المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6194 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

في الاقتصاد والقناعة
25-7-2016
شروط صحّة التواتر
18-8-2016
القانون الدولي وحقوق العراق في مياه دجلة والفرات والروافد الحدودية
24-1-2016
Historical and cultural background
2024-04-24
Giovanni Benedetto Ceva
19-1-2016
حكم تغسيل الصبي للميت.
21-1-2016


البحث حول الراوي مسعدة بن صدقة.  
  
2207   10:41 صباحاً   التاريخ: 25/12/2022
المؤلف : الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
الكتاب أو المصدر : سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة : ص 456 ـ 465.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2017 1687
التاريخ: 10-9-2016 1691
التاريخ: 17-10-2017 1984
التاريخ: 26-10-2017 2209

مسعدة بن صدقة:

اختلف الأصحاب في وثاقته، وفي إمامته أو عاميّته، وفي اسمه ووصفه وكنيته، وفي اتّحاده وتعدّده، فالاختلاف فيه من كل جهة، ولعلّ بعض ما ذكرنا يرجع إلى بعض فيكون اسمه "مسعدة بن صدقة بن اليسع بن زياد العبديّ الربعيّ، أبو بشر" بعدما قيل من أنّ مسعدة بن صدقة مغاير لمسعدة بن اليسع ولمسعدة بن زياد فيكون على هذا ثلاثة، وأنّ النجاشي اشتبه عليه الأمر حين وصفه بالعبديّ حيث قال: "مسعدة بن صدقة العبديّ" بل كان عليه القول مسعدة بن صدقة الربعيّ" وأنّ الذي يوصف فعلا بالعبديّ هو "مسعدة بن زياد العبديّ".

هذه كلّها احتمالات، بل أقوال حتّى تشعّبت أقوال أصحابنا إلى أقوال شتّى، في حين قال السيد البروجرديّ في كتابه ترتيب أسانيد الكافي: إنّه "مسعدة بن صدقة بن اليسع بن زياد" فيكون على ذلك متّحداً.

وبعدما بان لك الخلاف فيه كان علينا تفصيل البحث في جهات ثلاث ليبين الحق فنقول والله المستعان:

الجهة الأولى: البحث في إمامته وعدمها.

قال الكشّي (رحمه الله) في ترجمة محمد بن إسحاق صاحب المغازي وغيره: "محمد بن إسحاق ومحمد بن المكندر وعمرو بن خالد الواسطيّ وعبد الملك بن جريح والحسين بن علوان والكلبيّ، هؤلاء من رجال العامّة، إلا أنّ لهم ميلاً ومحبةً شديدة، وقد قيل: إنّ الكلبيّ كان مستوراً ولم يكن مخالفاً، وقيس بن الربيع البتريّ كانت له محبّة، فأمّا مسعدة بن صدقة بتري..." (1).

والبتريّة طائفة ممّن قالوا بالولاية لعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) إضافة إلى تولّيهم أبا بكر وعمر دون عثمان، فكانوا فرقة من العامّة.

روى الكشّي في سبب تسميتهم خبراً أسنده إلى سدير فقال: دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) ومعي سلمة بن كهيل وأبو المقدام ثابت الحداد وسالم بن أبي حفصة وكثير النواء وجماعة معهم، وعند أبي جعفر (عليه السلام) أخوه زيد بن علي فقالوا لأبي جعفر (عليه السلام): نتولّى عليّاً وحسناً وحسيناً ونتبرّأ من أعدائهم! قال: نعم، قالوا: نتولّى أبا بكر وعمر ونتبرّأ من أعدائهم. قال: فالتفت إليهم زيد بن علي قال لهم: أتتبرؤون من فاطمة! بترتم أمرنا، بتركم الله، فيومئذٍ سُمّوا البتريّة (2).

فالبتريّة فرقة من العامّة يتولّون أبا بكر وعمر وقيل في سبب تسميتهم غير ذلك ليس الآن محلّ ذكره.

وقال الشيخ في أصحاب الباقر (عليه السلام) من رجاله: مسعدة بن صدقة عاميّ (3).

هذا ما استدلّ به القائلون لعاميّة مسعدة بن صدقة، وهو مقالة الكشّي والشيخ في رجاله من أصحاب الباقر (عليه السلام) خاصّة، لكن ومع ما صرّح به العلمان فقد ذهب جمع من متأخّري الأصحاب إلى القول بإمامته، بل لعلّ بعض القدماء من ذهب إلى ذلك أيضاً كما هو ظاهر ابن شهر آشوب حيث نقل كلام الشيخ في توصيفه دون تعرّضه لعاميّته وبعدما حمل ما أفاده الكشّي على الخطأ أو الاشتباه، خاصّة وأنّ النجاشي قال في حقّ هذا الكتاب "فيه أغلاط كثيرة"(4) وأمّا وصف الشيخ له بالعاميّة فلاعتماده على كتاب الكشّي، إذ أنّه هو(رحمه الله) من هذّبه وشذّبه واعتمد عليه بعدما أعرض عنه آخرون.

فعلى هذا يسقط توصيف الكشّي والشيخ له بأنّه عاميّ، ويؤيّد هذا الاستدلال أولا: بأخباره الدالّة على إمامته كأيّ إماميّ آخر - إن لم يكن من أصحاب الشأن منهم - منها: ما رواه العياشي في تفسيره مرسلا عن مسعدة بن صدقة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّ الله جعل ولايتنا أهل البيت قطب القرآن، وقطب جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، وبها توهن الكتب ويستبين الإيمان، وقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يُقتدی بالقرآن وآل محمد، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها: إنّي تارك فيكم الثقلين، الثقل الأكبر والثقل الأصغر، فأمّا الأكبر فكتاب ربي، وأمّا الأصغر فعترتي أهل بيتي، فاحفظوني فيهما فلن تضلّوا ما تمسكّتم بهما.

ومن الصعوبة بمكان مع الخبر هذا القول بعاميّته لمخالفتها عقيدته.

ومنها: ما رواه عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّها الشفاء في علم القرآن لقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] لأهله لا شك فيه ولا مرية، وأهله أئمة الهدى الذين قال الله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] ومنها: ما رواه في تفسير فرات بإسناده عن مسعدة بن صدقة أنّه قال في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9] شيعتنا يتذكّرون.

ومنها: ما رواه الكافي في باب (فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان وينقصه)، بإسناده عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ...إلا أن يدّعي أنّه إنّما عمل ذلك تقيّة ومع ذلك ينظر فيه، فإن كان ليس ممّا يمكن أن يكون تقيّة في مثله لم يقبل منه ذلك، لأنّ للتقيّة مواضع.. انتهى.

ومن المعلوم أنّ العامّة لا يقولون بالتقيّة بل يعارضونها أشدّ معارضة، والقائل بها مخالف لهم في فقههم وعملهم، ولهذا ينسبون من يقول بالتقيّة إلى التشيّع.

ومع ما تقدّم من أخبار وغيرها يصعب القول بعاميّة الرجل.

ثانيا: ترجمة النجاشيّ له والشيخ في الفهرست دون التعرّض لعاميّته، ومن المعلوم أنّهما (رحمها الله) قدّما في ديباجة كتابيها أنّهما يدوّنان أصول ومصنّفات الشيعة، ولهذا كان لازم ترجمة أيّ من الرواة أن يكون إمامياً إلّا مع التصريح بالعدم، ومنه يُعلم أنّ مسعدة بن صدقة إمام لترجمته دون التصريح بعاميّته.

قال السيد الداماد في رواشحه: "إنّ مَن يذكره النجاشيّ من غير ذم ومدح يكون سليماً عنده من الطعن في مذهبه وعن القدح في روايته" (5).

وقال الميرزا محمد الاستراباديّ: "إنّ عدم نقل النجاشيّ كونه عاميّا يدلّ

على نفيه" (6).

وقال السيد بحر العلوم: "الظاهر أنّ جميع من ذكره الشيخ في الفهرست من الشيعة الإماميّة إلا مَن نصّ فيه على خلاف ذلك من الرجال.. وكذا النجاشيّ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين فهو صحيح المذهب ممدوح بمدح عام يقتضيه الوضع لذكر المصنّفين العلماء" (7).

 وغيرها من الكلمات الكثيرة القائلة بإماميّة مَن دوّن النجاشيّ أو الشيء اسمه في الفهرست، وما أفاده الأعلام لا يحتاج إلى نظر واجتهاد إنّما هما قد صرّحا بذلك عند ذكر السبب في تأليف الكتابين، فما أفاده الأعلام المذكورون وغيرهم من أنّ مَن ذكر اسمه في الكتابين إماميّ إلا أن يصرّحا بعاميّته هو الصحيح، ويترتّب على ذلك القول بإماميّة مسعدة بن صدقة، فيكون تدوین اسمه دليلا آخر على إمامته.

وقد تلخّص من ذلك أنّ مقالة الكشّي بأن مسعدة بن صدقة بتريّ من جملة الأغلاط التي حواها كتابه، والذي صرّح النجاشيّ - في ترجمة الكشّي- بأنّ فيه أغلاطاً كثيرة، فيكون ما يدلّ على إمامته أخباره الكثيرة الدالة على ذلك، بل على علوّ شأنه وقربه من المعصومين (عليهم السلام)، وتدوين وترجمة النجاشيّ والشيخ له في الفهرست، نعم هو دليل على الإماميّة بالمعنى الأعمّ، أي: النافي لكونه عاميّاً - وليس كما قاله الشيخ سابقاً - كما أنّه ظهر أيضاً أنّ ما أفاده الشيخ في رجاله من عاميّة مسعدة إنّما هو اعتماد على الكشّي الذي أخطأ في توصيفه بالبتري.

هذا والذي ينبغي أن يُعلم أنّ الشيخ ترجم مسعدة بن صدقة في الفهرست والرجال في أصحاب الباقر (عليه السلام) دون توصيفه بالعاميّة ما يشكّل قرينة إضافيّة على عدم مشهوريّته بذلك.

كما أنّه ينبغي أن يُعلم أنّ كتاب الكشّي كان موجوداً عند النجاشيّ ونقل عنه كثيراً في رجاله إلا أنّه لم يعتمد كلمات الكشّي في كون مسعدة بن صدقة عاميّا.

بل الملاحظ أنّ ابن شهر آشوب في معالم العلماء نقل عن الشيخ ترجمة مسعدة بن صدقة، ولكنّه أعرض عن قوله: "إنّه عاميّ"، وهو ما يعزّز الاعتقاد بعدم اعتماده عاميته.

فمن كلّ ما ذُكر يطمئنّ الفقيه من عدم كون مسعدة بن صدقة عاميّاً، وما يؤكّد ذلك عندنا ما سيأتي من القول بوحدة مسعدة بن صدقة وبن اليسع وبن زیاد والذي صرّح النجاشيّ في كونه "ثقة، عين".

تمّ التوقّف في هذا الموضع.

الجهة الثانية: البحث في وحدته وتعدده:

قال النجاشي (رحمه الله): مسعدة بن صدقة العبديّ، يُكنّى أبا محمد، قاله ابن فضّال، وقيل: يُكنّى أبا بشر، روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام).. أخبرنا ابن شاذان قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا هارون بن مسلم عنه.

ثم قال: مسعد بن زياد الربعيّ ثقة عين روى عن أبي عبد الله (عليه السلام).. أخبرنا محمد بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن محمد الزراريّ قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر قال: حدّثنا هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد.

ثم قال: مسعدة بن اليسع له كتاب، أخبرنا ابن الجنديّ عن ابن همام عن الحميريّ عن هارون بن مسلم عنه به (8).

وقد تبيّن أمور:

الأمر الأول: أنّ النجاشيّ ترجم ثلاث تراجم لكلٍّ منها اسمها الخاص ما يظهر منه تعدّد الرواة والرجال.

الأمر الثاني: أنّ مسعدة بن صدقة وُصِفَ بالعبديّ وابن زياد وُصِفَ بالربعيّ، وهو ما يؤكّد التغاير ما بين الرجلين.

الأمر الثالث: أنّ الطريق الأول للكتاب يبدأ بابن شاذان والثاني بمحمد بن محمد والثالث بابن الجنديّ، وتعدّد الطرق يُحتَمل معه تعدّد المرويّ عنه.

 فهذه قرائن دالّة على تعدّد الرجال دون وحدته.

لكنّه يُقال: أمّا الأمر الأول فقد يُدرأ بالقول بأنّ مسعدة بن صدقة هو بن اليسع بن زیاد، فتارة يُعرف الرجل بأبيه وأخرى بجدّه وثالثة بجده الأعلى، وهذا الأمر كان مشهوراً جداً في أيّامهم تلك - كما العوائل في أيامنا فإنّها تُنسَب إلى الجدّ الأعلى - فابن بابویه كنيتة الصدوق وهو اسم جدّه الأعلى وأصبحت علماً له حتّى كأنّ الشيخ الصدوق صار اسمه "ابن بابویه" وكذا ابن طاووس، فإنّ طاووس هو الجدّ الخامس لعليّ بن طاووس، إلا أنّه يُعرف بجدّه الأعلى كما هو معروف أيضا، بل الإمام الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) كلّهم كانوا يُعرفون بابن الرضا" فهذا الأمر كان مشهوراً جداً، فمسعدة كان مرّة يُقال له مسعدة بن صدقة، وأخرى بن اليسع وثالثة بن زياد، والذي يؤيّد ذلك رواية الكلينيّ مرّة في "باب السمك"(9) عن مسعدة بن صدقة عن ابن اليسع، أي: بإضافة "عن" وهو اشتباه من النسّاخ - والله العالم - وذلك لروايتها في الوسائل عن مسعدة بن صدقة بن اليسع(10)- من طريق الكلينيّ - وهو الصحيح، وذلك لأنّ صدقة هو ابن اليسع، وممّا يؤيّد ما نقول هو أنّ مسعدة بن صدقة لا يروي عن أيّ واحد من الرواة اسمه "اليسع" وهو ما يدلّ على أنّ اليسع هو الأب وليس راوياً آخرَ مغايراً لمسعدة بن صدقة.

وأمّا مسعدة بن زياد فهو مسعدة بن صدقة بن اليسع - كما قلنا - بن زياد، وزياد هذا هو الجدّ الأعلى لمسعدة، وقرينة ذلك رواية الكلينيّ بقوله: "مسعدة بن صدقة عن زياد"(11) وهو أيضاً اشتباه، والحقّ أنّها "بن" أي: مسعدة بن صدقة بن زياد وذلك لروايتها في البحار عن الكافي بقوله: "مسعدة بن زياد" - وهو صحيح - وكذا في الوسائل عن الكافي بقوله "مسعدة بن زياد(12)" فزياد هذا ليس راوياً مغايراً لمسعدة إنّما هو جدّه الأعلى، والذي يؤيّد ذلك أيضا أنّ مسعدة بن صدقة لا يروي بأيّ من رواياته عن زياد أبداً مع كثرة من روى عنهم سوى هذه الرواية الواحدة، ما يُعلم معه أنّ كلمة "عن" هي بواقعها "بن" وهذا الاشتباه ليس عزيزاً.

والذي يؤيّد كلّ هذا وحدة طبقة هؤلاء الرواة الثلاثة، فكلّهم يروي عن الصادق (عليه السلام) ووحدة الراوي - أي: هارون بن مسلم - والمرويّ عنه، ووحدة الأسماء، ووحدة الآباء، ووحدة الوصف بالعبديّ والربعيّ، فقد قال النجاشيّ في رجاله: مسعدة بن صدقة العبديّ، ومسعدة بن زياد الربعيّ ومسعدة بن اليسع، فظنّ البعض أنّ تغاير الوصف هذا يعني تعدّد الراوي، قال السيد الخوئي (رحمه الله): "بقي هنا أمران: الأوّل: أنّ صريح النجاشيّ أنّ الموصوف بالربعيّ هو مسعدة بن زياد، كما أنّ الموصوف بالعبديّ هو مسعدة بن صدقة، لكن الذي يظهر من الروايات أنّ الأمر بالعكس، فإنّا لم نجد رواية يُوصف فيه مسعدة بن زياد بالربعيّ كما لم نجد رواية يُوصف فيها مسعدة بن صدقة بالعبدي " (13).

وكذا غيره وقع بهذا الشراك، في حين أنّ العبديّ هو ربعيّ، أيّ من قبيلة ربيعة، قال ابن الأثير في اللباب: نسبة - أي العبديّ - إلى عبد القيس من ربيعة بن نزار، وهو عبد القيس بن أفصى بن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان البصريّ (14).

 فتعريف الشيخ له في رجاله - من أصحاب الصادق (عليه السلام) - بأنّه مسعدة بن صدقة العبسيّ البصريّ صحيح في كونه البصريّ أمّا العبسيّ فهي تحريف للعبديّ، إذ ليس في سلسلة مسعدة من آبائه من هو عبسيّ، وإنّما هو عبد كما توضح ذلك كله (15).

إذن كلّ عبديّ هو ربعيّ (أي: نسبة إلى بني ربيعة) وهو القبيلة الأم، وهذا بدلاً من أن يكون قرينة على تعدّد الرجل - كما حسبه بعضهم - يكون قرينة على وحدته أيضا وذلك لوحدة الوصف الذي هو العبديّ والربعيّ، ولهذا نرى أبا غالب الزراريّ والخطيب البغداديّ والشيخ في الأماليّ والنجاشيّ في ترجمته يصفونه ب "العبديّ" بينما الحميريّ في قرب الإسناد والصدوق في الفقيه والخصال والعلل والشيخ في الاستبصار والتهذيب يصفونه بالربعيّ، وهذا ليس اشتباه من أعلامنا القدماء، وإنّما هو توصيف له تارة بقبيلته التي يُنسب إليها فعلاً أو إلى القبيلة الأم كما يُقال عن [سيّدنا ونبيّنا] محمد (صلى الله عليه وآله): إنّه النبيّ الأمّيّ الهاشميّ القرشيّ التهاميّ، فإنّ قريشاً أبو القرشيين أجمعين والذي هو مضر، وتهامة أوسع وأشمل من الهاشميّين والقرشيّين كما هو معلوم.

وأمّا أنّه كيف انطلى الأمر على النجاشيّ والشيخ (رحمهما الله) فترجما ثلاثة أسماء وهو ما يدلّ على التعدّد، فإنّه يُقال في جوابه أولا: ما تقدّم، وثانيا: إنّ الفاصل ما بين الشيخين ومسعدة بن صدقة ما يُقارب المائتين وخمسين سنة، والطبقة الأولى الراوية عن مسعدة بن صدقة تارة عرّفته بابن صدقة وأخرى بابن اليسع وثالثة بابن زیاد فلمّا وصلتهم الأسماء بعد

هذه السنين المتطاولة ظنّوا تعدّدهم فترجموهم كذلك، وهذا الأمر ليس عزيزاً، ومَن راجع كتب "المشتركات" يُدرك ما نقول.

وقد تلخّص من الجهة الثانية القول بوحدة الراوي واشتراكه وذلك لوحدة الطبقة ووحدة الراوي والمرويّ عنه ووحدة الأسامي ووحدة الآباء ووحدة الوصف بالعبديّ والربعيّ - أي: وحدة القبيلة - وكل هذا يورث الاطمئنان بالوحدة وإن خالف في ذلك كثيرون.

الجهة الثالثة: البحث في وثاقته:

هذا البحث مرتبط بما تقدّم، فإن قلنا بالتعدّد قلنا بضعف مسعدة بن صدقة ومسعدة بن اليسع ووثاقة مسعدة بن زياد، وذلك لعدم تصريح القدماء بوثاقة الأوّلين بخلاف الثالث، فإنّ النجاشيّ نصّ على وثاقته بل قال: مسعدة بن زياد الربع ثقة عين (16).

نعم، ذهب البعض - كالمجلسيّ الأول إلى القول بوثاقة مسعدة بن صدقة مع توصيفه في الكشّي بأنّه بتريّ وفي رجال الشيخ بأنّه عاميّ، وذلك لكثرة روايته وقبولها بين الأصحاب وعملهم بمضمونها، بل قال المجلسيّ الأول (رحمه الله): "بل لو تتبّعت وجدت أخباره أشدّ وأمتن من أخبار جميل بن دراج وحريز بن عبد الله".

وأّما على ما قلنا من وحدة هؤلاء الثلاثة، وأنّهم راوٍ واحد فإنّه لا بدّ من القول بوثاقته وذلك لتوثيق النجاشيّ له صريحاً بقوله: "مسعدة بن زياد الربعيّ ثقة عين" والذي هو حينها عين مسعدة بن صدقة وبن اليسع.

وقد تلخّص القول في أنّ مسعدة بن صدقة إماميّ ثقة عين وهو عين مسعدة بن اليسع وبن زياد، فلا غرابة حينها في أن يُقال بأنّ أخباره سديدة ومتينة وأنّها أمتن من أخبار جميل وحريز، وفي أنّ الأصحاب قبلوا أخباره وأفتوا بمضمونها وذلك لمّا تقدم والله هو العالم والمسدّد.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال الكشي، ص453، رقم 733.

(2) المصدر نفسه، ص311، رقم 429.

(3) رجال الشيخ، ص 137.

(4) وذلك عندما ترجم الكشّي بقوله: "محمد بن عمر بن عبد العزيز".

(5) الرواشح السماويّة، الراشحة 17، ص68.

 (6) الحكاية عن منتهى المقال، الطبعة القديمة، ص177.

(7) رجال بحر العلوم، ج4، ص114.

(8) رجال النجاشيّ، ج2، ص358.

(9) الكافي، ج6، ص323.

(10) وسائل الشيعة، ج25، ص77.

(11) الكافي، ج6، ص363.

(12) وسائل الشيعة، ج 25، ص179.

(13) معجم رجال الحديث، ج18، ص138.

(14) وفي الخبر عن ابن عباس أنّ وفد عبد القيس أتوا النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: مَن الوفد؟ أو مَن القوم؟ قالوا: ربيعة، فقال: مرحبا بالقوم.. فعبد القيس هم ربيعة والنسبة إليه: العبديّ، وإلى ربيعة الربعيّ، ولهذا عندما يُعرّفون الحارث بن زيد يقولون: الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة بن جزيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس الربعيّ العبديّ.

(15) راجع وفيات الأعيان، ج7، ص53.

(16) رجال النجاشيّ، ج 2، ص358.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)