المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

الجريان
3-1-2016
التخطيط
4-5-2016
supplementary movements
2023-11-24
زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة.
2023-09-23
جواد بن سعد بن جواد الفاضل الجواد (ت/1065 هـ)
3-7-2016
التطور التاريخي للإدارة المالية في الكويت
26-10-2016


قصة النبي موسى  
  
2746   04:13 مساءاً   التاريخ: 10-10-2014
المؤلف : أمين الاسلام الفضل بن الحسن الطبرسي
الكتاب أو المصدر : تفسير مجمع البيان
الجزء والصفحة : ج7 ، ص416ـ444.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي موسى وهارون وقومهم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2016 2324
التاريخ: 2-06-2015 4285
التاريخ: 10-10-2014 1751
التاريخ: 2-06-2015 1980

قال تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [القصص : 7 - 10].

بين سبحانه كيف دبر في إهلاك فرعون وقومه منبها بذلك على كمال قدرته وحكمته فقال { وأوحينا إلى أم موسى } أي ألهمناها وقذفنا في قلبها وليس بوحي نبوة عن قتادة وغيره وقيل أتاها جبرائيل (عليه السلام) بذلك عن مقاتل وقيل كان هذا الوحي رؤيا منام عبر عنها من يثق به من علماء بني إسرائيل عن الجبائي « أن أرضعيه » ما لم تخافي عليه الطلب « فإذا خفت عليه » في القتل الذي أمر به فرعون في أبناء بني إسرائيل « فألقيه في اليم » أي في البحر وهو النيل « ولا تخافي » عليه الضيعة « ولا تحزني » من فراقه « إنا رادوه إليك » سالما عن قريب « وجاعلوه من المرسلين » والأنبياء وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان وحكي أن بعضهم سمع بدوية تنشد أبياتا فقال لها ما أفصحك فقالت الفصاحة لله تعالى وذكرت هذه الآية وما فيها .

قال وهب بن منبه لما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بعث فرعون القوابل وتقدم إليهن أن يفتشن النساء تفتيشا لم يفتشنه قبل ذلك رحلت أم موسى بموسى فلم ينت بطنها ولم يتغير لونها ولم يظهر لبنها فكانت القوابل لا يعرضن لها .

فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم فأوحى الله تعالى إليها « أن أرضعيه » الآية قال فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي ولا يتحرك فلما خافت عليه عملت له تابوتا مطبقا ومهدت له فيه ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله تعالى .

قال ابن عباس لما قربت ولادة أم موسى وكانت قابلة من النساء اللاتي وكلهن فرعون بحبالي بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها فجاءت فعالجتها فلما ولد موسى رأت نورا بين عينيه فارتعش كل مفصل منها ودخل حب موسى في قلبها ثم قالت يا هذه ما جئت إليك إلا ومن ورائي قتل مولودك ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا .

فلما خرجت من عندها القابلة بصرتها العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب فلفت موسى في خرقة فوضعته في تنور مسجور فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن فخرجوا من عندها وانطلقت إلى الصبي وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما قال ثم لما رأت إلحاح فرعون في الطلب خافت على ابنها فانطلقت إلى نجار من قوم فرعون فاشترت منه تابوتا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت قالت إن لي ابنا أخبئه في التابوت وكرهت الكذب فلما اشترت التابوت وحملته انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلم يطق الكلام فرجع وأخذ في النجر فانطلق لسانه فرجع ثانيا فلما انتهى إليهم اعتقل لسانه هكذا ثلاث مرات فعلم أن ذلك أمر إلهي.

{ فالتقطه آل فرعون } أي أصابوه وأخذوه من غير طلب { ليكون لهم عدوا وحزنا } أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك لا أنهم أخذوه لهذا كما يقال لمن كسب مالا فأداه ذلك إلى الحتف والهلاك إنما كسب فلان لحتفه وهو لم يطلب المال للحتف { إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين } أي عاصين ربهم في أفعالهم .

وكانت القصة في ذلك أن النيل جاء بالتابوت إلى موضع فيه فرعون وامرأته على شط النيل فأمر فرعون فأتي به وفتحت آسية بنت مزاحم بابه فلما نظرت إليه ألقى الله في قلبها محبة موسى وكانت آسية بنت مزاحم امرأة من بني إسرائيل استنكحها فرعون وهي من خيار النساء ومن بنات الأنبياء وكانت أما للمؤمنين ترحمهم وتتصدق عليهم ويدخلون عليها فلما نظر فرعون إلى موسى غاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح قالت آسية وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنك أمرت أن يذبح الولدان لهذه السنة فدعه يكن قرة عين لي ولك وذلك قوله تعالى { وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وإنما قالت ذلك لأنه لم يكن له ولد فأطمعته في ولد .

قال ابن عباس إن أصحاب فرعون لما علموا بموسى جاءوا ليقتلوه فمنعتهم وقالت لفرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه قال فرعون قرة عين لك وأما لي فلا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والذي يحلف به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله به كما هداها ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه .

{ وهم لا يشعرون } أي لا يشعرون أن هلاكهم على يديه وقيل لا يشعرون أن هذا هو المطلوب الذي يطلبونه { وأصبح فؤاد أم موسى فارغا } أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى أي صار فارغا له عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقيل فارغا من الحزن لعلمها أن ابنها ناج سكونا إلى ما وعدها الله تعالى به وقيل فارغا من الوحي الذي أوحي إليها بنسيانها فإنها نسيت ما وعدها الله تعالى به عن الحسن وابن زيد { إن كادت لتبدي به } معناه أنها كادت تبدي بذكر موسى فتقول يا ابناه من شدة الغم والوجد عن ابن عباس وقتادة والسدي وقيل معناه كادت تصيح على ابنها شفقة عليه من الغرق عن مقاتل وقيل معناه همت بأن تقول أنها أمه لما رأته عند دعاء فرعون إياها للإرضاع لشدة سرورها به عن جعفر بن حرب وقيل معناه أنها كادت تبدي بالوحي { لو لا أن ربطنا على قلبها } بالصبر واليقين والربط على القلب إلهام والصبر وتقويته عن الزجاج وقيل معناه لو لا أن قوينا قلبها بالعصمة والوحي وجواب لو لا محذوف والتقدير لو لا أن ربطنا على قلبها لأظهرته { لتكون من المؤمنين } أي فعلنا ذلك لتكون من جملة المصدقين بوعدنا الواثقين بوحينا وقولنا { إنا رادوه إليك } .

{ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [القصص : 11 - 13].

ثم ذكر سبحانه لطف صنعه في تسخيره لفرعون حتى تولى تربية موسى فقال « وقالت » يعني أم موسى « لأخته » يعني أخت موسى واسمها كلثمة عن الضحاك « قصيه » أي اتبعي أثره وتعرفي خبره { فبصرت به عن جنب } في الكلام حذف واقتصار تقديره فذهبت أخت موسى فوجدت آل فرعون قد أخرجوا التابوت وأخرجوا موسى فبصرت به وهذا من الإيجاز الدال على الإعجاز باللفظ القليل المعنى على المعنى الكثير أي فرأت أخاها موسى عن جنب أي عن بعد عن مجاهد وقيل عن جانب تنظر إليه كأنها لا تريده عن قتادة وتقديره عن مكان جنب .

« وهم لا يشعرون » أي وآل فرعون لا يشعرون أنها أخته عن قتادة وقيل معناه وهم لا يشعرون أنها جاءت متعرفة عن خبره ويمكن أن يكون سبحانه كرر هذا القول تنبيها على أن فرعون لو كان إلها لكان يشعر بهذه الأمور { وحرمنا عليه المراضع } المعنى أنه لا يؤتى بمرضع فيقبلها وتأويله منعناهن منه وبغضناهن إليه عن ابن عباس وقيل هو جمع مرضع بمعنى الرضاع أي منعناه من الرضاع فهذا تحريم منع لا أن هناك نهيا عن الفعل ومثله قول امرىء القيس :

    جالت لتصرعني فقلت لها اقصري          إني امرؤ صرعي عليك حرام

 أي صرعي ممتنع عليك فإني فارس أمنعك من ذلك ويقال فلان حرم على نفسه كذا أي امتنع منه كما يمتنع بالنهي « من قبل » أي من قبل مجيء أخته وقيل من قبل رده على أمه { فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم } وهذا يدل على أن الله تعالى ألقى محبته في قلب فرعون فلشدة محبته وغاية شفقته عليه طلب له المراضع وكان موسى لا يقبل ثدي واحدة منهن بعد أن أتته مرضع بعد مرضع فلما رأت أخته وجدهم به وحبهم له ورقتهم عليه قالت لهم هل أدلكم على أهل بيت يقبلون هذا الولد ويبذلون النصح في أمره ويحسنون تربيته ويضمنون لكم القيام بأمره { وهم له ناصحون } يشفقون عليه وينصحونه وقيل أنه لما قالت أخته ذلك قال هامان إن هذه المرأة تعرف أن هذا الولد من أي أهل بيت هو فقالت هي إنما عنيت أنهم ناصحون للملك فأمسكوا عنها { فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن } يعني عين أمه وانطلقت أخت موسى إلى أمها فجاءت بها إليهم فلما وجد موسى ريح أمه قبل ثديها وسكن بكاؤه وقيل إن فرعون قال لأمه كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك فقالت لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتي بصبي إلا ارتضع مني فسر فرعون بذلك { ولتعلم أن وعد الله حق } أراد به ما وعدها الله به في الآية المتقدمة لقوله إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين { ولكن أكثرهم لا يعلمون } تحقيق ذلك الوعد كما علمت « ولما بلغ أشده » أي ثلاثا وثلاثين سنة « واستوى » أي بلغ أربعين سنة عن مجاهد وقتادة وابن عباس « آتيناه حكما وعلما » أي فقها وعلما وعقلا بدينه ودين آبائه فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا وقيل نبوة وعلما عن السدي { وكذلك نجزي المحسنين } وهذه الآية مفسرة في سورة يوسف « ودخل المدينة » يريد مصر وقيل مدينة منف من أرض مصر وقيل على فرسخين من أرض مصر { على حين غفلة من أهلها } أراد به نصف النهار والناس قائلون عن سعيد بن جبير وقيل ما بين المغرب والعشاء الآخرة عن ابن عباس وقيل كان يوم عيد لهم وقد اشتغلوا بلعبهم عن الحسن وقيل اختلفوا في سبب دخوله المدينة في هذا الوقت على أقوال ( أحدها ) أنه كان موسى حين كبر يركب في مواكب فرعون فلما جاء ذات يوم قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فلما كان وقت القائلة دخل المدينة ليقيل عن السدي ( والثاني ) أن بني إسرائيل كانوا يجتمعون إلى موسى ويسمعون كلامه ولما بلغ أشده خالف قوم فرعون فاشتهر ذلك منه وأخافوه فكان لا يدخل مصر إلا خائفا فدخلها على حين غفلة عن ابن إسحاق ( والثالث ) أن فرعون أمر بإخراجه من البلد فلم يدخل إلا الآن عن ابن زيد « فوجد فيها رجلين يقتتلان » أي يختصمان في الدين عن الجبائي وقيل في أمر الدنيا « هذا من شيعته وهذا من عدوه » أي أحدهما إسرائيلي والآخر قبطي يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا إلى مطبخ فرعون وقيل كان أحدهما مسلما والآخر كافرا عن محمد بن إسحاق « فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » أي استنصره لينصره عليه وروى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليهنكم الاسم قال قلت وما الاسم قال الشيعة قال أ ما سمعت الله سبحانه يقول فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه « فوكزه موسى » أي دفع في صدره بجمع كفه عن مجاهد وقيل ضربه بعصاه عن قتادة « فقضى عليه » أي فقتله وفرغ من أمره { قال هذا من عمل الشيطان } أي بسببه حتى هيج غضبي فضربته فهو من إغرائه قال الحسن لم يكن يحل قتل الكافر يومئذ لأن الحال كانت حال الكف عن القتال وقيل معناه أن الأمر الذي وقع القتل بسببه من عمل الشيطان أي حصل بوسوسة الشيطان وذكر المرتضى قدس الله روحه فيه وجهين آخرين ( أحدهما ) أنه أراد أن تزيين قتلي له وتركي لما ندبت إليه من تأخيره وتفويتي ما استحقه عليه من الثواب من عمل الشيطان ( والآخر ) أنه يريد أن عمل المقتول من عمل الشيطان يبين بذلك أنه مخالف لله تعالى مستحق للقتل ثم وصف الشيطان فقال « إنه عدو » لبني آدم « مضل مبين » ظاهر العداوة والإضلال ( سؤال ) قالوا إن هذا القتل لا يخلو من أن يكون مستحقا أو غير مستحق فإن كان غير مستحق فالأنبياء (عليهم السلام) لا يجوز عليهم ذلك عندكم لا قبل النبوة ولا بعدها وإن كان مستحقا فلا معنى لندمه عليه واستغفاره منه ( والجواب ) أن القتل إنما وقع على سبيل تخليص المؤمن من يد من أراد ظلمه والبغي عليه ودفع مكروهه عنه ولم يكن مقصودا في نفسه وكل ألم وقع على هذا الوجه فهو حسن غير قبيح سواء كان القاتل مدافعا عن نفسه أو عن غيره وسنذكر الوجه في استغفاره منه وندمه عليه .

{قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص : 17 - 20].

 ثم حكى سبحانه : أن موسى (عليه السلام) حين قتل القبطي ندم على ذلك { وقال رب إني ظلمت نفسي } في هذا القتل فإنهم لو علموا بذلك لقتلوني وقال المرتضى قدس الله روحه العزيز إنما قاله على سبيل الانقطاع والرجوع إلى الله تعالى والاعتراف بالتقصير عن أداء حقوق نعمه أو من حيث حرم نفسه الثواب المستحق بفعل الندب « فاغفر لي » معناه قول آدم (عليه السلام) ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين وقبول الاستغفار والتوبة قد يسمى غفرانا « فغفر له إنه هو الغفور » لعباده « الرحيم » بهم المنعم عليهم « قال » موسى « رب بما أنعمت علي » أي بنعمتك علي من المغفرة وصرف بلاء الأعداء عني .

{ فلن أكون ظهيرا للمجرمين } المعنى فلك علي ألا أكون مظاهرا ومعينا للمشركين عن ابن عباس وفي هذا دلالة على أن مظاهرة المجرمين جرم ومعصية ومظاهرة المؤمنين طاعة وإنما ظاهر موسى (عليه السلام) من كان ظاهره الإيمان وخالف من كان ظاهره الكفر .

وجاء في الأثر أن رجلا قال لعطاء بن أبي رياح إن فلانا يكتب لفلان ولا يزيد على كتبه دخله وخرجه فإن أخذ منه أجرا كان له غنى وإن لم يأخذ اشتد فقره وفقر عياله فقال عطاء أ ما سمعت قول الرجل الصالح { رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين } « فأصبح » موسى في اليوم الثاني « في المدينة خائفا » من قبل القبطي « يترقب » أي ينتظر الأخبار في قتل القبطي عن ابن عباس يعني أنه خاف من فرعون وقومه أن يكونوا عرفوا أنه هو الذي قتل القبطي فكان يتجسس وينتظر الأخبار في شأنه { فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه } معناه أن الإسرائيلي الذي كان قد خلصه بالأمس ووكز القبطي من أجله يستصرخ موسى ويستعين به على رجل آخر من القبط خاصمه قال ابن عباس لما فشا أمر قتل القبطي قيل لفرعون إن بني إسرائيل قتلت منا رجلا قال أ تعرفون قاتله ومن يشهد عليه قالوا لا فأمرهم بطلبه فبينا هم يطوفون إذ مر موسى من الغد وأتى ذلك الإسرائيلي يطلب نصرته ويستغيث به .

{ قال له موسى إنك لغوي مبين } أي ظاهر الغواية حيث قاتلت بالأمس رجلا وتقاتل اليوم الآخر ولم يرد الغواية في الدين والمراد أن من خاصم آل فرعون مع كثرتهم فإنه غوي أي خائب فيما يطلبه عادل عن الصواب فيما يقصده { فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس } معناه فلما أخذته الرقة على الإسرائيلي وأراد أن يدفع القبطي الذي هو عدو لموسى والإسرائيلي عنه ويبطش به أي يأخذه بشدة ظن الإسرائيلي أن موسى قصده لما قال له « إنك لغوي مبين » فقال أ تريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس عن ابن عباس وأكثر المفسرين وقال الحسن هو من قول القبطي لأنه قد اشتهر أمر القتل بالأمس وأنه قتله بعض بني إسرائيل { إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض } أي ما تريد إلا أن تكون عاليا في الأرض بالقتل والظلم قال عكرمة والشعبي لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق « وما تريد أن تكون من المصلحين » ولما قال الإسرائيلي ذلك علم القبطي أن القاتل موسى فانطلق إلى فرعون وأخبر به فأمر فرعون بقتل موسى وبعث في طلبه { وجاء رجل من أقصى المدينة } أي آخرها فاختصر طريقا قريبا حتى سبقهم إلى موسى « يسعى » أي يسرع في المشي فأخبره بذلك وأنذره وكان الرجل حزقيل مؤمن آل فرعون وقيل رجل اسمه شمعون وقيل سمعان { قال يا موسى إن الملأ } أي الأشراف من آل فرعون « يأتمرون بك » أي يتشاورون فيك عن أبي عبيدة وقيل يأمر بعضهم « ليقتلوك فاخرج » من أرض مصر « إني لك من الناصحين » في هذا يقال نصحته ونصحت له .

{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [القصص : 21- 25]

ثم بين سبحانه خروج موسى من مصر إلى مدين فقال « فخرج منها » أي من مدينة فرعون « خائفا » من أن يطلب فيقتل « يترقب » الطلب « قال رب نجني من القوم الظالمين » قال ابن عباس خرج موسى متوجها نحو مدين وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه قال رب نجني من فرعون وقومه وقيل أنه خرج بغير زاد ولا ماء ولا حذاء ولا ظهر وكان لا يأكل إلا من حشيش الصحراء حتى بلغ ماء مدين { ولما توجه تلقاء مدين } التوجه صرف الوجه إلى جهة من الجهات وقوله هذا المعنى يتوجه إلى كذا أي هو كالطالب له يصرف وجهه إليه قال الزجاج معناه ولما سلك في الطريق الذي يلقى مدين فيها وهي على مسيرة ثمانية أيام من مصر نحو ما بين البصرة إلى الكوفة ولم يكن له علم بالطريق .

ولذلك { قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } أي يرشدني قصد السبيل إلى مدين وقيل سواء السبيل وسطه المؤدي إلى النجاة لأن الأخذ يمينا وشمالا لا يباعد عن طريق الصواب وقيل أنه لم يقصد موضعا بعينه ولكنه أخذ في طريق مدين وقال عكرمة عرضت لموسى أربعة طرق فلم يدر أيتها يسلك ولذلك قال عند استواء الطرق له { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } فلما دعا ربه استجاب له ودله على الطريق المستقيم إلى مدين وقيل جاء ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين وقيل أنه خرج حافيا ولم يصر إلى مدين حتى وقع خف قدميه عن سعيد بن جبير { ولما ورد ماء مدين } وهو بئر كانت لهم { وجد عليه أمة من الناس يسقون } أي جماعة من الرعاة يسقون مواشيهم الماء من البئر { ووجد من دونهم امرأتين تذودان } أي تحبسان وتمنعان غنمهما من الورود إلى الماء عن السدي وقيل تذودان الناس عن مواشيهما عن قتادة وقيل تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس عن الحسن فترك ذكر الغنم اختصارا « قال » موسى لهما « ما خطبكما » أي ما شأنكما وما لكما لا تسقيان مع الناس عن ابن إسحاق « قالتا لا نسقي » عند المزاحمة مع الناس « حتى يصدر الرعاء » مر معناه أي حتى ينصرف الناس فإنا لا نطيق السقي فننتظر فضول الماء فإذا انصرف الناس سقينا مواشينا من فضول الحوض عن ابن عباس وقتادة « وأبونا شيخ كبير » لا يقدر على أن يتولى السقي بنفسه من الكبر ولذلك احتجنا ونحن نساء أن نسقي الغنم وإنما قالتا ذلك تعريضا للطلب من موسى أن يعينهما على السقي وقيل إنما قالتا ذلك اعتذارا إلى موسى في الخروج بغير محرم « فسقى لهما » معناه فسقى موسى غنمها الماء لأجلهما وهو أنه زحم القوم عن الماء حتى أخرجهم عنه ثم سقى لهما عن ابن إسحاق وقيل رفع لأجلهما حجرا عن بئر كان لا يقدر على رفع ذلك الحجر عنها إلا عشرة رجال وسألهم أن يعطوه دلوا فناولوه دلوا وقالوا له انزح إن أمكنك وكان لا ينزحها إلا عشرة فنزحها وحدة وسقى أغنامهما ولم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم { ثم تولى إلى الظل } أي ثم انصرف إلى ظل سمرة فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } قال ابن عباس سأل نبي الله فلق خبز يقيم به صلبه وقال أمير المؤمنين عليه أفضل الصلوات والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض لقد كانت خضرة البقلة ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذب لحمه قال الأخفش يقال فقير إليه وفقير له قال ابن إسحاق فرجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها فأنكر شأنهما وسألهما فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به فرجعت الكبرى إلى موسى لتدعوه فذلك قوله : { فجاءته إحداهما تمشي على استحياء } أي مستحيية  معرضة عن عادة النساء الخفرات وقيل أراد باستحيائها أنها غطت وجهها بكم درعها عن عمر بن الخطاب وقيل هو بعدها من النداء عن الحسن قال فو الله ما كانت ولاجة ولا خراجة ولكنها كانت من الخفرات اللاتي لا يحسن المشي بين أيدي الرجال والكلام معهم وقيل أراد أنها كانت تمشي عادلة عن الطريق { قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا } أي ليكافئك على سقيك لغنمنا وأكثر المفسرين على أن أباها شعيب (عليه السلام) وقال وهب وسعيد بن جبير هو يثرون ابن أخي شعيب وكان شعيب مات قبل ذلك بعد ما كف بصره ودفن بين المقام وزمزم وقيل يثروب وقيل هو اسم شعيب لأن شعيبا اسم عربي قال أبو حازم لما قالت { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } كره ذلك موسى وأراد أن لا يتبعها ولم يجد بدا من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف فخرج معها وكانت الريح تضرب ثوبها فتصف لموسى عجزها فجعل موسى يعرض عنها مرة ويغض مرة فناداها يا أمة الله كوني خلفي وأرني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعش فقال له موسى أعوذ بالله قال شعيب ولم ذاك أ لست بجائع قال بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملك الأرض ذهبا فقال له شعيب لا والله يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام قال فجعل موسى يأكل وذلك قوله { فلما جاءه وقص عليه القصص} أي فلما جاء موسى شعيبا وقص عليه أمره أجمع من قتل القبطي وأنهم يطلبونه ليقتلوه « قال » له شعيب { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } يعني فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا ولسنا في مملكته .

{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [القصص :26- 30 ]

ذكر سبحانه أمر موسى في مدين وانصرافه عنه فقال « قالت إحداهما » أي إحدى ابنتيه واسمها صفورة وهي التي تزوج بها واسم الأخرى ليا وقيل إن اسم الكبرى صفراء واسم الصغرى صفيراء « يا أبت استأجره » أي اتخذه أجيرا { إن خير من استأجرت القوي الأمين } أي خير من استعملت من قوي على العمل وأداء الأمانة قال عمر بن الخطاب لما قالت المرأة هذا قال شعيب وما علمك بأمانته وقوته قالت أما قوته فلأنه رفع الحجر الذي لا يرفعه كذا وكذا وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي فأنا أكره أن تصيب الريح ثيابك فتصف لي عجزك وقيل القوي في نزعه الحجر من البئر وكان لا يستطيعه إلا النفر.

الأمين في غض طرفه عنهما حين سقى لهما فصدرتا وقد عرفتا قوته وأمانته فلما ذكرت المرأة من حاله ما ذكرت زاده ذلك رغبة فيه .

{ قال إني أريد أن أنكحك } أي أزوجك { إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج } أي على أن تكون أجيرا لي ثماني سنين { فإن أتممت عشرا فمن عندك } أي ذلك تفضل منك وليس بواجب عليك وقيل معناه على أن تجعل جزائي وثوابي إياك على أن أنكحك إحدى ابنتي أن تعمل لي ثماني سنين فزوجه ابنته بمهر واستأجره للرعي ولم يجعل ذلك مهرا وإنما شرط ذلك عليه وهذا على وفق مذهب أبي حنيفة والأول أصح وأوفق لظاهر الآية { وما أريد أن أشق عليك } في هذه الثمانية حجج وإن أكلفك خدمة سوى رعي الغنم وقيل وما أشق عليك بأن آخذك بإتمام عشر سنين .

{ ستجدني إن شاء الله من الصالحين } في حسن الصحبة والوفاء بالعهد وإنما علق الصلاح بمشيئة الله لأن مراده إن شاء الله تبقيتي فمن الجائز أن يخترمه الله ولا يفعل الصلاح الديني الذي يريده وحكى يحيى بن سلام أنه جعل لموسى كل سخلة توضع على خلاف شية أمها فأوحى الله إلى موسى في المنام أن ألق عصاك في الماء ففعل فولدن كلهن على خلاف شيتهن وقيل أنه وعده أن يعطيه تلك السنة من نتاج غنمه كل أدرع وأنها نتجت كلها درعا وروى الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل أيتها التي قالت إن أبي يدعوك قال التي تزوج بها قيل فأي الأجلين قضى قال أوفاهما وأبعدهما عشر سنين قيل فدخل بها قبل أن يمضي الشرط أو بعد انقضائه قال قبل أن ينقضي قيل له فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أ يجوز ذلك قال إن موسى علم أنه سيتم له شرطه قيل كيف قال علم أنه سيبقى حتى يفي .

« قال » موسى { ذلك بيني وبينك } أي ذلك الذي وصفت وشرطت علي فلك وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي وتم الكلام ثم قال « أيما الأجلين » من الثماني والعشر « قضيت » أي أتممت وفرغت منه « فلا عدوان علي » أي لا ظلم علي بأن أكلف أكثر منها وأطالب بالزيادة عليهما { والله على ما نقول وكيل } أي شهيد فيما بيني وبينك عن ابن عباس { فلما قضى موسى الأجل } أي أوفاهما روى الواحدي بالإسناد عن ابن عباس قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أي الأجلين قضى موسى قال أوفاهما وأبطأهما وبالإسناد عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سألت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإن سألت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت : { يا أبت استأجره }.

 وقال وهب تزوج الكبرى منهما وفي الكلام حذف وإيجاز وهو فلما قضى موسى الأجل وتسلم زوجته ثم توجه نحو الشام { وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا } وقيل إنه لما زوجها منه أمر الشيخ أن يعطي موسى عصا يدفع السباع عن غنمه بها فأعطي العصا وقد ذكرنا حديث العصا في سورة الأعراف وقيل خرج آدم بالعصا من الجنة فأخذها جبرائيل بعد موت آدم (عليه السلام) وكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا فدفعها إليه عن عكرمة وقيل لم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى وكانت عصا الأنبياء عنده .

وروى عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كانت عصا موسى قضيب آس من الجنة أتاه به جبرائيل (عليه السلام) لما توجه تلقاء مدين وقال السدي كانت تلك العصا استودعها شعيبا ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت وأخذت العصا فأتته بها فلما رآها الشيخ قال لا أ أتيه بغيرها فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فكانت لا تقع في يدها إلا هي فعلت ذلك مرارا فأعطاها موسى وقوله « وسار بأهله » قيل إنه مكث بعد انقضاء الأجل عند صهره عشرا أخرى فأقام عنده عشرين سنة ثم استأذنه في العود إلى مصر ليزور والديه وأخاه فأذن له فسار بأهله عن مجاهد وقيل إنه لما قضى العشر سار بأهله أي بامرأته وبأولاد الغنم التي كانت له وكانت قطيعا فأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام وامرأته في شهرها فسار في البرية غير عارف بالطريق فالجاه المسير إلى جانب الطور الأيمن في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق وضل الطريق وتفرقت ماشيته فأصابه المطر فبقي لا يدري أين يتوجه فبينا هو كذلك آنس من جانب الطور نارا .

وروى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما قضى موسى الأجل وسار بأهله نحو بيت المقدس أخطأ الطريق ليلا فرأى نارا « قال لأهله امكثوا إني آنست نارا » وقد مر تفسيره « لعلي آتيكم منها بخبر » أي بخبر من الطريق الذي أريد قصده وهل أنا على صوبه أو منحرف عنه وقيل بخير من النار هل هي لخبر نأنس به أو لشر نحذره « أو جذوة من النار » أي قطعة من النار وقيل بأصل شجرة فيها نار « لعلكم تصطلون » أي تستدفئون بها « فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن » أي نودي موسى من الجانب الأيمن للوادي « في البقعة المباركة » وهي البقعة التي قال الله تعالى فيها لموسى اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وإنما كانت مباركة لأنها معدن الوحي والرسالة وكلام الله تعالى وقيل مباركة لكثرة الأشجار والأثمار والخير والنعم بها والأول أصح .

{ من الشجرة } إنما سمع موسى النداء والكلام من الشجرة لأن الله تعالى فعل الكلام فيها وجعل الشجرة محل الكلام لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل وعلم موسى بالمعجز أن ذلك كلامه تعالى وهذه أعلى منازل الأنبياء أعني أن يسمعوا كلام الله من غير واسطة ومبلغ وكان كلامه سبحانه { إن يا موسى إني أنا الله رب العالمين } أي أن المكلم لك هو الله مالك العالمين وخالق الخلائق أجمعين تعالى وتقدس عن أن يحل في محل أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض ولا جسم .

{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ  }[القصص : 31- 35]

ثم بين سبحانه تمام قصة موسى (عليه السلام) فقال : { وأن ألق عصاك } إنما أعاد سبحانه هذه القصة وكررها في السور تقريرا للحجة على أهل الكتاب واستمالة بهم إلى الحق ومن أحب شيئا أحب ذكره والقوم كانوا يدعون محبة موسى وكل من ادعى اتباع سيده مال إلى من ذكره بالفضل على أن كل موضع من مواضع التكرار لا تخلو من زيادة فائدة وهاهنا حذف تقديره فألقاها من يده فانقلبت بإذن الله تعالى ثعبانا عظيما تهتز كأنها جان في سرعة حركتها وشدة اهتزازها { فلما رآها تهتز } أي تتحرك { كأنها جان ولى مدبرا } موسى « ولم يعقب » أي لم يرجع إلى ذلك الموضع فنودي { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين } من ضررها وفي انقلاب العصا حية دلالة على أن الجواهر متماثلة وأنها من جنس واحد لأنه لا حال أبعد إلى حال الحيوان من حال الخشب وما جرى مجرى ذلك من الجماد فإذا صح قلب الخشب إلى حال الحيوان صح أيضا قلب الأبيض إلى حال الأسود « اسلك يدك في جيبك » أي أدخلها فيه { تخرج بيضاء من غير سوء } أي من غير برص { واضمم إليك جناحك من الرهب } أي ضم يدك إلى صدرك من الخوف فلا خوف عليك عن ابن عباس ومجاهد والمعنى أن الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فيذهب ما أصابه من الخوف عند معاينة الحية وقيل أمره سبحانه بالعزم على ما أراده منه وحثه على الجد فيه لئلا يمنعه الخوف الذي يغشاه في بعض الأحوال مما أمره بالمضي فيه وليس يريد بقوله اضمم يدك الضم المزيل للفرجة بين الشيئين .

عن أبي علي الفارسي قال وهذا كما أن اشدد في قوله : (( اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيكا )). ليس يراد به الشد الذي هو الربط والمراد به تأهب للموت واستعد للقائه حتى لا تهاب لقاه ولا تجزع من وقوعه وقد جاء ذكر اليدين في مواضع يراد بهما جملة ذي اليد فمن ذلك قولهم لبيك والخير بين يديك ومنه قوله تعالى {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج : 10] وفي المثل (يداك أوكتا وفوك نفخ )و إنما يقال هذا عند تفريغ الجملة وقال أبو عبيدة جناحا الرجل يداه وقال غيره الجناح هنا العضد ويدل على قوله إن العضد قد تقام مقام الجملة في مثل قوله { سنشد عضدك بأخيك } وقد جاء المفرد ويراد به التثنية قال :

يداك يد إحداهما الجود كله         وراحتك الأخرى طعان تغامره

 المعنى يداك يدان بدلالة قوله إحداهما فعلى هذا يجوز أن يراد بالأفراد في قوله { واضمم إليك جناحك } التثنية وقيل أنه لما ألقى العصا وصارت حية بسط يديه كالمتقي وهما جناحاه فقيل له اضمم إليك جناحك أي ما بسطته من يديك والمعنى لا تبسط يديك خوف الحية فإنك آمن من ضررها ويجوز أن يكون معناه أسكن ولا تخف فإن من هاله أمر أزعجه حتى كأنه يطيره وآلة الطيران الجناح فكأنه (عليه السلام) قد بلغ نهاية الخوف فقيل له ضم منشور جناحك من الخوف وأسكن وقيل معناه إذا هالك أمر يدك لما تبصر من شعاعها فأضممها إليك لتسكن .

{ فذانك برهانان من ربك } معناه فاليد والعصا حجتان من ربك على نبوتك { إلى فرعون وملأيه } أي أرسلناك إلى فرعون وملئه بهاتين الآيتين الباهرتين { إنهم كانوا قوما فاسقين } أي خارجين من طاعة الله إلى أعظم المعاصي وهو الكفر « قال » موسى { رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون } بتلك النفس { وأخي هارون هو أفصح مني لسانا } وإنما قال ذلك لعقدة كانت في لسانه وقد مر فيما مضى ذكر  سببها وقد كان الله تعالى أزال أكثرها أو جميعها بدعائه « فأرسله معي ردءا » أي معينا لي على تبليغ رسالتك يقال فلان ردء لفلان إذا كان ينصره ويشد ظهره { يصدقني إني أخاف أن يكذبون } أي مصدقا لي على ما أوديه من الرسالة وإن جزمته فالمعنى إنك أن ترسله معي يصدقني وإنما كان سؤاله ذلك بعد أن أذن له فيه لأن الإنسان لا يعلم إن المصلحة في إرسال نبي واحد أو اثنين إلا بالوحي وقال مقاتل معناه لكي يصدقني فرعون { قال سنشد عضدك بأخيك } هذه استعارة رابعة والمعنى سنجعله رسولا معك ونؤيدك بأن نقرنه إليك في النبوة وننصرك به { ونجعل لكما سلطانا } أي حجة وقوة وبرهانا { فلا يصلون إليكما ب آياتنا } أي لا يصل فرعون وقومه إلى الإضرار بكما بسبب ما نعطيكما من الآيات وما يجري على أيديكما من المعجزات فيخافكما فرعون وقومه لأجلها وقيل إن قوله « ب آياتنا » موضعه التقديم أي ونجعل لكما سلطانا ب آياتنا فلا يصلون إليكما ثم أخبر أن الغلبة لهما عليهم فقال { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } على فرعون وقومه القاهرون لهم وهذه الغلبة غير السلطان فإن السلطان بالحجة والغلبة بالقهر حين هلك فرعون وقومه وملك موسى وقومه ديارهم وروي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل قال فلما رجع موسى (عليه السلام) إلى امرأته قالت من أين جئت قال من عند رب تلك النار قال فغدا إلى فرعون فو الله لكأني أنظر إليه طويل الباع ذو شعر أدم عليه جبة من صوف عصاه في كفه مربوط حقوه بشريط نعله من جلد حمار شراكها من ليف فقيل لفرعون أن على الباب فتى يزعم أنه رسول رب العالمين فقال فرعون لصاحب الأسد خل سلاسلها وكان إذا غضب على رجل خلاها فقطعته فخلاها فقرع موسى الباب الأول وكانت تسعة أبواب فلما قرع الباب الأول انفتحت له الأبواب التسعة فلما دخل جعلن تبصبصن تحت رجليه كأنهن جراء فقال فرعون لجلسائه رأيتم مثل هذا قط فلما أقبل إليه فقال أ لم نربك فينا وليدا إلى قوله وإنا من الضالين فقال فرعون لرجل من أصحابه قم فخذ بيده وقال للآخر اضرب عنقه فضرب جبرائيل بالسيف حتى قتل ستة من أصحابه فقال خلوا عنه قال فأخرج يده فإذا هي بيضاء قد حال شعاعها بينه وبين وجهه فألقى العصا فإذا هي حية فالتقمت الأيوان بلحييها فدعاه إن يا موسى أقلني إلى غد ثم كان من أمره ما كان .

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص : 36-42]

ثم قال سبحانه { فلما جاءهم موسى ب آياتنا بينات } التقدير فمضى موسى إلى فرعون وقومه فلما جاءهم ب آياتنا أي بحججنا البينات ومعجزاتنا الظاهرات { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } أي مختلق مفتعل لم يبن على أصل صحيح لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاف على هذا المعنى جهلا منهم وذهابا عن الصواب { وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } أي لم نسمع ما يدعيه ويدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا وإنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح وهود وصالح وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته لأحد أمرين أما للفترة التي دخلت بين الوقتين والزمان الطويل وأما لأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك ولا دانوا به فيكون المعنى ما سمعنا ب آبائنا أنهم صدقوا الرسل فيما جاءوا به ووجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء فلو كان حقا لأدركوه فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي والعقل ولا يدركه الأفضل فيهما وهذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك طريقه ولا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه .

« وقال موسى » مجيبا لهم { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار} ومعناه ربي يعلم إني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحق والإنصاف وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة الله أعلم بالمحق منا والمبطل وحجتي ظاهرة فأكثرها إن قدرت على ذلك { إنه لا يفلح الظالمون } أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه وعصى ربه وكفر نعمه .

« وقال فرعون » منكرا لما أتى به موسى من آيات الله لما أعياه الجواب وعجز عن محاجته « يا أيها الملأ » يريد أشراف قومه { ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين } أي فأجج النار على الطين واتخذ الآجر وقيل أنه أول من اتخذ الآجر وبنى به عن قتادة { فاجعل لي صرحا } أي قصرا وبناء عاليا { لعلي أطلع إلى إله موسى } أي أصعد إليه وأشرف عليه وأقف على حاله وهذا تلبيس من فرعون وإيهام على العوام أن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة { وإني لأظنه من الكاذبين } في ادعائه إلها غيري وأنه رسوله { واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق } أي رفع فرعون وجنوده أنفسهم في الأرض فوق مقدارها بالباطل والظلم وأنفوا وتعظموا عن قبول الحق في اتباع موسى { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } أي أنكروا البعث وشكوا فيه .

{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } أي فعاقبناهم وطرحناهم في البحر وأهلكناهم بالغرق وعنى باليم نيل مصر وقيل بحر من وراء مصر يقال له إساف غرقهم الله فيه { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } أي تفكر وتدبر وأنظر بعين قلبك كيف أخرجناهم من ديارهم وأغرقناهم { وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وهذا يحتاج إلى تأويل لأنه ظاهره يوجب أنه تعالى جعلهم أئمة يدعون إلى النار كما جعل الأنبياء أئمة يدعون إلى الجنة وهذا ما لا يقول به أحد فالمعنى أنه أخبر عن حالهم بذلك وحكم بأنهم كذلك وقد تحصل الإضافة على هذا الوجه بالتعارف ويجوز أن يكون أراد بذلك أنه لما أظهر حالهم على لسان أنبيائه حتى عرفوا فكأنه جعلهم كذلك ومعنى دعائهم إلى النار أنهم يدعون إلى الأفعال التي يستحق بها دخول النار من الكفر والمعاصي .

{ ويوم القيامة لا ينصرون } أي لا ينصر بعضهم لبعض ولا ينصرهم غيرهم يوم القيامة كما كانوا يتناصرون في الدنيا { وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } أي أردفناهم لعنة بعد لعنة وهي البعد عن الرحمة والخيرات وقيل معناه ألزمناهم اللعنة في هذه الدنيا بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم عن أبي عبيدة { ويوم القيامة هم من المقبوحين } أي من المهلكين عن الأخفش وقيل من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة الأعين عن الكلبي عن ابن عباس وقيل من الممقوتين المفضوحين .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)} [القصص : 43-50]

ثم ذكر سبحانه من أخبار موسى (عليه السلام) ما فيه دلالة على معجزة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « ولقد آتينا موسى الكتاب » يعني التوراة « من بعد ما أهلكنا القرون الأولى » أي الجموع التي كانت قبله من الكفار مثل قوم نوح وعاد وثمود ويجوز أن يريد بالقرون قوم فرعون لأنه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدة « بصائر للناس » أي حججا وبراهين للناس وعبرا يبصرون بها أمر دينهم وأدلة يستدلون بها في أحكام شريعتهم « وهدى » أي دلالة لمن اتبعه يهتدي بها « ورحمة » لمن آمن به « لعلهم يتذكرون » أي يتعظون ويعتبرون .

وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه  وآله وسلّم) قال ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية التي مسخوا قردة أ لم تر أن الله تعالى قال « ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى » الآية « وما كنت بجانب الغربي » أي وما كنت يا محمد حاضرا بجانب الجبل الغربي أي في الجانب الغربي من الجبل الذي كلم الله فيه موسى عن قتادة والسدي وقيل بجانب الوادي الغربي عن ابن عباس والكلبي .

{ إذ قضينا إلى موسى الأمر } أي عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه وقيل معناه أخبرناه بأمرنا ونهينا وقيل أراد كلامه معه في وصف نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ونبوته { وما كنت من الشاهدين } أي الحاضرين لذلك الأمر وبذلك المكان فتخبر قومك عن مشاهدة وعيان ولكنا أخبرناك به ليكون معجزة لك « ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر » أي خلقنا قرنا بعد قرن فطال عهدهم بالمهلكين قبلهم وفترة النبوة فحملهم ذلك على الاغترار وأنكروا بعثة الله رسله لجهلهم بأمر الرسل فأرسلناك للناس رسولا وجعلناك رحمة للناس كما جعلنا موسى رحمة لا يتم الكلام إلا بهذا التقدير وقيل إن المعنى خلقنا خلقا كثيرا عهدنا إليهم في نعتك وصفتك وأمرنا الأول بالإبلاغ للناس إلى الثاني فامتد بهم الزمان فنسوا عهدنا إليهم فيك { وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا } معناه وما كنت مقيما في قوم شعيب تتلو عليهم آياتنا قال مقاتل معناه ولم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم { ولكنا كنا مرسلين } أي أرسلناك إلى أهل مكة وأنزلنا عليك هذه الأخبار ولو لا ذلك لما علمتها قال الزجاج المعنى إنك لم تشاهد قصص الأنبياء ولا تليت عليك ولكنا أوحيناها إليك وقصصناها عليك حتى تخبر قومك بهذا فيدل ذلك على صحة نبوتك وقيل معناه إنك لم تشهد إحساننا إلى عبادنا في إرسال الرسل ونصب الآيات وإنزال الكتب بالبينات والهدى وهذا كما يقال لم تدر أي شيء كان هناك تفخيما للأمر ولو لا الوحي لما علمت من ذلك ما علمت ولم تهتد له .

{ وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } أي ولم تك حاضرا بناحية الجبل الذي كلمنا عليه موسى وناديناه يا موسى خذ الكتاب بقوة وقيل أراد بذلك المرة الثانية التي كلم الله فيها موسى (عليه السلام) حين اختار من قومه سبعين رجلا ليسمعوا كلام الله تعالى « ولكن رحمة من ربك » أي ولكن الله تعالى أعلمك ذلك وعرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك وهو أن بعثك نبيا واختارك لإيتاء العلم بذلك معجزة لك .

{ لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك } أي لتنذر العرب الذين لم يأتهم رسول قبلك « لعلهم يتذكرون » أي لكي يتفكروا ويعتبروا وينزعوا عن المعاصي وفي هذا دلالة على وجوب فعل اللطف فإن الإنذار والدعوة لطف من الله تعالى مؤثر في القبول ومقرب منه { ولو لا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لو لا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين } معناه لو لا أن لهم أن يحتجوا لو أصابتهم عقوبة بأن يقولوا هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى ما يجب الإيمان به فنتبع الرسول ونأخذ بشريعته ونصدق به لما أرسلنا الرسل ولكنا أرسلنا رسلا لقطع حجتهم وهو في معنى قوله لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وقيل إن جواب لو لا هاهنا لعجلنا لهم العقوبة وقيل المراد بالمصيبة هاهنا عذاب الاستئصال وقيل عذاب الدنيا والآخرة عن أبي مسلم .

{ فلما جاءهم الحق من عندنا } أي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن والإسلام { قالوا لو لا أوتي } أي هلا أعطي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) { مثل ما أوتي موسى } من فلق البحر واليد البيضاء والعصا وقيل معناه هلا أوتي كتابا جملة واحدة وإنما قاله اليهود أو قريش بتعليم اليهود فاحتج الله عليهم بقوله { أ ولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل } أي وقد كفروا ب آيات موسى كما كفروا ب آيات محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) { وقالوا سحران تظاهرا } يعنون التوراة والقرآن عن عكرمة الكلبي ومقاتل ومن قرأ ساحران تظاهرا فمعناه أنهم قالوا تظاهر موسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس .

{ وقالوا إنا بكل كافرون } من التوراة والقرآن قال الكلبي وكانت مقالتهم هذه حين بعثوا الرهط منهم إلى رءوس اليهود بالمدينة في عيد لهم فسألوهم عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبروهم بنعته وصفته في كتابهم التوراة فرجع الرهط إلى قريش فأخبروهم بقول اليهود فقالوا عند ذلك سحران تظاهرا { قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين } معناه قل يا محمد لكفار قومك فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن حتى أتبعه إن صدقتم إن التوراة والقرآن سحران وقيل معناه فأتوا بكتاب من عند الله يؤمن معه التكذيب أي لم يكذب به طائفة من الناس.

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) { فإن لم يستجيبوا لك } أي فإن لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن وقيل فإن لم يستجيبوا لك إلى الإيمان مع ظهور الحق { فاعلم إنما يتبعون أهواءهم } أي ما تميل إليه طباعهم لأن الهوى ميل الطبع إلى المشتهى قال الزجاج أي فاعلم إنما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه وإنما آثروا فيه الهوى ثم ذمهم فقال { ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله } أي لا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير رشاد ولا بيان جاءه من الله { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } إلى طريق الجنة وقيل معناه لا يحكم الله بهدايتهم وقيل إنهم إذا لم يهتدوا بهدى الله فكأنه لم يهدهم .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .