أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-12-2016
1703
التاريخ: 24-12-2016
1576
التاريخ: 24-12-2016
1299
التاريخ: 24-12-2016
1661
|
قال علي عليه السلام: الزهد كله بين كلمتين من القرآن، قال الله سبحانه: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} ومن لم يأسَ على الماضي ولم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزهد بطرفيه (1).
هذا هو معنى الزهد باختصار. ويُستشف من هذا التفسير أنّ الذي يملك نفسه حيال مغريات الدنيا وزهوها هو الزاهد. وبهذا نفهم مضمون الكلمة المأثورة: ليس معنى الزهد ألا تملك شيئاً، بل الزهد ألا يملك شيء.
وهو صفة مميزة للأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولياء، صفة بارزة في سلوكهم لا تقبل التصنّع ولا التكلّف.
وللإمام علي عليه السلام خطبة يصف فيها الدنيا وزهد الأنبياء فيها قال:
ولقد كان في رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كافٍ لك في الأسوة، ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها، إذ قبضت أطرافها، ووطئت لغيره أكنافها (أي جوانبها) وفطم عن رضاعها، وزوي عن زخارفها.
ثم يقول (عليه السلام): وإن شئت ثنّيت بموسى كليم الله (عليه السلام) حيث يقول: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} والله ما سأله إلا خبزاً يأكله؛ لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه. إن شئت ثلثت بداوود (عليه السلام) صاحب المزامير، وقارئ أهل الجنّة، فلقد كان يعمل سفائف الخوص بيده، ويقول لجلسائه: أيّكم يكفيني بيعها، ويأكل قرص الشعير من ثمنها. ثم يستطرد واصفاً زهد عيسى عليه السلام قائلاً:
وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه السلام فلقد كان يتوسد الحجر، ويلبس الخشن، ويأكل الجشب، وكان إدامه الجوع، وسراجه بالليل القمر، وضلاله في الشتاء مشارق الأرض ومغاربها، وفاكهته وريحانه ما تنبت الأرض للبهائم، ولم تكن له زوجة تفتنه، ولا ولد يحزنه، ولا مال يلفته، ولا طمع يذله، دابته رجلاه، وخادمه يداه.
ثم يعود عليه السلام، فيصف زهد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيقول ولقد كان (صلى الله عليه وآله) يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار العاري، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته، فتكون فيه التصاوير، فيقول: يا فلانة ـ لإحدى زوجاته ـ غيّبيه عنّي فإنّي إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها... الخطبة (2).
وأمير المؤمنين علي عليه السلام كان قمةً في الزهد والتعبّد، ويكفي في ذلك، ما ورد عن ضرار بن حمزة الضبائيّ حين دخل على معاوية، فسأله معاوية عنه، فقال: أشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا يا دنيا، إليك عنّي، أبي تعرّضتِ؟ أم إليّ تشوّقتِ؟ لا حان حينك، هيهات؛ غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آهٍ آه من قلة الزاد، وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد!
وعن نوف البكاليّ، قال: رأيت أمير المؤمنين عليه السلام ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر في النجوم، فقال لي: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ فقلت: بل رامق.
قال: يا نوف، طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، والقرآن شعاراً، والدعاء دثاراً، ثم قرضوا الدنيا قرضاً على منهاج المسيح (3).
ولعلّ القارئ الكريم يستغرب من هذا العرض الطويل ـ وربّما اعتبره خروجاً عن حدود الموضوع ـ زهد سلمان ـ لكن الأمر عكس ذلك، فأنا أجدني مضطراً لعرض هذا وأكثر منه؛ لأنّ ما يروى في زهد سلمان رضي الله عنه يفوق حد الوصف إلى درجةٍ عالية قد يرفضها الكثيرون، أو على الأقل يعتبرونها ضرباً من الشذوذ ومدعاة للانتقاص، ولكن حين يقارن الباحث والقارئ بين الزهد بالنسبة للأنبياء والأوصياء، وزهد سلمان الذي كان كما يقال (قد أدرك أوصياء المسيح) يهون عليه الأمر ويتقبله بكل اطمئنان وبكل إجلال وإكبار، وإليك بعضاً مما ورد عن زهده وتعبده.
قال ابن أبي الحديد، قال أبو وائل: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي، فجلسنا عنده فقال: لو لا أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التكلف لتكلَّفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه، فقال صاحبي: لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر! فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة! (4).
ودخل قوم على سلمان وهو أمير على المدائن، وهو يعمل الخوص، فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجرى عليك رزق؟ فقال: انّي أحب أن آكل من عمل يدي، وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه (5).
وعن الحسن البصري: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به، ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفرش بعضها ويلبس بعضها (6).
ولم يكن لسلمان بيت، إنّما كان يستظل بالجدر والشجر، وإنّ رجلاً قال له: ألا نبني لك بيتاً تسكن فيه؟ قال: لا حاجة لي في ذلك. فما زال به الرجل، حتى قال له: أنا أعرف البيت الذي يوافقك. فقال: فصفه لي. قال: أبني لك بيتاً إذا أنت قمت فيه، أصاب رأسك سقفه، وإن أنت مددت فيه رجليك أصابهما (الجدار) قال: نعم فبنى له (7).
ووقع بين سلمان الفارسي ورجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟! فقال (رض): أمّا أولي واولك فنطفة قذرة! وأمّا آخري وآخرك فجيفة نتنة! فإذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين. فمن ثقلت موازينه فهو الكريم، ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم (8).
وذكر المسعودي في مروج الذهب: أنّه كان يلبس الصوف، ويركب الحمار ببرذعته بغير إكاف ويأكل خبز الشعير، وكان ناسكاً زاهداً فلمّا احتضر بالمدائن قال له سعد بن أبي وقاص: أوصني يا أبا عبد الله، قال: نعم. قال: اذكر الله عند همّك إذا هممت، وعند لسانك إذا حكمت وعند يدك إذا قسمت، فجعل سلمان يبكي، فقال له: يا أبا عبد الله ما يبكيك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّ في الآخرة عقبة لا يقطعها إلا المخفّون، وأرى هذه الأساود حولي. فنظروا فلم يجدوا في البيت إلا إداوة وركوة ومطهرة (9).
__________________
(1) تصنيف نهج البلاغة / ص 416 رقم الحكمة 655.
(2) المصدر السابق / 406 ـ 407 رقم الخطبة 158.
(3) المصدر السابق / 413 رقم الحكمة 577 و583.
(4) البحار 22 / 384.
(5) شرح النهج 18 / 35 إلى 37 وكذلك في أسد الغابة قريباً منه 2 / 328 وفي الأعلام 3 / 170: وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به ينسج الخوص ويأكل خبز الشعير من كسب يده.
(6) المصدر السابق.
(7) راجع المصدر السابق، والاستيعاب (على الإصابة 4 / 58 ـ 59).
(8) الدرجات الرفيعة / 212.
(9) مروج الذهب 2 / 306.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|