أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2019
1540
التاريخ: 10-9-2016
7477
التاريخ: 2024-10-28
198
التاريخ: 2023-08-20
1005
|
يقول مؤلف كتاب طبقات ناصري نقلاً عن ثقاة: (كان جنكيز خان حين جاء إلى خراسان رجلاً طويل القامة قوي البنية حليق الوجه أبيض البشرة وعيناه كعيني القطط، وكان يتحلى بالجلد والذكاء والعقل، وكان ذا هيبة ومحارباً عنيداً وشجاعاً ومتعطشاً للدماء). (1) وهي تقريباً الأوصاف نفسها التي وصفه بها متك هوانك سفير أباطرة الصين الجنوبية لدى المغول. وهو يثني على ضخامة بنيته وعرض جبهته وطول لحيته. أما من ناحية الصفات الأخلاقية، فكان جنكيز رجلاً ذا عزم وعـقـل وتدبير وكان قادراً على ضبط النفس تماماً، وكان يبدي ثباتاً عجيباً في مواجهة المشكلات والعقبات ولم يكن يتراجع عن تحقيق هدفه، ولم يكن يعرف الاضطراب واليأس أمام الملمات، فكان يستقبل الأحداث ببرود وهدوء تامين. وعندما كان السلطان جلال الدين منكبرني في، پروان تمكن من هزيمة قوات قـوتـوقـو نـويان، فذهب الأخير إلى جنكيز مهزوماً، فلم يخرج خان المغول عن هدوئه الطبيعي لدى سماعه خبر الهزيمة، وكل ما قاله هو أن قوتوقو نويان قد اعتاد أن يخرج من كل معاركه منتصراً وأنه لم يذق طعم الهزيمة قط، وأنه سيحتاط لنفسه بعد هذه الهزيمة. لا شك في أن جنكيز خان يعد أحد أكثر الفاتحين الذين سجل التاريخ أسماءهم بطشاً وسفكاً للدماء. فما أريق من دم وما خرب من مدن بأمر منه لم يعرفه التاريخ في أي عـصـر مـن عـصـور الفتوحات. فلم يكن ذبح سكان مدينة بأكملها وقتل عدة ملايين من البشر وقتل النساء والأطفال والعاجزين بحركة من شفتيه يمثل أمراً صعباً عنده. ولكن ينبغي الإقرار بأن فتح كل هذه الممالك وإدارة كل تلك المنطقة المترامية الأطراف لم يكن ممكناً دون حيازة العقل والكفاءة والتدبير. ولا ينبغي أن نتصور أن جنكيز كان مجرداً من السياسة وأنه كان يجرد جيشه لمجرد عشقه لفتح البلدان وإزهاق! الارواح؛ بل يمكن القول إن جنكيز كان فاتحا يستحل كل قتل وتدمير وتخريب دون لحظة تأمل أو حرص في سبيل تحقيق هدفه، ولم يكن يهتم بأي شيء سوى نيل مراده. كان كل هدف جنكيز خان في بادئ الأمر هو فتح الطريق التجاري وطريق القوافل القديم بين إيران والصين (طريق الحرير). وكان تأديبه لطوائف الايغور والقراخطائيين والنايمان والتتار الذين سدوا الطرق وكانوا سبباً في انعدام الأمن فيها لهذا الغرض نفسه. وحين بدأ في التعامل مع الممالك الخوارزمشاهية كان يرعى كل شروط الأدب والاحترام تجاه السلطان محمد، إلا أن إقدام الأخير على الإطاحة بدولة القراخطائيين وتدمير السد الذي كان قائماً بين الممالك الإسلامية وأراضي التتار والمغول، إضافة إلى غروره وسوء مسلكه مع مبعوثي جنكيز ووهم فتح الصين وغير ذلك أدت إلى إثارة غضب خان المغول وإطلاق شرارة حملته على الممالك الإسلامية. وقد تبدو صفة العدل التي نسبها بعض المؤرخين المنصفين المعاصرين لجنكيز غريبة لأول وهلة، إلا أنها حقيقية. فقد كان جنكيز خان رجلاً بدوياً لم يجد غير الذبح والتدمير سبيلاً للانتصار على قبائل وشعوب من بني جنسه ولا تقل عنه وحشية وسفكاً للدماء. (2) وكان هذا هو السبيل نفسه الذي اتبعه كل جيرانه فيما بينهم فكانت المذبحة التي أقامها السلطان محمد خوارزمشاه لأهل سمرقند في سنة 609هـ وتنكيل جنود أبيه بأهل العراق في سنة 590هـ والـهـجـوم على تفليس وذبح أهلها في سنة 623 هـ على يد ابنه السلطان جلال الدين منكبرني من جنس العمل نفسه ولا فرق بينها وبين ما اقترفه المغول من جرائم من حيث الشناعة وأسلوب القتل. كان جنكيز خان في مذابحه الجماعية يبدو كسياف تجرد من المشاعر ينفذ أحكاماً دون أن يفرق بين غني وفقير أو بين صغير وكبير أو بين رجل وامرأة أو بين مسلم وغير مسلم. ولم يكن يحيد عن العدل حتى في عمله الذميم هذا. وكان في إزهاقه للأرواح يمارس ضبط النفس إلى أقصى حد، على خلاف بعض أبنائه وبعض الفاتحين الذين عرفهم التاريخ (كتيمور لنك ونادر)، فلم يكن غضبه يدفعه لارتكاب بعض الفظائع كإخراج الأعين وقطع الآذان وجدع الأنوف وإقامة تلال من الجماجم. يشبه بعض المؤرخين جنكيز بزعيم قبائل الهون ويشبهون هجمات جنوده بالطوفان، ويعتبرون تدفق المغول من قبيل الهجرة الجماعية للبدو الرحل. إلا أن استعداد جنكيز للحملة على ممالك الخوارزمشاهية وحرصه وتعقله في الأمور العسكرية والانضباط ومراجعة المستشارين وأهل الخبرة وتحريك الجيوش على وفق خطة سليمة يكذب هذا التشبيه ويدل على أن جنكيز كان يدير كل شؤون الحملات العسكرية طبقاً لتخطيط محكم. وكان طول عمر جنكيز وعدم فقدانه لأي من قواه البدنية والعقلية حتى الموت دليلاً على سلامته النفسية ومراعاته الجانب الاعتدال في حياته ولهوه فكثير من خلفائه (من أمثال جغتاي وأقطاي وجيوك) انغمسوا في اللهو وجذبهم بهرج الحياة وزخرفها بعد الاختلاط بأهل الحضر في البلاد المفـتـوحـة وسكنى المدن، فكانوا يقضون أغلب أيامهم في السكر والعربدة، في حين أن جنكيز لم يتخل عن بساطته البدوية، وكان يغضب لإفراط المغول في الشراب وكثيراً ما كان ينهرهم بسبب هذه العادة. وكانت خشيته في قلب جيشه بلا حدود، وكان كل جنده يعتبرونه سروراً عظيماً لهم ويرون في حكمه حكماً سماوياً مقدساً ويؤمنون بأنه لا ينبغي أن يكون على الأرض حاكم سواه. وكان عصيان جنكيز والخروج على أمره بمنزلة ارتكاب جرم عظيم عندهم؛ فأمر الخان عند المغول منزل من السماء والاعتراض عليه في حكم الاعتراض على الله. وكان قتل أحد أفراد أسرة الخان يمثل إثماً عظيماً؛ لذا فقد كان محو مدينة نيسابور على يد المغول بعد مقتل تغاجار صهر جنكيز، وإبادة بامیان على أثر قتل موتوجن بن جغتاي من منطلق هذه العقيدة. (وكان جنكيز خان مثالاً للعدل، فلم يكن يمكن لأحد في معسكره أن يأخذ سوطاً سقط في الطريق إلا صاحبه. ولم يكن أحد في جيشه يكذب أو يسرق. وكل امرأة يأسرونها في أرجاء خراسان وفارس لا يمسها أحد إن كانت متزوجة. ولم يكن يمكن لأحد أن يكذب، وهذا المعنى واضح. وفي شهور سنة 618 هـ عاد كاتب طبقات منهاج سراج من تمران إلى غور ورأى الملك حسام الدین حسن عبد الملك في قلعة سنكه؛ وفجأة عاد أخوه الملك تاج الدين حبشي عبد الملك الذي كان يلقب بخسرو غور (3) من طالقان إلى غور بإذن من جنكيز خان. وقد سمعنا هذه الحكاية منه، فقال: عندما خرجنا من عند جنكيز خان وجلسنا في الحظيرة مع الحاجب الذي كنت قد أتيت معه وعدد من الأمراء الآخرين. وكان أكبر الحاضرين هو الحاجب. وجئ باثنين من المغول كانا في أثناء النوبة. فقال الحاجب مَنْ مِن المغول أحضرهما؟ فأجاب المغولي الذي أتى بهما قائلاً: أنا أحضرتهما. فقال وما الجرم الذي ارتكبا؟ فقال كانا على ظهر جيادهما، وكنت أطوف للتفتيش، وحين وصلت إليهما وجدتهما نائمين فضربت جيادهما بالسوط وقلت لهما لقد أخطأتما حين نمتما وتركتهما. وقد أحضرتهما اليوم. فنظر الحاجب إلى المغوليين وسألهما هل نمتما. فاعترفا، فأمر بأن يُقتل أحدهما وتعلق رأسه في خصر الآخر ويطاف به حول المدينة، ثم يُقتل الآخر. فأطاعوا جميعاً وتم تنفيذ الأمر. وقد اندهشت وقلت للحاجب إن هذا المغولي لم يكن لديه شاهد أو حجة، فكيف يكون جزاؤهما القتل؟ فقال الحاجب وما العجب في ذلك؟ أنتم أيها العرب تفعلون الشيء وتكذبون؛ أما المغولي فيفضل الموت وإن كانت له ألف روح على أن يكذب. فالكذب شأنكم أيها العرب، لذا فقد ابتلاكم الله بنا» (طبقات ناصري، ص374-375) لم يكن جنكيز يؤمن بديانة أو قومية محددة، بل كان يتحاشى التعصب لأمة على أمة أو تفضيل بعض على بعض. فكان يكرم العلماء والزهاد من كل الأديان والطوائف. (4) وكان أبناؤه في فتوحاتهم إذا وجدوا عالماً في أي مكان ووجدوا أنه يليق بخدمة أبيهم كانوا يرسلونه سالماً إليه. في شهور سنة 622هـ، حدث أن سافر كاتب طبقات منهاج السراج إلى قهستان. وحين وصل إلى مدينة قاين رأى إماماً من أعيان خراسان يدعى القاضي وحيد الدين بوشنجي رحمه الله. هذا الإمام أنه حضر حادثة مدينة هرات (أي فتحها على يد تولي) وكنت كل يوم أرتدي وروی زي الغزاة وأدخل بينهم. وذات يوم شهدت ضجيجاً على أطراف هرات، وانزلقت قدمي وسقطت الخندق وتدحرجت كالحجر على التراب إلى أن وقعت وسط جيش الكفار وكدت أقع في في الأسر. وقد حدثت تلك الواقعة في الموضع الذي كان تولي بن جنكيز خان قد نصب خيمته أمامه. وظللت أتدحرج عشرين ذراعاً من الحافة وكان لايزال هناك أربعون ذراعاً أخرى حتى أصل إلى قاع الخندق. وقد حفظني الله تعالى ولم أصب بسوء ولم يكسر أي عضو من أعضاء بدني. وعندما وصلت إلى الأرض هرول جمع من المغول إلى قائلين أحضروه حياً ولا ترهقوه. وحين أخذوني إلى تولي نظر إلى وقال: انظروا كيف لم يصب بأي جرح، ثم قال لي: أنت بشر أم من الجن أم الملائكة أو من الشياطين، أم لديك تعويذة من أسماء الله. اصدقني القول. طاطات رأسي وقلت أنا بشر مسكين من جنس العلماء والدعاة، ولكن كان لدي شيء. فقال وما هو؟ قلت: وقوع نظر ملك مثلك على عصمة لي. فنظر تولي إلي في رضا وقال: هذا رجل حكيم ومثله يليق بخدمة جنكيز، ثم أمر بإرسالى إلى جنكيز حيث تقربت منه وأصبحت ملازماً لبلاطه. وكان دائم السؤال عن أخبار الأنبياء وسلاطين العجم وملوك الماضي. وذات مرة سألني: هل يبقي اسمي قوياً من بعدي؟ فطأطأت رأسي وقلت إن أعطيتني الأمان أقول لك. فقال أعطيتك الأمان. فقلت: الاسم الذي يبقى هو الناس. فكيف يبقى الاسم مادام عبيد الخان يقتلون الناس. وعندما انتهيت من - كلامي ألقى بالسهم الذي في يده وغضب غضباً شديداً وأشاح بوجهه عني. وحين رأيت أمارات الغضب على ناصيته غير المباركة سلمت أمري إلى الله وانقطع أملى في الحياة وتيقنت أن الأجل قد حان وأني سأرحل عن الدنيا بسيف هذا الملعون. وبعد فترة اتجه إلى وقال: كنت أعتبرك رجلاً حكيماً، ولكن تأكدت من كلامك هذا أنك لا عقل لك (طبقات ناصري، ص 352)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طبقات ناصري، ص 373.
2- لم يكن التتار والنايمان وأسرة أباطرة كين والتنغوت والقراخطائيون الخوارزمشاهيون وحتى الأفغان الآريين يتورعون عن التنكيل بالمغول.
3- في بداية محاصرة جنكيز لقلعة نصرت كوة في سنة 617هـ، كلف خان المغول عدداً من قواده وصهره قوتوقو نويان والحاجب ومعهم خمسة وأربعون ألف جندي بفتح بلاد الغور وخراسان، فأغاروا على كل مدن طخارستان والغور. وبعد محاصرة قلعة آستيه وهي من قلاع الغور، استسلم محافظها تاج الدين حبشي بن عبد الملك، وأخذه المغول إلى جنكيز الذي لقب الملك تاج الدين بخسرو غور وأعاده مع الحاجب إلى الغور، إلا أنه انقلب على المغول بعد هزيمة السلطان جلال الدين فقتلوه (طبقات ناصري، ص344-345).
4- جهانگشاي جويني، ج1، ص18.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|