أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-6-2016
5418
التاريخ: 20-4-2017
14422
التاريخ: 31-8-2022
5186
التاريخ: 6-9-2017
2242
|
في كتابه المعروف (أدب الدنيا والدين) الذي يضم آراء قيمة، ومتنوعة في التربية وعلم النفس، يركز (الماوردي)* على أهمية الارشاد التربوي، الذي اهتمت به وشددت عليه عملية التربية، بكل مراحلها القديمة والحديثة، ومن خلاله يطرح الماوردي مفاهيمه الخاصة بهذا الجانب، وما يخص اكتساب الانسان للمعارف المختلفة، اعتمادا بشكل أساسي على الجانب الفطري والجانب المكتسب، والعلاقة الجدلية الترابطية بينهما لتشكل فعل المعرفة كما يذهب الى ذلك (الماوردي) بتأكيده: (ان الفعل المكتسب لا ينفك عن العقل الغريزي، لأنه نتيجة منه)(1).
وبجانب اخر يقول الماوردي: (لكل تربة غرس، ولكل بناء أس)(2).
شيراً بذلك الى أهمية الأساس في بناء كل شيء، واذا صلح الأساس صلح البناء، ومن هنا شدد الماوردي على أهمية الأساس في نجاح العملية التعليمية، والاساس هنا هو المرشد لقدرات الطفل وتوجيهه وتعليمه حسب هذه القدرات، وهو بذلك يستشهد بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) : (لا تمنعوا العلم اهله فتظلموا، ولا تضعوه في غير اهله فتأثموا)..
كذلك قد نبه الماوردي المعلمين والمتعلمين الى أهمية معرفة المداخل الأساسية في العلوم وطلبها.. حسب المقدرة، وحسب المستوى، والتدرج في طلب هذه العلوم حيث قال: (ان للعلوم أوائل تؤدي الى اواخرها، ومداخلها تمضي الى حقائقها، فليبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي الى اواخرها، وبمداخلها ليفضي الى حقائقها، ولا يطلب الاخر قبل الأول، ولا الحقيقة قبل المدخل، فلا يدرك الاخر، ولا يعرف الحقيقة)(3).
اما فيما يخص لغة التعليم، ومعوقاته، فقد أشار الماوردي في موضع اخر الى أهمية فهم العملية التعليمية وتأثيرها، والمعوقات التي تحول دون فهم المتعلم واستيعابه للمادة التعليمية وضرورة تشخيص أسباب عدم الفهم بشكل سريع ومنها على وجه الدقة دور اللغة في التوصيل وتوضيح المعاني، اذ ان للغة الدور الكبير في احداث التأثير وحصول المعرفة حيث أشار الماوردي الى ذلك بقوله: ( ان المتعلم اذا لم يفهم معاني ما سمع كشف عن السبب المانع منها ليعلم العلة في تعذر فهمها، فانه بمعرفة أسباب الأشياء وعللها، يصل الى تلافي ما شذ، وصلاح ما فسد، وليس يخلو السبب المانع من ذلك من ثلاثة اقسام: اما ان يكون لعلة في الكلام المترجم عنها، واما ان يكون لعلة في المعنى المستودع فيها، واما ان يكون لعلة في السامع المستخرج، فان كان السبب المانع فهمها لعلة في الكلام المترجم عنها، لم يخل ذلك من ثلاثة أحوال: احدهما ان يكون لتقصير اللفظ عن المعنى، فيصير اللفظ عن ذلك المعنى سببا مانعا من فهم ذلك المعنى، وهذا يكون من احد وجهين: اما من حصر المتكلم وعيه (يعني صعوبة الكلام)، واما من بلادته وقلة فهمه، والحال الثانية: ان يكون لزيادة اللفظ عن المعنى، فتصير الزيادة مانعة عن فهم المقصود منه، وهذا قد يكون من احد وجهين اما من هذر المتكلم وإكثاره، واما لسوء ظنه بفهم سامعه، والحال الثالثة: ان يكون لمواضعه(*) يقصدها المتكلم بكلامه فاذا لم يعرفها السامع لم يفهم معانيها)(4).
ان هذا الاستنتاج الذي توصل اليه الماوردي يعد من المشكلات الكبيرة في عملية التعليم، والتي تم التركيز عليها في اغلب المناهج. وهي تدرس الان في العصر الحديث باسم (معوقات الادراك) في التربية والتعليم.. وقد اخذ العلماء في مناهجهم التعليمية الحديثة بما ذهب اليه الماوردي في تعليل الأسباب التي تؤدي الى إعاقة الادراك والتعليم، اذ ان الماوردي قد (أصاب الحقيقة عندما ربط التفكير والادراك باللغة، لان اللغة أداة المعرفة وعليه فكلما كانت اللغة التي تعرض فيها المادة سهلة وواضحة ومعبرة عن الحقيقة العلمية المعروضة كلما كان فهم المتعلم اسرع وادق)(5).
فاللغة لها الأثر الكبير والرئيسي في الفهم والاستيعاب والوصول الى مبتغى المعنى، ودلالته، وعبر اللغة يتم التوصل بين المفاهيم والمدلولات وفك الرموز والاشارات التي تعبر عنها مفردات اللغة، وهذا ما أراد تأكيده الماوردي في اهتمامه باللغة في إيصال المعنى واتمام عملية التعليم الناجحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، علم من اعلام الفكر العربي الإسلامي واديب ناضج الفكر، ادرك المواقف التربوية والنفسية وقال فيها اقوالا سبق فيها الاوربيين الذين جاءوا من بعده بمئات السنين، وقد امتدت حياته بين سنتي (364 ـ 450هـ ) وكان من العلماء البارعين الذين تمكنوا من استيعاب الثقافات الإنسانية المختلفة، وقد تولى القضاء في بلدان كثيرة وكان عادلا ومنصفا ومتمسكا بالحق، لا يلين لحاكم او متنفذ، وقد كتب والف الكثير من الكتب التي لم يبق منها الا القليل الذي لا يتجاوز عدده اثني عشر كتابا في مختلف الشؤون الدينية والسياسية والاجتماعية والتربوية واللغوية والأدبية، ومن اشهرها كتاب (ادب الدنيا والدين).
1ـ الماوردي ـ ادب الدنيا والدين، ص14.
2ـ المصدر السابق ص14.
3ـ المصدر السابق ص29.
(*) (المواضعة) هي العرف الخاص بعلم او فن.
4ـ الماوردي ـ ادب الدنيا والدين، ص44.
5ـ جمال حسين الالوسي ، مصدر سابق.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|