أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2017
911
التاريخ: 30-07-2015
1179
التاريخ: 11-4-2017
1069
التاريخ: 6-12-2018
1516
|
لا شك في أن الدين الإسلامي دين عالمي ، وشريعة خاتمة ، وقد كانت قيادة الأمة الإسلامية من شؤون النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ما دام على قيد الحياة ، وطبع الحال يقتضي أن يوكل مقام القيادة بعده إلى أفضل أفراد الأمة وأكملهم .
إن في هذه المسألة ، وهي أن
منصب القيادة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) هل هو منصب تنصيصي تعييني أو أنه
منصب انتخابي ؟ اتجاهين : فالشيعة ترى أن مقام القيادة منصب تنصيصي ، ولا بد أن
ينص على خليفة النبي من السماء ، بينما يرى أهل السنة أن هذا المنصب انتخابي
جمهوري ، أي أن على الأمة أن تقوم بعد النبي باختيار فرد من أفرادها لإدارة البلاد
.
إن لكل من الاتجاهين المذكورين
دلائل ، ذكرها أصحابهما في الكتب العقائدية ، إلا أن ما يمكن طرحه هنا هو تقييم
ودراسة المسألة في ضوء دراسة وتقييم الظروف السائدة في عصر الرسالة ، فإن هذه
الدراسة كفيلة بإثبات صحة أحد الاتجاهين .
إن تقييم الأوضاع السياسية
داخل المنطقة الإسلامية وخارجها في عصر الرسالة يقضي بأن خليفة النبي ( صلى الله
عليه وآله ) لا بد أن يعين من جانب الله تعالى ، ولا يصح أن يوكل هذا إلى الأمة ،
فإن المجتمع الإسلامي كان مهددا على الدوام بالخطر الثلاثي ( الروم - الفرس -
المنافقون ) بشن الهجوم الكاسح ، وإلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين . كما
أن مصالح الأمة كانت توجب أن تتوحد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر الخارجي ، وذلك
بتعيين قائد سياسي من بعده ، وبذلك يسد الطريق على نفوذ العدو في جسم الأمة
الإسلامية والسيطرة عليها، وعلى مصيرها .
وإليك بيان وتوضيح هذا المطلب
: لقد كانت الإمبراطورية الرومانية أحد أضلاع الخطر المثلث الذي يحيط بالكيان
الإسلامي ، ويهدده من الخارج والداخل ، وكانت هذه القوة الرهيبة تتمركز في شمال
الجزيرة العربية ، وكانت تشغل بال النبي القائد على الدوام ، حتى إن التفكير في
أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتى لحظة الوفاة ، والالتحاق بالرفيق الأعلى .
وكانت أول مواجهة عسكرية بين
المسلمين والجيش المسيحي الرومي وقعت في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين ،
وقد أدت هذه المواجهة إلى استشهاد القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم : "
جعفر الطيار " و " زيد بن حارثة " و " عبد الله بن رواحة
" ، ولقد تسبب انسحاب الجيش الإسلامي بعد استشهاد القادة المذكورين إلى تزايد
جرأة الجيش القيصري المسيحي ، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرض عاصمة الإسلام
للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش .
من هنا خرج رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) في السنة التاسعة للهجرة على رأس جيش كبير جدا إلى حدود الشام
ليقود بنفسه أية مواجهة عسكرية ، وقد استطاع الجيش في هذا الرحلة الصعبة المضنية
أن يستعيد هيبته الغابرة ، ويجدد حياته السياسية .
غير أن هذا الانتصار المحدود
لم يقنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأعد قبيل مرضه جيشا كبيرا من
المسلمين ، وأمر عليهم " أسامة بن زيد " ، وكلفهم بالتوجه إلى حدود
الشام ، والحضور في تلك الجبهة .
أما الضلع الثاني من المثلث
الخطير الذي كان يهدد الكيان الإسلامي ، فكان الإمبراطورية الإيرانية ( الفارسية )
وقد بلغ من غضب هذه الإمبراطورية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعاداتها
لدعوته ، أن أقدم إمبراطور إيران " خسرو برويز " على تمزيق رسالة النبي
( صلى الله عليه وآله ) ، وتوجيه الإهانة إلى سفيره بإخراجه من بلاطه ، والكتابة
إلى واليه وعامله على اليمن بأن يوجه إلى المدينة من يقبض على رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) ، أو يقتله إن امتنع .
و" خسرو" هذا وإن
قتل في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا أن استقلال اليمن - التي رزحت
تحت استعمار الإمبراطورية الإيرانية ردحا طويلا من الزمان - لم يغب عن نظر ملوك
إيران آنذاك ، وكان غرور أولئك الملوك وتجبرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمل منافسة
القوة الجديدة ( القوة الإسلامية ) لهم .
والخطر الثالث كان هو خطر حزب
النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين
كالطابور الخامس على تقويض دعائم الكيان الإسلامي من الداخل إلى درجة أنهم قصدوا
اغتيال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في طريق العودة من تبوك إلى المدينة .
فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخطر يقول في نفسه : إن الحركة الإسلامية سينتهي
أمرها بموت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورحيله ، وبذلك يستريح الجميع (1) .
ولقد قام أبو سفيان بن حرب
بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الأمة
الإسلامية من الداخل ، وذلك عندما أتى عليا ( عليه السلام ) وعرض عليه أن يبايعه
ضد من عينه رجال السقيفة ، ليستطيع بذلك تشطير الأمة الإسلامية الواحدة إلى شطرين
متحاربين متقاتلين ، فيتمكن من التصيد في الماء العكر .
ولكن الإمام عليا ( عليه
السلام ) أدرك بذكائه البالغ نيات أبي سفيان الخبيثة ، فرفض مطلبه وقال له كاشفا
عن دوافعه ونياته الشريرة : " والله ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وإنك - والله
- طالما بغيت للإسلام شرا . لا حاجة لنا في نصيحتك " ( 2 ) .
ولقد بلغ دور المنافقين
التخريبي من الشدة بحيث تعرض القرآن لذكرهم في سور عديدة هي : سورة آل عمران ،
والنساء ، والمائدة ، والأنفال ، والتوبة ، والعنكبوت ، والأحزاب ، ومحمد (صلى
الله عليه وآله ) ، والفتح ، والمجادلة ، والحديد ، والمنافقون ، والحشر .
فهل مع وجود مثل هؤلاء
الأعداء الخطرين والأقوياء الذين كانوا يتربصون بالإسلام الدوائر ، ويتحينون الفرص
للقضاء عليه ، يصح أن يترك رسول الله أمته الحديثة العهد بالإسلام ، الجديدة
التأسيس من دون أن يعين لهم قائدا دينيا سياسيا ؟ ! !
إن المحاسبات الاجتماعية تقول
: إنه كان من الواجب أن يمنع رسول الإسلام بتعيين قائد للأمة، . . . من ظهور أي
اختلاف وانشقاق فيها من بعده ، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية بإيجاد
حصن قوي وسياج دفاعي متين حول تلك الأمة .
إن تحصين الأمة ، وصيانتها من
الحوادث المشؤومة ، والحيلولة دون مطالبة كل فريق "الزعامة " لنفسه دون
غيره ، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة ، لم يكن ليتحقق ، إلا بتعيين
قائد للأمة ، وعدم ترك الأمور للأقدار .
إن هذه المحاسبة الاجتماعية
تهدينا إلى صحة نظرية " التنصيص على القائد بعد رسول الله (صلى الله عليه
وآله ) " ولعل لهذه الجهة ولجهات أخرى طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في
الأيام الأولى من ميلاد الرسالة الإسلامية ، وظل يواصل طرحها والتذكير بها طوال
حياته حتى الساعات الأخيرة منها ، حيث عين خليفته ونص عليه بالنص القاطع الواضح
الصريح في بدء دعوته ، وفي نهايتها أيضا .
وإليك بيان كلا هذين المقامين
:
1 - النبوة والإمامة توأمان :
بغض النظر عن الأدلة العقلية والفلسفية التي تثبت صحة الرأي الأول بصورة قطعية ،
هناك أخبار وروايات وردت في المصادر المعتبرة تثبت صحة الموقف والرأي الذي ذهب
إليه علماء الشيعة وتصدقه ، فقد نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على خليفته من
بعده في الفترة النبوية من حياته مرارا وتكرارا ، وأخرج موضوع الإمامة من مجال
الانتخاب الشعبي والرأي العام .
فهو لم يعين ( ولم ينص على )
خليفته ووصيه من بعده في أخريات حياته فحسب ، بل بادر إلى التعريف بخليفته ووصيه
منذ بدء الدعوة يوم لم ينضو تحت راية رسالته بعد سوى بضعة عشر من الأشخاص ، وذلك
يوم أمر من جانب الله العلي القدير أن ينذر عشيرته الأقربين من العذاب الإلهي
الأليم ، وأن يدعوهم إلى عقيدة التوحيد قبل أن يصدع برسالته للجميع ، ويبدأ دعوته
العامة للناس كافة .
فجمع أربعين رجلا من زعماء
بني هاشم وبني المطلب ، ثم وقف فيهم خطيبا فقال : " أيكم يؤازرني على هذا
الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ " فأحجم القوم ، وقام علي ( عليه
السلام ) وأعلن مؤازرته وتأييده له ، فأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
برقبته ، والتفت إلى الحاضرين ، وقال : " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم
" ( 3 ) .
قد عرف هذا الحديث عند
المفسرين والمحدثين : ب " حديث يوم الدار " و " حديث بدء الدعوة".
على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يكتف بالنص على خليفته في بدء رسالته
، بل صرح في مناسبات شتى في السفر والحضر ، بخلافة علي ( عليه السلام ) من بعده ،
ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الأهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير
.
2 - قصة الغدير : لما انتهت
مراسم الحج ، وتعلم المسلمون مناسك الحج من رسول الله ، قرر رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) الرحيل عن مكة ، والعودة إلى المدينة ، فأصدر أمرا بذلك ، ولما بلغ
موكب الحجيج العظيم إلى منطقة " رابغ " ( 4 ) التي تبعد عن "
الجحفة " ( 5 ) بثلاثة أميال ، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) بمنطقة تدعى " غدير خم " ، وخاطبه بالآية التالية : {
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }
[المائدة: 67].
إن لسان الآية وظاهرها يكشف
عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبي ( صلى الله عليه وآله ) مسؤولية القيام
بمهمة خطيرة ، وأي أمر أكثر خطورة من أن ينصب عليا ( عليه السلام ) لمقام الخلافة
من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد ؟ ! من هنا أصدر رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) أمره بالتوقف ، فتوقف طلائع ذلك الموكب العظيم ، والتحق بهم من تأخر .
لقد كان الوقت وقت الظهيرة ،
وكان المناخ حارا إلى درجة كبيرة جدا ، وكان الشخص يضع قسما من عباءته فوق رأسه
والقسم الآخر منها تحت قدميه ، وصنع للنبي ( صلى الله عليه وآله) مظلة ، وكانت
عبارة عن عباءة ألقيت على أغصان شجرة ( سمرة ) ، وصلى رسول الله (صلى الله عليه
وآله ) بالحاضرين الظهر جماعة وفيما كان الناس قد أحاطوا به صعد ( صلى الله عليه
وآله ) على منبر أعد من أحداج الإبل وأقتابها ، وخطب في الناس رافعا صوته ، وهو
يقول : " الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ به من شرور
أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ، ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن
لا إله إلا هو ، وأن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد ، أيها الناس إني
أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟ "
قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت ، فجزاك الله خيرا .
قال ( صلى الله عليه وآله ) :
" ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن جنته حق ،
وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ " قالوا : بلى
نشهد بذلك . قال ( صلى الله عليه وآله ) : " اللهم اشهد " .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله
) : " وإني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا " .
فنادى مناد : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وما الثقلان ؟ قال ( صلى الله عليه
وآله ) : " كتاب الله سبب طرف بيد الله ، وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به ، والآخر
عترتي ، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فلا
تقدموهما فتهلكوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا " .
وهنا أخذ بيد علي ( عليه
السلام ) ورفعها ، حتى رؤي بياض آباطهما ، وعرفه الناس أجمعون ثم قال : "
أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم
.
فقال ( صلى الله عليه وآله )
: " إن الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت
مولاه فعلي مولاه ( 6 ) . اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ،
واخذل من خذله ، وأحب من أحبه ، وابغض من بغضه ، وأدر الحق معه حيث دار " ( 7
) .
فلما نزل من المنبر ، استجازه
حسان بن ثابت شاعر عهد الرسالة في أن يفرغ ما نزل به الوحي في قالب الشعر ، فأجازه
الرسول ، فقام وأنشد :
يناديهم يوم الغدير نبيهم *
بخم وأكرم بالنبي مناديا
يقول فمن مولاكم ووليكم *
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت ولينا * ولم
تر منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا علي فإنني *
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *
فكونوا له أنصار صدق ومواليا
هناك دعا : اللهم ! وال وليه
* وكن للذي عادى عليا معاديا
مصادر الواقعة : هذه هي واقعة
الغدير استعرضناها لك على وجه الإجمال ، وهي بحق واقعة لا يسوغ لأحد إنكارها بأدنى
مراتب التشكيك والقدح ، فقد تناولها بالذكر أئمة المؤرخين أمثال : البلاذري ، وابن
قتيبة ، والطبري ، والخطيب البغدادي ، وابن عبد البر ، وابن عساكر ، وياقوت الحموي
، وابن الأثير ، وابن أبي الحديد ، وابن خلكان ، واليافعي ، وابن كثير ، وابن
خلدون ، والذهبي ، وابن حجر العسقلاني ، وابن الصباغ المالكي ، والمقريزي ، وجلال
الدين السيوطي ، ونور الدين الحلبي إلى غير ذلك من المؤرخين الذين جادت بهم القرون
والأجيال .
كما ذكره أيضا أئمة الحديث
أمثال : الإمام الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وابن ماجة ، والترمذي، والنسائي ، وأبو
يعلى الموصلي ، والبغوي ، والطحاوي ، والحاكم النيسابوري ، وابن المغازلي، والخطيب
الخوارزمي ، والكنجي ، ومحب الدين الطبري ، والحمويني ، والهيثمي ، والجزري ،
والقسطلاني ، والمتقي الهندي ، وتاج الدين المناوي ، وأبو عبد الله الزرقاني ،
وابن حمزة الدمشقي إلى غير ذلك من أعلام المحدثين الذين يقصر المقال عن عدهم
وحصرهم.
كما تعرض له كبار المفسرين ،
فقد ذكره : الطبري ، والثعلبي ، والواحدي - في أسباب النزول، والقرطبي ، وأبو
السعود ، والفخر الرازي ، وابن كثير الشامي ، والنيسابوري ، وجلال الدين السيوطي ،
والآلوسي ، والبغدادي .
وذكره من المتكلمين طائفة جمة
في خاتمة مباحث الإمامة وإن ناقشوا نقضا وإبراما في دلالته كالقاضي أبي بكر
الباقلاني في تمهيده ، والقاضي عبد الرحمن الإيجي في مواقفه ، والسيد الشريف
الجرجاني في شرحه ، وشمس الدين الأصفهاني في مطالع الأنوار ، والتفتازاني في شرح
المقاصد ، والقوشجي في شرح التجريد إلى غير ذلك من المتكلمين الذين تعرضوا لحديث
الغدير وبحثوا حول دلالته ووجه الحجة فيه .
واقعة الغدير ورمز الخلود :
أراد المولى عز وجل أن يبقى
حديث الغدير غضا طريا على مر الأجيال لم يكدر صفاء حقيقته الناصعة تطاول الأحقاب ،
وكر الأزمان ، وانصرام الأعوام ، ويرجع ذلك إلى أمور ثلاثة :
1 - إن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) قد هتف به في مزدحم غفير يربو على عشرات الآلاف عند منصرفه من الحج الأكبر
، فنهض بالدعوة والإعلان ، وحوله جموع من وجوه الصحابة وأعيان الأمة ، وأمر بتبليغ
الشاهد الغائب ليكونوا كافة على علم وخبر بما تم إبلاغه .
2 - إن الله سبحانه قد أنزل
في تلك المناسبة آيات تلفت نظر القارئ إلى الواقعة عندما يتلوها وإليك الآيات :
أ - { يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ
فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67].
وقد ذكر نزولها في واقعة
الغدير طائفة من المفسرين يربو عددهم على الثلاثين ، وقد ذكر العلامة البحاثة
المحقق الأميني في كتاب " الغدير " نصوص عبارات هؤلاء ، فمن أراد
الاطلاع عليها ، فليرجع إليه .
ب - {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وقد نقل نزول الآية جماعة منهم
يزيدون على ستة عشر .
ج - {سَأَلَ سَائِلٌ
بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي
الْمَعَارِجِ } [المعارج: 1 - 3].
وقد ذكر أيضا نزول هذه الآية
جماعة من المفسرين ينوف على الثلاثين ، أضف إلى ذلك أن الشيعة عن بكرة أبيهم متفقون
على نزول هذه الآيات الثلاث في شأن هذه الواقعة ( 8 ) .
3 - إن الحديث منذ صدوره من
منبع الوحي ، تسابقت الشعراء والأدباء على نظمه ، وإنشاده في أبيات وقصائد امتدت
رقعتها منذ عصر انبثاق ذلك النص في تلك المناسبة إلى عصرنا هذا، وبمختلف اللغات
والثقافات ، وقد تمكن البحاثة المتضلع العلامة الأميني من استقصاء وجمع كل ما نظم
باللغة العربية حول تلك الحادثة ، والمؤمل والمنتظر من كافة المحققين على اختلاف
ألسنتهم ولغاتهم استنهاض هممهم لجمع ما نظم وأنشد في أدبهم الخاص .
وحصيلة الكلام : قلما نجد
حادثة تاريخية حظيت في العالم البشري عامة ، وفي التاريخ الإسلامي والأمة
الإسلامية خاصة بمثل ما حظيت به واقعة الغدير ، وقلما استقطبت اهتمام الفئات
المختلفة من المحدثين والمفسرين والكلاميين والفلاسفة والأدباء والكتاب والخطباء
وأرباب السير والمؤرخين كما استقطبت هذه الحادثة ، وقلما اعتنوا بشئ مثلما اعتنوا
بها . هذا ويستفاد من مراجعة التاريخ أن يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام
كان معروفا بين المسلمين بيوم عيد الغدير ، وكانت هذه التسمية تحظى بشهرة كبيرة
إلى درجة أن ابن خلكان يقول حول " المستعلي ابن المستنصر " : " فبويع
في يوم غدير خم ، وهو الثامن عشر من شهر ذي الحجة سنة 487 هـ " ( 9 ) .
وقال في ترجمة المستنصر بالله
، العباسي : " وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة سبع
وثمانين وأربعمائة ، قلت : وهذه هي ليلة عيد الغدير ، أعني ليلة الثامن عشر من شهر
ذي الحجة ، وهو غدير خم " ( 10 ) .
وقد عده أبو ريحان البيروني
في كتابه " الآثار الباقية مما استعمله أهل الإسلام من الأعياد " (11) .
وليس ابن خلكان ، وأبو ريحان
البيروني ، هما الوحيدين اللذين صرحا بكون هذا اليوم هو عيد من الأعياد ، بل هذا
الثعالبي قد اعتبر هو الآخر ليلة الغدير من الليالي المعروفة بين المسلمين (12 ) .
إن عهد هذا العيد الإسلامي ،
وجذوره ترجع إلى نفس يوم " الغدير " ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله )
أمر المهاجرين والأنصار ، بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على علي (
عليه السلام ) وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى . يقول زيد بن أرقم : كان أول من صافح
النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعليا : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير
، وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي الناس ( 13 ) .
فالحمد لله الذي جعلنا من
المتمسكين بولاية علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
شذرات من فضائله يطيب لي أن
أشير إلى بعض خصائصه قياما ببعض الوظيفة تجاه ما له من الحقوق على الإسلام
والمسلمين عامة ، فنقول : إن له خصائص لم يشاركه فيها أحد :
1 - ولادته في جوف الكعبة .
2 - احتضان النبي الأكرم (
صلى الله عليه وآله ) له منذ صغره .
3 - سبقه الجميع في الإسلام .
4 - مؤاخاة النبي ( صلى الله
عليه وآله ) له من دون باقي الصحابة .
5 - حمله من قبل النبي ( صلى
الله عليه وآله ) على كتفه لطرح الأصنام الموضوعة في الكعبة.
6 - استمرار ذرية رسول الله (
صلى الله عليه وآله ) من صلبه .
7 - بصاق النبي ( صلى الله
عليه وآله ) في عينيه يوم خيبر ، ودعاؤه له بأن لا يصيبه حر ولا قر .
8 - إن حبه إيمان وبغضه نفاق
.
9 - إن النبي ( صلى الله عليه
وآله ) باهل النصارى به وبزوجته وأولاده دون سائر الأصحاب.
10 - تبليغه سورة براءة عن
النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
11 - إن النبي ( صلى الله
عليه وآله ) خصه يوم الغدير بالولاية .
12 - إنه القائل : "
سلوني قبل أن تفقدوني " .
13 - إن النبي ( صلى الله
عليه وآله ) خصه بتغسيله وتجهيزه والصلاة عليه .
14 - إن الناس جميعا من أرباب
الأديان ، وغيرهم ينظرون إليه كأعظم رجل عرفه التاريخ(14).
_______________
( 1 ) أشارت إلى ذلك الآية
الكريمة 30 من سورة الطور : { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ
الْمَنُونِ } .
( 2 ) الكامل في التاريخ 2 :
222 ، العقد الفريد 2 : 249 .
( 3 ) تاريخ الطبري 2 : 216 ، الكامل في
التاريخ 2 : 62 و 63 ...
( 4 ) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكة
والمدينة .
( 5 ) من مواقيت الإحرام وتنشعب منها طرق المدنيين
والمصريين والعراقيين .
( 6 ) لقد كرر النبي ( صلى الله عليه وآله )
هذه العبارة ثلاث مرات دفعا لأي التباس أو اشتباه.
( 7 ) راجع للوقوف على مصادر هذا الحديث المتواتر
موسوعة الغدير للعلامة الأميني (رحمه الله ) .
( 8 ) راجع في شأن نزول هذه الآيات كتاب الغدير 1
: 214 و 217 .
( 9 ) وفيات الأعيان 1 : 60 .
( 10 ) المصدر نفسه .
( 11 ) ترجمة الآثار الباقية : 395 ، الغدير
1 : 267 .
( 12 ) ثمار القلوب : 511 .
( 13 ) راجع مصدره في الغدير 1 : 270 .
(14) قد استخرج هذه الخصائص الكاتب القدير
محمد جواد مغنية - رحمه الله - في كتابه : الشيعة والتشيع : 234 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|