أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-06-2015
4580
التاريخ: 11-10-2015
2002
التاريخ: 10-10-2014
1666
التاريخ: 2024-06-25
508
|
أنّ فرعون بالنظر إلى حكومته العريضة في أرض مصر ، كانت له سياسات شيطانية مدروسة ، فهو لم يستخدم لمواجهة موسى وأخيه هارون من سلاح التهديد والإِرعاب ، بل سعى للاستفادة من أسلحة مشابهة ـ كما يظن ـ في مواجهة موسى ، ومن المسلّم أنّه لو نجح في خطّته لما بقي من موسى ودينه أي أثر أو خبر ، ولكان قتل موسى (عليه السلام) في تلك الصورة أمراً سهلا جداً ، بل وموافقاً للرأي العام ، جهلا منه بأنّ موسى لا يعتمد على قوة إنسانية يمكن معارضتها ومقاومتها ، بل يعتمد على قوّة أزلية إلهية مطلقة ، تحطّم كلّ مقاومة ، وتقضي على كل معارضة.
وعلى أية حال ، فإنّ الإستفادة من السلاح المشابه أفضل طريق للإنتصار على العدو المتصلّب ، وتحطيم القوى المادية.
في هذه اللحظة التي اعترت الناس فيها حالة من النشاط والفرح ، وتعالت صيحات الإِبتهاج من كل صوب ، وعلت وجوه فرعون وملائه ابتسامة الرضى ، ولمع في عيونهم بريق الفرح ، أدرك الوحي الإلهي موسى (عليه السلام) وأمره بإلقاء العصى ، وفجأة انقلب المشهد وتغير ، وبدت الدهشة على الوجوه ، وتزعزت مفاصل فرعون وأصحابه كما يقول القرآن الكريم : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف : 117].
و«تلقف» مشتقة من مادة «لَقْف» (على وزن سَقف) بمعنى أخذ شيء بقوة وسرعة ، سواء بواسطة الفم ، والأسنان ، أو بواسطة الأيدي ، ولكن تأتي في بعض الموارد بمعنى البلع والإبتلاع أيضاً ، والظاهر أنّها جاءت في الآية الحاضرة بهذا المعنى.
و «يأفكون» مشتقّة من مادة «إفك» على وزن «مسك» وهي تعني في الأصل الإنصراف : عن الشيء ، وحيث أن الكذب يصرف الإنسان من الحق أطلق على الكذب لفظ «الإفك».
وهناك احتمال آخر في معنى الآية ذهب إليه بعض المفسّرين ، وهو أن عصا موسى بعد أن تحولت إلى حيّة عظيمة لم تبتلع أدوات سحر السحرة ، بل عطّلها عن العمل والحركة وأعادها إلى حالتها الأُولى. وبذلك أوصد هذا العمل طريق الخطأ على الناس ، في حين أن الإبتلاع لا يمكنه أن يقنع الناس بأنّ موسى لم يكن ساحراً أقوى منهم.
ولكن هذا الإحتمال لا يناسب جملة «تلقف» كما لا يناسب مطالب الآية ، لأنّ «تلقف» ـ كما أسلفنا ـ تعني أخذ شيء بدقة وسرعة لا قلب الشيء وتغييره.
هذا مضافاً إلى أنّه لو كان المقرر أن يظهر إعجاز موسى (عليه السلام) عن طريق إبطال سحر السحرة ، لم تكن حاجة إلى أن تتحول العصى إلى حيّة عظيمة ، كما قال القرآن الكريم في بداية هذه القصّة.
وبغض النظر عن كل هذا ، لو كان المطلوب هو إيجاد الشك والوسوسة في نفوس المتفرجين ، لكانت عودة وسائل السحرة وأدواتهم إلى هيئتها الأُولى ـ أيضاً ـ قابلة للشك والترديد ، لأنّه من الممكن أن يحتمل أن موسى بارع في السحر براعة كبرى بحيث أنّه استطاع إبطال سحر الآخرين وإعادتها إلى هيئتها الأُولى.
بل إن الذي تسبب في أن يعلم الناس بأن عمل موسى أمر خارق للعادة ، وأنّه عمل إلهي تحقق بالإعتماد على القدرة والإِلهية المطلقة ، هو أنّه كان في مصر آنذاك مجموعة كبيرة من السحرة الماهرين جدّاً ، وكان أساتذة هذا الفن وجوهاً معروفة في تلك البيئة ، في حين أن موسى الذي لم يكن متصفاً بأي واحدة من هذه الصفات ، وكان ـ في الظاهر ـ رجلا مغموراً ، نهض من بين بني إسرائيل ، وأقدم على مثل ذلك العمل الذي عجز أمامه الجميع. ومن هنا عُلِمَ أن هناك قوة غيّبة تدخلت في عمل موسى ، وأن موسى ليس رجلا عادياً.
وفي هذا الوقت ظهر الحق ، وبطلت أعمالهم المزّيفة (فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون) [الاعراف : 118]. لأنّ عمل موسى كان عملا واقعياً ، وكانت أعمالهم حفنة من الحيل ومن أعمال الشعبذة ، ولا شك أنّه لا يستطيع أي باطل أن يقاوم الحق دائماً.
وهذه هي أوّل ضربة توجهت إلى أساس السلطان الفرعوني الجبّار.
ثمّ يقول تعالى {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف : 119] : وبهذه الطريقة ظهرت آثار الهزيمة فيهم ، وصاروا جميعاً أذلاء.
وبالرغم من أنّ المؤرخين ذكروا في كتب التاريخ قضايا كثيرة حول هذه الواقعة ، ولكن حتّى من دون نقل ما جاء في التواريخ يمكن الحدس أيضاً بما حدث في هذه الساعة من اضطراب في الجماهير المتفرجة ... فجماعة خافوا بشدّة بحيث أنّهم فرّوا وهربوا ، وأخذ آخرون يصيحون من شدّة الفزع ، وبعض أُغمي عليه.
وأخذ فرعون وملأه ينظرون إلى ذلك المشهد مبهوتين مستوحشين ، وقد تحدّرت على وجوههم قطرات العرق من الخجل والفشل ، وبدأوا يفكرون في مستقبلهم الغامض المبهم ، ولم يدر في خلدهم أنّهم سيواجهون مثل هذا المشهد الرهيب الذي لا يجدون له حلاًّ.
والضربة الأقوى كانت عندما تغير مشهد مواجهة السحرة لموسى(عليه السلام) تغييراً كلّياً ، وذلك عندما وقع السحرة فجأة على الأرض ساجدين لعظمة الله {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} [الأعراف : 120].
ثمّ نادوا بأعلى صوتهم و {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } [الأعراف : 121 ، 122]
وبذكر هذه الجملة بينوا ـ بصراحة ـ الحقيقة التالية وهي : أنّنا آمنا بربّ هو غير الربّ المختلق ، المصطنع ، إنّه الربّ الحقيقي.
بل لم يكتفوا بلفظة «ربّ العالمين» أيضاً ، لأنّ فرعون كان يدعي أنّه ربّ العالمين ، لهذا أضافوا : «ربّ موسى وهارون» حتى يقطعوا الطريق على كل استغلال.
ولم يكن فرعون والملأ يتوقعون هذا الامر مطلقاً ، يعني أنّ الجماعة التي كان يعلّق الجميع آمالهم عليها للقضاء على موسى و دعوته ، أصبحت في الطليعة من المؤمنين بموسى ودعوته ، ووقعوا ساجدين لله أمام أعين الناس عامّة ، وأعلنوا عن تسليمهم المطلق وغير المشروط لدعوة موسى (عليه السلام).
على أنّ هذا الموضوع الذي غيّر أناساً بمثل هذه الصورة ، يجب أن لا يكون موضوع استغراب وتعجب ، لأنّ نور الإيمان والتوحيد موجود في جميع القلوب ، ويمكن أن تخفيه بعض الموانع والحجب الإِجتماعية مدّة طويلة أو قصيرة ، ولكن عندما تهب بعض العواصف بين حين وآخر تنزاح تلك الحجب ، ويتجلّى ذلك النور ويأخذ بالأبصار.
وبخاصّة أن السحرة المذكورين كانوا أساتذة مهرة في صناعتهم ، وكانوا أعرف من غيرهم بفنون عملهم ورموز سحرهم ، فكانوا يعرفون ـ جيداً ـ الفرق بين «المعجزة» و«السحر» فالأمر الذي يحتاج الآخرون لمعرفته إلى المطالعة الطويلة والدقة الكبيرة ، كان واضحاً عند السحرة وبيناً ، بل أوضح وأبين من الشمس في رابعة النهار.
إنّهم مع معرفتهم بفنون ورموز السحر الذي تعلموه طوال سنوات ، عرفوا وأدركوا أن عمل موسى لم يكن يشبه ـ أبداً ـ السحر ، وأنّه لم يكن نابعاً من قدرة البشر ، بل كان نابعاً من قدرة فوق الطبيعة وفوق البشر ، وبذلك لا مجال للإستغراب والتعجب في اعلانهم إيمانهم بموسى بمثل تلك السرعة والصراحة والشجاعة وعدم الخوف من المستقبل.
وجملة «ألقى السحرة» التي جاءت في صيغة الفعل المبني للمجهول ، شاهد ناطق على الإستقبال البالغ لدعوة موسى وتسليم السحرة المطلق له(عليه السلام). يعني أنّ جاذبية موسى كان لها من الأثر القوي البالغ في قلوب ونفوس أُولئك السحرة ، بحيث أنّهم سقطوا على الأرض من دون اختيار ، ودفعهم ذلك إلى الإقرار والإعتراف.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|