المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
علائم الغفلة
2024-12-28
العواقب المشؤومة للغفلة
2024-12-28
عوامل الغفلة
2024-12-28
تحديد مشكلة البحث الإعلامي
2024-12-28
معايير اختيار مشكلة البحث الإعلامي
2024-12-28
أسس اختيار مشكلة البحث الإعلامي
2024-12-28



متنزهات قرطبة  
  
1551   09:56 صباحاً   التاريخ:
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج1،ص:466-479
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-11 1048
التاريخ: 2024-08-31 455
التاريخ: 2024-09-16 453
التاريخ: 2024-10-17 678

متنزهات قرطبة

قال ابن سعيد في المغرب: ولنذكر الآن من منتزهات قرطبة ومعاهدها المذكورة في الألسن نظما ونثرا ما انتهى إليه الضبط، من غير تغلغل في غير المشهور منها والأهم، ونوشي ذلك بجميع ما يحضرني من مختار النظم في قرطبة، وما يحتوي عليه نطاقها المذكور.

فأول ما نذكر من المنتزهات منتزه الخلفاء المروانية، وهو قصر الرصافة؛ قال والدي (1) رحمه الله: كان مما ابتناه عبد الرحمن بن معاوية في أول أيامه لنزهه وسكناه أكثر أوقاته: منية الرصافة التي اتخذها بشمال قرطبة

 (466)

منحرفة إلى الغرب، فاتخذ بها قصرا حسنا، ودحا جنانا واسعة، ونقل إليها غرائب الغروس وأكارم الشجر من كل ناحية، وأودعها ما كان استجلبه يزيد وسفر رسولاه إلى الشأم من النوى المختار والحبوب الغريبة، حتى نمت بيمن الجد وحسن التربية في المدة القريبة أشجارا معتمة أثمرت بغرائب من الفواكه انتشرت عما قليل بأرض الأندلس، فاعترف بفضلها على أنواعها. قال: وسماها باسم رصافة جده هشام بأرض الشأم الأثيرة لديه، وامتثله في اختيار رصافته هذه (2) ، وكلفه بها وكثرة تردده عليها، وسكناه أكثر أوقاته بها، فطار (3) لها الذكر في أيامه، واتصل من بعده في إيثارها.

قال: وكلهم فضلها، وزاد في عمارتها، وانبرى وصاف الشعراء لها، فتناغوا (4) في ذلك فيما هو إلى الآن مأثور (5) عنهم، مستجاد منهم.

قال ابن سعيد: والرمان السفري الذي فاض على أرجاء الأندلس، وصاروا لا يفضلون عليه سواه، أصله من هذه الرصافة. وقد ذكر ابن حيان شانه، وأفرد له فصلا (6) ، فقال: إنه الموصوف بالفضيلة، المقدم على أجناس الرمان بعذوبة الطعم، ورقة العجم، وغزارة الماء، وحسن الصورة، وكان رسوله إلى الشأم في توصيل أخيته (7) منها إلى الأندلس قد جلب طرائف منها من رمان الرصافة المنسوبة إلى هشام، قال: فعرضه عبد الرحمن على خواص رجاله مباهيا به، وكان فيمن حضره منهم سفر بن عبيد الكلاعي من جند الأردن، ويقال: هو من الأنصار الذين كانوا يحملون ألوية رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته، قال: وهم يحملون الألوية بين يدي الخلفاء من بني

 (467)

أمية، فأعطاه من ذلك الرمان جزءا فراقه حسنه وخبره، فسار به إلى قرية بكورة رية فعالج عجمه واحتال لغرسه وغذائه وتنقيله حتى طلع شجرا أثمر وأينع، فنزع إلى عرقه، وأغرب في حسنه، فجاء به عما قليل إلى عبد الرحمن، فإذا هو أشبه شيء بذلك الرصافي، فسأله الأمير عنه، فعرفه وجه حيلته، فاستبرع استنباطه، واستنبل همته، وشكر صنعه، وأجزل صلته واغترس منه بمنية الرصافة وبغيرها من جناته، فانتشر نوعه، واستوسع الناس في غراسه، ولزمه النسب إليه، فصار يعرف إلى الآن بالرمان السفري.

قال: وقد وصف هذا الرمان أحمد بن فرج (8) الشاعر في أبيات كتب بها إلى بعض من أهداه له، فقال:

ولابسة صدفا أحمرا ... أتتك وقد ملئت جوهرا

كأنك فاتح حق لطيف ... تضمن مرجانه الأحمرا

حبوبا كمثل لثات الحبيب ... رضابا إذا شئت أو منظرا

وللسفر تعزى وما سافرت ... فتشكو النوى أو تقاسي السرى

بلى فارقت أيكها ناعما ... رطيبا وأغصانها نضرا

وجاءتك معتاضة إذ أتتك ... بأكرم من عودها عنصرا

بعود ترى فيه ماء الندى ... ويورق من قبل أن يثمرا

هدية من لو غدت نفسه ... هديته ظنه قصرا وقال ابن سعيد: وأخبرني والدي قال: أخبرني الوشاح المبرز المحسن أبو الحسن المريني (9) قال: بينما أنا أشرب مع ندماني بإزاء الرصافة، إذا بإنسان

 (468)

رث الهيئة، مجفو (10) الطلعة، قد جاء فجلس معنا، فقلنا له: ما هذا الإقدام على الجلوس معنا دون سابق معرفة؟ فقال: لا تعجلوا علي، ثم فكر قليلا ورفع رأسه فأنشدنا:

اسقنيها إزاء قصر الرصافه ... واعتبر في مآل أمر الخلافه

وانظر الأفق كيف بدل أرضا ... كي يطيل اللبيب فيه اعترافه

ويرى أن كل ما هو فيه ... من نعيم وعز أمر سخافه

كل شيء رايته غير شيء ... ما خلا لذة الهوى والسلافه قال المريني: فقبلت رأسه، وقلت له: بالله من تكون؟ فقال: قاسم بن عبود الرياحي، الذي يزعم الناس أنه موسوس أحمق، قال: فقلت له: ما هذا شعر أحمق، وإن العقلاء لتعجز عنه، فبالله إلا ما تممت مسرتنا بمؤانستك ومنادمتك ومناشدة طرف أشعارك، فنادم وأنشد، وما زلنا معه في طيبة عيش إلى أن ودعناه وهو يتلاطم مع الحيطان سكرا، ويقول: اللهم غفرا. انتهى (11) .

 (469)

قال: ومن أبدع قصور (12) خارج قرطبة قصر السيد أبي يحيى بن أبي يعقوب بن عبد المؤمن، وهو على متن النهر الأعظم، تحمله أقواس، وقيل للسيد: كيف تأنقت في بنيان هذا القصر مع انحرافك عن أهل قرطبة؟ فقال: علمت أنهم لا يذكرون واليا بعد عزله ولا له عندهم قد، لما بقي في رؤوسهم من الخلافة المروانية، فأحببت أن يبقى لي في بلادهم أثر أذكر به على رغمهم.

قال ابن سعيد: وأخبرني والدي أن ناهض بن إدريس (13) شاعر وادي آش في عصره أنشده لنفسه في هذا القصر:

ألا حبذا القصر الذي ارتفعت به ... على الماء من تحت الحجارة أقواس

هو المصنع الأعلى الذي أنف الثرى ... ورفعه عن لثمه المجد والباس

فأركب متن النهر عزا ورفعة ... يغص وحلت أفقه الدهر أعراس

فلا زال معمور الجناب وبابه ... يغص وحلت افقه الدهر أعراس وقال الفتح في قلائده، لما ذكر الوزير ابن عمار (14) : وتنزه بالدمشق بقرطبة، وهو قصر شيده بنو أمية بالصفاح والعمد، وجري في إتقانه إلى غير أمد، وأبدع بناؤه، ونمقت ساحاته وفناؤه، واتخذوه ميدان مراحهم، ومضمار أفراحهم، وحكوا به قصرهم بالمشرق، وأطلعوه كالكوكب المشرق، وأنشد في لابن عمار:

كل قصر بعد الدمشق يذم ... فيه طاب الجنى ولذ المشم

منظر رائق، وماء نمير ... وثرى عاطر، وقصر أشم

بت فيه والليل والفجر عندي ... عنبر أشهب ومسك أحم

 (470)

وهي منسوبة للحاجب أبي عثمان جعفر بن عثمان المصحفي.

وذكر الحجاري في المسهب أن الرئيس أبا بكر محمد بن أحمد بن جعفر المصحفي، اجتاز بالمنية المصحفية التي كانت لجده أيام حجابته للخليفة الحكم المستنصر، فاستعبر حين تذكر ما آل إليه حال جده مع المنصور بن أبي عامر، واستيلاءه على ملكه وأملاكه، فقال:

قف قليلا بالمصحفية واندب ... مقلة أصبحت بلا إنسان

واسألنها عن جعفر وسطاه ... ونداه في سالف الأزمان

جعفر مثل جعفر حكم الده؟ ... ر عليه بعسرة وهوان

ولكم حذر الردى فصممنا ... لا أمان لصاحب السلطان

بينما يعتلي غدا خافضا من ... ه اكتساب ككفة الميزان (15) ومنية الزبير منسوبة إلى الزبير بن عمر الملثم (16) ملك قرطبة.

قال ابن سعيد: أخبرني والدي عن أبيه قال: خرج معي إلى هذه المنية في زمان فتح النوار أبو بكر بن بقي الشاعر (17) المشهور، فجلسنا تحت سطر من أشجار اللوز قد نورت، فقال ابن بقي:

سطر من اللوز في البستان قابلني ... ما زاد شيء على شيء ولا نقصا

كأنما كل غصن كم جارية ... إذا النسيم ثنى أعطافه رقصا

 (471)

ثم قال شعرا منه:

عجبت لمن أبقى على خمر دنه ... غداة رأى لوز الحديقة نورا ولا أذكر بقية الأبيات، قال جدي: ثم اجتمعت به بعد ذلك بغرناطة، فذكرته باجتماعه في منية الزبير، فتنهد وفكر ساعة وقال: اكتبوا عني، فكتبنا:

سقى الله بستان الزبير، ودام في ... مجاريه سيل (18) النهر ما غنت الورق

فكائن لنا من نعمة في جنابه ... كبزته الخضراء طالعها طلق

هو الموضع الزاهي على كل موضع ... أما ظله ضاف أما ماؤه دفق

أهيم به في حالة القرب والنوى ... وحق له مني التذكر والعشق

ومن ذلك النهر الخفوق فؤاده ... بقلبي ما غيبت عن وجهه خفق قال: فقلت له: جمع الله بينك وبينه على الحالة التي تشتهي، قال: ذلك لك، قلت: وكيف ذلك؟ قال: تدفع لي هذا السيف الذي تقلدت به أتزود به إليه، وأنفق الباقي فيه على ما تعلم، قال: فقلت له: هذا سيف شرفني به السلطان أبو زكرياء ابن غانية، وما لعطائه سبيل، ولكن أعطيك قيمته، فخرج وأبى بشخص يعرف قيمة السيوف، فقدره وجعل يقول: إنه سيف السلطان ابن غانية، ليعظم قدره في عينه فيزيد في قيمته، ثم قبض ما قدر به، وأنشد ارتجالا:

أطال الله عمر فتى سعيد ... وبقاه ورقته السعود

غدا لي جوده سببا لعودي ... إلى وطين فها أنا ذا أعود

وألثم كفه شكرا ويتلو ... طريقي آي نعماه النشيد

 (472)

حباني من ذخائره بسيف ... به لم يبق للأحزان جيد والقصر الفارسي من القصور المقصودة للنزاهة بخارج قرطبة، وقد ذكره الوزير أبو الوليد ابن زيدون في قصيد ضمنه من منتزهات قرطبة ما تقف عليه، وكان قد فر من قرطبة أيام بني جهور، فحضره في فراره عيد ذكره بأعياد وطنه ومعاهده الأنسية مع ولادة التي كان يهواها ويتغزل فيها، فقال (19) :

خليلي لا فطر يسر ولا أضحى ... فما حال من أمسى مشوقا كما أضحى وستأتي هذه القصيد في هذا الباب، كما ستأتي قصيدة أبي القاسم ابن هشام القرطبي التي أولها:

يا هبة باكرت من نحو دارين ... وفيها كثير من منتزهات قرطبة.

قال ابن سعيد: كان والدي كثيرا ما يأمرني بقراءتها عليه، ويقول: والله لقد أنبأت عن فضل لهذا الرجل، قال: وكان أبو يحيى الحضرمي يحفظها، ويزين بها مجالسه، ويحلف أن لا ينشدها بمحضر جاهل لا يفهم، أو حاسد لا ينصف في الاهتزاز لها، وإنه لجدير بذلك، وإنها لمن كنوز الأدب.

ثم قال: والمرج النضير المذكور بها هو مرج الخز، أخبرني والدي أنه حضر في زمان الصبا بهذا المرج على راحة، ومعه الرئيس الفاضل أبو الحسين ابن الوزير أبي جعفر الوقشي (20) والمسن ابن دريدة (21) المشهور بخفة الروح، قال: فسبحت أمامنا إوز، وجعلت تمرح وتنثر ما عليها من الماء فوق المرج،

 (473)

والمرج قد أحدق به الوادي، والشمس قد مالت عليه للغروب، فقال لي أبو الحسين: بالله صف يومنا وحسن (22) هذا المنظر، فقلت: لا أصفه أو تصفه أنت، فقال: ولك مني ذلك، فأفكر كل منا على انفراد بعدما ذكرنا ما نصف نثرا، فقال أبو الحسين الوقشي:

لله يوم بمرج الخز طاب لنا ... فيه النعيم بحيث الروض والنهر

وللإوز على أرجائه لعب ... إذا جرت بددت ما بيننا الدرر

والشمس تجنح نحو البين مائلة ... كأن عاشقها في الغرب ينتظر

والكأس جائلة باللب حائرة ... وكلنا غفلات الدهر نبتدر قال: فقلت:

ألا حبذا يوم ظفرنا بطيبه ... بأكناف مرج الخز والنهر يبسم

وقد مرحت في الإوز، وأرسلت ... على سندس درا به يتنظم

ومد به للشمس فهو كأنه ... لثام لها ملقى من النور معصم

أدرنا عليه أكؤسا بعثت به ... من الأنس ميتا عاد وهو يكلم

غدونا إليه صامتين سكينة ... فرحنا وكل بالهوى يترنم فأظهر كل منا لصاحبه استحسان ما قال تنشيطا وتتميما للمسرة، ثم قلنا للمسن: ما عندك أنت ما تعارض (23) به هاتين القطعتين؟ قال: بهذا، ورفع رجله وحبق حبقة فرقعت (24) منها أرجاؤه، فقال له أبو الحسين: ما هذا يا شيخ السوء؟ فقال: الطلاق له لازم (25) إن لم تكن أوزن من شعركما، وأطيب رائحة، وأغن صوتا، وأطرب معنى، فضحكنا منه اشد ضحك، وجعلنا نهتز غاية

 (474)

الاهتزاز لموقع نادرته، فقال: والدليل على ذلك أنكم طربتم لما جئت به أكثر مما طربتم من شعركم.

ثم قال ابن سعيد: ومن منتزهات قرطبة المشهورة فحص السرادق، مقصود للفرجة، يسرح (26) فيه البصر، وتبتهج فيه النفس، وأخبرني والدي عن أخيه أبي جعفر بن عبد الملك بن سعيد قال: خرجت مع الشريف الأصم القرطبي إلى بسيط الجزيرة الخضراء - وقد تدبج بالأنوار (27) - فلما حركنا حسن المكان، وتشوقنا إلى الأركان (28) ، قال الشريف: لقد ذكرني هذا البسيط بسيط فحص السرادق، فقلت له: فهل ثار في خاطرك (29) نظم فيه؟ قال: نعم، ثم أنشد:

ألا فدعوا ذكر العذيب وبارق ... ولا تسأموا من ذكر فحص السرادق

مجر ذيول السكر من كل مترف ... ومجرى الكؤوس المترعات السوابق

قصرت عليه اللحظ ما دمت حاضرا ... وفكري في غيب لمرآه شائقي

أيا طيب أيام تقضت بروضة ... على لمح غدران وشم حدائق

إذا غردت (30) فيه حمائم دوحها ... تخيلتها الكتاب بين المهارق

وما باختيار الطرف فارقت حسنها ... ولكن بكيد من زمان منافق قال أبو جعفر: فلما سمعت هذا الشعر لم أتمالك من الاستعبار، وحركني ذلك إلى أن قلت في حور (31) مؤمل سيد منتزهات غرناطة، ولم يذكر هنا ما قاله فيه، وذكره في موضع آخر لم يحضرني الآن حتى أورده هنا، والله أعلم.

ومن منتزهات قرطبة السد، قال ابن سعيد: أخبرني والدي أن الشاعر

 (475)

المبرز أبا شهاب المالقي (32) أنشده لنفسه واصفا يوم راحة بهذا السد:

ويوم لنا بالسد لو رد عيشه ... بعيشة أيام الزمان رددناه

بكرنا له والشمس في خدر شرقها ... إلى أن أجابت إذ دعا الغرب دعواه

قطعناه شدوا واغتباقا ونشوة ... ورجع حديث لو رقى الميت أحياه

على مثله من منزه تبتغى المنى ... فلله ما أحلى وأبدع مرآه

شدتنا به الأرحا وألقت نثارها ... علينا فأصغينا له وقبلناه

لئن بان إنا بالأنين لفقده ... وبالدمع في إثر الفراق (33) حكيناه وأنشدني والدي موشحة لأبي الحسن المريني معاصره وصاحبه يذكر فيها هذا السد، وهي (34) :

في نغمة العود والسلافه ... والروض والنهر والنديم

أطال من لامني خلافه ... فظل في نصحه مليم

دعني على منهج التصابي ... ما قام لي العذر الشباب

ولا تطل في المنى عتابي ... فلست أصغي إلى عتاب

لا ترج ردي إلى صواب (35) ... والكأس تفتر عن حباب

والغصن يبدي لنا انعطافه ... إذا هفا فوقه النسيم

والروض أهدى لنا قطافه ... واختال في برده الرقيم

 (476)

يا حبذا عهدي القديم ... ومن به همت مسعدي

ريم عن الوصل لا يريم ... مولع بالتودد

ما تم إلا به النعيم ... طوعا على رغم حسدي

معتدل القد ذو نحافه ... أسقمني طرفه السقيم

ورام طرفي به انتصافه ... فخد في خده الكليم

غض الصبا عاطر المقبل ... أحلى من الأمن والأمل

ظامي الحشا مفعم المخلخل ... حلو اللمى ساحر المقل

لكل من رامه توصل ... لم يخش ردا بما فعل

أشكو فيبدي لي اعترافه ... إن حاد عن نهجه القويم

لا أعدم الدهر فيه رافه ... فحق لي فيه أن أهيم

لله عصر لنا تقضى ... بالسد والمنبر البهيج

أرى ادكاري إليه فرضا ... وشوقه دائما يهيج

فكم خلعنا عليه غمضا ... وللصبا مسرح أريج

ورد أطال المنى ارتشافه ... حتى انقضى شربه الكريم

لله ما أسرع انحرافه ... وهكذا الدهر لا يديم

يا من يحث المطي غربا ... عرج على حضرة الملوك

وانثر بها إن سفحت غربا ... من مدمع عاطل سلوك

واسمع إلى من أقام صبا ... واحك صداه لا فض فوك

(477)

بلغ سلامي قصر الرصافه ... وذكرو (36) عهدي القديم

وحي عني دار الخلافه ... وقف بها وقفة الغريم وقال ابن سعيد: والمنبر المذكور في هذه الموشحة من منتزهات قرطبة، والسد هو الأرحا التي ذكرها في زجله قاسم بن عبود الرياحي، رويته عن والدي عن قائله، وهو (37) :

بالله أين نصيب ... من لس لي فيه نصيب

محبوبا مخالف ... ومعو رقيب

حين نقصد مكانو ... يقم ف المقام

ويبخل علينا ... برد السلام

أدخلت يا قلبي ... روحك في زحام (38)

سلامتك عندي ... هي شي عجيب

وكف بالله يسلم ... من هو في لهيب

بالله يا حبيبي ... اترك ذا النفار

واعمل أن نطيبوا ... في هذا النهار

واخرج معي للوادي ... لشرب العقار

نتمم نهارنا ... في لذه وطيب

في الأرحا وإلا ... في المرج الخصيب

 (478)

أو عند النواعر (39) ... والروض الشريق (40)

أو قصر الرصافه ... أو وادي العقيق

رحق (41) والله دونك ... هو عندي الحريق

وفي حبك أمسيت ... في أهلي غريب

وما الموت عندي ... إلا حن تغيب

اتكل على الله ... وكن فظ جسور

وإن ريت فضولي ... وقل إين تمور

كمش عنو (42) وجهك ... فإن راك نفور

يهرب عنك خايف ... ويبقى مريب

وامش أنت موقر ... كأنك خطيب

ما أعجب حديثي ... إش هذا الجنون

نطلب وندبر ... أمرا لا يكون

وكم ذا نهون ... شيئا لا يهون

وإش مقدار ما نصبر ... لبعد الحبيب

رب اجمعني معو ... عاجلا قريب

(479)

 

__________

(1) ج: قال ابن حيان.

(2) ك: ولميله في اختياره هذه.

(3) ك: طار.

(4) في ك: فتنازعوا.

(5) ك: مشهور مأثور.

(6) ج: وأفرد فضله.

(7) في ك: أخته.

(8) هو ابن فرج صاحب كتاب الحدائق، الذي ألفه للحكم المستنصر، من شعراء عصر الخلافة الأموية، جرى عليه ايام الحكم ما أدى إلى سجنه وتوفي حوالي 366؛ (انظر ترجمته في الجذوة 97 وبغية الملتمس رقم: 331 ومعجم الأدباء 4: 236 والصلة 11، ومسالك الأبصار 11: 195 والمغرب 2: 56 والمطمح 79 والوافي ج؟ 8 الورقة: 34 وله اشعار في اليتيمة).

(9) هو علي بن المريني أبو الحسن، شاعر وشاح توفي في مدة منصور بني عبد المؤمن وكان كثير التجول (المغرب 2: 213) وسيورد المقري له موشحة في سد قرطبة، وفي المغرب موشحة تنازع نسبتها هو واليكي (2: 218).

(10) ج: مجلو.

(11) زاد بعد هذه الكلمة ف نسخة (ج): " فائدة: قال الذهبي في المشتبه: والرصافة مواضع منها رصافة بناها هشام بن عبد الملك بقرب الرقة ورصافة بغداد - محلة كبيرة جدا أنشأ المنصور لابنه المهدي وتلقب بعسكر المهدي، منها أئمة، ورصافة البصرة قرية منها شيخان رويا؛ ورصافة قرطبة بليدة أنشأها عبد الرحمن بن معاوية الداخل، سماها باسم رصافة جده هشام خرج منها فضلاء؛ ورصافة الكوفة صغيرة، ورصافة نيسابور قرية، ورصافة الأنبار بناها السفاح، ورصافة بليدة بإفريقية، والرصافة قلعة أحدثها الإسماعيلية بالشام. انتهى باختصار. قال في القاموس، في فصل الراء باب الفاء: والرصافة كمكناسة بلد بالشام منه أبو منيع عبد الله بن أبي زياد وابن ابنه الحجاج، ومحلة ببغداد منها محمد بن بكار بن جعفر بن محمد بن علي، وبلد بالبصرة منها محمد بن عبد الله بن صيفون، وقرية بواسط منها عبد المجيد وقرية بنيسابور وبالكوفة وبلد بإفريقية وقرية للإسماعيلية، وعمي الرصافة موضع بالحجاز، انتهى. رجع إلى قرطبة؛ قال بن سعيد... الخ " .

(12) ق: ومن المتنزهات قصور خارج قرطبة؛ ط: ومن أعظم قصور...

(13) ناهض بن إدريس: من مداح ناصر بني عبد المؤمن (المغرب 2: 145).

(14) قلائد العقيان: 84.

(15) ك: انتساب؛ ج: اكتسابا.

(16) الزبير بن عمر من ولاة الملثمين (المرابطين) على قرطبة؛ وقد عده في مفاخر البربر (82) من ولاة غرناطة ولكن ابن سعيد (2: 127) يسميه صاحب قرطبة، وهو مهجو الشاعر المعروف بالأبيض.

(17) أبو بكر يحيى بن بقي الطليطلي من كبار الشعراء الوشاحين في عصر المرابطين توفي سنة 540 (انظر ترجمته في الذخيرة القسم الثاني: 244 والقلائد: 279 ومعجم الأدباء 19: 21 والتكملة: 2042 ووفيات الأعيان 5: 248 ومسالك الأبصار 11: 280 والمغرب 2: 19 وله موشحات في دار الطراز وفي مخطوطة جيش التوشيح للسان الدين).

(18) ك ج ط: ذراه مسيل.

(19) ديوان ابن زيدون: 158.

(20) أبو الحسين الوقشي، سيذكره صاحب النفح، وكان ذا صوت بديع عارفا بالألحان؛ وقد مر ذكره في المغرب (1: 220) في مجلس مع والد ابن سعيد.

(21) في بعض النسخ: الحسن؛ وفي نسخة: دويدة؛ وقد ذكره ابن سعيد في المغرب 2: 181 وأورد بعض نوادره؛ وهو قلعي أي ينسب إلى قلعة بني سعيد؛ وفي ج: ودريده.

(22) ق: في حسن.

(23) ق ط ج: بما تعارض.

(24) ق ط ج: قرقعت.

(25) ك: يلزمه.

(26) ق: ليسرح.

(27) ك: بالنوار.

(28) لعل الصواب: الأوطان.

(29) ك: خاطركم.

(30) ق: رددت؛ ط ج: وردت.

(31) بعض النسخ: حوز.

(32) أبو شهاب المالقي: من شعراء المائة السابعة، صحبه والد ابن سعيد أيام الشباب ووصفه بأنه كان خليع العذار في شرب العقار (المغرب 1: 437).

(33) ق: الغرام.

(34) استعمل في ك كلمتي " مطلع " و " دور " للدلالة على القفل وعلى كل غصن من أغصان الموشحة.

(35) ك: إلى جواب؛ ق: إلى الجواب.

(36) ك: وذكره؛ والصواب قراءته حسب النطق الدارج " وذكرو " ، وهي قراءة ق.

(37) استعمل أيضا في ك في تقسيم هذا الزجل لفظتي مطلع ودور.

(38) ج: الزحام.

(39) ج: النواير.

(40) ج: الرشيق.

(41) ك ط: حرق؛ ج: حدق.

(42) ك: عني.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.