أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-10-2021
2856
التاريخ: 18-12-2021
1366
التاريخ: 8-1-2022
2731
التاريخ: 15-1-2022
1574
|
تشكل المسطحات المائية أنهارا وبحيرات وبحارا عقبات طبيعية أمام الاتصالات البرية المعتادة، ويلزم وجود وسيلة خاصة لعبورها قوارب وسفن وجسور وبذلك فإنها في الحقيقة نوع من أنواع الحدود الاستراتيجية المانعة، ولكن الأنهار والبحيرات مشكلات خاصة تختلف عن البحار والمحيطات، ومن ثم يجب التفريق بينهما.
(أ) الأنهار والبحيرات:
منذ القدم كانت الأنهار تعد عائقا طبيعيا تستقر بموازاته الحدود الاستراتيجية للدول مثل الراين قديما (الرومان) وحديثا (فرنسا وألمانيا وسويسرا)، وريوجراندا بين الولايات المتحدة والمكسيك، وآمور بين الصين والاتحاد السوفيتي، والكنغو بين زائيري وجمهورية كنغو برازافيل، والزمبيزي بين روديسيا وزامبيا، وأوروجواي بين الأرجنتين من ناحية وأورجواي والبرازيل من ناحية أخرى.
وهنا يجب أن نميز بين الحدود الطبيعية والاستراتيجية، فالنهر كمسطح مائي عقبة استراتيجية ومن ثم يصبح حدا عسكريا ملائما، ولكنه ليس حدا طبيعيا في كل الحالات، ويعتمد ذلك على نوع النهر: هل يجري في سهل أو واد واسع أم في منطقة وعرة أو أخدودية؟ هل هو نهر عريض هادئ أم ضيق متدفق التيار؟ هل هو دائم الجريان أم موسمي المياه؟ هل يغير مجراه أم هو ثابت المجرى؟ وعلى ضوء تحديد النهر في أجزائه المختلفة يمكننا أن نقول في النهاية هل هو حدود اتصال أم انفصال.
إن النهر في أجزائه العليا غالبا غير صالح لتحديد خط سياسي طبيعي؛ لأنه يكون مجموعة من الروافد الصغيرة المنحدرة سريعا والمتأثرة كثيرا بالأمطار أو الثلوج أو الينابيع، وفوق هذا فإنه يجري فوق منطقة مرتفعة مضرسة غالبا هي في حد ذاتها منطقة انتقال حدية واسعة، ولهذا فإن الغالب أن مسارات الأنهار في مجاريها الوسطى والدنيا حيث يتحدد النهر في مجرى واحد هي الأجزاء التي يمكن أن تتخذ حدودا استراتيجية، وهي بالفعل كذلك تاريخيا، فالراين ليس الحد السياسي بين النمسا وسويسرا في مجراه الأعلى إلا عند قرب دخوله بحيرة بودن كونستانزة وبعدما ينتظم جريان مائية النهر منذ خروجه من تلك البحيرة نجده يكون في معظمه الحد التاريخي بين سويسرا وألمانيا، وبين ألمانيا وفرنسا.
والدانوب لا يكون حدا سياسيا في مجراه الأعلى، فهو لم يكن الحد الشمالي لمملكة بافاريا قديما، ويجري عبر المائيات الجنوبية حاليا، وهو يخترق شمال النمسا دون أن يصبح حدا سياسيا خارجيا أو إداريا، ويكون جزءا من حدود المجر وتشيكوسلوفاكيا، وجزءا آخر من حدود رومانيا من جانب ويوجسلافيا وبلغاريا من جانب آخر، وأخيرا يكون في دلتاه جزءا من حدود رومانيا والاتحاد السوفيتي.
وبعض الأنهار تغير مساراتها في أجزاء محددة وأخرى في أجزاء واسعة، ومن الأمثلة على ذلك أن بلدة برايزاخ القديمة على الراين الأوسط في إقليم بادن الألماني كانت أصلا على الضفة اليسرى للنهر؛ أي داخل إقليم الألزاس حتى القرن السادس عشر، ثم غير النهر مجراه فأصبحت على الضفة اليمنى فدخلت بذلك في الجانب الألماني، وفيما
بين سويسرا والنمسا غير الراين مجراه بعد عام ١٨٩٢ ، ولكن الدولتين اتفقتا على إبقاء الحدود بين البلدين على أساس المجرى القديم، وقد اتفق مؤتمر فيينا ١٨١٥ بعد الحروب النابليونية على اتخاذ مجاري الأنهار حدودا، لكن أحدا في هذا المؤتمر لم ينتبه إلى ظاهرة تغيير مجاري الأنهار. وإذا كانت هذه الحالة المقترنة بالتغيير البسيط في مجاري الأنهار، فماذا تكون الحالة لو كان الأمر يرتبط بتغيرات عديدة واسعة المدى.
كانت الحدود الأمريكية المكسيكية المرتبطة بمسار نهر ريوجراندا مشكلة من مشاكل تغير مجرى النهر، وتوضح الخريطة (1) جزءا من مسار النهر عند مدينة البازو الأمريكية، وكيف تغير المجرى مرات عديدة سنوات ١٩٣٠ ،١٨٨٩ ،١٨٥٢ ، وما هذه الخريطة إلا نموذج للتغيير الذي كان يكتنف مسار النهر كله، وبطبيعة الحال كان خط الحدود يتغير مع مسار النهر ويطول أو يقصر مع كثرة الثنيات المستحدثة، ولهذا قررت الحكومة الأمريكية في عام ١٩٣٣ إنشاء هيئة لضبط فيضان ريوجواندا وتقصير المسار بحفر مجرى مستقيم عند الثنيات، وبذلك تقصر أطوال الحدود التي ثبتت في وسط المجرى العميق، وفي عام ١٩٦٣ تنازلت الولايات المتحدة عن مساحة قدرها ٤٣٧ فدانا إلى المكسيك كانت في جنوب النهر حتى عام ١٨٦٤ ثم أصبحت شماله بعد أن غير النهر مجراه.
وإذا تصورنا أن حدا سياسيا كان يرتبط بمسار هوانجهو في شمال الصين، فإن تغير مسار النهر في مجراه الأدنى كان سيؤدي إلى كارثة سياسية؛ لأنه كان يبتعد عدة مئات من الكيلومترات في بعض السنوات عن مساره الأول (انظر الخريطة 2 )، وقد أمكن في الوقت الحاضر ضبط مسار النهر على النحو الظاهر في الخرائط ليس تجنبا للكوارث السياسية، وإنما للكوارث الاقتصادية والسكانية الهائلة التي كانت تحدث بصفة مستمرة.
وإلى جانب التغيرات التي تحدث في مسارات الأنهار، فإن هناك مشكلة أخطر، فالغالب أن أودية الأنهار في مساراتها الوسطى والدنيا هي مناطق عامرة بالسكان على كلا جانبي النهر، وغالبا ما يرتبط العمران بعضه بالبعض الآخر وترتبط المصالح الاقتصادية بين سكان الضفتين، ويصبح النهر وسيلة للربط والاتصال بدلا من الفصل، ويترتب على ذلك في غالبية الأحوال أن تصبح مناطق الأودية النهرية من عوامل تكوين حضاري اقتصادي متشابه، فإذا ما جرى الحد السياسي وسط هذه المنطقة الحضارية الواحدة فإن ذلك لمما يؤسف له.
وبرغم كل هذه العيوب نجد أن الأنهار كثيرا ما تتخذ حدودا سياسية من أجل الراحة والتسهيل السياسي، مثال ذلك أن القوى الاستعمارية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية قد استخدمت الأنهار بكثرة لتحديد مناطق النفوذ؛ لأنها ظاهرات طبيعية موجودة وواضحة، ومن ثم كان يسيرا على هذه القوى أن تتفق فيما بينها على حدود لا تخطئها العين، ولكن مثل هذه الحدود سببت كثيرا من التفرقة بين المجتمعات فقسمتها بين نوعين من الاستعمار، كما هو الحال حينما وجد الباكونجو أنفسهم مقسمين إلى ثلاث تبعيات استعمارية: البرتغال في أنجولا وكانبدا، والبلجيكيون في زائيري الحالية، والفرنسيون في كنغو برازافيل.
ولا شك في أن مسار النهر يصبح حدا سياسيا جيدا إذا ما تصادف أنه حد لغوي أو إثنولوجي، ولكن ذلك قليل مثل حدود البلغار والرومان على جانبي الدانوب، ولهذا تلجأ الدول التي تصل بحدودها إلى نهر ما إلى محاكاة التطور الحضاري البطيء بأسلوب سريع، ذلك هو تهجير السكان الأصليين من مواطنهم وتوطين أبناء الدولة محلهم، وبذلك يصبح مسار النهر مرتبطا بالحد السياسي والقومي، مثال ذلك إعادة توطين الأتراك واليونانيين شرق وغرب نهر مارتيزا بعد أن هزمت تركيا في الحرب العالمية الأولى وقرر الحلفاء مد حدود اليونان في تراقيا إلى ذلك النهر، ومثل ذلك تهجير الألمان من معظم المنطقة التي تقع شرق الأودر ورافده نيسه بعد الحرب العالمية الثانية وتوسيع حدود بولندا غربا إلى مسار هذا النهر.
وفي بعض الأحيان تتخذ البحيرات أجزاء من مسارات الحدود، وتعد سويسرا بين الدول القليلة التي تمتد أطوال كثيرة من حدودها في البحيرات: بحيرة بودن بين النمسا وسويسرا وألمانيا، بحيرة أيان بين فرنسا وسويسرا، وبحيرتا ماجوري ولوجانو بين سويسرا وإيطاليا.
وتمتد الحدود الكندية الأمريكية في جزء منها بطول البحيرات العظمى كلها عدا بحيرة مشجان، وفي أفريقيا تماثل أوغندا سويسرا؛ فهناك حدودها الطويلة على بحيرة فكتوريا وبحيرتي إدوارد وألبرت. وتمتد الحدود التانزانية بأطوال كبيرة داخل بحيرات فكتوريا وتنجانيقا ونياسا، والأمثلة كثيرة في أفريقيا (تشاد – نياسا – بنجويلو … إلخ)، وبرغم أن البحيرات أصلح من الأنهار كحدود سياسية، بحكم اتساع مسطحها كما وأن معظمها يقع في مناطق جبلية وعرة، إلا أن لها مشاكلها الأخرى، فتقسيم البحيرات بين وحدات سياسية غالبا ما يحرم الدول من القيام بأعمال هندسية كبناء السدود ورفع مستوى المياه من أجل توليد الطاقة إلا باتفاقات مسبقة، وكذلك لا يمكن استغلال الثروة السمكية أو المعدنية إن وجدت إلا باتفاقات مسبقة أيضا، وفضلا عن ذلك فإن البحيرات تكون مجالا للتهريب — البضائع والأشخاص لا يسهل التحكم فيه.
(ب) سواحل البحار والحدود السياسية:
تشكل السواحل البحرية خطوطا طبيعية مناسبة لامتدادات السيادة القومية للدول، ربما هي أكثر وضوحا وتحددا من الجبال والأنهار، فساحل البحر، ولو أنه في حد ذاته منطقة انتقالية طبيعية وليس خطا فاصلا، إلا أنه في الواقع يفصل فصلا واضحا بين نوعين منفصلين من البيئة: اليابس الأرضي والمسطح المائي المالح، أما الجبال فهي ظاهرة تضاريسية انتقالية عريضة داخل اليابس، ولا تختلف عن اليابس في تكوينها، إنما الاختلاف يكمن في ارتفاع مناسيبها عن الأرض المحيطة بصورة تدريجية أو شبه فجائية، والأنهار مجار مائية محدودة العرض تحتل مناطق ذات مناسيب منخفضة نسبيا عن الأرض المحيطة، وغالبا ما يكون الانخفاض تدريجيا بحيث تكون أودية الأنهار نطاقات انتقالية تدريجية في الظاهرات الجغرافية الطبيعية والبشرية، أما البحار فهي تكون فعلا مناطق انقطاع تامة بين إيكولوجيتين مختلفتين تماما: الحياة الأرضية حيث يعيش الإنسان وتتكون الدول والقوميات، والحياة البحرية حيث لا يعيش الإنسان إلا انتقاليا لفترات محدودة جدا من العمر.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|