مجال الجغرافيا السياسية - من مفهوم التحليل المكاني (نموذج كوكس ورينولدز) |
2378
05:38 مساءً
التاريخ: 14-12-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-5-2022
1554
التاريخ: 18-5-2022
1516
التاريخ: 21-12-2021
4153
التاريخ: 11-10-2021
1940
|
مجال الجغرافيا السياسية من مفهوم التحليل المكاني (نموذج كوكس ورينولدز):
شهدت العلوم الإنسانية بعد الحرب الثانية اهتماما واضحا ما يعرف بالمفهوم الاجتماعي، وهو المفهوم الذي يعني بالموضوعات ذات الصلة بالأفراد والجماعات الإنسانية.
وقد احتل موضوع الرفاهية Welfare ، مكانة بارزة بين اهتمامات العلوم الإنسانية، فظهر ما يعرف بالرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... الخ، التي تدور حول الحاجات الأساسية للأفراد والجماعات, وفي ظل هذا الاتجاه السائد بين العلوم الأصولية الإنسانية، كان لابد أن ينعكس هذا الاتجاه أيضا على الجغرافيا البشرية، التي عرفت هي الأخرى ما يعرف منهج الرفاهية The Welfare Approach .
أما الجغرافيا السياسية، فقد تمثل اهتمامها بهذا المنهج، من خلال ظهور بعض الدراسات التي عالجت عددا من الموضوعات ذات الصلة بالرفاهية السياسية، كدراسة كوكس K . Cox عام 1975م للمظاهر الجغرافية لسياسة المدينة، ودراسة كل من تيلور وجونستون عام ١٩٧٩م لجغرافية الانتخابات.
وفي اطار منهج الرفاهية أيضا، طرح كل من كوكس ورينولدز في عام ١٩٧٩م، إطارا جديدا لدراسة الجغرافيا السياسية وذلك بوصفها "دراسة في حل الصراع" A Study of Conflict Resolution) )، وقد كان ذلك من خلال ورقة بحث بعنوان (Locational Approaches to Power and Conflict) وتتلخص الأفكار الأساسية التي تضمنها هذا البحث، في أن النظم يمكن فهمها من وجهة النظر المكانية أو الجغرافية على إنها عبارة عن شبكة معقدة من مجموعات الأفراد، التي تتفاعل فيما بينها باستمرار لتخصيص أو توزيع الموارد العامة المحدودة على الحاجات العامة الأولى بالإشباع.
ولأن التفاعل بين جماعات الأفراد يرتبط أساسا بخاصية الندرة Scarcity التي تمتاز بها الموارد أو السلع العامة، وأن النظم السياسية ما هي إلا أجهزة لحل الصراع ، لذا فان النظم السياسية في المعنى الأخير، ما هي الا نظم مكانية Spatial Systems فالعامل المكاني أو الجغرافي من وجهة نظر كوكس ورينولدز يشكل قاعدة هامة في تحليل النظم السياسية، وذلك لأنه يشارك في أداء عملية التغذية العكسية أو الاسترجاعية، تلك العملية التي تربط بين المخرجات والمدخلات بصفة مستمرة. أما المخرجات Outputsفهي عبارة عن القرارات والسياسات التي يتخذها النظام السياسي، بشأن توزيع وتخصيص الموارد العامة ذات الاستعمالات البديلة، بينما المدخلات Inputs هي الضغوط والتأثيرات التي يتعرض لها النظام السياسي من جانب الأفراد ومجموعات الأفراد، سعيا وراء إشباع حاجاتهم المتعددة من السلع والخدمات العامة، التي ينبغي على النظام أن يستجيب لها.
ومن ناحية أخرى، فإن الأفراد والجماعات الذين يؤلفون النظام السيامي، يشغلون مواقع مكانية متباينة، سواء بالنسبة لبعضهم البعض أو بالنسبة للوسط البيني، الذي يضم الموارد العامة المستخدمة في إشباع الرغبات والحاجات العامة. ومن هنا، فإن المواقع المكانية لها دلالة هامة سواء بالنسبة لتحديد الحاجات أو الرغبات التي يراد إشباعها من السلع العامة أو بالنسبة للصراعات المتعلقة باختيار الحاجات الأولى بالإشباع، فضلا عن أهمية هذه المواقع المكانية بالنسبة لاختيار الاساليب الملائمة لحل الصراع.
خلاصة القول، أن ما أراد أن يقوله كل من كوكس ورينولدز، هو أن المدخلات التي تحمل رغبات الجماعات إلى النظام السياسي وتلك المخرجات التي تحمل قرارات توزيع الموارد العامة من جانب هذا النظام، كلها ذات مدلول جغرافي واضح.
ويلخص شكل (2) محاولة كوكس ورنولدز، وضع النظام السياسي داخل إطار مكاني، ويمكن تتبع عناصر هذا الشكل على النحو التالي :
ا- الإطار المكاني Locational Context: يبدا الجغرافي السياسي بدراسة الدولة في إطارها المكاني.
٢ - الأولويات أو الأفضليات Preferences: على الباحث أن يبدأ دراسته بافتراض مؤداه، أن لدى الأفراد الذين يتألف منهم النظام السياسي جداول تفضيل Preference Schedules تحدد احتياجات الأفراد من السلع والخدمات العامة وترتيبها وفقا لأهميتها النسبية.
ولا يمكن فهم التفضيل بمعزل عن الإطار المكاني لهذه الأولويات او الأفضليات المختارة، بل وعلاوة على ذلك فان الإطار المكاني بعد متغيرة بالنسبة التحديد نوع هذه الأفضليات.
شكل(2) النظام السياسي في اطار مكاني: نظرة معاصرة لمجال دراسة الجغرافيا السياسية بوصفة ترتيب لحل الصراع
٣- الاشباع Satisfaction : وإشباع الأولويات من السلع والخدمات العامة يمكن أن يكون انعكاسا للمكان الذي يقع فيه الفرد، وتفسير ذلك، أن الحكومات لا تقوم بتوزيع السلع والخدمات العامة على كافة المستهلكين بقدر متساو، فبعض المستهلكين ممن يعيشون خارج المنطقة الادارية يمكن أن يكونوا محرومين تماما من استهلاك هذه السلع التي قد لا تصل إليهم على الاطلاق. وشكل هذا الأمر واقعا ملموسا، سواء على مستوى السياسات المحلية الإقليمية أو على مستوى السياسات القومية، وذلك حين يكون من المظاهر العادية وجود تنافس حول المكان أو الموقع الذي يجب أن يحظى بأكبر قدر من برامج المساعدات والخدمات التي تقدمها الحكومة.
4 - الصراعات Conflicts: ووجود تفاوت بين حاجات الأفراد من السلع والخدمات ودرجة إشباع هذه الحاجات - وهو أمر يتعلق بالمكان - يؤدي إلى نشوء صراعات ذات طبيعة مكانية بالدرجة الأولى. وإذا كان بعض هذه الصراعات ذا طبيعة مكانية خالصة، كتلك الصراعات التي تدور حول المرافق والمؤسسات العامة، فإن أكثر هذه الصراعات المرتبطة بتوزيع السلع والخدمات العامة تكون بين جماعات لها وضعها الاجتماعي أو العرقي المتميز، والتي غالبا ما يكون لها وضعها الجغرافي أو المكاني المتميز، ولهذا فإن مثل هذه الصراعات ذات الأصول المكانية، يمكن أن تتخلى عن طابعها الاجتماعي أو العرقي خلال العملية السياسية وتأخذ طابعا مكانية خالصا.
ه - اختيار الفعل المخفف للصراع Choice of Alleviating Action: ويؤكد كوكس ورينولدز أن المهمة أو الوظيفة الأساسية للنظام السياسي تتمثل في إدارة مثل هذه الصراعات وإيجاد الحلول المناسبة لها.
ونظرا للطبيعة المكانية للصراعات، فإن المنطق يحتم علينا أن نتوقع من النظام السياسي اختيار حلول ذات طابع مكاني أيضا.
6- العمل الجماعي Collective Actio: وليس هناك بدل أمام أي حل مقترح لحسم صراع مكاني إلا أن يأخذ هذا الحل شكل العمل الجماعي.
7- إعادة التوطين أو التوزيع المكاني Relocation : وربما يؤدي الشعور بعدم الرضا عن القرار الخاص بحل الصراع، إلى ظهور جماعات المصلحة المحلية أو الإقليمية، سواء ما كان منها رسمية أو غير رسمي، أو ما كان منها دائما أو مؤقتا. وتتكون هذه التكتلات الجماعية بفرض التعبير عن مطالب محلية أو للضغط على أجهزة صناعة القرار، لإحداث تعديل لصالح موطنهم المحلي أو الإقليمي.
والسياسات المطروحة من قبل جماعات المصلحة المحلية، تأخذ عادة طابعة مكانية واضحة، وربما يرجع ذلك إلى أن هذه السياسيات الإقليمية تقوم غالبا على استغلال مسألة الحدود والتلاعب بها لتحقيق مصالح مكانية أو إقليمية معينة، وفي كل مرة يتطلب الأمر إجراء تعديلات مكانية .
وهنا يؤكد كوكس ورينولدز على أن كل هذه القضايا والمسائل السابقة، تعد جزءا لا يتجزأ من صميم عمل الباحث الجغرافي.
٨- توزيع السلع العامة على المكان Space Allocation of Public Goods Over
9- والتنظيم المكاني للنظام السياسي : Spatial Organization of the Political systems وبالنظر إلى الضغوط والتأثيرات والمطالب (المدخلات) التي يتعرض لها النظام السياسي من ناحية، والترتيبات التي يتخذها النظام السياسي بشأن تخصيص أو توزيع السلع العامة من ناحية أخرى، فانه يمكن التمييز بين نوعين من المخرج أو المنتج المكاني Spatial Product or Output على النحو التالي:
أ- التمعط الفعلي لتوزيع السلع العامة.
ب - التنظيم المكاني الذي يتخذه النظام السياسي لتسهيل مهمته في توزيع السلع العامة.
وهكذا فان نمعط التوزيع الجغرافي الفعلي للسلع العامة، يعطي تصور نظرية واضحة عن التنظيم المكاني للنظام السياسي، بأبعاده المختلفة كالحدود والأقاليم وأنماط استخدام الأرض... الخ، فكل هذه المتغيرات المكانية يمكن أن تساعد النظام السياسي في توزيع وتخصيص السلع العامة، مثل الإنفاق العام على التعليم ونصيب كل تلميذ أو طالب من هذا الانفاق والإعانات المالية المخصصة للقطاع الخاص والاستثمارات المالية العامة... الخ.
وينتهي كوكس ورينولدز إلى أن الخطوات من (١) إلى (٩) تتصل ببعضها اتصالا وثيقا، كما تتفاعل مع بعضها تفاعلا قويا من خلال عملية التغذية العكسية أو الاسترجاعية، التي تشير إلى تدفق المعلومات من البيئة إلى النظام السياسي عن نتائج قراراته وسياساته بشأن توزيع السلع العامة، وهي بهذا المعنى تربط المدخلات بالمخرجات في عملية مستمرة، تعتمد على أن المخرجات هي بمثابة ردود فعل للمدخلات التي تتأثر بدورها بالمخرجات.
وبعد هذا العرض المركز لنموذج كوكس ورينولدز، يبقى أن نشير إلى اعتقاد مؤداه بأن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا النموذج مستمدة من
نظرية السلع الجماعية أو العامة، التي طرحها (مانكر) أولسن في عام ١٩٩٨م من خلال كتاب بعنوان "منطق العمل الجماعي : السلع العامة ونظرية الجماعات"، وبالإضافة إلى ذلك، فإن نموذج كوكس ورينولدز قد اعتمد أيضا على نموذج المدخلات - المخرجات الذي طرحه "ديفيد ايستون" في عام 1965م، من خلال كتاب بعنوان "إطار للتحليل السياسي" الذي نجده بين المراجع التي اعتمد عليها كوكس ورينولدز.
وتهتم الجغرافية السياسية بدراسة النظم السياسية Political System وأي نظام سياسي يعتمد على العملية السياسية التي عن طريقها يعمل ويمارس فعالياته، كما يعتمد على منطقة جغرافية يعمل داخل حدودها ونطاقها، فلا يمكن أن يكون هناك نظام سياسي في فراغ، فالجغرافية السياسية تهتم بدراسة التفاعل بين الإقليم الجغرافي والعملية السياسية التي تعني تتابع الأحداث السياسية أو الإجراءات التي يتخذها الإنسان لخلق النظام السياسي أو المحافظة عليه ومدى علاقتها المكانية مع تفسير ذلك.
ولا تقتصر دراسة الجغرافية السياسية على الوحدات السياسية فقط، وإنما يمكن أن تتعداها لدراسة وحدة إدارية على درجة عالية من الاستقلال الذاتي داخل هذه الدولة لها انعكاسها على سياستها مثل ولاية كويبك في كندا، ومثل ولايات البرازيل، وكنتونات سويسرا، أو على درجة أقل من الحكم المحلي أو الاستقلال الذاتي كما في الولايات المتحدة الأمريكية، وكميونات فرنسا.
كما تهتم الجغرافية السياسية بدراسة المنظمات الدولية مثل منظمة الأمم المتحدة (U . N)، أو منظمة حلف شمال الأطلنطي (NATO)، أو منظمة جنوب شرق آسيا (SEATO)، أو السوق الأوربية المشتركة (EEC)، أو منظمة التجارة الحرة (EFTA)، أو منظمة الكومنولث البريطاني، أو منظمة الوحدة الأفريقية (0٧. وهذه المنظمات وغيرها تهدف إلى الوصول بأعضائها إلى أهداف معينة من خلال معاهدات أو اتفاقيات يكون لها أثرها على الوحدة السياسية. كما تهتم الجغرافية السياسية بدراسة مبدأ توازن القوى من خلال التكتلات الدولية وتامين المصالح الاقتصادية للدول الكبرى.
كما تتناول الجغرافية السياسية دراسة بعض الظاهرات السياسية على سطح الأرض كالحدود السياسية وأبعاد الاستعمار على هذه الوحدات، ودراسة العواصم والأنهار الدولية والممرات والقنوات الدولية.
وتهتم الجغرافية السياسية بدراسة السكان كمشكلة سياسية من خلال تبانهم اللغوي أو الديني وأصولهم العرقية، ودراسة مفهوم الدولة والشعب والأمة، ومقومات الدولة بصورها المختلفة (الطبيعية والبشرية والاقتصادية ( ومدى استغلالها لمواردها، أو مدى اعتمادها على موارد خارجية باعتبار ذلك مؤثرا فى كيان الدولة.
كما يدخل فى مجال الجغرافية السياسية دراسة مدى التماسك بين السكان فى إطار الوحدة السياسية بالإضافة إلى العلاقات الخارجية بينها وبين الدول الأخرى، فلا تستطيع أي دولة مهما كانت قدراتها أن تعيش بمعزل عن الدول الأخرى، ولذلك فإن الجغرافية السياسية تهتم بدراسة الدولة فى إطار علاقاتها بالمجتمع الدولي، وتحليل هذه العلاقات الدولية ودورها فى تطوير وتقوية الوحدات السياسية المختلفة، بل وفى كينونتها أحيانا، مثل دولة إسرائيل التى نشأت أساسا اعتمادا على علاقاتها الدولية وليس على أسس جغرافية طبيعية كتلك التى نشأت على أساسها الوحدات السياسية التى تكونت بشكل طبيعي.
وتهتم الجغرافية السياسية أيضا بدراسة مدي التوافق الجغرافي بين الدولة والأمة: وهذا امر يثير مسألة الحدود السياسية، وهل تضم الدولة أقليات داخلها، أم هناك ادعاءات خاصة بأقاليم خارج حدودها.
وتدرس أيضا موارد الدولة التى تتحكم فيها لتحقيق أهدافها، كرفاهية الشعب وحمايته، وتتمثل هذه الموارد فى الموقع الجغرافي، وحجم الدولة، وشكلها، أو بمعنى آخر العوامل التى تؤثر فى استراتيجيتها والدفاع عنها، كما تشمل دراسة مواردها الطبيعية، مدي تماسك الدولة بواسطة طرق النقل والمواصلات المختلفة، واخيرا دراسة مواردها البشرية كما وكيفا. وقد لا تعتمد الدولة على مواردها الداخلية، فقد تعتمد على ما يأتيها من حلفائها، أو مستعمراتها وغيرها من الأمور التي تساندها لتحقيق غايتها.
وكذلك دراسة تجارة الدولة الخارجية إذ أنها يمكن أن تمثل عنصر قوة أو عنصر ض عف، ويمكن أن تستخدم التجارة كوسيلة لتحقيق غرض سياسي كما حدث في وقف اتفاقية تصدير الولايات المتحدة الأمريكية للقمح إلى الاتحاد السوفيتي، أو حظر العرب تصدير البترول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وخفضهم للكميات المصدرة إلى الدول الأوروبية في خريف عام ١٩٧٣.
أيضا ينصب اهتمام الجغرافيا بدراسة مدى التماسك الاجتماعي للسكان أو درجة الوحدة القومية، والعوامل التي تؤدي إلى عدم التماسك سواء كانت سلالية أو دينية أو لغوية أو قومية ومدى نجاح الدولة في المحافظة على تماسكها الداخلي إذ تحمل الدول بين ثناياها تشابهات إقليمية تشدها إلى بعضها وتعرف بقوى الجذب Centripetal Force، وكذلك اختلافات تعرف بقوي
الطرد Centrifugal Forceتعمل على تفكيكها، ويتوقف بقاء الدولة او اختفائها، واستقرارها او اضطرابها على قوة كل من العاملين وأكثرهما فعالية.
فدراسة الجغرافية السياسية في المكان الأول، إذن هي تحليل عناصر القوة والضعف للدول، وتشخيص أعراضها وسبل أغوارها وأبعادها في سبيل الوصول إلى تقييم الوزن السياسي للدولة، على أساس أن كل دولة تتكون من عناصر مختلفة طبيعية وبشرية واقتصادية، وتتفاوت مستوى الدول على منحني القوة، باعتبارها نتيجة أوضاع جغرافية واقتصادية وتاريخية وحضارية، وهي تعرف بالقوة الشاملة، وعلى ضوء دراسة تلك المقومات يمكن تقييم الدول، وتفسير العلاقات بينها وبين بعض على أسس جغرافية.
وتتعدى ميادين الجغرافية السياسية تحليل العلاقات بين الجماعة البشرية والبينة داخليا، على تحليل العلاقات الخارجية لهذه الجماعات، ذلك أن التكامل ضروري بين نشاط الدولة الداخلي ونشاطها الخارجي، فالدولة المضطربة داخليا تستنزف جهودها في إقرار السلام، والأمن والوحدة الداخلية، ولا تستطيع أن تجد من الطاقة فائضا يمكنها من ظهور بارز في المجالات الدولية. كما أن الدولة المستقلة الآمنة من الناحية الخارجية، ينعكس حالها هذا على رخاء السكان، وتفرغ ميزانيتهم للنهوض الاقتصادي. فليس من شك أن جميع الدول غير الآمنة، تستهلك جزءا كبيرا من ميزانيتها في التسلح. قارن مثلا ميزانية الدولة العربية المحيطة بإسرائيل، وحالة إسرائيل ذاتها، بدول كسويسرا، ولعل ميزانيات التسلح الضخمة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق لخير دليل على حالة التوتر الدولي وسباق التسلح الذي يدور في العصر الحاضر.
وما دامت الجغرافية، مجالها الدولة أساسا، فلابد من معرفة عناصر هذه الدولة، فلا تجود دولة في فراغ، وان كانت الوحدات السياسية تعاني خلخلة في السكان أحيانا، إلا أنه لا توجد وحدة سياسية بارض دون سكان، ومعنى هذا أن الدولة = أرض ذات حدود سياسية + سكان، ونظرا لأنه لا توجد حتمية في العلاقة بين البيئة والإنسان. فلا ننتظر أن نجد استجابة واحدة من السكان للأرض. فكل بيئة لها إمكاناتها الخاصة، وقد يستغل السكان هذه الإمكانات وقد لا يستغلونها، ومن هذا كان الاختلاف في النظم التي تسود العالم.
لذلك يمكن تعديل المعادلة السابقة كما يلي :
الدولة = ارض ذات حدود سياسية + سكان + علاقة بينهما.
والعاملان الأولان يتميزان بالتنوع، أما الثالث فيتميز بالتعقيد لأنه متغير، ديناميكي معقد، فإذا أضفنا إلى هذه التطورات السياسية المستمرة التي تلحق العالم، أدركنا أن الجغرافية السياسية هي علم ديناميكي متطور، فقد تتسع أرض الدولة أو تنكمش حسب تطور الظروف السياسية، وليس أدل على هذا من مراجعة الخريطة السياسية للعالم في مطلع القرن العشرين، ثم بعد الحرب العالمية الأولي، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، لاشك سيجد الإنسان تغيرات واسعة، اختفاء دول، وظهور دول أخرى، كذلك الحال في السكان الذين يختلفون كما وكيفا بين حين وآخر. ومن ثم ليس هناك مؤلف وضع في هذا الفرع
الجغرافي إلا ولابد له من التعديل والتنقيح، بما يلائم التطورات التي يشاهدها العالم بل ويقيم هذه التغيرات كلما سمحت الفرصة.
كما أن هناك دراسات في الجغرافيا السياسية تتناول التركيب الداخلي للدولة، وتوزيع الثروات والموارد الطبيعية والبشرية، توزيع الرخاء والتخلف، وأقاليم النشاط الاقتصادي وأقاليم الركود وكذلك أقاليم التنمية التي فرغت من تنميتها. والأقاليم القبضة أي الأقاليم التي لها مشكلات اجتماعية واقتصادية مستعصية وتحتاج إلى خطط عاجلة لانعاش اقتصادها.
وتفيد دراسات الجغرافيا السياسية الأجزاء الدولة الداخلية من حيت التركيب السكاني والاجتماعي والاقتصادي. في دراسة اتجاهات السكان فيما يختص بسياسة معينة. وهناك أجهزة متخصصة لمعرفة الراي العام. وتكون هذه الدراسات الخاصة بالرأي العام غاية في الأهمية في المعارك الانتخابية في مجتمع كالمجتمعات البريطانية أو الفرنسية أو الأمريكية، لأن مثل هذه الدراسات تتنبأ بالفعل باتجاهات التصويت من واقع دراسة الآراء التي يتم تجميعها من قطاعات متباينة من السكان.
وجدير بالذكر أن دراسات استطلاع الرأي العام والتنبؤ باتجاهات التصويت في الانتخابات أن الاستبيان كثيرا ما يكون في ذاته عاملا مؤثرة على اتجاه التصويت. وهذا هو احد العيوب الكبرى لإعلان نتيجة استطلاع الرأي العام حول مشكلة معينة، فهي تؤثر بطريق غير مباشر على الرأي العام.
وعندما تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة التركيب الإقليمي للمقومات الاقتصادية وتوزيع السكان ودراسة الأنماط الإقليمية فهي تفيد اجهزة الحكم المركزية والمحلية على حد سواء. وفي بعض الأحيان في الدول التي توجد بها تباينات عنصرية كالولايات المتحدة الأمريكية تكون دراسة التوزيع المساحي والتركيب الاقتصادي للزنوج مثلا مؤثرة مفيدة في سياسة الحقوق المدنية التي تنتجها الدولة ليس فقط في مشكلة الزنوج، ولكن تفيد الجغرافيا السياسية
ودراستها المهتمين بالتباينات الحضارية والدينية والعنصرية والاقتصادية وكذلك التباينات الطبيعية التي توجد في الخلفية العامة التباينات البشرية.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|