أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-15
847
التاريخ: 2023-06-14
1106
التاريخ: 2023-07-25
924
التاريخ: 2023-04-02
1198
|
سند الشيخ الصدوق إلى محمد بن مسلم (1):
ابتدأ الشيخ الصدوق (قدس سره) باسم محمد بن مسلم في موارد كثيرة من الفقيه تناهز مائة مورد، وطريقه إليه في المشيخة يشتمل على شيخه علي بن أحمد البرقي وعلى والد هذا الشيخ وهو أحمد بن عبد الله البرقي الذي هو من مشايخ الكليني، وهما لم يوثقا في كتب الرجال ولذلك بنى المشهور ــ ومنهم السيد الأستاذ (طاب ثراه) ــ على ضعف هذه الروايات كلها، وكنت قد تابعتهم على ذلك فيما مضى ولكن بدا لي لاحقاً أنه يمكن تصحيحها.
وتوضيح الحال: أنّه قد سعى بعض المتأخّرين إلى تصحيح ما رواه الصدوق مبتدءاً باسم محمد بن مسلم ببعض الوجوه، وأولهم ــ فيما أعلم ــ هو العلامة المجلسي الأول (قدس سره) (2)، وينبغي البحث عن تلك الوجوه وما يمكن أن يضاف إليها، وهي:
الوجه الأول: ما يظهر من العلامة المجلسي الأول (قدس سره) من أنّ الصدوق (رضوان الله عليه) إنّما اقتبس ما ابتدأ في الفقيه باسم محمد بن مسلم من كتابه، وكتب أمثاله من الأعاظم كانت مشهورة عند الأصحاب وكانت كالنصوص المسموعة عن الأئمة (عليهم السلام) فلا يضر جهالة من وقع في الطريق إليها.
وهذا الكلام مبني على أنّ الصدوق (قدس سره) لا يبتدأ في الفقيه إلا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله، أي أنّه مثل الشيخ الذي صرّح في مشيخة التهذيبَين بتقيّده بذلك، ولعلّ أساس هذه الدعوى هو أنّ ما ذكره (قدس سره) في مقدمة الفقيه من (أنّ جميع ما فيه مستخرج من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع) إنّما عنى به أنّ كلّ حديث فيه مستخرج من كتاب مشهور لمن ابتدأ الحديث باسمه، وأنّ قوله: (وطرقي إليها ــ أي إلى تلك الكتب ــ معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي (رضي الله عليهم)) إنّما أراد به الإشارة إلى مشيخة الفقيه وأنّها تشتمل على الطرق إلى كتب الذين ابتدأ بأسمائهم في المتن.
ولكن هذا البيان لا يمكن المساعدة عليه:
أولاً: إنّه ليس فيما ذكره الصدوق في مقدمة الفقيه ــ من أنّ كلّ ما فيه مستخرج من كتب مشهورة ــ دلالة على أنّه لم يبتدأ إلا باسم من كان له كتاب مشهور وقد أخذ الحديث من كتابه، بل لا ينبغي الشك في أنّه لم يقصد هذا المعنى، لوضوح أنّ معظم من ابتدأ بأسمائهم وهم بالمئات ليس لهم كتب مشهورة، ووضوح أنّ الصدوق لم يأخذ روايات كتابه من مئات الكتب والمصنّفات بل من عدد محدود منها لعلّها لا تزيد على ما سمّاها في المقدمة إلا قليلاً.
وأمّا فهرس كتبه الذي أشار إليه في المقدمة فهو غير المشيخة بلا ريب، ومقتضى الشواهد أنّه كان من مصادر الشيخ في تأليف الفهرست، والظاهر أنّ الصدوق (قدس سره) لم يكن في البداية بصدد تأليف المشيخة بل كان يرى الاكتفاء بذكر الروايات محذوفة الإسناد والإرجاع إلى فهرسته في التعرف على أسانيده إلى الكتب التي أوردها منها ثم بدا له أن يؤلف المشيخة لتخرج به قسم من الروايات عن حدِّ الإرسال وتصير مسندة.
وبالجملة: الطرق المذكورة في المشيخة ليست طرقاً إلى كتب المذكورين فيها بل إلى الروايات التي أوردها عنهم في الفقيه، إلا فيما صرّح بأنّه طريق إلى كتاب صاحبها أيضاً كما في الكافي ومسائل علي بن جعفر.
ثانياً: إنّه لو سُلِّم أنّ الصدوق قد أخذ روايات محمد بن مسلم من كتابه إلا أنّه لا دليل على أنّ ذلك الكتاب ــ الذي سُمّي بـ(الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام) ــ كان من الكتب المشهورة إلى عصر الصدوق (قدس سره) ــ بمعنى أنّ نسخه كانت كثيرة متداولة بيد الأصحاب جيلاً بعد جيل من عصر محمد بن مسلم إلى زمن الصدوق ــ ليستغنى بذلك عن السند إليه، وممّا يشهد على خلافه أنّ الشيخ لم يذكره في فهرسته، ممّا يكشف عن أنّه لم يجد ذكره حتّى في ما كان بيده من فهارس الأصحاب وإجازاتهم على كثرتها وتنوعها كما هو واضح للمتتبع.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق السبزواري (قدس سره) (3) من أنّ الصدوق قد صرّح في مقدّمة الفقيه ــ كما مرّ آنفاً ــ بأنّ جميع ما فيه مستخرج من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع. وحيث إنّ علي بن أحمد البرقي ووالده لم يكونا من أصحاب الكتب فضلاً عن أن يكون لأيٍّ منهما كتاب مشهور، فالظاهر أنّه أخذ أحاديث محمد بن مسلم من كتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي الذي ذكره في المقدمة في عداد الكتب المشهورة، أو أنّه أخذها من كتب من قبله في السند، وهو محمد بن خالد البرقي والعلاء بن رزين ومحمد بن مسلم، ومع شهرة الكتاب لا حاجة إلى السند. بل يكون الغرض من إيراد الوسائط هو إسناد الأخبار واعتبار اتصالها من غير أن يكون التعويل على نقلهم.
وهذا الكلام أيضاً ضعيف:
أولاً: من جهة أنّ الظاهر أنّ ما ذكره الصدوق (قدس سره) في مقدمة الفقيه ــ من أنّ جميع ما فيه مستخرج من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع ــ مبنيّ على الغالب، وإلا فإنّه قد روى فيه عن غير واحد من الكتب غير المشهورة، ومن ذلك ما نقله عن كتاب علل الفضل بن شاذان، وكتاب علل محمد بن سنان وما أورده من خبر أسماء بنت عميس في رد الشمس لعلي (عليه السلام)، وخبر وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) من رواية أبي سعيد الخدري، وخبر النواهي لشعيب بن واقد، ووصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) برواية حماد بن عمرو، وما رواه عن محمد بن القاسم الاسترابادي وما حكاه عن أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، وكل ذلك بأسانيد مظلمة ليس فيها شخص صاحب كتاب مشهور.
ثانياً: من جهة أنّه لو غض النظر عما تقدم وفرض أنّ جميع ما في الفقيه مقتبس من الكتب المشهورة كما ذكر (قدس سره) ذلك في المقدمة، إلا أنّه ينبغي أن يلاحظ بأنّه ليس مقتضى كون الكتاب مشهوراً عند الأصحاب ومعوّلاً عليه عندهم هو عدم اختلاف نسخه، فهذا كتاب العلاء بن رزين ــ المذكور اسمه في السند إلى محمد بن مسلم ــ قد ذكر الشيخ (قدس سره) (4) أنّ له أربع نسخ، إحداها برواية الحسن بن محبوب، والثانية برواية محمد بن خالد الطيالسي، والثالثة برواية محمد بن أبي الصبان، والرابعة براوية الحسن بن علي بن فضال.
وكتاب المحاسن الذي عدّه الصدوق في المقدمة من الكتب المشهورة قد نص النجاشي والشيخ على أنه قد زيد فيها ونُقص، وحكى النجاشي (5) في ترجمة محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه ألّف ستة من الكتب عندما لاحظ أنّه قد سقط عن نسخته من كتاب المحاسن تلك الكتب الستة، وسأل إخوانه بقم وبغداد والري فلم يجدها عند أحد منهم، فاضطر إلى أن يرجع إلى الأصول ويؤلف تلك الكتب لتكميل كتاب المحاسن، مما يشهد بوضوح على أنّ كتب المحاسن لم تكن كثيرة النسخ حتى في عصر الحميري.
وأيضاً نوادر محمد بن أبي عمير الذي عده الصدوق في مقدمة الفقيه من الكتب المشهورة قال النجاشي بشأنه: إنّ نوادره كثيرة؛ لأنّ الرواة لها كثيرون، فهي تختلف باختلافهم، وكذلك كتب الحسين بن سعيد التي عدها الصدوق في المقدمة من الكتب المشهورة قد رويت بروايات مختلفة كما نص على ذلك النجاشي.
وبالجملة: فرق شاسع بين كون كتاب من الكتب المشهورة من حيث تعويل الأصحاب عليه ورجوعهم إليه وبين كون نسخه مشهورة متداولة غير مختلفة بحيث يضعف احتمال وقوع الزيادة والنقيصة والدس والتحريف فيها. وما يمكن أن يدعى أنه يوجب الاستغناء عن السند هو ما يكون مشهوراً من حيث نسخه إلى عصر الصدوق.
ولكن هذا لا يمكن إحرازه بالنسبة إلى ما رواه عن محمد بن مسلم، ولا أقل من أنه يحتمل أنه اقتبسه من كتاب محمد بن مسلم، وقد مرَّ آنفاً أنه لا شاهد على أن نسخ هذا الكتاب كانت مشهورة إلى عصر الصدوق (قدس سره).
وتجدر الإشارة هاهنا إلى أمر، وهو أن السيد الأستاذ (قدس سره) ذكر في غير موضع أن صاحب الحدائق وغيره يعبرون بالصحيحة عن الروايات التي ابتدأها الصدوق في الفقيه باسم محمد بن مسلم غفلة عن عدم صحة الطريق إليه.
قال (قدس سره) (6) في بحث صلاة الجماعة بشأن رواية لمحمد بن مسلم: (عبّر المحقق الهمداني (قدس سره) عنها بالصحيحة مع ضعف طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم، وكأنه (قدس سره) اغتر بجلالة محمد بن مسلم، ولم يمعن النظر في طريق الصدوق إليه. وقد صدر نظير هذا الاشتباه من صاحب الحدائق (قدس سره) مع كونه من مهرة الفن، فوصف هذه الرواية التي أسندها الصدوق إلى محمد بن مسلم بالصحة، غفلة عما في طريقه إليه من الضعف وإنما العصمة لأهلها).
أقول: الأمر ليس كذلك، فإن صاحب الحدائق من دأبه مراجعة كتاب ذخيرة المعاد للمحقق السبزواري ــ كما هو واضح للمتتبع ــ وقد صرّح في مواضع متعدّدة من الذخيرة بأنّه يصحح ما أورده الصدوق في الفقيه مبتدءاً باسم محمد بن مسلم للوجه المتقدم آنفاً، ويبدو أن صاحب الحدائق قد اقتنع بهذا الوجه فتبع المحقق السبزواري في تصحيح تلك الأخبار وقد عبر عنها بالصحيحة في عشرات الموارد، وبعضها (7) ممّا صرّح المحقّق السبزواري عند تعرّضه له بأنّه مخدوش السند عند المشهور ولكنه يصححه للوجه المار الذكر، فلا يحتمل أن يكون صاحب الحدائق (قدس سره) ــ الذي يعرف منه الرجوع إلى ذخيرة المحقق السبزواري ــ أن يغفل حتى في هذا المورد عن كون الرواية ضعيفة السند عند المشهور فيعبّر عنها بالصحيحة، اغتراراً بجلالة محمد بن مسلم كما قاله السيد الأستاذ (قدس سره).
وأمّا المحقق الهمداني (قدس سره) فليس من دأبه أنّ يحقق السند بنفسه، بل هو يعتمد على ما في الجواهر والحدائق، أي أنّه إذا عُبِّر عن الرواية فيهما بالصحيحة عبر بذلك تبعاً لهما، فلا يصح القول أنّه يكون ذلك منه اغتراراً بجلالة محمد بن مسلم.
وبالجملة: إنّ تعبير الأعلام المذكورين بالصحيحة عما رواه في الفقيه مبتدءاً باسم محمد بن مسلم ليس مبنياً على الغفلة والاشتباه بل على الوجه الثاني المتقدم ولكنه غير تام على المختار.
الوجه الثالث: ما أشار إليه العلامة المجلسي الأول (قدس سره) (8) وذكره المحدث النوري (قدس سره) (9) أيضاً من أن في طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم كلاً من أحمد بن ابي عبد الله البرقي والعلاء بن رزين وطريقه إليهما صحيح في المشيخة.
ومبنى هذا الكلام هو أن قول الصدوق (قدس سره) في المشيخة وما كان فيه عن العلاء بن رزين ــ مثلاً ــ يشمل ما ابتدأ باسمه في الفقيه وما لم يبتدأ باسمه فيه بل وقع في وسط السند في الفقيه نفسه ــ كما في بعض الموارد (10) ــ أو في المشيخة كما في المورد المبحوث عنه أي السند إلى محمد بن مسلم.
ولكن هذا الكلام ظاهر الضعف كما نبه عليه بعض الأعلام (طاب ثراه) (11)، فإن قول الصدوق في المشيخة: (ما كان فيه عن العلاء بن رزين فقد رويته) يختص بمن ابتدأ في الفقيه باسمه فلا يشمل من كان واقعاً في الفقيه في وسط السند فضلاً عما إذا كان واقعاً في الطريق إلى بعض الرواة في المشيخة، وهذا واضح جداً.
الوجه الرابع: ما ذكره المحدث النوري (قدس سره) (12) من أنّ الشيخ (قدس سره) وإن لم يذكر محمد بن مسلم في الفهرست ولا في المشيخة إلا أنه يظهر من التهذيب في مواضع أن له إليه طرقاً وهي بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبي أيوب الخلال عنه ـــ أي عن محمد بن مسلم ـــ. وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عنه. وبإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينه عنه. وبإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن حريز عنه، وهذه الطرق كلها صحيحة.
وعلى ذلك فإن لم يمكن تصحيح ما رواه الصدوق عن محمد بن مسلم بطريق الصدوق نفسه فإن بالإمكان تصحيحه من طريق الشيخ.
وهذا الكلام نقله الرجاليّ المعروف الشيخ أبو الهدى الكلباسي (13)، وردّ عليه قائلاً: إنه لا يراه نافعاً بشيء، نظراً إلى أن من المعلوم أنه إذا صحت لنا رواية عن ثقة بوسائط موثقين فلا وجه لتصحيح رواية أخرى وصلت بطريق غير صحيح عن هذا الثقة بمجرد ثبوت طريق صحيح في رواية أو روايات خاصة، ضرورة أن الوسائط الثقات وسائط لخصوص ما يروون أنفسهم لا لما يروي غيرهم.
أقول: يبدو أنّه (رحمه الله) حمل ما ذكره المحدّث النوري على أنّه من قبيل أن يروي زيد عن عبيد عن بكر عن بكير خبر مجيء خالد من السفر، ويكون هناك خبر آخر عن بكير يحكي موت عمرو يرويه موسى عن عيسى عن يحيى عن بكير، ويكون هذا الخبر الثاني ضعيفاً لعدم وثاقة يحيى مثلاً، فيبنى على تصحيحه بتبديل السند إلى بكير في هذا الخبر بالسند إليه في الخبر الأول، ومن المعلوم أن هذا واضح الفساد ولا ينبغي أن يظن بالمحدث النوري (رحمه الله) أنه يعتمد هذه الطريقة الفاسدة في التصحيح، بل ما ذكره مبني على نكتة فنية ومقدمات مطوية مرّ شرحها عند التعرض لكلام المولى محمد الاردبيلي الذي هو الاصل في هذه المقالة حيث ذكرها في رسالته في تصحيح أسانيد التهذيبين.
ولكن بالرغم من ذلك فإنها غير تامة كما أوضحته هناك فليراجع.
وبذلك يظهر عدم تمامية ما ذكره المحدث النوري (رحمه الله) في المقام، فإنه يبتني على ما ذكره المولى الأردبيلي، فإذا لم يتم ذاك لم يتم هذا أيضاً.
مع أنّه لم يظهر لي لماذا التجأ (طاب ثراه) إلى طرق الشيخ في التهذيب لتصحيح روايات محمد بن مسلم المروية في الفقيه، في الوقت الذي يوجد فيه للصدوق نفسه عدة طرق صحيحة إلى محمد بن مسلم فقد روى عن كثيرين عنه كأبي أيوب وحريز وعاصم بن حُميد وعمر بن أذينه وعلي بن رئاب وآخرين وطرقه إلى هؤلاء صحيحة، فلو كانت الطريقة التي سلكها المولى الأردبيلي في تصحيح الأسانيد تامة لكان ينبغي للمحدث النوري أن يقول: إن طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم في المشيخة وإن كان غير معتبر إلا أن له إليه طرقاً أخرى صحيحة تنتهي إلى فلان وفلان و.. ولم يكن وجه لإرجاعه إلى طرق الشيخ (قدس سره).
الوجه الخامس: أنّ في طريق الصدوق إلى محمد بن مسلم في المشيخة أحمد بن أبي عبد الله البرقي، وقد ذكر الشيخ في الفهرست أنه يروي جميع كتبه ورواياته بعدة أسانيد بعضها معتبرة، وحيث إن من روايات أحمد بن أبي عبد الله هو ما رواه الصدوق بطريقه إليه عن محمد بن مسلم فبالإمكان تصحيح الروايات المذكورة بتركيب سند الشيخ في الفهرست على سند الصدوق في المشيخة.
ونظير هذا الكلام اعتمده بعض الأعلام (طاب ثراه) في تصحيح حديث رفع التسعة قائلاً ــ كما في أحد تقريريه (14) ــ : إنّ الصدوق قد روى في الخصال والتوحيد هذا الحديث بطريق غير معتبر عن سعد بن عبد الله، وللشيخ الطوسي طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله، والمقصود هو جميع ما وصل إليه من كتبه ورواياته، وهذا الحديث قد وصله، إذ الشيخ يروي كتب الصدوق ومنها خصاله وتوحيده اللذان تضمنا هذا الحديث. فهذا وجه لتصحيح حديث رفع التسعة خالٍ من التعقيد وفي غاية اللطافة، وهو متين ينبغي الاعتماد عليه.
وذكر بعض آخر من الأعلام (طاب ثراه) (15) نظير هذا بشأن ما رواه الكليني بسنده عن ياسين الضرير عن حريز عن محمد بن مسلم في حدّ الطواف قائلاً: إن ياسين الضرير وإن كان غير موثق إلا أن الشيخ ذكر أن له لجميع كتب حريز ورواياته سنداً صحيحاً، فتصحح رواية الكافي بذلك. وقال مثل هذا الكلام أيضاً (16) بشأن رواية أخرى مروية في الكافي وفي سندها ياسين الضرير عن حريز عن زرارة.
أقول: ورد التعبير بقوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) في الفهرست بشأن عشرات المذكورين فيه كالحسن بن محبوب والحسن بن علي بن فضال والحسن بن محمد بن سماعة والحسين بن سعيد وحريز بن عبد الله وسعد بن عبد الله وأحمد بن محمد بن خالد البرقي وأحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن مهزيار وغير هؤلاء، ولم يرد في كتاب النجاشي إلا بالنسبة إلى عدد محدود من الرواة كمحمد بن عيسى بن عبيد ومحمد بن بحر الدهني ومحمد بن علي بن الفضل. وسمعت سيدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) يقول: إن السيد الأستاذ (رضوان الله عليه) طرح ذات مرة في الجلسة العلمية الخاصة التي كان يحضرها صفوة تلامذته إمكانية الاستناد إلى وجود طريق صحيح للشيخ إلى روايات المذكورين بالإضافة إلى كتبهم في تصحيح الأحاديث التي أوردها لهم في التهذيبين إذا كان الطريق في ما قبلهم مخدوشاً، بتوضيح: أنه لو كان طريقه في الفهرست إلى كتب حريز ــ مثلاً ــ خاصة ولوحظ أن طريقه إلى رواية من رواياته في التهذيب ضعيف لم يمكن الاستناد إلى طريقه الصحيح في الفهرست لتصحيح سند تلك الرواية إلا إذا أحرز أن الشيخ أخذه من كتابه كما إذا كان قد ابتدأ باسمه فيه. وأمّا مع وجود طريق صحيح له إلى كتب حريز ورواياته جميعاً كما ورد في الفهرست فلعل بالإمكان أن يقال: إن المقصود برواياته هو ما أورده عنه في كتبه من التهذيبين وغيرهما فيتسنى تصحيح ما ضعف طريقه إليه فيها من الأحاديث.
هذا هو البيان الذي كان يذكره السيد الأستاذ (قدس سره) ويبدو أنه هو الأصل فيما تقدم عن العلمين من تلامذته.
ولكن لم أجد في كلماته (رضوان الله عليه) تطبيقاً لهذا البيان في تصحيح شيء من الروايات إلا في مورد واحد تعرض له في أوائل كتاب الصلاة حيث ذكر رواية لحريز أوردها الشيخ في كتاب مصباح المتهجد عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، فقال (17): إنّه لا مجال للخدش فيها بالإرسال لصحة طريق الشيخ في الفهرست إلى جميع كتب حريز ورواياته، ولا اختصاص لهذا ــ أي هذا الطريق المذكور في الفهرست ــ بكتاب دون كتاب. نعم ما ذكره من الطرق في المشيخة مختصة بالأخبار التي رواها في التهذيبين على ما بينه هو (قدس سره) حيث قال: فما ذكرناه في هذا الكتاب عن فلان فقد أخبرنا به فلان إلى آخر..، ومعه يمكن أن يقال: إن هذه الرواية بما أنها غير مذكورة في الكتابين ــ أي التهذيب والاستبصار ــ فلم يعلم أن الشيخ رواها عن حريز بأي طريق، ولكن هذا البيان لا يتأتّى في طرقه التي ذكرها في فهرسته حيث إنه في الفهرست قال: إنّه أخبرنا بجميع كتبه ورواياته، والرواية التي أوردها في المصباح عن حريز من مصاديق روايات حريز، فيمكن تصحيح هذه الرواية بالسند المذكور في الفهرست إلى جميع روايات حريز.
والملاحظ أنّه لم يقل بمثل هذا الكلام في رواية لهشام بن سالم تتعلق بصلاة الغفيلة أوردها الشيخ ايضاً في مصباحه وتعرض لها السيد الأستاذ (رضوان الله عليه) في أوائل كتاب الصلاة ايضاً، بل نفى إمكان تصحيحها قائلاً (18): إنّه قد يتوهم أنّها مسندة بإسناد صحيح نظراً إلى أن أحد طريقي الشيخ إلى أصل هشام بن سالم وكتابه صحيح في الفهرست. ويدفعه أن طريق الشيخ إلى أصل هشام وكتابه وإن كان صحيحاً إلا أنه لم يعلم أن هذه الرواية التي رواها في المصباح كانت موجودة في أصل هشام وكتابه حتى يقال: إن طريقه إليه صحيح.
والفارق بين الموردين ــ أي بين رواية حريز ورواية هشام بن سالم ــ مع أنهما معاً قد ذكرا في كتاب المصباح هو ما أشير إليه من أن للشيخ طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات حريز بالإضافة إلى طريقه إلى كتبه فيمكن تصحيح ما رواه في المصباح عن حريز لأنه من مصاديق رواياته، وأما بالنسبة إلى هشام بن سالم فالطريق إنما هو إلى كتبه دون رواياته فلا سبيل إلى تصحيح ما رواه عنه في المصباح بالسند إلى كتابه لعدم إحراز كونه مأخوذاً من ذلك الكتاب.
وربّما يخفى وجه الفرق بين الموردين فيعترض عليه (قدس سره) بما ليس في محله. ومهما يكن فإنه يمكن أن يخدش في البيان المتقدم من جهتين:
الجهة الأولى: أنّ مبناه هو أن يكون المراد بالروايات في قول الشيخ بشأن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ـــ مثلاً ــ: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) هو أحاديث أحمد البرقي في مقابل الكتب التي ألفها وعدّ الشيخ قبل ذلك أسماء جملة منها. ولكن الصحيح أن المراد بروايات أحمد البرقي في مقابل كتبه هو مؤلفات الآخرين التي رواها البرقي عنهم، فإنه بالإضافة إلى ما ألفه من كتاب المحاسن وغيره من الكتب فقد روى العشرات من مصنفات الأصحاب كما يظهر بمراجعة الفهارس، فمقتضى المناسبات أن يراد برواياته هو ما رواه من كتب الآخرين.
ويشهد لذلك قول الشيخ في ترجمة أبي العباس ابن عقدة في الفهرست (أخبرنا بجميع رواياته وكتبه أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي وكان معه خط أبي العباس لإجازته وشرح رواياته وكتبه) فإن قوله: (شرح رواياته وكتبه) واضح الدلالة على أن المراد هو قائمة كتب ابن عقدة نفسه وقائمة الكتب التي رواها عن الآخرين، وليس المراد بالروايات هو الأحاديث وإلا فما معنى قوله: (وشرح رواياته) (19)؟!
الجهة الثانية: أنّه لو سلّم أنّ المراد بالروايات في قوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) هو أحاديث أحمد بن أبي عبد الله البرقي مثلاً، إلا أن مبنى الوجه المذكور هو كون المراد بالأحاديث هي تلك المروية عنه مما وصل إلى الشيخ ليقال: إن حديث محمد بن مسلم المروي في الفقيه هو من أحاديث أحمد البرقي التي رواها الشيخ لأنه يروي كتاب الفقيه عن الصدوق، وكذلك حديث رفع التسعة هو من أحاديث سعد بن عبد الله التي رواها الشيخ لأنه يروي كتاب الخصال والتوحيد للشيخ الصدوق عنه، وهكذا خبر حريز عن محمد بن مسلم الواردة في حدّ الطواف المذكور في الكافي، لأن الشيخ يروي هذا الكتاب عن الكليني فهو إذاً من مروياته.
ولكن الظاهر أنّ المراد بالروايات ــ لو سلّم أنّها الأحاديث ــ ليس هو الأحاديث التي وصلت إلى الشيخ مما روي عن أحمد البرقي أو سعد بن عبد الله أو حريز أو أضرابهم بأي طريق كان بل ما رواه هؤلاء في واقع الأمر، وعندئذٍ فإذا كان الطريق إلى حريز ــ مثلاً ــ في سند حديث ضعيفاً فلا مثبت لكون ذاك الحديث من مرويات حريز حتى يمكن أن يوصل به سند الشيخ إلى روايات حريز فيصبح بذلك معتبر الإسناد.
ولكن بعض الأعلام (طاب ثراه) (20) استبعد هذا الاحتمال قائلاً: إن هذا الاحتمال غير عقلائي، إذ لا يمكن عادة للشيخ أن يعلم جميع ما صدر في علم الله تعالى من أخبار من حريز ويعلم أنه ليس له غير ما علمه هو.
ثم قال: على أنّه لو سلم هذا الاحتمال إلا أنه بناءً عليه أيضاً يمكن تصحيح السند إلى الرواية المروية عن حريز بسند ضعيف بالاستعانة بسند الشيخ إلى جميع رواياته، لأن هذه الرواية لا يحتمل كون الشيخ قاطعاً بعدم صدورها من حريز وإلا لما كان ينقلها في كتابه، وحينئذٍ فلا بد أن تكون مشمولة للطريق الذي روى به جميع رواياته، إذ لو لم تكن مشمولة له لقطع بعدم كونها رواية لحريز بمقتضى ما تدل عليه العبارة من أنه يروي جميع روايات حريز بهذا الطريق.
إلا أنّ هذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه، لأنه مبني على أن الطرق المذكورة في الفهرست إنما هي طرق إلى نسخ محددة من الكتب والروايات كانت عند الشيخ عند تأليف الفهرست، فإنه على هذا التقدير يمكن أن يقال: إنه لا بد أن يراد بالروايات خصوص الأحاديث الواصلة إلى الشيخ مروية عن حريز ــ مثلاً ــ إذ أنّى له الاطلاع على جميع ما رواه في علم الله تعالى حتى يرويها بالطريق المذكور في الفهرست.
ولكن هذا وهم محض، فإنّ الممارس يعرف أن الطرق الموجودة في كتاب الفهرست إنما هي في معظمها مقتبسة من إجازات الأصحاب وفهارسهم فهي طرق إلى العناوين والأسماء إلا في موارد محدودة جداً أشير فيها إلى كون الطريق على سبيل القراءة أو السماع أو نحو ذلك، فالطريق سواء أكان إلى الكتب التي رواها حريز ــ مثلاً ــ أم إلى الأحاديث التي نقلها إنما هو من قبيل الإجازة الشرفية المتداولة في الأعصار الأخيرة، وفائدتها تنحصر في أنه إذا أحرز أن نسخة ما هي مما رواه حريز من الكتب أو من الأحاديث فبالإمكان رواية ما فيها بالطريق المذكور في الفهرست إلى روايات حريز.
ونظير ذلك أنه يمكننا نحن أن نعمل بما في النسخة المتداولة من كتاب الكافي من جهة إحراز مطابقتها مع نسخة المؤلف (رحمه الله) ولكن لا يمكننا رواية ما فيها من الأحاديث إلا مع وجود طريق لنا إلى الكليني، فجواز العمل منوط بإحراز صحة انتساب النسخة إلى المؤلف وأما جواز الرواية فمنوط بوجود الطريق إليه.
ومهما يكن فقد اتضح مما تقدم أن هذا الوجه الذي ذكر أصله في كلام السيد الأستاذ (رضوان الله عليه) وطبقه في مورد واحد واعتمده بعض الأعلام من تلامذته في غير مورد مما لا يمكن المساعدة عليه.
الوجه السادس: ما أشار إليه المحقق البهبهاني (قدس سره) (21) من أنّ العلامة (قدس سره) صحح بعض الروايات التي رواها الصدوق مبتدءاً باسم محمد بن مسلم، ومقتضاه أنه كان يرى وثاقة علي بن أحمد البرقي ووالده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، وإلا لما كان التعبير عن الرواية بالصحيحة في محله.
ويلاحظ عليه:
أولاً: بأنّ العلامة (قدس سره) (22) تصدّى في أواخر الخلاصة لبيان حال طرق الصدوق في المشيخة وقد ذكر أنه (إن كان في الطريق من لا يحضرنا معرفة حاله من جرح أو تعديل تركناه).
وممّا ترك التعرّض له هو الطريق إلى محمد بن مسلم، ممّا يدل على أنّه لم يعرف حال بعض الواقعين في السند، وحيث أنه يرى قبول روايات أحمد بن أبي عبد الله البرقي ووالده محمد بن خالد البرقي، كما أن العلاء بن رزين ومحمد بن مسلم من أجلاء الرواة ولا شك في وثاقتهم، فلا يبقى من يكون مجهولاً عنده سوى علي بن أحمد البرقي ووالده أو أحدهما، وعلى ذلك فإن تعبيره عن بعض روايات محمد بن مسلم في الفقيه بالصحيحة لا بد من أن يكون لغفلة ونحوها، كما لوحظ ذلك منه (قدس سره) في بعض الموارد المشابهة الأخرى، أي أن ما يذكره في كتبه الفقهية لا ينسجم أحياناً مع ما ذكره في الخلاصة من المباني الرجالية.
وثانياً: بما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) (23) في بعض كلماته، وهو أنّ تصحيح أحد الأعلام لسند رواية لا يكشف عن وثاقة الراوي أو حسنه، وذلك لاحتمال أنّه اعتمد على أصالة العدالة، ويرى حجيّة كلّ رواية يرويها موافق لم يظهر منه فسق، بل هذا الأمر ثابت بالنسبة إلى العلّامة (قدس سره)، فإنّه ذكر في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة أنه لم ينص علماؤنا عليه بتعديل ولم يرد فيه جرح، فالأرجح قبول روايته، وهكذا قال في ترجمة إبراهيم بن هاشم، أنه لم يقف لأحد من أصحابنا على قول من القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة والأرجح قبول قوله.
أقول: إنّ اعتماد إصالة العدالة في الإمامي الذي لم يرد فيه قدح مما ليس عليه شاهد يذكر في كلمات المتقدمين، وتصحيح الرواية عندهم لا يبتني على وثاقة جميع رواة سندها، فإن الصحة عندهم ليست بالمصطلح المتداول عند المتأخرين، بل إنهم يعدون الرواية صحيحة إذا وثقوا بها ولو من جهة بعض القرائن والشواهد، ولهذا عبر الكليني (قدس سره) في مقدمة الكافي بقوله (24): (بالأثار الصحيحة عن الصادقين (عليهم السلام) )، مع أنّ في أسانيد روايات الكافي الكثير من الضعفاء.
وأمّا الصحة في كلمات المتأخّرين فهي وإن كانت بالمعنى المصطلح عادة إلا أنّه لا شاهد يذكر على اعتمادهم على أصالة العدالة، ربما إلا الشاذ النادر منهم، وأما العلامة (قدس سره) فلم يتضح منهجه في كتاب الخلاصة في ما يعتمده في أمثال المقام، ففي حين يظهر منه الاكتفاء بعدم التعديل والجرح في الموردين المذكورين اللذين أشار إليهما السيد الأستاذ (قدس سره) نصّ على عدم الاكتفاء بذلك في موردين آخرين، ففي ترجمة زيد الزراد وزيد النرسي قال (25): (ولما لم أجد لأصحابنا تعديلاً لهما ولا طعناً فيهما توقفت عن قبول روايتهما)، وقال في تليد بن سليمان المحاربي (26): (لم يقف أحد من علمائنا على جرحه ولا على تعديله)، ومع ذلك أورده في القسم الثاني من الخلاصة المخصص لذكر من يتوقف عن العمل بروايتهم.
وبالجملة: إنّ ما نسبه السيد الأستاذ (قدس سره) إلى العلامة من بنائه على أصالة العدالة في كل إمامي لم يرد فيه قدح ليس كما ينبغي لاختلاف كلماته، ولكن هذا المقدار يكفي في عدم إمكان البناء على جعل تصحيحه لسند ما دليلاً على وثاقة جميع رواة تلك الرواية عنده.
وثالثاً: أنّه لو سُلِّم أنّ العلّامة (قدّس سرّه) قد وثّق علي بن أحمد البرقي ووالده، إلا أنّه لمّا كانت مصادره الرجاليّة زيادة على الأصول الخمسة الواصلة إلى المتأخّرين محدودة، وقد أورد في مواضع من الخلاصة ما كان لديه من إضافات على ما ورد في الأصول الخمسة، فمن المظنون قويّاً أنّ توثيقه لعلى البرقي وأبيه لا يعتمد على مصدر من كتب المتقدّمين، بل على ضرب من الحدس والاجتهاد، فلا يمكن التعويل عليه، فإنّ توثيقات المتأخّرين على قسمين:
الأول: ما لا يختلف عن توثيقات المتقدّمين في الاعتبار، كما إذا وثّق العلّامة (قدس سره) في الخلاصة راوياً ولم يذكر مستنده واحتمل كونه مأخوذاً من كتاب ابن عقدة ـ مثلاً ـ فإن حاله في الاعتبار حال توثيق الشيخ لأحد الرواة.
الثاني: ما لا سبيل إلى البناء على اعتباره وهو ما يعلم عدم استناده الى كلمات السابقين بل إلى الغفلة والاشتباه أو إلى ضرب من الحدس والاجتهاد غير المبني على مقدمات مقبولة، وهو فيما إذا كان يظهر منه البناء على وثاقة راوٍ في بعض كتبه الفقهية من دون أن يوثقه في الخلاصة. وقد مرّ توضيح هذا في بحث سابق فليراجع.
الوجه السابع: أن علي بن أحمد البرقي هو شيخ الصدوق (قدس سره)، وقد ترضى عليه في عدد (27) من المواضع.
وقد مرَّ مراراً أنّ الترضي آية الجلالة عند المتقدمين، فلا يقولون: فلان (رضي الله عنه) أو (رضوان الله عليه) ــ كما صدر من الصدوق بالنسبة إلى شيخه هذا ــ إلا إذا كان على درجة معتد بها من الجلالة، فإن الترضي وإن كان دعاءً ولكنه دعاء يُخص به الأجلاء، بخلاف الدعاء بالرحمة الذي يتعارف بالنسبة إلى كل من يستحقها وإن كان من العصاة، ولعل الفرق بينهما هو من جهة أن رضا الله تعالى ورضوانه مما لا يناله إلا ذو حظ عظيم وليسا كرحمة الله التي ينالها الخلق أجمعون.
وبالجملة: لفظة (رضي الله عنه) تشبه من جهة لفظة (عليه السلام) التي لا تطلق عندنا إلا بالنسبة إلى الأئمة (عليهم السلام) وكذلك كبار الشهداء كالعباس وحمزة وجعفر الطيار وأمثالهم.
والحاصل: أنّ الاعتماد على رواية علي بن أحمد البرقي من هذه الجهة غير بعيد. وأمّا والده أحمد بن عبد الله الذي هو حفيد أحمد بن محمد بن خالد أو سبطه فهو من مشايخ الكليني، وقد روى الشيخ (قدس سره) (28) عنه كتب جده ــ أي أحمد بن محمد بن خالد ــ بطريق ينتهي إلى الشريف الحسن بن حمزة العلوي، وروى النجاشي (29) عنه عن جده كتب جد أبيه وهو محمد بن خالد البرقي بواسطة الحسن بن حمزة العلوي أيضاً.
ولم يعثر للرجل على أيّة رواية عن شخص آخر غير جده بحسب ما يوجد لدينا من مصادر الحديث وفهارس الأصحاب، فيبدو أنه كان مجرد شيخ إجازة في رواية كتب جده وجد أبيه فلا يقدح وجوده في السند كما أشار إليه المحقّق السبزواري (قدس سره) (30).
أي أنّ عدم ثبوت وثاقته لا يضر باعتبار ما روي بطريقه من كتب آبائه، فإنّ الظاهر أنّه لم يكن له دور حقيقي في نقلها بل كان دوره شرفياً محضاً رعاية لاتصال السند، حيث كانت عنده نسخ تلك الكتب ــ كما يحتفظ كثير من الأولاد بكتب آبائهم وأجدادهم ــ فكان يجيز للآخرين روايتها من دون تدخل وتصرف منه فيها، فليتأمل.
ونظيره في ذلك أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد بن محمد بن يحيى العطار، فدور هؤلاء في نقل الأحاديث لم يكون إلا شرفياً بحتاً، فلا يضر عدم ثبوت وثاقتهم في الاعتماد على الروايات المروية عن طريقهم. فالأقرب اعتبار ما رواه الصدوق في الفقيه مبتدءاً باسم محمد بن مسلم وإن وقع في سنده كل من علي بن أحمد ووالده أحمد بن عبد الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|