ، وفي الجوامد يحدث كلا النوعين من الموجات الطولية والمستعرضة . أما موجات الضوء فقد أثبت تجارب الاستقطاب السابق ذكرها أنها موجات مستعرضة وليست أبداً موجات طولية ، ولهذا السبب إذا اعتبرنا الأثير وسطاً مادياً فلابد أن يكون صلباً ذا مقاومة لا نهائية لأي تخلخل أو تضاغط (بدون أي انضغاطية compressibility) .
كانت هذه النتيجة غريبة في إطار حقيقة حركة الكواكب خلال الأثير دون أدنى مقاومة تبعا لما تبينه الخبرة ، ولكن ذلك لم يكن نهائيا مع ما استجد من صعاب أخرى كثيرة . على أي الحالات لا توجد فكرة واحدة جديدة ملموسة أو اقتراح بتجربة يؤدي لنتائج جديدة رغم كل ما تم اجراؤه من تجارب مضنية عل الأنموذج الميكانيكي للأثير .
أدى تصنيف ماكسويل لظواهر الضوء في الإطار الشامل للعمليات الكهرومغناطيسية الى موقف متغير تماماً ، ولم ينجم عن ذلك معرفة علاقات جديدة كلية بين الضوء والظواهر الفيزيائية وغيرها من الاطرادات regularities فسحب ، بل نشأ أيضا اتجاه معنوي بشأن هذه المشكلات . لقد نجح ماكسويل في وضع اطراد للموجات الكهرومغناطيسية – ومنها الضوء – بكمال ووضوح رياضي لا يقل في مستواه عن قانون نيوتن في الجاذبية ، وكان بمقدوره أن يقول كما قال نيوتن (نحن لا نضع فروضاً Hypotheses non fingo) ، فمن خلال قانون نيوتن أمكن الإجابة على التساؤلات الخاصة بحركة الكواكب والأقمار المذنبات ... إلخ دون الحاجة لصياغة أو تفسير أكثر كمالاً لهذا القانون . وكذلك أمكن بقانون ماكسويل الإجابة بدقة على جميع التساؤلات في دائرة صلاحية نظرية وعلى نحو مستقل عن التفسير الميكانيكي للأثير .
ولم يتبع ماكسويل نفسه مبدأ (نحن لا نضع فروضاً) بصورة مطلقة ، ولكنه بحث الأمور من كل أطرافها كي يحصل على نظرية الأثير الميكانيكي ، ولكن محصلة أعماله كانت تشير الى شيء آخر مخالف تماماً ، وحفزت اكتشافاته المزيد – والمزيد من الفيزيائيين على اعتبار مشكلة أنموذج الأثير الميكانيكي كلها مشكلة لا طائل منها ولا لزوم لها ، لأنه إذا أمكن التنبؤ بنتيجة أي تجربة معقولة في مجال الإلكتروديناميكا تجعلها مفهومة رياضيا على نحو حركات نظام الكواكب – فما هي حاجتنا لأكثر من ذلك إذن ؟
إن منهج التفكير الذي تمارسه الفلسفة المادية لم يقاوم وحده الاعتراف بقانون نيوتن (او كولوم) كقانون أولى غير قابل للاشتقاق ، بل كذلك فعلت الغريزة (الفطرة) instinct الفيزيائية التي تعلمت من الطبيعة عمق اهمية القوانين الفيزيائية لمبدأ (مجال القوة) في مقابل مبدأ (الفعل عن بعد) . ولم يبق سوى حجة عكسية واحدة من جانب الفلسفة المادية التقليدية تخالف نظرية ماكسويل التي اعتمدت على فكرة (مجال القوة) وأوضحتها بتحليل رياضي دقيق . تذهب الفلسفة المادية الى أن القوانين المادية وحدها مؤيدة من ضغوط الذرات وتصادماتها هي قوانين طبيعية صحيحة ونهائية ، ولذلك يؤدي اختزال الظواهر الطبيعية الى النموذج الميكانيكي الى (تفسير explanation) حقيقي ، و (فهم understanding) حقيقي و (اعتراف recognition) حقيقي بوجود الأشياء .
ومنذ ظهرت نظرية ماكسويل كمجرد وصف للعمليات الكهرومغناطيسية دون محاولة حقيقية لتفسير قوانينها ، فلابد أنها نالت إعجاب مؤيدي التفسير الميكانيكي للطبيعة عندما بدأ كيرشوف Kirchoff محاضرته عام 1876 في علم الميكانيكا بعبارته الشهيرة بأن مهمة الميكانيكا هي (تفسيرها ما يجرى في الطبيعة من حركات تفسيراً كاملاً بأبسط الطرق) ، معبراً . بذلك عن اتجاه فكري سبق أن فسره إرنست ماخ Ernst Mach تفسيراً جيداً وأيده فيما يعرف باسم (الوضعية Positivism) * الفيزيائية وأوضحت هذه الإشارة أن الهدف الأساسي للميكانيكا هو مجرد وصف للأحداث الميكانيكية وهي لا تؤدي بنا الى (فهم) (جوهر essence) الظواهر الميكانيكية – لقد جردت هذه الإشارة دفاع المعنى الميكانيكي للأُثير من آخر سلاح لديه . ولما اتضح أن التصديق للقوانين الميكانيكية بتقدير خاص يعتمد فقط على العادة habit اختفى كل اتجاه لاعتبار القوانين الميكانيكية مثل إلكتروديناميكا ماكسويل قوانين أساسية ، ومن وقتها بات انتصار نظرية ماكسويل على النظرية الميكانيكية للأثير – وعلى العكس ترجع الفيزياء الحديثة الميكانيكا الى الالكترديناميكا – مرهوناً بحركة مؤثرة من الاتجاه الفلسفي للدراسات الفيزيائية . وتتميز الطريقة الجديدة بأنها بديل جذري للطريقة القديمة إذ أنها تلفظ ما سبق اعتباره هدفاً حقيقياً للبحث الفيزيائي ، أي الغوص في لب العلميات الفيزيائية الطبيعية وكشف النقاب عن مظهرها الخارجي ، سواء بالمعنى المبهم او في إطار معاني الفلسفة المادية . وعلى النقيض من ذلك فقد حددنا هدفاً أبسط بكثير بما نعلمه من قدرتنا على تحقيق هدفنا النهائي بحصولنا فقط على بيانات جديدة من التجارب وبما يدعم التنبؤ بنتائجها مستقبلا عن طريق الوصف الرياضي للحتم determination التجريبي الذي تجرد به القرائح الفذة لدى العلماء النظريين Theoreticians .
____________________________
* يراعى عدم الخلط بين التصور المعنوي والتصور الفيزيائي (للوضعية) .
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|