أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-09-2015
2028
التاريخ: 25-09-2015
1439
التاريخ: 25-09-2015
2259
التاريخ: 24-09-2015
1437
|
حدَّ
الرماني التجنيس بأن قال: هو بيان المعاني بأنواع من الكلام يجمعها أصل واحد من
اللغة، وجعله قسمين: جناس مزاوجة، وجناس مناسبة، فالمزاوجة كقوله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ) وكقول عمرو بن كلثوم [وافر]:
ألا
لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والمناسبة
كقوله سبحانه: (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ
الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) وأما قدامة وابن المعتز وإن اختلفا في تسمية هذا الباب
فقد اتفقا على معناه، فقال قدامة في حده: هو اشتراك المعاني في ألفاظ متجانسة على
جهة الاشتقاق كقول زهير: [بسيط]
كأن
عيني وقد سال السليل بهم ... وعبرة ما همو لو أنهم أمم
وهذا
الحد بعينه هو تجنيس المناسبة الذي ذكره الرماني، ولولا قول قدامة على جهة
الاشتقاق لكان حده بعينه هو حد الرماني المطلق.
وقال
ابن المعتز هو أن تجيء الكلمة مجانسة أختها كقول الله تعالى: فأقم وجهك
للدين القيم وكقول النعمان بن بشير لمعاوية: [طويل]
ألم
تبتدركم يوم بدر سيوفنا ... وليلك عما ناب قومك نائم
وهذا
بعينه هو تجنيس المناسبة من جهة الاشتقاق ولم يخرج من جاء بعد هؤلاء عما حدوه به،
لكنهم فرعوه ثمانية فروع، وعلى هذا التفريع أكثر المتأخرين سوى التبريزي، فإنه نقص
من هذه الأقسام أربعة وأثبت أربعة، وخلط في الشواهد، وغير الأسماء، هذا وإن كان متأخراً
عمن قسم التجنيس ثمانية أقسام، واخترع أسماءها، فإني لم أقف على صحة ذلك، ورأيت
ابن منقذ قد أتى على الأقسام الثمانية، وفاته قسم تاسع أتى به التبريزي، وسنأتي به
في موضعه.
فمن
فروع التجنيس تجنيس التغاير، وهو أن تكون إحدى الكلمتين اسماً، والأخرى فعلاً، وهذا
سماه التبريزي التجنيس المطلق، كقوله تعالى: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) وكقوله تعالى: (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ)
وكقول الرسول عليه[وآله] الصلاة والسلام: عصية عصت الله ورسوله و
غفار غفر الله لها و أسلم سالمها الله ، وكقول جرير [وافر]:
كأنك
لم تسر ببلاد نجد ... ولم تنظر بناظرة الخياما
وقد
فرع التبريزي من هذا القسم ضرباً سماه التجنيس المستوفي، وهو أن تتشابه الكلمتان
لفظاً وخطاً، وإحداهما اسم والأخرى فعل، وأنشد فيه قول أبي تمام: [كامل]
ما
مات من كرم الزمان فإنه ... يحيا لدى يحيى بن عبد
الله
وهذا
الفرع وإن وضعت له تسمية تخالف تسميات الأقسام الثمانية، وكانت له صورة مثاله غير
صور الأمثلة، فإنه داخل في القسم الذي إحدى كلمتيه اسم والأخرى فعل، فلذلك لم يعتد
به قسماً مستقلاً.
وتجنيس
التماثل، وهو أن يكون الكلمتان اسمين أو فعلين، وهو على ضربين: ضرب تتماثل فيه
الكلمتان سواء كانتا اسمين أم فعلين في اللفظ والخط كقول الشاعر: [خفيف]
عينه
تقتل النفوس وفوه ... منه تحيي عين الحياة النفوسا
وضرب
لا تتماثل فيه الكلمتان إلا من جهة الاشتقاق، سواء أكانتا اسمين أم فعلين، كقوله
تعالى فروح وريحان وقوله سبحانه: وجنى الجنتين دان
وكقول رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم: الظلم ظلمات وكقوله عليه
السلام: أسلم تسلم وكقول البحتري [وافر]:
نسيم
الروض في ريح شمال ... وصوب المزن في راح شمول
وهذان
التجنيسان أعني التغاير والتماثل فرعان من التجنيس الذي أصله قدامة وابن المعتز،
وباقي الثمانية استخرجها المتأخرون بالاستقراء، وهي تجنيس التصحيف، ولم يذكره
التبريزي في أقسام التجنيس، وجعل التصحيف باباً مفرداً، تجنيس التصحيف وهو أن يكون
النقط فارقاً بين الكلمتين كقوله تعالى: (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ) وكقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم:
لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ويتحلى بما لا يغنيه وكقول البحتري: [طويل]
ولم
يكن المغتر بالله إذ سرى ... ليعجز والمعتز بالله
طالبه
وتجنيس
التحريف، وهو أن يكون الشكل فارقاً بين الكلمتين أو بعضهما، وهذا أيضاً لم يذكره
التبريزي، ومثاله قوله سبحانه: (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ)
وقوله تعالى: (وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)
وأما قوله سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) فهو
الغاية التي لا تدرك وكقول الرسول صلى الله عليه[وآله] وسلم: الظلم ظلمات
وكقول أبي تمام: [كامل]
هن
الحمام فإن كسرت عيافة ... من حائهن فإنهن حِمام
وهو
ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم تبدل فيه الحركة بالحركة وقسم تبدل فيه الحركة
بالسكون، وقسم يبدل فيه التخفيف بالتشديد، مثال الأول قول الشاعر:
جبة
البرد جنة البرد
والبرد
والبرد أردت.
ومثال
الثاني قولهم: البدعة شرك الشرك.
ومثال
الثالث قولهم: الجاهل إما مفرط وإما مفرط والآيات الثلاث من القسم الأول، والحديث
من الثاني، والبيت من الأول أيضاً.
وتجنيس
التصريف مما لم يذكره التبريزي أيضاً، وهو اختلاف صيغة الكلمتين بإبدال حرف من حرف
إما من مخرجه أو من قريب منه، كقوله تعالى: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) وكقول الرسول عليه السلام الخيل معقود
بنواصيها الخير .
وكقول
الشاعر: [بسيط]
لا
يذكر الرمل إلا حن مغترب ... له بذي الرمل أوطار
وأوطان
وتجنيس
الترجيع، وهو الذي سماه التبريزي التجنيس الناقص، وسماه قوم تجنيس التذييل، وهو
على الحقيقة الذي يوجد في إحدى كلمتيه حرف لا يوجد في الأخرى، وجميع حروف الأخرى
موجود في الأولى، وقسم في وسطها وقسم في آخرها: مثال الأول قوله تعالى: (وَالْتَفَّتِ
السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) ومثال
الثاني قولهم: من جد وجد، ومثال الثالث البيت الذي ذكر لأبي تمام وهو قوله:
يمدون من أيد البيت.
وقد
تكون الزيادة حرفين: فإما أن يقعا في أول الكلمة ويكونا متقاربين كقولهم: ليل
دامس، وطريق طامس، وإما أن يقعا في وسطها كقولهم: ما خصصتني بل خسستني. أو آخر
الكلمة ويكونا متباعدين كقولهم: سالب وساكب. أو متقاربين كقولهم: شاحب وشاغب.
ومن
القسم الذي توسط في هذا الحرف الواحد قوله تعالى: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ * وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) وقالوا:
هو الذي يرجع فيه لفظ الكلمة الأولى في الكلمة الأخرى، كقول أبي تمام: [طويل]
يمدون
من أيد عواص عواصم ... تصول بأسياف قواض قواضب
وعندي
أن تسميته تجنيس التداخل لدخول إحدى الكلمتين في الأخرى أو تجنيس التضمين لتضمن
إحدى الكلمتين لفظ الأخرى أولى بالاشتقاق، إذ لا معنى لقولهم: يرجع لفظ إحدى
الكلمتين في لفظ الأخرى لأن ظاهر الرجوع يؤذن بذهاب قبله ولا ذهاب، أو كما قالوا:
تجنيس التذييل وتجنيس العكس، وهو مما لم يذكره التبريزي، وتعريفه أن تكون إحدى
الكلمتين عكس الأخرى بتقديم بعض حروفها على بعض: كقوله تعالى: (أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وكقول عبد الله بن رواحة يمدح
رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم: [بسيط]
تحمله
الناقة الأدماء معتجراً ... بالبرد كالبدر جلى ليلة
الظلم
وفي
عطافيه أو أثناء بردته ... ما يعلم الله من دين ومن
مكرم
وكقول
البحتري: [طويل]
إذا
احتربت يوماً فغاضت دماؤها ... تذكرت القربى ففاضت
دموعها
شواجر
أرماح تقطع بينهم ... شواجر أرحام ملوم قطوعها
أخذ
البحتري معنى البيت الأول من رجل من بني عقيل، وقصر حيث قال: [وافر]
ونبكي
حين نقتلكم عليكم ... ونقتلكم كأنا لا نبالي
والبيت
الثاني من بيتي البحتري أردت.
وتجنيس
التركيب مما لم يذكره التبريزي، وهو أن تركب كلمة من كلمتين ليماثل بها كلمة مفردة
في الهجاء واللفظ، وهو قسمان: قسم تتشابه الكلمتان فيه لفظاً وخطاً، وقسم يتشابهان
فيه لفظاً لا خطاً. فالأول كقول القائل: [مجزوء الكامل]
يا من
تدل بوجنة ... وأنامل من عندم
كُفي
جعلت لك الفدا ... ألحاظ عينك عن دمي
وكقول
الآخر: [متقارب]
إذا
ملك لم يكن ذا هبه ... فدعه فدولته ذاهبه
ومثال
الثاني قول الشاعر: [رمل مجزوء]
كلكم
قد أخذ الجا ... م ولا جام لنا
وما
الذي ضر مدير الـ ... ـجام لو جاملنا
والأبيات
الأولى من القسم الأول، والأخرى من القسم الثاني.
فهذه
أقسام التجنيس الثمانية.
وأما
القسم الذي جعلته لها تاسعاً، وهو الذي ذكره التبريزي وسماه التجنيس المضاف، وأنشد
فيه قول البحتري: [وافر]
أيا
قمر التمام أعنت ظلماً ... عليّ تطاول الليل التمام
فهو
مع قطع النظر عن الإضافة من تجنيس التحريف، لكن هو قسم قائم بذاته، لاتصال المضاف
بالمضاف إليه. والله أعلم.