أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-1-2023
1061
التاريخ: 14-4-2022
1621
التاريخ: 10-2-2016
5124
التاريخ: 2024-02-25
645
|
أبو جعفر ابن سعيد
قلت وإذ قد جرى ذكر أبي جعفر ابن سعيد سابق الحلبه فلنلم ببعض
أحواله فنقو ل هو أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي قال قريبه
أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد في المغرب سمعت أبي يقول لا أعلم
في بني سعيد أشعر منه بل لا أعلم في بلده وعشق حفصة شاعرة الأندلس
وكانا يتجاوبان تجاوب الحمام ولما استبد والده بأمر القلعة حين ثار أهل
الأندلس بسبب صولة بني عبد المؤمن على الملثمين اتخذ وزيرا واستنابه في
أموره فلم يصبر على ذلك وأستعفى فلم يعفه وقال : أني مثل هذا الوقت
الشديد تركن إلى الراحة ؟ فكتب إليه :
مولاي في أي وقت أنال في العيش راحه
لم أنلها وعمري ما إن أنار صباحه
وللملاح عيون تميل نحو الملاحه
وكأس راحي ما إن تمل مني راحه
والخطب عني أعمى لم يقترب لي ساحه
وأنت دوني سور من العلا والرجاحه
فأعفني وأقلني مما رأيت صلاحه
ما في الوزارة حظ لمن يريد ارتياحه
كل وقال وقيل ممن يطيل نباحه
أنسي أتى مستغثيا فاترك فدسيت سراحه
فلما قرأ الأبيات قال : لا ينفع الله بما لا يكون مركبا في الطبع مائلة له النفس
ثم وقع على ظهر ورقته : قد تركنا سراح أنسك وألحقنا يومك بأمسك
ولما رجع ثوار الأندلس إلى عبد المؤمن وبايعه عبد الملك بن سعيد فغمره إحسانا
وبرأ وولي السيد أبو سعيد ابن عبد المؤمن غرناطة طلب كتابا من أهلها فوصف له فضل أبي جعفر وحسبه وأدبه فاستكتبه فطلب أن يعفيه فأبى إلى أن شرب أبو جعفر يوما مع خواصه وخرج ثاني يوم إلى الصيد وكان اليوم ذا غيم وبرد ولما اشتد البرد مالوا إلى خيمة ناطور وجعلوا يصطلون ويشربون
على ما اصطادوا فحمل أبا جعفر بقية السكر على أن قال يصف يومه ويستطرد بما في نفسه:
ويوم تجلى الأفق فيه بعنبر من الغيم لذنا فيه باللهو والقنص
وقد بقيت فينا من الأمس فضلة من السكر تغرينا بمنتهب الفرص
ركبنا له صبحا وليلا وبعضنا أصيلا وكل إن شدا جلجل رقص
وشهب بزاة قد رجمنا بشهبها طيور يساغ اللهو إن شكت الغصص
وعن شفق تغري الصباح أو الدجى إذا أوثقت ما قد تحرك أو قمص
وملنا وقد نلنا من الصيد سؤلنا على قنص اللذات والبرد قد قرص
بخيمة ناطور توسط عذبها جحيم به من كان عذب قد خلص
أدرنا عليه مثله ذهبية دعته إلى الكبرى فلم يجب الرخص
فقل لحريص أن يراني مقيدا بخدمته لا يجعل الباز في القفص
وما كنت إلا طوع نفسي فهل أرى مطيعا لمن عن شأو فخري قد نقص
فكان في أصحابه من حفظ هذين البيتين ووشى بهما للسيد فعزله أسوأ
عزل ثم بلغه بعد ذلك أنعه قال لحفصة الشاعرة: ما تحبين في ذلك الأسود وأنا
أقدر أن أشتري لك من سوق العبيد عشرة خيرا منه ؟ وكان لونه ما ئلا إلى
السواد فأسرها في نفسه إلى أن فر عبد الرحمن بن عبد الملك بن سعيد إلى ملك شرق الأندلس محمد بمن مردنيش فوجد له بذلك سببا فقتله صبرا بمالقة وكان عبد الملك بن سعيد يذكر ابنه أبا جعفر لعبد المؤمن وينشده من شعره رغبة في تشريفه بالحضور بين يديه وإنشاده في مجلسه فأمره بحضوره فعندما دخل عليه قبل يده وأنشده قصيدة منها قوله:
عليك أحالي داعي النجاح ونحوك حثني حادي الفلاح
وكنت كساهر ليلا طويلا ترنح حين بشر بالصباح
وذي جهل تغلغل في قفار شكا ظمأ فدل على القراح
دعانا نحو وجهك طيب ذكر ويذكر للرياض شذا الرياح
وله في غلام أسود ساق ارتجالا:
أدار علينا الكأس ظبي مهفهف غدا واللون للعنبر الشحري
وزاد لنا حسنا بزهر كؤوسه وحسن ظلام اليل بالأنجم الزهر
وقوله فيه وقد لبس أبيض:
وغصن من الآبنوس ارتدى بعاج كليل علاه فلق
يحاكي لنا في كفه صباح يجنح علاه شفق
وقوله مما كتب به إلى أخيه محمد وقد ورد منه كتاب بإنعام :
وافى كتابك ينبي عن سابغ الإنعام
فقلت در ودر من زاخر وغمام
وقوله يذم حماما :
يا رب حمام لعنا بما أبدى إلينا كل حمام
أفق له قطر حميم كما أصمت سهام من يدي رامي
يخرق سحبا للدخان الذي لاح لغيم العارض الهامي
وقيم يجذبني جذبة وتارة يكسر إبهامي
ويجمع الأوساخ من لؤمه في عضدي قصدا لإعلامي
وازدحم الأنذال فيه وقد ضجوا ضجيجا دون إفهام
وجملة الأمر دخلنا بني سام وعدنا كبني حام
وله في ضد ذلك والنصف الأخير لابن بقي :
لا أنسى ما عشت حما ما ظفرت به وكان عندي أحلى من جنى الظفر
نعمت جسمي في ضدين مغتنما تنعم الغصن بين الشمس والمطر
وقال له السيد أبو سعيد ابن عبد المؤمن صاحب غرناطة : ما أنت إلا حسن
الفراسة وافر العقل فقال :
نسبتم لمن هذبتموه فراسة وعقلا ولو لاكم لازمه الجهل
وما هو أهل للثناء وإنما علاكم لتقليد الأيادي له أهل
وما أنا إلا منكم وإليكم وما في من خير فأنم له أصل
وقال :
ولما رأيت السعد في صفح وجهه منيرا دعاني ما رأيت إلى الشكر
وأقبل يبدي لي غرائب نطقه وما كنت أدري قبله منزع السحر
فأصغيت إصغاء الجديب إلى الحيا وكان ثنائي كالرياض على القطر
وله:
لاتكن عتابي إن طال عنك فراقي
فما يضر بعاد يطول الود باقي
وله :
ما خدمناكم لأن تشفعوا فينا بدار الجزاء يوم الحساب
ذاك يوم أنا وأنت سواء فيه كل يخاف سوء العقاب
إنما الشأن الذب في هذه الدنيا بسلطانكم عن الأصحاب
وإذا ما خذلتموهم بشكوى وبمخمل عنهم برد الجواب
فاعذروهم أن يطلبوا من سواكم نصرة وارفعوا حجال العتاب
وإذا أرض مجدب لفظته فله العذر في اتباع السحاب
وله وقد أمامه في ليلة مظلمة أحد أصحابه فطفىء السراج في يده
فقال لوقته :
لي من جينك هادي في اليل نحو مرادي
فما أريد سراجا يدلني لرشاد
أنى وكفك سحب يبدو بها ذا اتقاد
فقال أبو جعفر :
يا من نأى عنا إلى جانب صدأ كميل الشمس عند الغروب
لا تزو عنا وجهك المجتلى فالشمس لا يعهد منها قطوب
إن دام هذا الحال ما بيننا فإننا عما قريب نتوب
ما نشتكي الدهر ولا خطبه لو لاك ما دارت علينا خطوب
وله أيضا :
أيا لائمي في حمل صحبة جاهل قطوب المحيا سيء اللحظ والسمع
لمنفعة ترجى لديه صحبته وإن كان ذا طبع يخالفه طبعي
كما احتمل الإنسان شرب مرارة الدواء لما يرجو لديه من النفع
وله وقد أحسن ما شاء :
تركتكم لا كارها في جنابكم ولكن أبى ردي إلى بابكم دهري
وطاحت بي الأطماع في كل وجهة تنقلني من كل سهل إلى وعر
وما باختيار فارق الخلد آدم وما عن مراد لاذ لأيوب بالصبر
ولكنها الأيام ليست مقيمة على ما اشتهاه مشته أمد العمر
وإنك إن فكرت فيما أتيته تيقنت أن الترك لم يك عن غدر
ولكن لجاج في النفوس إذا انقضى رجعت كما قد عاد طير إلى وكر
وإني لمنسوب إليكم وإن نأت بي الدار عنكم والغدير إلى القطر
وإني لمثن بالذي نلت منكم مقيم على ما تعلمون من البر
وإن خنتكم يوما فخاني المنى وساء لديكم بعد إحماده ذكري
على أني أقررت أني مذنب وذو المجد من يغني المقر عن العذر
وله يصف نارا :
نظرت إلى نار تصول على الدجى إذا ما حسبناها تدانت تبعد
ترفعها أيدي الرياح وتارة تخفضها مثل المكبر يسجد
وإلا فمن لا يملك الصبر قلبه يقوم به غيظ هناك ويقعد
لها ألسن تشكوا بها ما أصابها وقد جعلت من شدة القر ترعد
وله على لسان إنسان أخلقت بردته :
مولاي هذي بردتي أخلقت وليس شيء دونها أملك
وصرت من بأس ومن فاقة أبكي إذا أبصرتها تضحك
وله يستدعي أحد أبناء الرؤساء إلى يوم اجتماع :
تداركنا فإنا في سرور وما بسواك يكتمل السرور
أهلة أنسنا بك في تمام أليس تم بالشمس البدور
وله وقد خطر على منزله من إليه له ميل وقال : لو لا أخاف الثقيل
لدخلت وانصرف فلما أعلم أبو جعفر كتب إليه:
مولاي لم تقصد تعذيب من يهوى وما قصدك مجهول
طلبت تخفيفا ببعد وفي تخفيف من تهواه تثقيل
غيرك إن زار جنى ضجرة ولج منه القال والقيل
وأنت إن زرت حياة وما العيش إذا ما طال مملول
ولع وقد جلس إلى جانبه رجل تكلم فأنبأ عن علو قدر فسأله عن بلده
فقال : إشبيلية ففكر ثم قال :
يا سيدا لم أكن من قبل أعرفه حتى تكلم مثل الروض بالعبق
وزادني أن غدا في حمص منشؤه لقد تشاكل بين البدر والأفق
وله وقد حضر مجلسا مع إخوان له في انبساط ومزاح فدخل عليهم أحد ظرفاء الغرباء بوجه طلق وبشاشة فاهتز لما سمع بينهم وجعل يصل ما
يحتاج من مزاحهم إلى صلة بأحسن منزع وأنيل مقصد فأنشده أبو جعفر ارتجالا :
يا سيدا قد ضمه مجلس حل به للمزح إخوان
لم نلق من فجأته خجلة ولا ثنانا عنه كتمان
كأنه من جمعنا واحدا لم ينب منا عنه إنسان
ولم نكن ندريه لكن بدا في وجهه للظرف عنوان
وله وقد لقي أحد إخوانه وكان قد طال الغيبة عنه فدار بينهما ما أوجب
أن قال :
إن لحت لم تلمح سواك الأعين أو غبت لم تذكر سواك الألين
أنت الذي ما إن يمل حضوره ومغيبه السلوان عنه يؤمن
وله وهو من آياته :
إني لأحمد طيفها وألومها والفرق بينهما لدي كبير
هي إن بدت لي شبيبة في جفوة والطيف في حين المشيب يزور
وإذا توالى صدها أو بينها وافى على أن الزار عسير
وله وقد سافر بعض الأراذل بماله فنكب في سفره وعاد فقيرا بأسوأ
أحواله:
اغد ولا يغن عنك القيل والقال فالجود مبتسم والفضل يختال
قالوا فلان رماه الله في سفر رآه رأيا بما حالت به الحال
فآب منه سيبا مثل مولده عليه ذل وتفجع وإقلال
فقلت لاخفف الرحمن عنه فلم يكن لديه على القصاد إقبال
فقل له دام في ذل ومسغسة ولا أعيدت له في المال آمال
قد كان حمقك حسن المال يستره فاليوم أصبحت لا عقل ولا مال
وله وقد سافر أحد الرؤساء من أصحابه :
أيا غائبا لم يغب ذكره ولا حال عن وده حائل
لئن مال دهري بي عنكم فقلبي نحوكم مائل
فإني شاهدت منكم علا من العجز قس بها باقل
لئن طال بي البعد عن لحظكم فما في حياتي إذن طائل
وله وهو من حسناته :
شقت جيوب فرحا عندما آبت وفي البعد تشق القلوب
فقلت هذا موقف ما يشق الجيب فيه غير صب طروب
فابتسمت زهوا وقالت كذا الأفق لعود الشمس شق الجيوب
وله وقد أجمع رأيه على أن يفد على أمير المؤمنين عبد المؤمن فأخذ في ذلك مع أصحاب له فجعلوا يثنونه عن ذلك وظهر عليهم الحسد له فقال :
سر نحو ما تختار لا تسمعن ما قاله زيد ولا عمرو
كلهم يحمد ما رمته مهما يساعد رأيك الدهر
عجبت ممن رام صدر العلا يروم أن يصفو له دهر
فقالوا له: اتهمنا في الود فقال : لو لم أتهمكم كنت أنهم عقلي والعياذ
بالله تعالى من ذلك وكيف لا أهمكم وقد غدو تم تثنوني عن زيارة خليفة لوالدي
عنده مكان وله علينا إحسان ولي شافع عنده مقرب لمجلسه عقلي ولساني ولكني أنا المخطئ الذي عدلت عن العمل بقول القائل :
ولم يستشر في أمره غير نفسه ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
وله في شعاع القمر والشمس على النهر:
ألا حبذا نهر إذا ما لحظته أبى أن يرد اللحظ عن حسنه الأنس
ترى القمرين الدهر قد عنيا به يفضضه بدر وتذهبه شمس
وله في والده وقد سن عليه درعا:
أيا قائد الأبطال في كل وجهة تطير قلوب الأسد فيها من الذعر
وقوله وقد بلغه أن حاسدا شكره :
متى سمعت ثناء عمن غدا لك حاسد
فكان منك انخداع به فرأيك فاسد
بصدره منك نار لهيبها غير خامد
وعله لك ما زدت في السعادة زائد
وإنما ذاك منه كالحب في فخ صائد
وله :
أبصره من يلوم فيه فقال ذا في الجمال فائق
أما ترى ما دهيت منه كان عذولا فصار عاشق
وله في أبيه وقد سجنه عبد المؤمن:
مولاي إن يحسبك خير خليفة فبذاك فخرك واعتلاه الشان
فالجن يحبس نوره من غبطة المرهفات تصان في الأجفان
فابشر فنزع الدر من أصدافه يعليه للأسلاك والتيجان
ولئن غدا من ظل دونك مطلقا إن القذى ملقى عن الأجفان
والعين تحبس دائما أجفانها وهداية الإنسان بالإنسان
والطرس يختم ما حواه نفاسه ويهان ما يبدو من العنوان
فاهنا به لكن مليا مكثه سجنا لغير مذلة وهوان
فلتعلون رغم الأعادي بعده بذرى الخليفة في ذرى كيوان
مولاي غيرك يعزى بما لم يزل يجري على الكرام ويذكر تأنيسا له في الوحشة بما يطرأ من الكسوف والخسوف على الشمس المنيرة والبدر التمام :
وأنت تعلم الناس التعزي وخوض الموت في الحرب السجال
وقد كان مولاي أنشدني لعلي بن الجهم قائلا : إن أحدا لم يسل نفسه عما ناله من السجن بمثله :
قالوا سجنت فقلت ليس بضائر سجني وأي مهند لا يغمد؟
الأبيات ماذا تفيدك من العلم وصدرك ينبوعه وبخاطرك لا يزال غروبه
وطلوعه وإنما هي عادة تبعناها أدبا وقضينا بها ما في النفس من الإعلام بالتوجع والتفجع أربا ولعل الله تعالى يتبع هذه التسلية بتهنئة ويعقب بالنعمة
هذه المرزئة قال: فأمر الملك بتسريحه إثر ذلك فلما اجتمع وجهه بوجهه
جعل يحمد الله تعالى جهرا ويفرد بهذه الأبيات وكان سراحه بكرة :
طلعت علينا كالغزالة بالضحى وعزك طماح ووجهك مشرق
فغفرا لذنب الدهر أجمع إنه اتى اليوم من حسناه ما هو أليق
فلح في سماء العز بالسعد طالعا وقدرك سام أفقه ليس يلحق
فقد سرحت لما غدوت مسرحا قلوب وأفكار وسمع ومنطق
فاهتز أبوه من شدة الطرب , وقال له: والله إنك لتملأ الدلو إلى عقد الكرب .
وله يعتذر وقد دعي إلى مجلس أنس: سيدي ساعدك سولك لما وصل إلى أخيك المعتد بك رسولك قابله بما يجيب من القبول وأبدى له من الشغل ما منع من الوصول:
ومن ذا الذي يدعى لعد لان فلا يرى على الرأس إجلالا إليها يبادر
ولكن الاضطرار لا يكون معه اختيار وإني لأشوق الناس إلى مشاهدة
تلك المكارم وأحبهم في محاضرة تلك الآداب المرادفة ترادف الغمائم ولكن شغلني عارض قاطع وبرغمي أني لدعوتك عاص وله طائع وإني بعد ذلك لحامل على تلك السجية الكريمة في الغفران مستجير باخلاص الذي أعهد من خرق فلان ومكر فلان فإني متى غبت لا أعدم مترصدا قرحة يقع عليها ذبابه ومستجمعا إذا أبصر فرصة سل عليها ذبابه :
ولكني أدري بأني نازح ودان سواء عند من يحفظ العهدا
وإني لأقول وقد غبت عن تلك الحضرة العلية وجانبت ذلك الجناب السامي والمثابة السنية:
لئن غبت عمن نوره نور ناظري فحسبي لديه أن أغيب عقابا
وسوف أوافيه مقرا بزلي وفي حلمه أن لا يطيل حسابا
وله في قصر النهار ولو لم يكن له غيره لكفاه:
لله يوم مسرة أضوا وأقصر من ذباله
لما نصبنا للمنى فيه بأوتار حباله
طار النهار به كمر تاع وأجفلت الغزاله
وهذا المعنى لم يسبق إليه ولم يقدر أحد أن ينزعه من يديه
ولما وصل صحبة والده إلى إشبيلية افتن بواديها واعتكف على الخلاعة فيها
مصعدا ومنحدرا بين بساتينه ومنازهه فمر ليلة بطريانة فمال نحو منزه فيه
طرب سمعه فاستوقفه هنالك وهو في الزورق متكئ وأصحابه وأصحاب أبيه
مظهرون انحطاطهم عنه في المرتبة أخرج رأسه أحد الأنذال المعتادين بالنادر
من شرجب والشرجب : هو الدرابزين من خشب فيه طاقات وطريانة
مقابلة إشبيلية وبها المنازه والأبنية الحسنة ف… له ذلك النذل بغاية ما قدر
فرفع رأسه وقد أخذ منه السكر ولم يعتد مثل ذلك في بلده وقال : با سفلة
أتقدم علي بهذا قبل معرفي فتى عليه واحدة أخرى ثم رفع ثوبه عن ذكره
وهو منعظ وقال : يا وزير اجعل هذا عندك وديعة حتى أعرف من تكون ثم رفع ما على ا… من ثيابه وقال : واعمل من هذا غلافا للحيتك فإذا عرفناك ذهبناه لك فغلبه الضحك على الحرج وجعل أصحابه يقولون له : ما سمعت أن من دخل هذا الوادي يعول على هذا وأمثاله ؟ فمال عن ذلك المنزه قليلا وأطرق ساعة وقال :
نهر حمص لا عدمناك فما مثلك نهر
فيك يلتذ ارتياح أبد الدهر وسكر
كل عمر قد خلا منك فما ذلك عمر
خصه الله بمعنى فيه للألباب سر
يلعن الإنسان فيه وهو يصغي ويسر
ثم سأل بعد ذلك عن رب المنزه قسمي له وأعلم أن ابن سيد الشاعر
المشهور باللص كان حاضرا وأنه أملى على السفلة ما قال وصنع فكتب له أبو جعفر :
يا سميي وإن أفاد اشراك غير ما يرتضيه فضل وود
أكذا يزدرى الخليل بأفق أنت فيه ولم يكن منك رد
لا أرى من سلطت ولكن ليس يخفى عليك من هو وغد
فلما وقف على هذه الأبيات كتب له : يا مولاي وسيدي وأجل ذخري
للزمان وعضدي الذي أفخر بمشاركة اسمه وتتيه هذه الصناعة بذكره ورسمه:
وخير الشعر أشرفه رجالا وشر الشعر ما قال العبيد
سلاك كتسنيم على ذلك المقام الكريم ورحمة الله تعالى وبركاته وإن كان مولاي لم يفاتحني بالسلام ولا رآني أهات لمقاومة الكرام لكن حط قدري
عنده ما نسب لي من الذنب المختلق ولا والله ما نطقت بلسان ولا كنت ممن
رمق بل الذي زور لسيدي في هذه الوشاية كان المعين عليها والملم إليها
فبادر إليكم قبل أن أسبقه فاتسم بأسقط خطتين النذالة الأولى والوشاية الأخرى
ولو أن المجالس بالأمانات وأن الخلاعة بساط يطوى على ما كان فيه لكنت
أسبق منه لكني يأبى ذلك خلقي وما تأدبت به ومع ذلك فإني أقول :
فإن كنت ذا فقد جئت تائبا ومثلك غفار ومثلك قابل
ولو لا ما أخشى من التقبيل وما أتوقع كم الخجل إذا التقى الوجهان
لأتيت حتى أبلغت في الاعتذار بالمشافهة ما لا يسع القرطاس لكني متكل على حلم سيدي وإغضائه متوسل إليه الغفران بعلائه وكتب تحت ذلك شعرا
طويلا منه :
ولا غزو أن تعفوا أن وأنت ابن من غدا تعود عفوا عن كبار الجر ائم
لكم آل عمار بيوت رفيعة تشيد من كسب الثنا بدعائم
إذا نحن أذنبنا رجونا ثوابكم ولم نقتنع بالعفو دون المكارم
وإنك فرع من أصول كريمة ولا تلد الأزهار غير النائم
وإني مظلوم لزور سمعته وقد جئت أرجو العفو في زي ظالم
فأجابه أبو جعفر بما نصه: سيدي الذي أكبر قدره وأجل ذكره وأجزل شكره وصل جوابك لو كان لك من الذنب ما تحمله ابن ملجم
لأضربت لك عنه صفحا ونسيت بما تأخر ما تقدم ومعاذ الله أن أنسب
لفضلك عيبا فأذم لك حضورا أو غيبا وإنما قصدت بالمعاتبة ما تحتها من المطارحة والمداعبة على أن سيدي لو تيقنت أنه ظالم لأنشدت :
منذ غدا طرفك لي ظالما آليت لا أدعو على ظالم
لكني أتيقن خلاف ذلك وأعلم حتى كأني حاضر ما كان هنالك
وقد أطلت عليك وبعد هذا فلتعتمد على أن تصل إلي أو أصل إليك فهذا يوم كما قال البستني :
يوم له فضل على الأيام مزج السحاب ضياءه بظلام
فالبرق يخفق مثل قلب هائم والغيم يبكي مثل جفن هام
فاخر لمنفسك أ ربعا هن المنى وبهن تصفو لذة الأيام
وجه الحبيب ومنظرا مستشرفا ومغنيا غردا وكأس مدام
وقد حضرت عند محبك الثلاثة فكن رابعا ونادت بك همم الأماني فكن
بفضلك سامعها ومركز أفلاك هذه المسرة حين كتب هذه الرقعة إلى مجدك
منزه مطل على جزيرة شنتبوس لا لأزال أترنم فيه بقول ابن وكيع:
قم فاسقني والخليج مضطرب والريح تثني ذوائب القضب
كأنها والرياح تعطفها صف قنا سندسية العذب
والجو في حلة ممسكة قد طرزها البروق بالذهب
فإن كان سيدي في مثل هذا المكان جرينا إليه جري الحلبة لخصل الرهان
وإن كان في كسر بيته فليبادر إلى محل تقصر عنه همة قيصر وكسرى وإن
أبطأ فإن الرقاع بالاستدعاء لا تزال عليه تترى وإن كان لا يجدي هذا الكلام
فما نقنع من العقوبة المؤلمة بالملام وعلى المودة المرعية الداعية أكمل ما يكون من السلام .
فعندما قرأ الرقعة ركب إليه زورقا وصنع هذه الأبيات في طريقه فعند وصوله أنشده إياها :
ركبت إليك النهر يا بحر فالقنا بما يتلقى جوده كل قادم
يفيض ولكن من مدام وهزة ولكن إلى بذل الندى والمكارم
وكنا نسمي قبل كونك حاتما ومذ لحت فينا لم نعد ذكر حاتم
بآل سعيد يفخر السعد والعلا فأيديهم تلغي أيادي الغمائم
فامتلأ أبو جعفر سرورا وخلع عليه ما كان عنده هنالك ووعده بغير ذلك فأطرق لينظم شيئا في شكره فأقسم عليه أن لا يشغل خاطره في ذلك الوقت عن الأر تياح وحث أكؤس الراح فأقبلوا على شأنهم وكان ابن سيد في ذلك الحين متسرا بشرب الراح وكان عند أبي جعفر خديم كثير النادر
والالتفات يخاف أهل التستر من مثله فقال ابن سيد : هات دواة وقرطسا
فأعطاه ذلك فكتب :
يا سيدي قد علمت أني بهذه الحال لا أظاهر
أخشى أناسا لهم عيون نواظر مني المعاير
أحذرهم طاقي وإني وثقت بالله فهو غافر
ولا تقس حالي بحال منك اعتذر فالفرق ظاهر
فأنت إن كنت ذا جهار غير مبال فالجاه ساتر
لا تخش من قول ذي اعراض ولا حسود عليك قادر
وإني قد رأيت ممن يكثر القول وهو ساخر
ما قد أراب العفيف منه ضحك وظن به يجاهر
أخشى إذا قيل كيف كنتم قال بحال تسر ناظر
واللص ما بيننا صريعا بكل كأس عليه دائر
مطرحا للصلاة يصغي لصولة الدف والمزمار
فأغتدي سيدي مشارا إلي مهما مررت خاطر
وإن أتيت الملوك أبغي نوالهم قيل أي شاعر
يذكر في شعره خلافا وهو لزور المحال ذاكر
بالأمس قد كان ذا انتهاك فما له بعد ذلك عاذر
إن كان هذا فإن حظي وافى لربح فآب خاسر
فقال له أبو جعفر: يا أبا العباس اشرب هنيئا غير مقدر ما قدرت فلو
كان هذا المضحك على الصفة التي ذكرت كان الذنب منسوبا إلي في كوني
أحضر في مجلسي من يهتك سر المستورين ومهما تراه هنا بهذه الخفة والطيش
والتسرع للكلام فإنه إذا فارقنا أثقل من جبل وأصمت من سمكة متزي بزي خطيب في نهاية من السكون والوقار :
وتحت الثياب العار لو كان باديا
فكن في أمن ما شربت معي فإني والله لا أسمع أحدا من أصحابنا تكلم في شأنك
بأمر إلا عاقبته أشد العقاب والذنب في ذلك راجع إلي فسكن ابن سيد وجعل
يحث الأقداح ويمرح أشد المراح على ما كان يظهره من الانقباض تقية لما يخشاه من الاعراض إلى أن قاربت الشمس الغروب ومد لها في النهر
معصم مخضوب فقال أبو جعفر:
انظر إلى الشمس قد ألصقت على الأرض
فقال ابن سيد:
هي المرآة ولك من بعدها الأفق يصدا
فقال أبو جعفر:
مدت طرزا على النهر عندما لاح بردا
فقال ابن سيد :
أهدت لطرفك منه ما للأكرام يهدى
فقال أبو جعفر :
درع اللجين عليه سيف من التبر مدام
فقال ابن سيد :
فاشرب عليه هنيئا وزد سرورا وسعدا
ثم لما أظلم اليل نظروا إلى منارة شنتبوس قد عكست مصابيحها في النهر وإلى النجوم قد طلعت فيه فقال ابن سيد :
اخلع على النهر ثوب الكرى واجب
فقال أبو جعفر :
وانظر إلى السرج فيه كالزهر ذات الذوائب
وحين صفق للأفق نطقته الكواكب
فقبل ابن سيد رأسه وقال : ما تركت بعد هذا مقالا لقائل ثم جعلوا يشربون .
فقال أبو جعفر:
سقني والأفق برد بنجوم الليل معلم
فقال ابن سيد :
وبساط النهر منها وهو فضي مدرهم
فقال أبو جعفر :
ورواق اليل مرخى والشذا بالروض قد نم
فقال ابن سيد :
والندى في الزهر منثور على عقد منظم
فقال أبو جعفر :
والصبا جرت على ميت الطلى كف ابن مريم
فقال ابن سيد :
كان مبهوتا فلما نفخت فيه تكلم
فقال أبو جعفر :
وكأن الكأس والقوة دينار ودرهم
فقال ابن سيد :
وبدا الدف يناغي العود والمزمار هيم
فقال أبو جعفر :
فأذاع الأنس منا كل ما قد كان مكتم
فقال ابن سيد :
أي عيش يهتك المستور لو كان ابن أدهم
فقال أبو جعفر :
هكذا العيش ودعني من زمان قد تقدم
فقال ابن سيد :
حين لا خمر سوى ما بكؤوس البيض من دم
فقال أبو جعفر : والله ما تعديت ما جال الساعة في خاطري فإني ذكرت
أيام الفتنة وما كابدنا فيها من المحن وأنا نزل في مصادمة ومقارعة ثم رأيت ما نحن الآن فيه بهذه الدولة السعيدة التي أمنت وسكنت فشكرت الله تعالى ودعوت بدوامها ,
ثم لما طلع الفجر قال أبو جعفر :
نثر الطل عقوده ونضا اليل بروده
فقال ابن سيد :
وبدا الصبح بوجه مطلع فينا سعوده
فقال أبو جعفر :
وغدا ينثر لما فر اليل بنوده
فقال ابن سيد :
فلهم اشرب وقبل من غدا ينطق عوده
فقال أبو جعفر :
ثم صافحه على رغم النوى وافرك نهوده
فقال ابن سيد :
واجعل الشكر على ما نلته منه جحوده
فقال أبو جعفر: يا أبا العباس إنك أغرت على التهامي في هذا البيت في قوله:
وشكر أيادي الغانيات جحودها
قال: فلم لقبت باللص ؟ لو لا هذا وأمثاله ما كان ذلك
واللص المذكر اسمه أحمد بن سيد يكنى أبا العباس وهو من مشهوري
شعراء الأندلس ولما أنشد أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي بجبل الفتح قوله :
غمض عن الشمس واستقصر مدى زحل وانظر إلى الجبل الراسي على جبل
قال له: أنت شاعر هذه الجزيرة لو لا أنك بدأتنا بغمض وزحل والجبل
ومن بديع نظم اللص قوله:
سلبت قلبي بلحظ أبا الحسين خلوب
فلم أسمى بلص وأنت لص القلوب
ولما اجتمع أبو جعفر ابن سعيد المرجم به باللص أبي العباس المذكور في جبل
الفتح عندما وفد فضلاء الأندلس على عبد المؤمن واستنشده فجعل ينشده
ما استجفاه به لخروجه عن منزع أبي جعفر أن أنشده قوله :
وما أفنى السؤال لكم نوالا ولكن جودكم أفي السؤالا
فقال له أبو جعفر : لا جعلك الله في حل من نفسك يكون في شعرك مثل هذا وتنشدني ما كان يحملني على أن أسأت معك الأدب ؟ والله لو لم يكن لك غير هذا البيت لكنت به أشعر أهل الأندلس .
وكتب إلى أبي جعفر أبو الحكم بن هردوس في يوم بارد بغرناطة
يا سميي في علم مجدك ما يحتاج فيه هذا النهار المطير
ندف الثلج فيه قطعنا علينا ففرونا بعدلكم نستجير
والذي أبتغيه في اللحظ منه ورضاب الذي هويت نظير
يوم قر يود من حل فيه لو تبدى لمقلتيه سعير
فوجه بما طلب وجاوبه بما كتب :
أيها السيد الأجل الوزير الذي قدره معلى خطير
قد بعثنا بما أشرت إليه دمت للأنس والسرور تشير
كان لغزا فككته دون فكر إن فهمي بما تريد خبير
ومن نظم أبي الحكم :
إذا ضاقت عليك فول عنها وسر في الأرض واختبر العبادا
ولا تمسك رحالك في بلاد غدوت بأهلها خبرا معادا
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|