أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-11-2015
7899
التاريخ: 8-11-2014
7749
التاريخ: 24-09-2014
8460
التاريخ: 24-09-2014
8419
|
شبهة - ذكروا حول هذا الموضوع قصّة عرفت ب «قصّة الغرانيق»، هذه القصّة تقول : إنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله كان مشغولًا بقراءة سورة «النجم» أمام المشركين، فوصل إلى هذه الآية :
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } [النجم : 19، 20] وفي هذه الأثناء أجرى الشيطان على لسانه هاتين الجملتين : «تِلْكَ الْغَرانِيْقُ الْعُلى وَانَّ شَفاعَتُهُنَّ لَتُرْتَجى» «1» فابتهج المشركون لسماعهم هاتين الجملتين، وقالوا : لم يذكر «محمّد» آلهتنا بخير إلى الآن أبداً، فسجد النبي وسجدوا معه أيضاً في تلك الحال، بعد ذلك تفرّق مشركو قريش فرحين، فلم يمض وقت حتّى نزل جبرائيل وأخبر النبي قائلًا : إنّي لم آتِك بهاتين الجملتين أبداً!، إنّه من القاء الشيطان!! ونزل بالآية : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحج : 52] كما حذّر النبي والمؤمنين أيضاً من هذا الشيء «2».
مع هذا الحديث تكون عصمة الأنبياء حتّى في تلقّي الوحي، معرّضة للخطر والإعتماد عليها غير ثابت.
الجواب :
في البداية يجب فصل نصّ الآية عن الروايات الموضوعة التي حيكت حولها ولننظر إلى ما تقول، ثمّ نتعرّض لنقد وتحقيق الروايات :
من المحقّق أنّ هذه الآية وبقطع النظر عن الهوامش المصطنعة، لا تخدش عصمة الأنبياء فحسب، بل تعدّ من الأدلّة على عصمتهم أيضاً : إذ يقول : حينما يتمنّى الأنبياء امنية صالحة ( «الامنية» تطلق على كلّ أنواع الأمل والرجاء، لكنّها هنا تعني البعد الايجابي البنّاء لتحقيق أهداف الأنبياء، لأنّها لو لم تكن ذات بعد إيجابي لما ألقى فيها الشيطان إلقاءاته)، كان الشيطان ينقض عليهم ويلقي القاءاته لكن اللَّه كان يبطلها على الفور، ويحكم آياته قبل أن تترك تلك الوساوس أثرها السيء على إرادة الأنبياء وتصرّفاتهم.
(لا يخفى أنّ «الفاء» في (فينسخ اللَّه) إشارة إلى الترتيب المتصل، أي أنّ اللَّه كان ينسخ ويزيل القاءات الشيطان مباشرة)، الدليل على هذا الكلام هو آيات القرآن الأخرى التي تقول بصراحة : {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا}. (الإسراء/ 74)
نظراً إلى أنّ الآية (73) : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} من نفس سورة الإسراء والتي سبقت هذه الآية، تبيّن أنّ الكفّار والمشركين كانوا يسعون بوساوسهم إلى حرف النبي الأكرم صلى الله عليه و آله عن الوحي السماوي، فيتّضح أنّ اللَّه تعالى لم يدع لهم المجال أبداً ليفلحوا بوساوسهم تلك (تأمّل جيّداً).
كما نقرأ أيضاً : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} (النساء/ 113).
هذه كلّها تبيّن أنّ اللَّه قد حفظ نبي الإسلام من كلّ أنواع الإنحراف ولم يفسح المجال أبداً بمنّه وفضله من نفوذ وساوس شياطين الإنس والجنّ إليه.
هذا كلّه فيما لو حملنا «الامنية» على «الغاية» أو «الخطّة» أو «الشروع» (لأنّ جذور هذه الكلمة الأصيلة تعود إلى «التقدير والتصوّر والفرض»).
لكن لو حملنا «الامنية» على التلاوة، كما احتمله معظم المفسّرين، بل وحتّى استشهدوا ببعض أشعار «حسّان بن ثابت» لإثبات هذا المدّعى «3».
كما أنّ الفخر الرازي قال في تفسيره : فالحاصل من هذا البحث أنّ الامنية إمّا القراءة وإمّا الخاطر «4».
ففي هذه الصورة سيكون مفهوم الآية هو أنّ الأنبياء الإلهيين، عندما كانوا يقرأون آيات اللَّه ومواعظه أمام الكفّار والمشركين كان الشياطين يلقون وساوسهم وسمومهم بين ثنايا كلماتهم لإغفال الناس، بالضبط كما طبّقوا هذا الشيء في حقّ نبي الإسلام صلى الله عليه و آله أيضاً، أي كما نقرأ في قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَاتَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (فصلت/ 26).
طبقاً لهذا المعنى يتّضح مفهوم الآية التي بعدها أيضاً والتي تقول : {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ} (الحجّ/ 53).
كما أنّ من المتعارف اليوم أيضاً أنّه حينما يشرع مصلحو المجتمعات البشرية، بإلقاء خطبهم البنّاءة وسط جمهور من الناس يسعى المنحرفون الذين في قلوبهم مرض، إلى محو آثار تلك الخطب بالقيل والقال والشعارات الفارغة والتعابير الشيطانية التافهة.
وهذا في الحقيقة اختبار لأفراد المجتمع، وهنا ينحرف المرضى القاسية قلوبهم عن طريق الحقّ، في حين يزداد إيمان المؤمنين شيئاً فشيئاً بحقّانية الأنبياء، والتمسّك بدعوتهم {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ}.
لكن تفسير الآية طبقاً للمعنى الأخير لا يخلو من إشكال، لأنّ الإلقاءات الشيطانية في نفوس الأنبياء عليهم السلام مهما كانت تنسخ وتزال بالإمدادات الإلهيّة على الفور، لكنّها لا يمكنها أن تكون أساساً لاختبار المنافقين والذين في قلوبهم مرض لبداهة عدم تحقّق وجود خارجي لهذه الوساوس، إنّما هي القاءات عابرة في نفوس الأنبياء.
إلّا أن يقال بأنّ المراد هو أنّه حينما يريد الأنبياء الإلهيون تجسيد (امنياتهم وخططهم) وتنفيذها في الخارج، يشرع الشياطين بتحطيمها وإلقاء السموم والوساوس عليها، وهنا تتجسّد ساحة الإختبار الساخنة، وطبقاً لهذا البيان فالإنسجام والإرتباط بين الآيات الثلاث (الحجّ/ 52 و 53 و 54) محفوظ وقائم.
العجيب أنّ بعض المفسّرين ذكروا للآية الاولى احتمالات وتفاسير مختلفة دون الحفاظ على انسجامها مع الآيتين اللتين تليانها (تأمّل جيّداً).
على أيّة حال نستنتج من مجموع ما تقدم عدم وجود ما ينفي مسألة عصمة الأنبياء من الخطأ والانحراف في الآية مورد البحث، بل هي على العكس من ذلك تؤكّد على هذه المسألة لأنّها تقول إنّ اللَّه يحفظ أنبياءه من القاءات الشيطان حين تلقّي الوحي أو التصميم على إنجاز أعمال أخرى.
والآن يجب أن نلتفت إلى الروايات والأساطير التي ذكرت في هذا القسم، والتي دفعت بالبعض من شياطين الإنس في الآونة الأخيرة إلى تأليف كتاب «الآيات الشيطانية»، أملًا في إيجاد الفتنة وإلقاء السموم والشبهات حول سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، لنعرف ما قيمة مثل هذه الروايات والأساطير؟
نقد الروايات المرتبطة بأسطورة الغرانيق :
كما تقدّم القول إنّ الآيات السابقة لا تحتوي على ما يتنافى وعصمة الأنبياء، بل هي على العكس دليل على عصمتهم، لكن هناك قضايا عجيبة جدّاً يمكن مشاهدتها في الروايات المذكورة في بعض مصادر أهل السنّة من الدرجة الثانية والتي ينبغي التحقيق فيها على انفراد، هذه الروايات التي ذكرناها في بداية البحث، منقولة تارةً عن ابن عبّاس وأخرى عن سعيد بن جبير وثالثة عن البعض من الصحابة أو التابعين «5».
مع أنّ هذه الروايات لم تشاهد في أي مصدر لأتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، كما أنّه لا وجود لها أيضاً في كتب الصحاح الستّة على حدّ قول بعض علماء أهل السنّة، حتّى أنّ المراغي يقول في تفسيره : «وقد دسّ بعض الزنادقة في تفسير هذه الآية أحاديث مكذوبة لم ترد في كتاب من كتب السنّة الصحيحة، وأصول الدين تكذبها، والعقل السليم يرشد إلى بطلانها ... ويجب على كلّ العلماء طرحها وراء ظهورهم، ولا يضيعوا في تأويلها وتخريجها، ولا سيّما بعد أن نصّ الثقات من المحدّثين على وضعها وكذبها» «6».
كما ونقرأ نفس هذا المعنى بشكل آخر في تفسير «الجواهر» ل «الطنطاوي» حيث يقول : «هذه الأحاديث لم تذكر في أي واحد من كتب الصحاح الستّة مثل موطأ مالك، صحيح البخاري، صحيح مسلم، جامع الترمذي، سنن ابن داود، وسنن النسائي» «7».
ولذا لم يذكره كتاب «تيسير الوصول لجامع الأصول» الجامع للروايات التفسيرية للكتب الستّة، وذلك عند تفسيره لآيات سورة النجم. ومن هنا فليس من اللائق الإهتمام بهذا الحديث أو حتّى التحدّث به، فضلًا عن التعليق عليه أو ردّه ... هذا الحديث كذب واضح!» «8».
من الأدلّة التي يذكرها «الفخر الرازي» على كون هذا الحديث من الموضوعات قوله :
«وأيضاً فقد روى البخاري في صحيحه أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجنّ، وليس فيه حديث «الغرانيق»، وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها حديث الغرانيق بتاتاً» «9».
ولم يقتصر الأمر على المفسّرين الذين ذكرناهم، بل هناك أفراد آخرون أيضاً مثل «القرطبي» في تفسير «الجامع» وسيّد قطب في تفسيره «في ظلال القرآن» وغيرهما وعموم كبار مفسّري الشيعة أيضاً، حيث اعتبروا هذه الرواية من الخرافات والموضوعات ونسبوها إلى أعداء الإسلام.
ومع كلّ هذا فلا عجب أن يضع أعداء الإسلام خصوصاً المستشرقون الحاقدون الأموال الطائلة في خدمة نشر هذه الرواية ويقومون بالعمل عليها بكلّ جديّة، وقد رأينا في الآونة الأخيرة كيف أنّهم شجّعوا كاتباً شيطانياً لتأليف كتاب تحت عنوان «الآيات الشيطانية»، حيث إنّه استفاد من عبارات ركيكة جدّاً ومن خلال قصّة خيالية لم يقتصر على هتك مقدّسات الإسلام ووضعها في معرض الشكّ والترديد فحسب، بل أهان الأنبياء العظام الذين تكنّ لهم كلّ الأديان السماوية الاحترام أيضاً (مثل إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام).
وليس عجيباً أيضاً أن يترجم النصّ الانكليزي لهذا الكتاب إلى مختلف اللغات وبسرعة خيالية، ويوزّع في كلّ أنحاء العالم، وحينما أصدر الإمام الخميني قدس سره فتواه التأريخية بارتداد كاتب هذا الكتاب أي «سلمان رشدي» ولزوم قتله، بادرت الدول الاستعمارية وأعداء الإسلام إلى حمايته بشكل منقطع النظير. هذه الحركة العجيبة أثبتت أنّ هناك من يقف وراء سلمان رشدي وأنّ المسألة هي أكبر من مجرّد تأليف كتاب معادٍ للإسلام، وأنّها في الواقع خطّة مدروسة من قبل الغرب المستعمر والصهيونية لضرب الإسلام من خلال وقوفهم معه بكلّ حزم.
لكن الصمود القوي للإمام الخميني قدس سره في فتواه، واستمرار نهجه من قبل نوّابه، وما نالته تلك الفتوى من القبول والترحاب من قبل غالبية الشعوب المسلمة في العالم خيّب آمال المفتعلين، بل لا زال مؤلّف هذا الكتاب وإلى لحظة تدويننا لهذا البحث يعيش متخفياً في محلّ مجهول بالكامل، تحت رقابة مشدّدة من قبل الدول الاستعمارية، ويبدو أنّه مضطرّ للعيش هكذا إلى آخر لحظات حياته إن لم يقتل على أيدي نفس تلك الدول، فيما لو أرادت غسل ذلك العار الذي لحق بها نتيجة دفاعها عنه.
وبناءً على هذا فالدافع ل «وضع» هذه الرواية المزورة سيكون هو السبب في بقائها أيضاً، وبعبارة اخرى هناك محاولة من قبل أعداء الإسلام كانت قد بدأت في السابق، ثمّ واصلت مسيرها بعد الف سنة أو أكثر مدعومة من قبل طائفة أخرى وبصورة مكثفة.
ومن هنا فلا حاجة لنقل التبريرات التي اثيرت بشأن هذا الحديث كالتي وردت في تفسير «روح المعاني» بشكل موسّع، أو في تفاسير أخرى بشكل مركّز.
وكما أكد كبار علماء الإسلام فان الحديث الذي يكون أساسه خاوياً فإنّه لا يستحق أن يعطى اهمية في تفسيره أو تسليط الأضواء عليه.
لكن هناك بعض الملاحظات ينبغي ذكرها لتوضيح المطلب ليس إلّاو هي :
1- الصراع المرير لنبي الإسلام صلى الله عليه و آله ورفض المساومة مع عبدة الأصنام والأوثان عند بدء الدعوة وإلى آخر عمره، وهو أمر لا يخفى على أحد من الأعداء والأصدقاء، وأهمّ شيء لم يساوم عليه أبداً ولم يتصالح أو يزيغ عنه هو هذا الموضوع، فكيف يمكن والحالة هذه أن يمدح أصنام المشركين بهذه الأوصاف ويذكرها بخير؟
وقد أكدت التعاليم الإسلامية أنّ الذنب الوحيد الذي لم يغفر أبداً هو الشرك وعبادة الأوثان، ولذا اعتبر مسألة ضرب أماكن عبادة الأصنام واجبة على كلّ مكلّف مهما كلفه الأمر، كما أنّ القرآن من ألفه إلى يائه شاهد على ذلك ويشكل بنفسه قرينة واضحة على وضع حديث الغرانيق الذي ذكر فيه تمجيد ومدح الأوثان والوثنية.
2- فضلًا عن أنّ الذين وضعوا اسطورة الغرانيق لم يلتفتوا إلى هذا الموضوع وهو أنّ مروراً بسيطاً على آيات سورة النجم يبطل هذه الخرافة، ويثبت عدم وجود الإنسجام بين مدح وتمجيد الأوثان في جملة «تلك الغرانيق العلى، وأنّ شفاعتهنّ لترتجى» وبين الآيات التي تحفّ بها، إذ قد صرّح في بداية نفس هذه السورة بأنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله لم ينطق عن هوى النفس أبداً وأنّ كلّ ما يقوله بالنسبة لعقائد وقوانين الإسلام إنّما هو من الوحي الإلهي {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى} (النجم/ 3- 4).
وتصرّح الآيات بأنّ النبي الأكرم صلى الله عليه و آله لم ينحرف أبداً عن طريق الحقّ {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}.
وأي ضلال وانحراف أعظم من يأتي بحديث عن الشرك والثناء على الأصنام بين آيات التوحيد؟ وأي منطق أسوء من أن يضيف كلام الشيطان (تلك الغرانيق العلى) إلى كلام اللَّه تبعاً للهوى.
والمثير هنا أنّ الآيات التي تتلوها تذمّ الأصنام والمشركين وتقول {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} (النجم/ 23).
أي عاقل يصدّق أنّ شخصاً رزيناً حكيماً وفي مقام النبوّة وإبلاغ الوحي، يمدح الأصنام في الجملة السابقة ويذمّها بشدّة وعنف في جملتين بعدها؟! كيف يمكن توجيه هذا التناقض الصارخ بين الجملتين تباعاً؟
ومن هنا يجب الإعتراف بأنّ الإنسجام القائم بين آيات القرآن هو بشكل يرفض كلّ شبهة تضاف إليها من قبل المعاندين والمغرضين، ويثبت كونها جملة غريبة وإضافة غير متجانسة وأنّها ليست في محلّها، هذا هو المصير الذي ابتلي به حديث الغرانيق بين طيّات آيات سورة النجم.
وهنا يبقى سؤال واحد، وهو البحث عن السرّ وراء كلّ هذه الشهرة، التي لاقاها موضوع تافه لا أساس له كهذا؟
جواب هذا السؤال ليس بتلك الصعوبة أيضاً، إذ إنّ الفضل في شهرة هذا الحديث يعود بالدرجة الاولى إلى مساعي الأعداء والمرضى، الذين يظنّون أنّهم قد عثروا على اداة جديدة للطعن في مقام عصمة نبي الإسلام واصالة القرآن، وبناءً على هذا التحليل يتّضح شهرته بين الأعداء وهو ممّا لا يخفى، امّا شهرته بين المؤرخّين الإسلاميين المسلمين فعلى حدّ قول بعض علماء الإسلام، ناتج من كون هؤلاء المؤرخّين يبحثون عن كلّ ما هو مثير وغريب وفريد من نوعه وإن كان يفتقر إلى الاصالة التأريخيّة لدرجه بين طيّات كتبهم، ليزيدوا من جاذبيتها قدر المستطاع، ونظراً لكون قصّة كأسطورة الغرانيق حادثة غريبة تنسب إلى حياة نبي الإسلام صلى الله عليه و آله فلم تخلُ منها كتبهم التأريخية، بل وحتّى الروائية منها بغضّ النظر عن ضعف أسانيدها وتفاهة محتواها. كما أنّ البعض أيضاً قد ذكرها للنقد والتحليل.
______________________________
(1) «الغرانيق» جمع «غرنوق» نوع من الطيور المائية البيضاء أو السوداء اللون ... كما جاءت بمعاني أخرى أيضاً (نقلًا عن قاموس اللغة).
(2) ذكر معظم المفسّرون هذا الحديث بتفاوت ضئيل وانتقدوه.
(3) الشعر هو هذا :
تمنّى كتاب اللَّه أوّل ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر
جاء تمنّى الكتاب بمعنى تلاوة الكتاب في «تاج العروس» القاموس وكذلك في متن «القاموس»، ثمّ ينقل الزهري أنّ «الامنية» تطلق على التلاوة لكن القارىء كلّما انتهى بآية رحمة تمنّاها، وكلّما وصل إلى آية منها ذكر للعذاب تمنّى النجاة منه. لكن صاحب «مقاييس اللغة» يعتقد أنّ إطلاق هذه اللفظة على التلاوة إنّما هو لأجل وجود نوع من القياس ووضع كلّ آية في مكانها.
(4) تفسير الكبير، ج 23، ص 51.
(5) لمزيد من الإطّلاع على طرق هذه الروايات عند أهل السنّة يمكن الرجوع إلى تفسير درّ المنثور، ج 4، ص 366- 368 ذيل الآية 52 من سورة الحجّ.
(6) تفسير المراغي، ج 17، ص 130، ذيل الآيات مورد البحث.
(7) يجب الإلتفات إلى أنّ سنن ابن ماجه هي من الصحاح الستّة لا موطأ مالك.
(8) تفسير الجواهر، ج 6، ص 46.
(9) تفسير الكبير، ج 23، ص 50.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|