المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الرثاء
23-03-2015
(قوى فاندرفالز) قوى الحث Induction Forces
15-10-2017
ميراث المرأة وفروعها في المرتبة الأولى
11-2-2016
وفاة هارون و موسى صلوات الله عليهما
5-2-2016
الصحافة العربية اليوم
1-12-2020
تربية النبات
20-1-2016


محاور الحركة الإصلاحية العامّة للإمام الباقر ( عليه السّلام ): الاصلاح السياسي  
  
1664   02:58 صباحاً   التاريخ: 14/11/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 7، ص117-126
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن علي الباقر / قضايا عامة /

استثمر الإمام ( عليه السّلام ) بعض ظروف الانفراج السياسي النسبي من أجل بناء وتوسعة القاعدة الشعبية ، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت ( عليهم السّلام ) ، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب ، ولهذا لم تنطلق أي ثورة علوية في عهده ، لعدم اكتمال شروطها من حيث العدة والعدد .

وكان الإمام ( عليه السّلام ) يقدّم للأمة المفاهيم والافكار السياسية الأساسية مع الحيطة والحذر ؛ وكانت له مواقف سياسية صريحة من بعض الحكام لإعادتهم إلى جادة الصواب .

وقد تجلّى دوره الاصلاحي في الممارسات التالية :

1 - الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحرّران الانسان والمجتمع من ألوان الانحراف في الفكر والعاطفة والسلوك ، ويحوّلان المفاهيم والقيم الاسلامية الثابتة إلى ممارسات سلوكية واضحة المعالم ، تترجم فيها الآراء والنصوص إلى مشاعر وعواطف وأعمال وحركات وعلاقات متجسدة في الواقع لكي تكون الأمة والدولة بمستوى المسؤولية في الحياة ، والمسؤولية هي حمل الأمانة الإلهية وخلافة اللّه تعالى في الأرض .

ومن هنا جاءت تأكيدات الإمام ( عليه السّلام ) على هذه الفريضة التي جعلها شاملة لجميع مرافق الحياة الانسانية حيث قال : « ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ المظالم وتعمّر الأرض ، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر ، فأنكروا بقلوبكم ، والفظوا بألسنتكم ، وصكّوا بها جباههم ، ولا تخافوا في اللّه لومة لائم . . . »[1].

وحذّر ( عليه السّلام ) من مغبّة التخليّ عن المسؤولية ، ومداهنة المنحرفين حكّاما كانوا أم من سائر أفراد الأمة فقال : « أوحى اللّه تعالى إلى شعيب النبي ( عليه السّلام ) إنّي لمعذّب من قومك مائة ألف : أربعين ألفا من شرارهم ، وستين ألفا من خيارهم ، فقال : يا ربّ هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟

فأوحى اللّه عز وجل إليه : إنهم داهنوا أهل المعاصي ، ولم يغضبوا لغضبي »[2].

وحث ( عليه السّلام ) على هذه المسؤولية وبيّن آثار التخلي عنها فقال : « الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه عزّ وجلّ ، فمن نصرهما أعزّه اللّه ، ومن خذلهما خذله اللّه عز وجل »[3].

2 - نشر المفاهيم السياسية السليمة

وجّه الإمام ( عليه السّلام ) الأنظار إلى دور أهل البيت ( عليهم السّلام ) في قيادة الأمة ، وتوجيهها نحو الاستقامة والرشاد فقال : « نحن ولاة أمر اللّه وخزائن علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه ، طاعتنا فريضة ، وحبّنا إيمان ، وبغضنا كفر ، محبّنا في الجنة ، ومبغضنا في النار »[4].

وحذّر الأمة من الابتعاد عن نهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) فقال ( عليه السّلام ) : « برئ اللّه ممن يبرأ منّا ، لعن اللّه من لعننا ، أهلك اللّه من عادانا »[5].

وحثّ ( عليه السّلام ) على نصرتهم فقال : « من أعاننا بلسانه على عدوّنا أنطقه اللّه بحجته يوم موقفه بين يديه عزّ وجلّ »[6].

ووضّح ( عليه السّلام ) حدود الموالاة لهم ، وبيّن المعيار لمعرفة الموالاة والموالين في حالة التباس المفاهيم واختلاط المعايير ، فقال : « أمّا محبتنا ، فيخلص الحبّ لنا كما يخلص الذهب بالنّار لا كدر فيه ، من أراد أن يعلم حبّنا ، فليمتحن قلبه فإن شاركه في حبّنا حبّ عدوّنا ، فليس منّا ولسنا منه »[7].

وأكّد على انّ طرق تولّي الإمام لمنصب الإمامة منحصرة بالنصّ والوصية ، ولا عبرة بما هو الشائع من البيعة والعهد والغلبة ، ومما جاء في ذلك قوله ( عليه السّلام ) : « كل من دان اللّه عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر ، واللّه شانئ لأعماله . . . »[8].

وبيّن مواصفات الإمام لكي تتمكن الأمة من التمييز والتشخيص في خضم الاحداث التي حرّفت فيها المفاهيم وزوّرت فيها الحقائق فقال ( عليه السّلام ) :

« ان الإمامة لا تصلح الّا لرجل فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن المحارم ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الخلافة على من ولي ، حتى يكون له كالوالد الرحيم »[9].

ورسم قاعدة كلية في أساسيات حقوق وواجبات الإمام تجاه الأمة ، لكي تدرك الأمة مدى قرب وبعد الحكّام عن أداء مسؤوليتهم ، فقال ( عليه السّلام ) :

« حقّه عليهم أن يسمعوا ويطيعوا . . . وحقهم عليه : يقسم بينهم بالسوية ويعدل في الرعيّة »[10].

وفي خضم الاحداث الصاخبة وما طرأ من تشويه وتدليس في الحقائق ، بيّن ( عليه السّلام ) المفهوم الحقيقي للتشيع ، لكي لا يعطي مبرّرا للحكّام الأمويين لتشويه سمعة أنصار أهل البيت ( عليهم السّلام ) في المحافل المختلفة ، واستغلال بعض السلبيات للطعن في مفاهيم الولاء والتولي ، فقال ( عليه السّلام ) : « فو اللّه ما شيعتنا الّا من اتقى اللّه وأطاعه ، وما كانوا يعرفون الّا بالتواضع ، والتخشع ، والأمانة ، وكثرة ذكر اللّه ، والصوم ، والصلاة ، والبر بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث وتلاوة القرآن ، وكفّ الألسن عن الناس الّا من خير ، وكانوا امناء عشائرهم في الأشياء »[11].

والتشيّع ليس ادعاء بل هو ممارسة عملية محسوسة في الواقع ، والشيعي هو مثال التديّن والاخلاص والطّاعة للّه تعالى .

ولم يكتف الإمام الباقر ( عليه السّلام ) ببيان المظاهر الخارجية لمن ينتسب لمدرسة أهل البيت ( عليهم السّلام ) وإنّما تعدّى ذلك إلى مجموعة من المعالم الفريدة لشيعتهم ، فقال ( عليه السّلام ) : « انّما شيعة علي ( عليه السّلام ) الشاحبون الناحلون الذابلون ، ذابلة شفاههم ، خميصة بطونهم ، متغيّرة ألوانهم ، مصفرّة وجوههم ، إذا جنّهم الليل اتّخذوا الأرض فراشا ، واستقبلوا الأرض بجباههم ، كثير سجودهم ، كثيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم ، كثير بكاؤهم ، يفرح الناس وهم محزونون »[12].

3 - فضح الواقع الأموي

كشف الإمام ( عليه السّلام ) حقيقة الحكم الأموي وكيفية وصوله إلى الحكم ، وما مارسه من أعمال لإدامة السيطرة على رقاب المسلمين ، ووضّح الجرائم التي ارتكبها سلف هؤلاء الحكّام في حق أهل البيت ( عليهم السّلام ) وأنصارهم ، فبعد أن بيّن ملابسات الخلافة ، وكيفية الاستحواذ عليها وإقصاء أهل البيت ( عليهم السّلام ) عن موقعهم فيها ، قال : « . . . وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن ( عليه السّلام ) فقتلت شيعتنا بكل بلدة ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكان من يذكر بحبّنا والانقطاع الينا سجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره ، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد اللّه بن زياد قاتل الحسين ( عليه السّلام ) ثم جاء الحجّاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنّ وتهمة ، حتى أنّ الرجل ليقال له : زنديق أو كافر ، أحبّ اليه من أن يقال : شيعة عليّ ، وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير - ولعلّه يكون ورعا صدوقا - يحدّث بأحاديث عظيمة عجيبة ، من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق اللّه تعالى شيئا منها ، ولا كانت ولا وقعت وهو يحسب أنّها حقّ لكثرة من قد رواها ممّن لم يعرف بكذب ، ولا بقلة ورع »[13].

4 - الدعوة إلى مقاطعة الحكم القائم

دعا ( عليه السّلام ) إلى مقاطعة الحكم الجائر ونهى عن إسناده بأي شكل من أشكال المساندة وإن كانت لا تتعلق بسياستهم ، فقال ( عليه السّلام ) - في معرض جوابه عن العمل معهم - : « ولا مدة قلم ، إنّ أحدهم لا يصيب من دنياهم شيئا إلّا أصابوا من دينه مثله »[14].

ووضّح أساسيات التعامل مع الحكام الجائرين والفاسقين بقوله : « لا دين لمن دان بطاعة من عصى اللّه »[15].

وأكد ( عليه السّلام ) على أن تكون العلاقة معهم علاقة التوجيه والارشاد ، والقيام بأداء مسؤولية الوعظ فقال : « من مشى إلى سلطان جائر ، فأمره بتقوى اللّه ، وخوّفه ووعظه كان له مثل أجر الثقلين من الجن والانس ، ومثل أعمالهم »[16].

واستثنى ( عليه السّلام ) المواقف التي تتخذ من أجل مصلحة الإسلام الكبرى ، فجوّز إسنادهم بالسلاح إن كان القتال مع أعداء الإسلام ، لأنهم يدفعون بالسلاح العدو المشترك ، قال ( عليه السّلام ) لمن كان يحمل إليهم السلاح : « إحمل إليهم ، فإنّ اللّه يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - وبعهم ، فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا »[17].

وقال ( عليه السّلام ) في حق حكّام الجور : « ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين اللّه والحقّ ، قد ضلّوا بأعمالهم التي يعملونها »[18] .

5 - مواقفه المباشرة من الحكّام المنحرفين

انّ دور الإمام الحقيقي هو دور القدوة ، ومن أهم المسؤوليات الملقاة على عاتقه إصلاح الحاكم والأمة معا ، والقضاء على الانحراف في مهده . أو الحيلولة دون التمادي فيه ، وهذا الدور تختلف أساليبه وبرامجه تبعا للعوامل والظروف السياسية المحيطة بالامام ، وتتغيّر المواقف تبعا للمقومات التالية :

أ - المصلحة الاسلامية العامة .

ب - المصلحة الاسلامية الخاصة ، والتي تتعلق بالحفاظ على منهج أهل البيت ( عليهم السّلام ) ورفده بالعناصر النزيهة ، لضمان استمرار حركته في الأمة .

ت - الظروف العامة والخاصة من حيث قوة الحاكم ، وقوة القاعدة الشعبية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) .

وكانت التقيّة أسلوبا يتخذه الإمام ( عليه السّلام ) في مواقفه من الحاكم الجائر عندما لا تكون المواجهة العلنية مفيدة ومثمرة ، وأوضح الإمام حدودها بقوله :

« التقية في كل ضرورة »[19]. وقال ( عليه السّلام ) : « إنما جعلت التقيّة ليحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة »[20].

وفي العهود التي سبقت عهد عمر بن عبد العزيز ، كان الإمام ( عليه السّلام ) يتّقي المواجهة مع الحاكم حفاظا على كيان أهل البيت ( عليهم السّلام ) وإبعادا لأنصاره عن حراب الحاكم وأعوانه ، ولم يتدخل ( عليه السّلام ) في شؤون الحاكم الّا في حدود ضيّقة ، وحينما وصل الأمر إلى عمر بن عبد العزيز وتبدلت الأوضاع والظروف تقرب عمر بن عبد العزيز إلى أهل البيت ( عليهم السّلام ) وفضّلهم على بني أمية ، قائلا :

افضّلهم لأنّي سمعت . . . أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) كان يقول : « إنّما فاطمة شجنة[21] منّي يسرّني ما أسرّها ، ويسوؤني ما أساءها ، فأنا ابتغي سرور رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأتقي مساءته »[22].

واستثمر الإمام ( عليه السّلام ) هذه الحرية النسبيّة ، فقام بدوره في اصلاح الحاكم وأجهزته وإرشاده وحثّه على الاستقامة في التعامل مع الرعيّة .

وحينما بعث اليه ان يقدم عليه ، لبّى ( عليه السّلام ) الدعوة واجتمع معه ، وأخذ ينصحه ويطلب منه أن يوفق بين ممارساته وبين القيم الاسلامية في مجال التعامل ، وممّا جاء في نصائحه له قوله ( عليه السّلام ) : « . . . فاتق اللّه ، واجعل في قلبك اثنتين تنظر الّذي تحبّ أن يكون معك إذا قدمت على ربّك ، فقدّمه بين يديك ، وتنظر الذي تكرهه أن يكون معك إذا قدمت على ربّك ، فابتغ به البدل ، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك ، واتق اللّه يا عمر وافتح الأبواب وسهّل الحجاب ، وانصر المظلوم وردّ المظالم »[23].

واستشاره عمر في بعض الأمور ، وحينما أراد الرجوع إلى المدينة قال له عمر : فأوصني يا أبا جعفر ، فقال ( عليه السّلام ) : « أوصيك بتقوى اللّه واتّخذ الكبير أبا ، والصغير ولدا ، والرجل أخا »[24].

وفي عهد هشام بن عبد الملك كان ( عليه السّلام ) يتحرك تبعا لمواقف هشام من حيث اللين والشدة ، فحينما دخل هشام المسجد الحرام نظر إلى الإمام ( عليه السّلام ) وقد أحدق الناس به ، فقال : من هذا ؟ فقيل له : محمد بن علي بن الحسين ، فقال :

هذا المفتون به أهل العراق ؟ فأرسل اليه ، وسأله بعض الأسئلة ، فأفحمه الإمام ( عليه السّلام ) وظهر عليه أمام أتباعه[25].

ولمّا حمل إلى الشام وأراد هشام أن ينتقص منه ، نهض قائما ثم قال :

« أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم ؟ بنا هدى اللّه أوّلكم ، وبنا يختم آخركم ، فإن يكن لكم ملك معجّل ، فإنّ لنا ملكا مؤجلا . . . »[26].

6 - موقفه من الثورة المسلحة

وقف الإمام ( عليه السّلام ) موقف الحياد من الثورات التي قادها الخوارج ، فلم يصدر منه تأييد ولا معارضة ، لكي لا يستثمر قادة الثورات أو الحكّام موقف الإمام ( عليه السّلام ) لصالحهم ، ولكي تستمر روح الثورة في النفوس .

وفي عهده ( عليه السّلام ) لم تنطلق أي ثورة علوية يقودها أحد أهل البيت ( عليهم السّلام ) أو أحد أنصارهم ، لأنّ الإمام ( عليه السّلام ) كان مشغولا ببناء وتوسعة القاعدة الشعبية ، لكي تنطلق فيما بعد ، أي بعدا كمال العدّة والعدد ، وكان ( عليه السّلام ) يوجّه الانظار إلى ثورة أخيه زيد التي أخبر أنها ستنطلق في المستقبل القريب .

وكان يربط بين موقف زيد المستقبلي وبين موقفه ( عليه السّلام ) منه فيقول :

« أمّا عبد اللّه فيدي التي أبطش بها ، وأما عمر فبصري الذي أبصر به ، وأما زيد فلساني الذي أنطق به [27] . . . »[28].

وكان ( عليه السّلام ) يحذّر من خذلان زيد ومحاربته فيقول : « ان أخي زيد بن علي خارج فمقتول على الحق ، فالويل لمن خذله ، والويل لمن حاربه ، والويل لمن قاتله »[29].

وكان ( عليه السّلام ) هو الموجّه لحركة أخيه زيد ، وكان زيد أحد المنضوين تحت لواء إمامته ، وكانت حركته العسكرية ذراعا واقعيا لأهل البيت ( عليهم السّلام ) ليقاوموا من خلالها انحراف الحكّام بعد عجز الأساليب الأخرى عن التأثير .

وممّا يؤكد هذه التبعية قول زيد رحمه اللّه :

ثوى باقر العلم في ملحد * إمام الورى طيّب المولد

فمن لي سوى جعفر بعده * إمام الورى الأوحد الأمجد[30]

فتأجلت الثورة المسلحة إلى وقتها المناسب وتفجّرت بعد أقلّ من عشر سنين من استشهاد الإمام محمد الباقر ( عليه السّلام ) .

 

[1] تهذيب الأحكام : 6 / 180 .

[2] المصدر السابق : 6 / 181 .

[3] الخصال : 1 / 42 .

[4] مناقب آل أبي طالب : 4 / 223 .

[5] بحار الأنوار : 27 / 222 .

[6] المصدر السابق : 2 / 135 .

[7] المصدر السابق : 27 / 51 .

[8] الكافي : 1 / 184 .

[9] الخصال : 1 / 116 .

[10] بحار الأنوار : 27 / 244 .

[11] الكافي : 2 / 74 .

[12] بحار الأنوار : 65 / 149 .

[13] شرح نهج البلاغة : 11 / 42 ، 44 .

[14] الكافي : 5 / 107 .

[15] بحار الأنوار : 2 / 122 .

[16] بحار الأنوار : 72 / 375 .

[17] الكافي : 5 / 112 ، كتاب المعيشة ، باب بيع السلاح منهم .

[18] المحاسن : 93 .

[19] بحار الأنوار : 72 / 399 .

[20] المصدر السابق .

[21] الشجن : القرع من كل شيء .

[22] بحار الأنوار : 46 / 320 .

[23] المصدر السابق : 75 / 182 .

[24] مختصر تاريخ دمشق : 23 / 77 .

[25] المصدر السابق : 23 / 79 .

[26] مناقب آل أبي طالب : 4 / 206 .

[27] عبد اللّه الباهر أخو الإمام الباقر ( عليه السّلام ) ، كان من أبرز علماء المسلمين في فضله ، وسموّ منزلته العلمية ، وقد روى عن أبيه علوما شتى ، وكتب الناس عنه ذلك . « غاية الاختصار 106 » . وأما عمر بن علي بن الحسين ( عليه السّلام ) فهو أخو الإمام الباقر ( عليه السّلام ) أيضا كان فاضلا جليلا وولّي صدقات النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) وصدقات أمير المؤمنين ( عليه السّلام ) وكان ورعا سخيّا ، ويروى عنه ، قال : يشترط على من ابتاع صدقات علي ( عليه السّلام ) أن يثلم في الحائط كذا وكذا ثلمة لا يمنع من دخله أن يأكل منه .

وكذلك زيد الشهيد فإنه ثالث إخوته ، وكان من أجلّ علماء المسلمين وقد تخصص في علوم كثيرة كعلم الفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وغيرها ، وهو الذي تبنّى حقوق المظلومين والمضطهدين ، وقاد سيرتهم النضالية في ثروته الخالدة التي نشرت الوعي السياسي في المجتمع الإسلامي وساهمت مساهمة إيجابية وفعّالة في الإطاحة بالحكم الأموي .

[28] سفينة البحار : 2 / 273 .

[29] مقتل الخوارزمي : 2 / 113 .

[30] مناقب آل أبي طالب : 4 / 213 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.