أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-13
1074
التاريخ: 2024-07-03
529
التاريخ: 21-8-2020
1718
التاريخ: 2024-05-07
649
|
والظاهر أن «تحتمس» بعد أن ضرب ضربته السياسية التي قضت على كل مناهض له في التربُّع على العرش، أسرع في إنجاز ما عليه من دَيْن لهذا الإله؛ إذ نعلم أنه قد أزال الرمال عنه فعلًا، ولم يكتفِ بذلك، بل أقام سورًا حول مربض التمثال بناه من اللَّبِن. وقد بقي الاعتقاد السائد عند علماء الآثار أن هذا السور من عمل ملوك البطالمة ومَن بعدَهم إلى أن كشفتْ أعمالُ الحفر التي قامت بها الجامعة المصرية عن السور كله وظهر أنه من عمل «تحتمس الرابع» نفسِه؛ إذ وجدنا بعض لَبِنَات في بناء السور نفسه عليها طغراء الفرعون «تحتمس الرابع». وقد ترك لنا هذا الفرعون كذلك سلسلة جميلة من اللوحات التذكارية من إهدائه لهذا الإله. والظاهر أنها كانت في الأصل مثبتة في أحد الجدران الحافظة لتمثاله من إغارة الرمال عليه، وهذه الجدران كانت تحيط به من كل الجهات. وقد كشفنا في أثناء الحفر عن إحدى عشرة لوحة من هذه اللوحات، وكلها من الحجر الجيري الأبيض مستديرة القمة، ويبلغ حجم الواحدة منها على وجه التقريب 65 × 45 سنتيمترًا. وفي كل منها منظر مُثِّل فيه «تحتمس الرابع» إما وحده أو مع زوجه «نفرتاري» يقدمان قربانًا للآلهة المختلفين؛ وهؤلاء هم: (1) رع؛ حور صاحب «سنخو (1) «. (2) «تحوت» سيد «الأشمونين». (3) «وازيت «(2) سيدة «ب» و«دب». (بوتو) (أي «إبطو» الحالية بمركز دسوق). (4) والإله «سكر «(3) الإله الأعظم سيد «شتيت». (5) والإله «آمون رع» سيد «…» والإلهة «سشات» ربة الكتابة. (6) والإلهة «حتحور» سيدة شجرة الجميز. (7) والإلهة «حتحور» سيدة «إنرتي» أي بلدة جبلين. (8) والإله «آتوم» رب «هليوبوليس». (9) والإله «بتاح» رب الصدق. والإلهة «رننوتت» صاحبة «إيات-تاموت» (وهي ربة الحصاد، ومن المحتمل أنها كانت تُعبَد هنا لتجعل الأرض القاحلة خصبة مثمرة). وهذه اللوحات وغيرها مما كشف عنه لها أهمية خاصة؛ إذ إنها تمدُّنا بقائمة بأسماء الآلهة الذين كانوا يُعبدون في هذه المنطقة. وعلى الرغم مما يحوم في أذهاننا من شك، وما يعتورنا من سوء ظن، فلا نزاع في أنه قد قام بعمل جليل أكثر مما قام به أي فرعون، لإزالة الرمال عن «بوالهول»، وإصلاح ما حوله، وإن كان قد عمل هذا ليبقى على عرش الملك آمنًا مطمئنًّا. ولا نزاع في أن كهنة «عين شمس» كان لهم أثر عظيم في تحويل الأنظار عن عبادة «آمون» وإحياء عبادة الإله «رع» ثانية، وبخاصة أن الفراعنة كانوا قد بدئوا يشعرون بقوة سلطان كَهَنة الإله «آمون». وقد كان أول مَن حاربهم، وأراد القضاء عليهم هو «تحتمس الرابع»، الذي بدأتْ في عهده بلا نزاع حركة إعادة عبادة «رع»، وهي تلك الحركة التي انتهت بالإصلاح الشامل الذي تمَّ على يد «إخناتون»، ولدينا من الأدلة ما يُعزِّز هذا الرأي، وبخاصة اللوحة التي عُثر عليها في المعبد الصغير الذي أقامه والده «أمنحتب الثاني» من اللَّبِن، وأقام فيه لوحته المشهورة التي سبق الكلام عنها. وهذه اللوحة قطعة من الحجر مستطيلة الشكل، محاطة بإطار مرتفع ومستطيل داخلي، وطرف اللوحة مستدير من أعلى، غير أنه قد تآكل بعض الشيء. وهذا الجزء العلوي المستدير يشغله قرص شمس مجنَّح وهو الشكل العادي للإله «حور بحدت»، وقد بَدَتْ فيه ظاهرة غريبة عن الفن والتقاليد المتبعة؛ وذلك أن قرص الشمس بأجنحته المنتشرة والمكتنف بصلين قد زُوِّد بذراعين ويدين آدميتين ممسكتين بطغراء عظيمة كأنهما تحميانه، واسم الملك الذي في الطغراء قد مُحي ولم يبقَ منه إلا كلمة «تحوت»، ونجد على كلا جانبي الطغراء سطرين من النقوش موجودين في كتابتهما جاء فيهما: «ليته يمنح الحياة والسعادة حور بحدت الإله العظيم، سيد السماء المُشرِق من الأفق.» ففي هذه العبارة إشارة صريحة إلى «حور بحدت» ولكن بصورة غير مألوفة. والواقع أن قرص الشمس المجنح يتألف في العادة من قرص الشمس يكتنفه صِلَّان، ومُزوَّد بجناحين، ولكنا لم نعرف قط على حسب ما وصلتْ إليه معلوماتنا أنه كان يُزوَّد بذراعين بشريتين، فهل معنى ذلك أن هذه أول محاولة لنشر مذهب عبادة «آتون» أو أن هذا الرسم كان من نسج خيال المفتنِّ الذي رسم اللوحة؟ ويخيل إليَّ أن النظرية الأولى هي التي تقرب من الحقيقة؛ وذلك لأن اللوحة كانت قد نقشت في عهد ليس ببعيد من عهد انتشار مذهب «آتون»، وأعني بذلك عهد «تحتمس الرابع»، وإذا كان هذا الفرض صحيحًا برهن لنا ذلك على أن «آتون» لم يكن إلهًا أُتِي به من بلاد «سوريا» كما يظن البعض، ولكنه كان إلهًا مصريًّا خالصًا، وأنه في الواقع صورة أخرى من صور إله الشمس الذي نشأ في «هليوبوليس». ولا غرابة في ذلك؛ فإنه قد عثر على جِعْران من عهد هذا الفرعون يُذكَر فيه إله الشمس باسمه «آتون» (راجع: J. E. A, Vol. XVII, p. 23). وقد جاء عليه النقش التالي: «لقد شاهد أمراء النهرين؛ وهم يحملون للفرعون «منخبرو رع» عندما كان خارجًا من قصره وهم يسمعون صوته مثل صوت ابن نوت «أوزير» وقوسه في يده مثل ابن وارث «شو» (أي إله الأرض جب) (وبذلك يتحدث النقش عن الملك بوصفه ابن «جب» و«نوت» على حسب الآراء التقليدية). وإذا أيقظ نفسه للقتال «وآتون» أمامه، فإنه يُخرِّب الجبال ويطأ الأراضي الأجنبية زاحفًا إلى «نهرين» وإلى «كاراي» (آخر الحدود الجنوبية) ليُخضِع سكان الأقاليم الأجنبية مثل رعاياه لحكم «آتون» أبد الآبدين «. ولا نزاع في أن ما جاء على هذا الجِعْران بالإضافة للرسم الذي ظهر على لوحة الجيزة له أهمية عظمى من الوجهة التاريخية. حقًّا أن الباحثين قد زعموا من قبلُ أن الثورة الدينية والفنية التي قام بها «إخناتون» تضرب بأعراقها إلى عهد «تحتمس الرابع» غير أن البراهين التي ذُكرت لإثبات هذه الحقيقة لم تقم على أدلة أصيلة كالبرهانين اللذين قدمناهما الآن. وهذه البراهين الثانوية على الرغم من أنها ليست قاطعة، فإنها تقوِّي النظرية التي قدَّمناها وهاكها:
(1) يشير «إخناتون» على إحدى لوحات الحدود بأنه كان يحارب كهنة «آمون» (راجع: Davies, “El Amarna”, V, p. 31).
(2) يُشاهَد على قطعة حجر من «تل العمارنة» «إخناتون» يقدم قربانًا للإله «آتون»، وقد وصف هذا الإله بأنه يقطن بيت الفرعون «منخبرو رع» في بيت «آتون» في «إخناتون» (راجع Schafer, “Altes und Neues zu Kunst und Religion von Tell el Amarna”, A. Z., LV p. 33).
(3) تشبه صور تماثيل المجاوبين التي وُجدت للملك «تحتمس الرابع» تماثيل المجاوبين التي عُملت «لإخناتون» في كونها لم يُنقش عليها إلا اسم الفرعون وحده، وقد خلت من كل نقش سحري، وهذا ما لا يوجد على تماثيل مجاوبين لأي ملك آخر.
(4) يدلُّ فنُّ عهدِ «تحتمس الرابع» على أنه عصر فنٍّ جديد ينزع في صوره إلى محاكاة الطبيعة والواقع … إلخ (راجع Davies, “M. M. A. XVIII, (Dec. 1923) II, p. 40ff.; and Frankfort, “The Mural Paintings of El Amarna”, Pl. 29).
(5) عُثر على قِطَع آثار عليها اسم «تحتمس الرابع» في «تل العمارنة» (راجع Frankfort, ibid). وعلى أية حال، فلدينا فيما تقدِّمه هذه اللوحة وهذا الجِعْران برهان قاطع على أن «آتون» قد مثَّله لنا «تحتمس الرابع» في صورته التي ظهر بها فيما بعدُ بالأيدي المتدلِّية منه معطية أشعة الشمس كما جاء على اللوحة، بل كذلك قد ميَّزه باسمه عن إله الشمس كما جاء على الجِعْران، وكذلك عَبَدَه بوصفه إلهَ حربٍ نَصَرَه على أعدائه، وضمن له السيادة على سائر العالم جاعلًا كل الإنسانية رعايا لقرص الشمس. ولا نزاع في أن هذا الجِعْران قد نُقش تذكارًا لانتصار الفرعون على الأعداء في حرب في «آسيا» لم يُعيَّن على وجه التأكيد تاريخُها. وهذا النوع من الجعارين كان منتشرًا في هذا العصر، كما سلف الكلام عنه في عهد «تحتمس الثالث «. أما عن ديانة «إخناتون» وكيفية نشوئها وانتشارها فقد فصَّلنا القول في ذلك في فصل خاص كما سيجيء بعدُ. ومن كل ما سبق نستطيع أن نستخلص أن «تحتمس الرابع» قد أقام لوحته الأولى والثانية لغرضين؛ الأول: ليُبرِّر اعتلاءَه عرش المُلْك بِرًّا منه بوعده للإله «بوالهول» الذي كان يمثل إله الشمس، والذي منَّاه بتولِّي عرش الفراعنة الذين يَعُدُّ كلٌّ منهم نفسَه وارثَ «رع» في أرض الكنانة. والثاني: لينفذ فكرة إعادة عبادة الإله «رع» في صورته الجديدة التي بدأتْ تأخذ شكلًا خاصًّا في أذهان الفراعنة. وتنمو تدريجًا حتى أخذت صورتَها النهائية في عهد «إخناتون» كما سنرى بعد. ومما هو جدير بالملاحظة هنا اسم «خفرع» الذي يُنسب إليه نحت تمثال «بوالهول» قد ذُكر في نقطة مهشَّمة من لوحة «تحتمس الرابع» الكبرى، ولذلك لا يمكننا أن نفضي بأي رأي عن سبب ذكره هنا. وكل ما يمكن إثباته في هذا الصدد هو أن «تحتمس الرابع» لم يَرْعَ حُرْمة معبد «خفرع»؛ إذ إن قطعة الحجر التي نُقشت عليها اللوحة كانت مغتصَبة من أحد جدران معبده الذي أقامه لهذا الإله بعينِه، ومن المحتمل جدًّا، أن «تحتمس الرابع» نفسه لم يعرف كثيرًا عن هذا المعبد الذي كان مطمورًا في الرمال عندما أقام لوحته أمام تمثال «بوالهول «.
.......................................
1- بلدة بالقرب من «هليوبوليس «.
2- وهي الإلهة العظمى للوجه البحري.
3- إله الموتى القديم في «منف»، وقد و ِّحد فيما بعد مع الإله «أوزير». مكان بالقرب من «مدينة هابو «. ويُعد مكان الخشب المقدس في المقاطعة الرابعة من الوجه القبلي.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|