أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-25
456
التاريخ: 12-1-2017
3518
التاريخ: 2024-02-19
965
التاريخ: 2024-10-09
265
|
ولا نزاع في أن نص هذه اللوحة يكشف لنا عن صفحة مجيدة في تاريخ حياة الفرعون، بل في تاريخ الحياة المصرية من الوجهة الرياضية والحربية، ومقدار شغف الملوك والشعب بهما، فنعلم زيادةً على المدائح والنعوت التي كان يُوصَف بها الفرعون عادة، أن «أمنحتب الثاني» تولَّى عرش البلاد في ختام الثامنة عشرة من عمره، بعد وفاة والده العظيم «تحتمس الثالث» مباشَرةً، ولدينا نقوش قد تدل على أنه كان مشتركًا معه في الملك مدةً ما، لا نعرف مداها على وجه التحقيق. وقد كان أول مَن قدر بحق عمر «أمنحتب الثاني» عند توليته عرش الملك، هو السير «فلندرز بتري» (راجع: Petrie, “History” , II. p. 154 ) ثم نجد بعد أوصاف هذا الفرعون عرضًا رائعًا لضروب أنواع الرياضة البدنية التي حذقها هذا الفرعون وهو لا يزال يافعًا، ولا نزاع في أنها كانت بتوجيهٍ من والده الذي كان كما سبق يجيد ضروب الرياضة ويتفوق فيها على رجال جيشه قاطبة، غير أن «أمنحتب» قد تخطَّى والده في صنوفٍ منها، وأحرز قصب السبق في ضروبٍ لم نعرف أن والده قد زاوَلَها، وتدلُّ الظواهر على أن «أمنحتب» الثاني لم يكن مولودًا في «منف» عاصمة الملك الثانية وحسب، بل كذلك قد تربَّى فيها، ولا يبعد أنه كان في أثناء اشتراكه مع والده في الحكم، قد اتخذ مقرَّ ملكه في إحدى العاصمتين، فبينا كان «تحتمس» يسكن «طيبة»، كان «أمنحتب» ابنه قد اتخذ مقره في «منف«. ونشاهد أن بطلنا قد أخذ ينكبُّ على التمرينات الرياضية المحبَّبة إليه وإلى والده، وقد رأى معلموه أن يدرِّبوه بإرشادٍ من والده طبعًا أولًا على الجري أشواطًا بعيدة، حتى أصبح لا يدانيه في هذا المضمار جنديٌّ من رجال الجيش المدرَّبين، ثم نجده قد دُرِّب على التجديف في النيل الذي كان يُعَدُّ في تلك الأزمان أعظم طرق الموصلات والتجارة، فنراه يركب ظهر سفينة كبيرة من سفن القصر مُعَدَّة بمائتي مجدف، وهو واقف في الخلف يقبض بيدَيْه على مجداف طوله أكثر من عشرة أمتار (يحتمل أنه الدفة)، وتدل الأحوال على أن السير في النيل كان صعبًا بسبب التيار، فنرى أنه بعد أن قطع المجدفون الذين كانوا بصحبته نحو نصف ميل، خارت قواهم وتلاشت عزيمتهم، ولم يَكَدْ يرى «أمنحتب» ذلك حتى جاء لمعونتهم، وأخذ يجدف وحده بقوة ونشاط ومثابرة لا تعرف الملل، لدرجة أنه قطع بمفرده نحو ستة كيلومترات، ووصل بالسفينة إلى البر بصورة رائعة تسترعي النظر وتدهش اللب. حقًّا إن القارئ الحديث لا يكاد يصدِّق أنه كان في استطاعة بشر أن يأتي بمثل هذا العمل الخارق لكلِّ ما هو مألوف، ولكن لا يفوته أن ملوك مصر كانوا من نسل الآلهة، وكان لا بد لهم أن يفوقوا البشر في كل شيء يعملونه! ثم نرى هذا الأمير الفتيَّ يعرض أمامنا صورةً أخرى من تفوُّقه في ضروب الرياضة البدنية والمهارة اليدوية؛ فبعد أن حاز قصب السبق في مضمار التجديف، نجده يتبارى في تفويق سهامه في الرماية، فقد كان الرماة في سالف الأزمان يكتفون برمي الهدف وإصابته، ولكنه منذ استعمال الخيل والعربات في الصيد والحروب، كان من مستلزمات فارس العربة أن يكون ماهرًا في الرماية وهو في عربته، ويكون قادرًا على إصابة مرماه على الرغم من حركات الخيل وقفزها بسرعة عظيمة. وقد أراد «أمنحتب» الثاني فضلًا عن ذلك أن يظهر فوقه في ضروب الرماية على والده «تحتمس الثالث»، الذي كان على ما نعلم أول مَن استعمَلَ هدفًا من النحاس بدلًا من الهدف الذي كان يُصنَع عادةً من الخشب، وقد اختار البقعةَ التي تحيط «بمنف» على مقربةٍ من السهل الذي أُقِيم فيه الأهرام و«بو الهول»، وهذه الجهة كانت على ما يظهر مسرحًا مختارًا للصيد والقنص. وتحدِّثنا النقوش أن الفرعون قد بذل مجهودًا عظيمًا في العناية باختيار السلاح الذي أراد استعماله في رمايته؛ إذ قد امتحن نحو ثلاثمائة قوس على التعاقُب ليعجم عودها، ويعرف غثها من ثمينها، ثم انطلق بعد اختيار سهامه في ميدان الرماية، حيث كان قد نصب له أربعة أهداف على مسافات متساوية، كل هدف منها صُنِع من لوح من النحاس سُمْكه يساوي سُمْكَ راحة اليد، وعندئذٍ فوَّقَ سهامه بدقةٍ وحذقٍ وقوةِ ساعِدٍ، فلم يطش منها سهم واحد، هذا فضلًا عن أن كل سهم قد اخترق هدفه النحاسي ومرق في الجهة الأخرى هاويًا على الأرض، وبذلك فاق والده في الرماية؛ لأن سهم الأخير على الرغم من أنه قد أصاب الهدف إلا أنه لم ينفذ كله منه إلى الجهة الأخرى؛ إذ يقول المتن: «وقد فوَّقَ سهامه على لوحة من النحاس بعد أن تهشَّمَتْ كل الأخشاب كأنها اليراع، وقد وضع جلالته واحدًا منها في معبد «آمون»، وهو هدف سُمْكه ثلاث أصابع رشق فيه سهم من سهامه، وقد جعل السهم ينفذ في الهدف مقدار ثلاثة أشبار من الجانب الآخر«. ومن هذا نعلم أنه ضرب الرقم القياسي في الرماية، وبهذه المناسبة لا يسعنا إلا الإعجاب بالمهارة الفنية التي قاد بها هذا الأمير عربته، وساق بها جياده وهو يفوِّق سهامه، وقد كان «تحتمس» الثالث الذي يُنسَب إليه هذا الفضل يحسُّ حسن مستقبل ابنه في هذا الميدان إلى أبعد حدٍّ؛ ولذلك نجده قد سلَّمه قياد أكرم جياده التي كانت تُربَّى في الحظيرة الملكية «بمنف»، وكذلك وكل إليه أمر تدريبها، وقد برهن «أمنحتب» من ناحيته على أنه كان خليقًا بهذه الثقة الغالية تمامًا، فنجده قد درَّبَ جياده على كل أنواع السير، كما مرَّنها على الجري أشواطًا بعيدة دون أن يلحقها تعب، لدرجة أنها كانت تقطع المسافات الشاسعة عَدْوًا من غير أن يسيل عرقها. وقد ترك لنا «أمنحتب» الثاني برهانًا قاطعًا على حُسْن عنايته وتعهُّده لخيله؛ إذ قد عثر على لوحة صغيرة من «الكرنلين» (حجر الدم)، مُثِّل عليها هذا الفرعون وهو يقدِّم العلف لجواده بنفسه، وقد قلَّده في ذلك «رعمسيس الثاني» كما سنرى ذلك بعدُ (راجع: Hall, “Catalogue of Scarabs” I. p. 161, No. 164 ) وفي خلال إحدى الجولات التي كان يقوم بها للرياضة في سهل «منف»، أدَّى به المطاف إلى الوقوف في بقعة بجوار تمثال «بو الهول» العظيم (وهو الذي يمثِّل صورةَ إله الشمس)، الذي يربض في حرم معبد «خفرع»، وقد أعجب بجمال هذا التمثال الذي أصبح محجًّا للزوَّار من الملوك وغيرهم، وقد بقيت في نفسه ذكريات عميقة الأثر لهذه الزيارة، ولتلك اللحظات السعيدة التي أمضاها بجواره، حتى إنه لما اعتلى عرشَ الملك كان من أول أعماله إقامة لوحةٍ تذكارًا لتلك الزيارة، وتبرُّكًا بهذا الإله العظيم الذي كان يُعتبَر في عصره من أعظم الآلهة المصرية، كما أقام محرابًا لهذه اللوحة كان قبلةَ الزوَّار للملوك من أخلافه، وكعبة تركوا لنا فيها آثارهم. ولقد حقَّقَ «أمنحتب» فراسةَ والده في مستقبله، فبرهَنَ على أنه كان ملكًا نشيطًا ومحاربًا لا يجد الخوفُ إلى قلبه سبيلًا، فقد ظهر منتصرًا في ساحة الوغى أكثر من مرة على أعدائه في «آسيا» كما سنرى، على أن انهماكه في مكافحة الثائرين في البلاد الخاضعة لمصر لم يمنعه مزاولةَ ضروب الرياضة المحبَّبة إليه في أثناء فراغه، حتى وهو في ساحة الوغى، كما تدل على ذلك الوثائق المختلفة التي وصلتنا حتى الآن.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|