تجربة الصحافة الأمريكية

تأثر ظهور الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية بتجربة الصحافة الأوروبية، خاصة التجربة الإنجليزية، وذلك لأن النسبة الأكبر من المهاجرين والمستوطنين الأوائل في أمريكا كانوا من الإنجليز.

وقد نقل المستوطنون إلى العالم الجديد، بالإضافة إلى المطبعة، نمط العلاقة التي كانت قائمة بين الصحف الوليدة وبين الحكومات. ففي البداية - كما كان الحال في أوروبا - كانت الصحف مرتبطة بالحكومة. ونقل الإنجليز إلى الولايات المتحدة نظام الترخيص الخاص بإصدار الصحف والذي كان قائما في إنجلترا، والذي كان يجرم أي نقد للحكومة.

ولم تكن الصحف الوليدة مرتبطة بالحكومة سياسيا وقانونيا فقط، ولكن اقتصاديا أيضا نتيجة نظام توزيع الصحف الذي كان يعتمد على التشريعات الخاصة بالبريد. وقد كان غالبية أصحاب الصحف في البداية من رجال البريد الذين كان من السهل عليهم - بحكم عملهم - استخدام البريد في الحصول على الأخبار وفي توزيع صحفهم. وقد عمل هؤلاء على تحسين الخدمة البريدية لزيادة توزيع الصحف ومده إلى خارج المناطق الحضرية الرئيسية باستخدام طرق التجارة الرئيسية.

وقد دخل السياسيون مجال إصدار الصحف في منتصف القرن السادس عشر (1750) لتقديم أنفسهم وبرامجهم ووجهات نظرهم إلى الجماهير. وبدأت الصحف الوليدة تتحدث عن الحريات المدنية ومن بينها حرية الصحافة، وحماية المطابع والصحف من الحكومة. وكان صدور الدستور الأمريكي سنة 1788 نقطة تحول مهمة في اكتساب الصحافة الأمريكية مزيدا من الحريات.

وقد ظهرت الصحيفة الأولى في أمريكا في 25 سبتمبر 1690 وكانت عبارة عن نشرة خبرية شهرية تحمل اسما ثابتا هو ببليك اكورينسيس بوز فورن أند دو ميستيك، أو الوقائع العامة المحلية والخارجية Public Occurrences Both Foreign and Domestic. وقد تولى إصدار هذه الصحيفة صحفي إنجليزي يُدعى بنجامين هاريس وكان يعمل قبل الهجرة إلى أمريكا رئيسا لتحرير إحدى صحف حزب الهويج (الأحرار) وحكم عليه بالسجن بسبب انتقاده الحكومة. ولم يصدر من هذه الصحيفة الشهرية سوى عدد واحد فقط، ثم أغلقتها حكومة المستعمرة لأن هاريس لم يحصل على ترخيص مسبق لإصدارها.

وعلى المستوى القانوني والتشريعي، لم تتعرض الصحافة الأمريكية إلى أي نوع من الرقابة إلا أثناء الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. فقد أدى دخول الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء إلى صدور قانون التجسس في عام 1917 الذي أعطى وزير البريد حق مراقبة الصحف. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) صدر قانون في عام 1942 يسمح للصحافة أن تراقب نفسها، كما كان قانون الحرب يعطى للسلطات الأمريكية حق فرض رقابة شاملة على الصحف.