أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-1-2020
2165
التاريخ: 26-2-2022
2087
التاريخ: 2-9-2020
1497
التاريخ: 2023-03-05
1505
|
من الحكايات المأثورة في جامعة كامبريدج أن عالم الفيزياء النووية إرنست رذرفورد يقال إنه حض أتباعه على نبذ أي تأمل خيالي أو مبالغ فيه حين حذرهم بقوله: «لا تدعوني أمسك بأحدكم وهو يتحدث عن الكون في قسمي. كان هذا في ثلاثينيات القرن العشرين، وإنصافا لرذرفورد، لم يكن علم الكونيات موجودًا بعد كعلم له مكانة. وحتى حين كنت أدرس بالجامعة في لندن في الستينيات كان الساخرون يتهكمون بقولهم إن علم الكونيات ليس إلا تخمينًا في تخمين. إلا أنه منذ ذلك الوقت غَيَّر التطور الكبير في تصميم التلسكوبات ومعالجة البيانات واستخدام الأقمار الصناعية من وجه علم الكونيات تغييرا كليا. بلغت هذه الفترة من التطور السريع ذروتها في الحادي عشر من فبراير (شباط) عام 2003 حين حملت صحف العالم صورة بيضاوية عجيبة الشكل تشبه إحدى لوحات الرسام التجريدي جاكسون بولاك. قدمت لنا هذه الصورة التي لا تثير الإبهار نافذة على الكون لم يسبق لها مثيل، وأدخلت علم الكونيات - دراسة أصل الكون وتطوره ومصيره من المنظور الأعظم للزمان والمكان - إلى القرن الحادي والعشرين. أخيرا نضج هذا المبحث حتى صار علمًا كميًّا لائقًا. لخصت هذه الصورة النتائج المبدئية الآتية من القمر الصناعي المسمى بمسبار ويلكنسون لقياس اختلاف الموجات الميكرونية Wilkison Microwaves Anisotropy Probe، والمعروف اختصارًا بالأحرف WMAP وظيفة هذا المسبار هي رسم خريطة للسماء، لا باستخدام الضوء، بل الحرارة؛ أي إنه ينتج خريطة حرارية للكون مفصلة تفصيلا غير مسبوق. إن الملامح المطبوعة على هذه الصورة هي بقايا عملية مولد الكون، التي حدثت منذ أكثر من 13 مليار عام (انظر الشكل 2-1).
شكل 2-1: التوهج المتبقي بعد التكون هذه الخريطة الحرارية للسماء والمرسومة من واقع ترددات الموجات الميكروية المقاسة بواسطة المسبار WMAP تقدم لمحة عن الكون بعد حوالي 380000 عام من الانفجار العظيم. تمثل البقع والنقاط تنويعات طفيفة في درجة الحرارة مطبوعة في الإشعاع حدثت بسبب تفاوت كثافة في الكون المبكر. بدراسة تفاصيل هذه التنويعات يستطيع علماء الكونيات معرفة الكثير عن أصل الكون وتاريخه والمصير المحتمل له، إضافة إلى بنيته وهندسته المناطق فائقة الكثافة، الممثلة بالبقع الأفتح لونًا، هي «البذور» التي تكونت حولها المجرات. الصورة المعروضة هنا مبنية على بيانات منقحة نشرت في مارس (آذار) عام 2006. (بإذن من ناسا / فريق عمل WMAP.)
لم يكن بالإمكان وجود علم للكونيات ما لم يكن هناك «كون» يحتاج للتفسير. وبدلًا من اعتبار الفضاء مليئًا بأجسام متناثرة عديمة القيمة يرى علماء الفلك في الكون وحدة متسقة منظمة. وعلى المستوى الأكبر يتسم الكون بالتنظيم والتطابق؛ فالنجوم والمجرات التي تبعد عنا مليارات السنوات الضوئية تشبه بشدة تلك القريبة منا وموزعة بنفس الصورة تقريبًا في كل مكان، وجميعها تتشابه في بنيتها وحركتها. كما يبدو أن قوانين الفيزياء واحدة حتى في أقصى مكان من الفضاء يمكن لأجهزتنا الوصول إليه. باختصار، هناك نظام كلي متناغم لا فوضى. وهذه الحقيقة الأساسية مهمة للغاية لوجودنا؛ إذ إنه لم يكن يمكن للحياة أن تنشأ، ناهيك عن أن تتطور إلى مرحلة الذكاء، وسط الفوضى. أيضًا تثير هذه الحقيقة سؤالاً مربكا، أو هكذا فعلت حتى وقت قريب: لماذا ينبغي على الكون إجمالًا أن يكون على هذا القدر من التنظيم؟ للإجابة على هذا السؤال المثير للاهتمام، علينا أن نفهم كيف بدأ الكون، وكيف تطور عبر مليارات السنين حتى وصل إلى شكله المنظم الحالي المشجع على الحياة.
حين تفكر أسلافنا في السماء تخيلوا أن الشمس والقمر والنجوم تدور حول الأرض. لم يكن حجم الكون معروفًا. وحتى اختراع التلسكوب فشل في الكشف عن الحجم الحقيقي الهائل للكون، وحتى وقت قريب لم يكن بمقدور علماء الفلك تحديد الأرقام التي يمكن بها قياس هذا الحجم. إن شمسنا واحدة من مئات المليارات من النجوم التي تؤلف مجرة درب التبانة، ومجرة درب التبانة بدورها ما هي إلا واحدة من مئات المليارات من المجرات المتناثرة في أرجاء الفضاء إلى حدود ما تدركه معداتنا. إن الفجوات بين النجوم شاسعة للغاية حتى إن علماء الفلك يقيسونها بالسنوات الضوئية، والمقصود بها المسافة التي يقطعها الضوء خلال سنة. يبلغ طول السنة الضوئية حوالي ستة تريليون ميل، أو 10 تريليون كيلومتر. لتصور الأمر تصورًا أفضل نقول إن القمر يبعد عن الأرض حوالي ثانية ضوئية واحدة، وتبعد الشمس عن الأرض أكثر من ثماني دقائق ضوئية بقليل. يبلغ عرض مجرة درب التبانة، التي تعد من المجرات اللولبية التقليدية، حوالي 100 ألف سنة ضوئية، وتقع مجرة أندروميدا الجارة القريبة لمجرة درب التبانة، على بعد 2.5 مليون سنة ضوئية منها، فيما تقع أبعد المجرات التي صورها تلسكوب الفضاء هابل على بعد يزيد عن 10 مليارات سنة ضوئية. من وجهة نظر البشر الكون شاسع بشكل لا يمكن تخيله.
رغم أن نتائج المسبار WMAP تعد علامة على وصول علم الكونيات لسن الرشد، فإن ميلاد هذا الفرع يعود إلى ثمانين عاما سابقة، إلى وقت العمل الفذ الذي قام به المحامي الذي تحول لدراسة الفلك إدوين هابل. يُنسب فضل اكتشاف حقيقة تمدد الكون لهابل، مع أن العديد من المشاهدات تمت على يد مساعده فيستو سليفر. درس هابل وسليفر الضوء القادم من المجرات ووجدا أن المجرات الأبعد كانت ذات لون أكثر حمرة. كان من المعروف وقتها أن موجات الضوء الصادرة عن مصدر آخذ في الابتعاد ستكون أكثر تمددًا ومن ثم تنحرف صوب اللون الأحمر الواقع على طرف طيف الضوء (وعلى العكس ينحرف الضوء الصادر عن مصدر آخذ في الاقتراب صوب اللون الأزرق). وجد هابل وسليفر أن هذه الإزاحة نحو اللون الأحمر تزداد كلما بعد موقع المجرة عنا، وأن هذا يحدث بنفس الصورة في جميع الاتجاهات. إن أبسط تفسير لهذه الحقائق، والتفسير الذي أعلنه هابل على العالم، هو أن المجرات تبتعد عنا بنمط تمدد منتظم.
من البديهي اذن - ما دام الكون يتمدد الآن - أن يكون أكثر انضغاطا في الماضي. باستخدام معدل التمدد المقاس يصير من السهل عرض هذا الفيلم الكوني إلى الخلف (كتدريب نظري!) ومعرفة أنه منذ مليارات عديدة من السنين، كانت كل المجرات مضغوطة في مكان واحد يعني هذا أن الكون، على الأقل بالشكل الذي نعرفه، بدأ بانفجار هائل من حالة ساكنة فائقة الكثافة، وهو الحدث المعروف باسم الانفجار العظيم .Big BANG العجيب أن هذه التسمية أطلقت في البداية بغرض السخرية في الخمسينيات من جانب فريد هويل، الذي لم يقبل قط بهذه النظرية. أما اليوم، مع وجود أدوات المراقبة الدقيقة، على غرار المسبار WMAP وتلسكوب الفضاء هابل، فيمكننا تحديد الوقت الذي وقع فيه هذا الانفجار العظيم، وأفضل تقدير حالي لهذا الوقت هو منذ 13.7 مليار عام مضت. وبغرض المقارنة نذكر بأن عمر كوكب الأرض هو 4.56 مليار عام.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|