أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
1944
التاريخ: 2023-05-21
1233
التاريخ: 27-04-2015
1981
التاريخ: 7-10-2014
6187
|
النسخ في القران
تمهيد
يعتبر بحث النسخ في القرآن الكريم من أهم أبحاث علوم القرآن قديماً وحديثاً، وهو مورد نقاش وأخذ ورد بين العلماء، وقد انتقل هذا البحث من هذا العلم ودخل في الأبحاث الأصولية عند السنة والشيعة، لكن تختلف الجهة التي يتعرّض لها هناك، من هنا كان من الضروري أن نتناول هذا البحث بكل جوانبه وتفاصيله، وبيان النسخ بالمعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي أيضاً، ومن ثم التركيز على محل النزاع فيه، وبعد ذلك نذكر الفائدة العملية لهذا البحث، وما يترتّب عليه من آثار ونتائج، إن شاء الله تعالى.
تعريف النَّسخ
1- المعنى اللغوي: استعمل النسخ في اللّغة بمعنى الإزالة، فقالوا: نسخت الشمس الظلّ، أي أزالته.
2- المعنى الاصطلاحي: يطلق النسخ في الشريعة على رفع الحكم الشرعي الذي كان ثابتاً في الشريعة بحيث إنّه لولا النسخ لاستمرّ بمقتضى دليله. فهو إذاً رفع تشريع سابق بتشريع لاحق.
إنَّ الأحكام الشرعية بعضها قد يشرّع بصورة مؤقّتة، أي له أمدٌ ينتهي الحكم بانتهائه، وبعضها الآخر قد يشرّع دون أن يكون له أمدٌ وإنّما هو حكمٌ مستمرٌّ وباقٍ.
والقسم الأوّل تارة يبيّن أنّه مؤقَّت في لسان دليله بحيث يُعلم أنّ هذا الحكم مؤقّت منذ البداية.
وأخرى لا يبيّن لنا في لسان دليله أنّه مؤقّت بحيث يكون ظاهر الدليل ولو من خلال إطلاقه أنّه حكمٌ ثابتٌ ومستمرٌّ.
هذا النَّوع الأخير من الأحكام هو موضوع بحثنا، فإنّه عند انتهاء أمد الحكم يرد من قبل الشريعة بيان جديد لحكم جديد يلغي الأوّل وينسخه، فيسمّى الأوّل حكماً منسوخاً والجديد ناسخاً.
كما أنّ دليل الحكم الجديد ناسخ لدليل القديم، لأنّه مزيل له أو لتأثيره ومضمونه.
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾[1].
ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[2]، ومن المعلوم أنّ هاتين الآيتين تثبتان إمكانية النسخ.
وعليه: فإنّ ارتفاع الحكم أو التشريع المؤقّت صراحة في لسان الدليل عند انتهاء أمده لا يطلق عليه اسم النسخ. كما أنّ ارتفاع الحكم الأوّلي عند مصادفة الحرج والاضطرار الذي هو موضوع لحكم ثانوي لا يطلق عليه اسم النسخ أيضاً، كما في ارتفاع حرمة أكل الميتة عند اضطرار الإنسان له، أو الصلاة من جلوس أو بالإيماء عند عدم القدرة على الصلاة الاختيارية، وأمثال ذلك.
حكمة النسخ
في القوانين البشرية الوضعية كثيراً ما تصدر المراسيم والمقرّرات فتغيّر الدستور السابق الثابت أو القانون، وعادة يكون الداعي إلى ذلك أحد أمور:
1- اكتشاف عدم صلاحية القانون أو الدستور السابق ووجود ثغرات فيه تحتاج إلى علاج جديد.
وفيه: إنّ هذا لا يتصوّر مطلقاً في النسخ الشرعي، لأنّه تعالى منزّه عن الجهل وعن العبث، بل هو لا يضع شرعة ولا حكماً إلا حسب مقتضى المصالح التي هو أعلم بها، ولا تخفى عليه خافية.
2- تتغيّر وجوه المصلحة والمفسدة نتيجة تجدّد بعض الظروف أو الأوضاع التي تجعل القانون السابق لا يلائم المستجدّات، مما يلزم تغيير القانون بما يتناسب مع الوضع الحالي، ومع ذلك فإن واضعي القانون السابق لم يكن في علمهم أن المستجدّات ستحصل لتعالج منذ البداية في القانون السابق.
وفيه: إنّ الله تعالى عالم بالأشياء قبل حدوثها، فهو حسب الفرض عالم بالمتغيّرات والمستجدّات، فكان المفروض أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند التشريع منذ البدء.
هذان الأمران دفعا بعض المشكّكين إلى إنكار إمكانية النسخ.
أين مصلحة الحكم؟
ولكنّ الإشكال يرتفع إذا أدركنا أين تكمن المصلحة المقصودة في مِلاك الحكم:
1- أحياناً لا تكون قائمة في نفس الفعل، بمعنى أنّ الغاية والحكمة من الأمر والنهي قد تكون لمجرّد الامتحان والاختبار، وهذا النوع من الأحكام لا مانع من وضعه ورفعه في أي وقت يترتّب على الأمر مصلحة الامتحان والاختبار، بل أحياناً تكون مصلحة الامتحان أقوى من المفسدة المترتّبة على الفعل، أو أقوى من مصلحة فعل آخر يزاحمه فيترك لصالح هذا الحكم.
2- وأحياناً تكون المصلحة في نفس الفعل والمفسدة كذلك، إلاّ أنه يمكن أن تتغيّر بحسب اختلاف الأزمان، فيكون هناك زمان ذا مصلحة تنتفي في زمان آخر، وإذا كان التغير مجهولاً عند البشر فهو معلوم عند الله تعالى بلا شك، ومع ذلك لا يلزم أن يكون التشريع منذ البداية مراعياً للتغيّرات، إذا كان في قصد المشرّع أن ينسخ الحكم عند تبدُّل المصلحة وتغيّر الأحوال.
وهناك أمور أخرى قد تكون أحياناً لها مدخلية بتحقُّق المصلحة والمفسدة، كالتدرُّج في التشريع الذي له مصلحة خاصة تكون أحياناً أهم من المفسدة الحاصلة بترك الواقع.
ومثال الأول: القبلة
يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾[3].
ومنه يظهر أن القبلة الأولى لم تكن إلا للامتحان.
ومثلها أيضاً آية النجوى. يقول تعالى: ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾[4].
فقد ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول الآية فرض على كل مسلم صدقة درهم واحد عند كل مسألة فرضاً على الأغنياء دون الفقراء، وقال المفسّرون لم يعمل بهذه الآية إلا الإمام عليّ عليه السلام رغم أنه كان من الفقراء.
ثم نسخت الآية بعد تحقُّق الاختبار المطلوب بالآية اللاحقة.
ومثال الثاني: عدد المقاتلين
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾[5].
ثمّ قال: ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ﴾[6].
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "فنسخ الرجلان العشرة"[7].
ومثال الأحكام المؤقّتة منذ البداية قوله تعالى: ﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾[8].
فقد جعل الله لهن السبيل في آية الجلد وفي حكم الرجم وهذا مبني على أن المراد من الفاحشة الزنا، وإلا فلو كان المراد الأعم منه ومما يقبح ويفحش فالحكم الأول باقٍ والثاني مجرّد تخصيص له.
وأمثلة الأحكام التي فرضت لأغراض تأديبية وفي سياق المعاقبة كثيرة منها:
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾[9].
﴿فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا﴾[10].
إلى هنا تبيّن معنا إمكانية النسخ وعدم منافاته لحكمة المشرّع وعلمه المطلق. وتبيّن معنا أيضاً أنه قد تقتضي الحكمة إخفاء التوقيت وإطلاق لسان الدليل، لينسخ الحكم عندما يتحقّق المقتضي لذلك.
وقوع النسخ في القرآن
هناك آيات كثيرة جداً ادّعي أنها منسوخة بآيات أخرى، لكن التدقيق فيها يكشف عن عدم دخولها تحت النسخ الاصطلاحي، إما باعتبار اختلاف الموضوع أو باعتبار الانسجام التام بينها وعدم التنافي، أو لكونها تدخل في باب التخصيص، أو لأن الحكم الأول مقيّد بالزمان والأمد المحدود من البداية، أو لغير ذلك من الاعتبارات التي تخرجها من باب النسخ.
وقد أورد السيد أبو القاسم الخوئي 36 آية من الآيات التي ادّعي أنها منسوخة وبعد البحث والتدقيق فيها خرج أغلبها من باب النسخ لأحد الاعتبارات المتقدّمة 11.
ومهما يكن فإنّ نسخ الآية لغيرها ينبغي أن يتوفّر فيه أمور:
1- وحدة الموضوع في الآيتين.
2- التنافي في الحكم ليكون أحدهما رافعاً للآخر.
3- عدم كون الآية المنسوخة مقيّدة بأمد خاص، أو مشروطة بظرف معيّن.
أما نسخ القرآن بالسنّة النبوية الشريفة فلو فرضنا إمكان ذلك، لوجب أن يكون الناسخ (السنة) متواتراً قطعياً. فالقرآن لا يُنسخ بخبر الواحد، كما اتفق العلماء.
ولكن بما أنّ السنّة القطعية الناسخة للقرآن غير موجودة فينتفي هذا الفرض من أساسه.
نسخ التلاوة
ما تحدّثنا عنه من النسخ كان يتناول نسخ الحكم الوارد في آية قرآنية مع بقاء الآية واتصافها بالقرآنية، وهو المقصود عادة من كلامهم.
لكن ادُّعيَ أن آيات من القرآن نسخت تلاوتها أي أزيلت من القرآن فهي لا تتلى وربما بقي حكمها وربما لم يبق. وهذه الدعوى التزم بها أهل السنّة نتيجة روايات عديدة رويت من طرقهم تتحدّث عن آيات من القرآن كانت تتلى ولكنهم لا يجدونها في القرآن وكان لا بد لهم أمام هذه الروايات من التزام أحد أمرين:
الأول: سقوط تلك الروايات عن الاعتبار وإهمالها والحكم عليها بالكذب.
الثاني: الالتزام بطروّ النقص على القرآن وذهاب جزء منه انسجاماً مع مدلول تلك النصوص.
وكلا الأمرين كان محرجاً لهم:
فالأول: يقتضي التنازل عن اعتبار روايات وردت في كتب حكموا عليها بالصحة ونالت درجة كبيرة من القدسية عندهم حتى عدّوا لقراءتها من الفضل والاستحباب والبركة ما يأتي بعد القرآن مباشرة.
والثاني: لا يمكن الالتزام به لأنّه يخالف الضرورة التاريخية وتواتر القرآن الكريم وإجماع المسلمين على سلامته من التحريف.
ولأجل التخلّص من هذا المأزق ابتكروا مقولة "نسخ التلاوة"، ومفادها أن هذه الآيات كانت قرآناً ولكن الله سبحانه وتعالى نسخها فخرجت بذلك عن صفة القرآنية مع بقاء حكمها.
والحقيقة أنّ هذه الدعوى لا دليل عليها أصلاً، ولم يوردوا ما يدلّ على ذلك إلاّ تلك الروايات التي مؤدّاها التحريف المرفوض.
ولأجل ذلك رفض أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام نسخ التلاوة رفضاً باتاً ورفضوا الروايات الدالة على سقوط شيء من آيات القرآن وعدّوها من روايات التحريف المرفوضة كما تقدّم الإشارة إليه، هذا بقطع النظر عن رواتها وناقليها.
والعجيب عدم الالتفات إلى أن ما يدّعي أنه كان من القرآن ونسخت تلاوته يحمل معه دليل سقوطه وكذبه نظراً لعدم توفّر النظم القرآني والبلاغة القرآنية في شيء منه.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|