العلل النفسية للنفاق

إن الباعث لإظهار قسم من اليهود الإيمان لدى لقائهم بالمسلمين هو إما سلامة فطرتهم وسذاجتهم، أو نفاقهم وكونهم من ذوي الوجهين. إن كلا الأمرين كان مستشرياً في المجتمعات البشرية منذ القدم؛ لأن بعض الأشخاص كانوا ولا زالوا متنعمين بتلك السلامة والبعض الآخر كانوا ولا زالوا مبتلين بهذا المرض، ولا تختص أي من هاتين الظاهرتين بنطاق الإسلام بالمعنى الخاص؛ ومن هذا المنطلق يمكن العثور على علامة لكلتا الصفتين في أمة يهود.

ويمكن أن تطرح للنفاق علل كثيرة منها منطقية ومنها نفسية. فبعض أسباب النفاق النفسية ترجع إلى ضعف إرادة المنافق أو قوة كيده؛ فضعف التصميم وتداعي العزم يدفع المرء الضعيف العزيمة أحياناً عند اجتماعه بأي طائفة من الناس إلى التحدث بما يوافق ميولهم ويخبر عن هويته هو بما ينم عن نفاق. لكن قوة المكر، وشدة الاحتيال، وحدة الخداع تقتضي أحياناً جلوس الإنسان القوي الحيلة على طاولة الحوار مع أي فرقة يلتقيها فيتحدث بما تمليه عليه ميولهم. اختلاف الضعيف والقوي وامتياز القوي على الضعيف من الممكن أن يشاهد في أمور كثيرة، من جملتها هي أن النفاق النابع من ضعف الإرادة هو لكي يبقى محفوظاً مما يحتمل أن يلحق بالمرء من ضرر الطرف المقابل، والنفاق الناشئ عن قوة المكر والحيلة هو لاستعمار الطرف الآخر واستثماره، واستعباده، بل واستحماره أيضاً.

الناس غير المتدينين في كل أمة مبتلون بالنفاق؛ على أن نفاق بعضهم مرهون بوهن إرادتهم ونفاق البعض الآخر ناشئ مما يحملونه من كراهية وبغض وضغينة تجاه المعارف الإلهية.

بطبيعة الحال من الممكن لإطلاق الدليل اللفظي في محل البحث أو في الموارد الأخرى أن يشمل قسمي النفاق معاً، كما أنه إذا لم يكن ثمة محذور خاص، فمن الممكن للإطلاق المذكور أن يشمل الإظهار عن إخلاص وعن صدق أيضاً؛ أي يمكن للعنوان الجامع في هذا التعبير: «آمنا» أن يشمل الطوائف الثلاث.