المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17818 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
هل يجوز للمكلف ان يستنيب غيره للجهاد
2024-11-30
جواز استيجار المشركين للجهاد
2024-11-30
معاونة المجاهدين
2024-11-30
السلطة التي كان في يدها إصدار الحكم، ونوع العقاب الذي كان يوقع
2024-11-30
طريقة المحاكمة
2024-11-30
كيف كان تأليف المحكمة وطبيعتها؟
2024-11-30

المشكلات المدرسية / التبول اللاإرادي
1-1-2023
علاقة الترويج والبيئة التسويقية
25-6-2022
مفهوم المحرر الإلكتروني
22-11-2021
أسرار الصلاة
14-7-2020
خواص الرصاص
7-5-2018
الانابيب الكاربونية Nanotubes carbon
30-11-2016


تفسير الأية (26-29) من سورة الحج  
  
7151   05:34 مساءً   التاريخ: 15-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الحاء / سورة الحج /

 

قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [الحج: 27 - 29]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} معناه: واذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم مكان البيت وعرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة قال السدي إن الله تعالى لما أمره ببناء الكعبة لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل أن رفع أيام الطوفان وقال الكلبي بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة وقالت يا إبراهيم ابن على قدري وقيل إن المعنى جعلنا البيت مثوبة ومسكنة عن ابن الأنباري { أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} أي: وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري قال المبرد كأنه قال وحدني في هذا البيت لأن معنى لا تشرك بي شيئا وحدني.

 { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} من الشرك وعبادة الأوثان عن قتادة { لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} مفسر بسورة البقرة والمراد بالقائمين المقيمين بمكة وقيل القائمين في الصلاة عن عطا { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } أي: ناد في الناس وأعلمهم بوجوب الحج واختلف في المخاطب به على قولين (أحدهما) أنه إبراهيم عن علي وابن عباس واختاره أبومسلم قال ابن عباس قام في المقام فنادى يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا بلبيك اللهم لبيك (والثاني) أن المخاطب به نبينا محمد عليه أفضل الصلوات أي: وأذن يا محمد في الناس بالحج فأذن صلوات الله عليه في حجة الوداع أي: أعلمهم بوجوب الحج عن الحسن والجبائي وجمهور المفسرين على القول الأول وقالوا أسمع الله تعالى صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة كما أسمع سليمان مع ارتفاع منزلته وكثرة جنوده حوله صوت النملة مع خفضة وسكونه وفي رواية عطا عن ابن عباس قال لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس ووضع إصبعه في أذنيه وقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأول من أجابه أهل اليمن.

 { يَأْتُوكَ رِجَالًا} أي: مشاة على أرجلهم { وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: ركبانا قال ابن عباس يريد الإبل ولا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد هزل وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه يا بني حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل: وما حسنات الحرم قال الحسنة بمائة ألف حسنة.

 { يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: طريق بعيد وروي مرفوعا عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسياهم لمحسنهم وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم فإذا أفاض القوم إلى جمع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله يقول يا ملائكتي عبادي وقفوا وعادوا من الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسياهم لمحسنهم وأعطيت محسنهم جميع ما سألني وكفلت عنهم بالتبعات التي بينهم.

 وقوله { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قيل: يعني بالمنافع التجارات عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقيل التجارة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة عن مجاهد وقيل هي منافع الآخرة وهي العفو والمغفرة عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ويكون المعنى ليحضروا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في الآخرة.

 { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} اختلف في هذه الأيام وفي الذكر فيها فقيل هي أيام العشر وقيل لها معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحج في آخرها والمعدودات أيام التشريق عن الحسن ومجاهد وقيل: هي أيام التشريق يوم النحر وثلاثة بعده والمعدودات أيام العشر عن ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) واختاره الزجاج قال لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله { عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} أي: على ذبح ونحر ما رزقهم من الإبل والبقر والغنم وهذه الأيام تختص بذلك وقيل إن الذكر فيها كناية عن الذبح لأن صحة الذبح لما كان بالتسمية سمي باسمه توسعا وقيل: هو التكبير قال أبو عبد الله التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم النحر يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والبهيمة أصلها من الإبهام وذلك أنها لا تفصح كما يفصح الحيوان الناطق والأنعام الإبل واشتقاقها من النعمة وهي اللين سميت بذلك للين أخفافها وقد يجتمع معها البقر والغنم فيسمى الجميع أنعاما اتساعا وإن انفردا لم يسميا أنعاما.

{فكلوا منها} أي: من بهيمة الأنعام وهذا إباحة وندب وليس بواجب { وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} فالبائس الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعري وقيل البائس الذي يمد يده بالسؤال ويتكفف للطلب أمر سبحانه أن يعطي هؤلاء من الهدي { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} أي: ليزيلوا أشعث الإحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال طيب عن الحسن وقيل: معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس وابن عمر قال الزجاج قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإحلال.

 { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أي: وليتموا نذورهم بقضائها ولم يقل بنذورهم لأن المراد بالإيفاء الإتمام قال ابن عباس هو نحر ما نذروا من البدن وقيل: هو ما نذروا من أعمال البر في أيام الحج وربما نذر الإنسان أن يتصدق أن رزقه الله الحج وإن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} هذا أمر وظاهره يقتضي الوجوب وقيل: أراد به طواف الزيارة لأنه من أركان أفعال الحج بلا خلاف وقيل إنه طواف الصدر(2) لأنه سبحانه أمر به عقيب المناسك كلها.

 وروى أصحابنا أن المراد به طواف النساء الذي يستباح به وصل النساء وذلك بعد طواف الزيارة فإنه إذا طاف طواف الزيارة حل له كل شيء إلا النساء فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء والبيت العتيق هو الكعبة وإنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن يملكه العبيد عن مجاهد وسفيان بن عينية وأبي مسلم وقيل: إنما سمي عتيقا لأنه أعتق من أن تصل الجبابرة إلى تخريبه وما قصده جبار قبل نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا أهلكه الله تعالى وإنما لم يهلك الحجاج حين نقضه وبناه ثانيا ببركة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإن الله سبحانه أمن ببركته هذه الأمة من عذاب الاستئصال عن مجاهد وقيل: سمي به لأنه أعتق من الطوفان فغرقت الأرض كلها إلا موضع البيت وقيل: سمي به لأنه قديم فهو أول بيت وضع للناس بناه آدم (عليه السلام) ثم جدده إبراهيم (عليه السلام) عن ابن زيد.

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص144-147.

2- قال الطريحي: طواف الصدر: طواف الرجوع من (منى).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وإِذْ بَوَّأْنا لإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ والْقائِمِينَ والرُّكَّعِ السُّجُودِ } . المراد بالقائمين المقيمون في مكة وضواحيها ، وبالركع السجود المصلون . . كانت قريش تعبد الأصنام ، وتقوم على أمر الكعبة ، وبعد أن بعث اللَّه محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) نصبت العداء له ولمن آمن به ، ومنعت المسلمين من الطواف والصلاة في بيت اللَّه ، كما جاء في الآية السابقة ، ومع هذا كانت تزعم قريش انها على دين إبراهيم ( عليه السلام ) . . فأبطل اللَّه هذا الزعم بأنه هو صاحب البيت ، وقد أوحى إلى إبراهيم ان يبنيه ويجعله خاصا بعبادة الموحدين المقيمين منهم في مكة والعابرين ، وان يبعد عنه المشركين وأوثانهم ، وهذا هو معنى { وطَهِّرْ بَيْتِيَ }. . ولكن قريشا عكست الآية ، فملأت بيت اللَّه بالأصنام ، وأباحته لأهل الشرك والفساد وصدت عنه أهل التوحيد والصلاح .

{وأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }. أمر اللَّه خليله ان يدعو الناس إلى حج المسجد الحرام بعد ان يقيم قواعده ، ويتم بناءه ، ووعده أن يستجيب الناس إلى دعوته . ويأتوه مشاة وركبانا على ضوامر من الخيل والإبل من كل طريق بعيد ، وبالأولى من الطريق القريب .

{ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ } . الحج هو العبادة الوحيدة التي تجمع بين المنافع الدينية والدنيوية ، أما الدينية فطاعة اللَّه بأداء الفريضة ، والتوبة من الخطايا والذنوب واستشعار الهيبة والجلال ، قال ابن عربي في الفتوحات المكية : « كنت في ذات يوم أطوف بالكعبة ، فرأيتها فيما خيل إلي انها ارتفعت عن الأرض ، وتوعدتني بكلام واللَّه سمعته ، وهي تقول : تقدم حتى ترى ما أصنع بك ، كم تضع من قدري ، وترفع من قدر بني آدم » .

ونقول عن يقين : ما من أحد يسعى أو يطوف في بيت اللَّه بإخلاص إلا ويستشعر شيئا من هذا النوع .

{ ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعامِ } وهي الإبل والبقر والغنم ، وذكر اسمه تعالى على الانعام كناية عن ذبحها ونحرها لأن التسمية تجب عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم ، والمراد بآيات معلومات أيام النحر والذبح في الحج كما يدل عليه سياق الآية . وقد اختلف الفقهاء في عدد هذه الأيام ، قال الشيعة : هي أربعة ، أولها يوم عيد الأضحى وآخرها اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، وقال غيرهم من فقهاء المذاهب : هي ثلاثة تنتهي بالثاني عشر منه . والتفصيل في كتابنا « الفقه على المذاهب الخمسة » .

وقال الرازي : أكثر العلماء يفرقون بين الأيام المعلومات في هذه الآية ، والأيام المعدودات في الآية 203 من سورة البقرة ، ويرون ان الأيام المعلومات هي عشرة ذي الحجة ، والمعدودات أيام الذبح والنحر على الخلاف الذي أشرنا إليه في أنها أربعة أو ثلاثة .

{ فَكُلُوا مِنْها وأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ }. اتفق الفقهاء على وجوب اطعام الفقير من أضحية الحج ، واختلفوا في وجوب أكل صاحبها منها ، ونحن مع القائلين بعدم الوجوب عليه ، وان الأمر متروك إلى إرادته ، ان شاء أكل منها ، وان شاء تصدق بأجمعها ، أما قوله تعالى : { فَكُلُوا مِنْها } فقد جاء لرفع توهم تحريم الأكل منها ، حيث كان أهل الجاهلية لا يأكلون من أضاحيهم زاعمين ان ذلك محرم عليهم ، فنبه سبحانه بقوله : فكلوا منها ، إلى خطئهم .

{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } لا يجوز للحاج أيام إحرامه أن يحلق رأسه أو يقلم أظافره أو يتطيب ، بل قال الفقهاء أو أكثرهم : ان قتل هو أم الجسد كالقمل حرام ، فإذا انتهت أيام الإحرام حل له ما كان محرما عليه ، فيحلق ويقلم أظافره وغير ذلك ، والى هذا أشار سبحانه بقوله : { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } . { ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } ان كانوا قد نذروا شيئا من أعمال البر أيام الحج أو قبلها ، فان كثيرا من الناس ينذرون الصدقات وغيرها من أعمال الخير ان رزقهم اللَّه الحج { ولْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أي القديم لأنه أول بيت وضع للناس ، وذكر سبحانه الطواف في صيغة المبالغة حيث يستحب الإكثار منه ، كما يستحب الإكثار من الصلاة ، فلقد اشتهر عن نبي الرحمة ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنه قال : الطواف بالبيت صلاة .

______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 322-324.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} بوء له مكانا كذا أي جعله مباءة ومرجعا له يرجع إليه ويقصده، والمكان ما يستقر عليه الشيء فمكان البيت القطعة من الأرض التي بني فيها، والمراد بالقائمين على ما يعطيه السياق هم الناصبون أنفسهم للعبادة والصلاة.

والركع جمع راكع كسجد جمع ساجد والسجود جمع ساجد كالركوع جمع راكع.

وقوله:{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الظرف فيه متعلق بمقدر أي واذكر وقت كذا وفيه تذكير لقصة جعل البيت معبدا للناس ليتضح به أن صد المؤمنين عن المسجد الحرام ليس إلا إلحادا بظلم.

وتبوئته تعالى مكان البيت لإبراهيم هي جعل مكانه مباءة ومرجعا لعبادته لا لأن يتخذه بيت سكنى يسكن فيه، ويلوح إليه قوله بعد{طهر بيتي} بإضافة البيت إلى نفسه، ولا ريب أن هذا الجعل كان وحيا لإبراهيم فقوله:{بوأنا لإبراهيم مكان البيت} في معنى قولنا: أوحينا إلى إبراهيم أن اتخذ هذا المكان مباءة ومرجعا لعبادتي وإن شئت فقل: أوحينا إليه أن اقصد هذا المكان لعبادتي، وبعبارة أخرى أن اعبدني في هذا المكان.

وبذلك يتضح أن{أن} في قوله:{ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} مفسرة تفسر الوحي السابق باعتباره أنه قول من غير حاجة إلى تقدير أوحينا أو قلنا ونحوه.

ويتضح أيضا أن قوله:{ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا } ليس المراد به - وهو واقع في هذا السياق - النهي عن الشرك مطلقا وإن كان منهيا عنه مطلقا بل المنهي عنه فيه هو الشرك في العبادة التي يأتي بها حينما يقصد البيت للعبادة وبعبارة واضحة الشرك فيما يأتي به من أعمال الحج كالتلبية للأوثان والإهلال لها ونحوهما.

وكذا قوله:{ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} والتطهير إزالة الأقذار والأدناس عن الشيء ليعود إلى ما يقتضيه طبعه الأولي، وقد أضاف البيت إلى نفسه إذ قال:{بيتي} أي بيتا يختص بعبادتي، وتطهير المعبد بما أنه معبد تنزيهه من الأعمال الدنسة والأرجاس التي تفسد العبادة وليست إلا الشرك ومظاهره.

فتطهير بيته إما تنزيهه من الأرجاس المعنوية خاصة بأن يشرع إبراهيم (عليه السلام) للناس ويعلمهم طريقا من العبادة لا يداخلها قذارة شرك ولا يدنسها دنسه كما أمر لنفسه بذلك، وإما إزالة مطلق النجاسات عن البيت أعم من الصورية والمعنوية لكن الذي يمس سياق الآية منها هو الرجس المعنوي فمحصل تطهير المعبد عن الأرجاس المعنوية وتنزيهه عنها للعباد الذين يقصدونه بالعبادة وضع عبادة فيه خالصة لوجه الله لا يشوبها شائب شرك يعبدون الله سبحانه بها ولا يشركون به شيئا.

فالمعنى بناء على ما يهدي إليه السياق واذكر إذ أوحينا إلى إبراهيم أن اعبدني في بيتي هذا بأخذه مباءة ومرجعا لعبادتي ولا تشرك بي شيئا في عبادتي وسن لعبادي القاصدين بيتي من الطائفين والقائمين والركع السجود عبادة في بيتي خالصة من الشرك.

وفي الآية تلويح إلى أن عمدة عبادة القاصدين له طواف وقيام وركوع وسجود وإشعار بأن الركوع والسجود متقاربان كالمتلازمين لا ينفك أحدهما عن الآخر.

ومما قيل في الآية أن قوله:{بوأنا} معناه{قلنا تبوء} وقيل: معناه{أعلمنا} ومن ذلك أن{أن} في قوله:{أن لا} مصدرية وقيل: مخففة من الثقيلة، ومن ذلك أن المراد بالطائفين الطارءون وبالقائمين المقيمون بمكة، وقيل: المراد بالقائمين والركع السجود: المصلون، وهي جميعا وجوه بعيدة.

قوله تعالى:{وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} التأذين: الإعلام برفع الصوت ولذا فسر بالنداء، والحج القصد سمي به العمل الخاص الذي شرعه أولا إبراهيم (عليه السلام) وجرت عليه شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فيه من قصد البيت الحرام، ورجال جمع راجل خلاف الراكب، والضامر المهزول الذي أضمره السير، والفج العميق - على ما قيل - الطريق البعيد.

وقوله:{وأذن في الناس بالحج} أي ناد الناس بقصد البيت أو بعمل الحج والجملة معطوفة على قوله:{لا تشرك بي شيئا} والمخاطب به إبراهيم وما قيل: إن المخاطب نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيد من السياق.

وقوله:{يأتوك رجالا} إلخ، جواب الأمر أي أذن فيهم وأن تؤذن فيهم يأتوك راجلين وعلى كل بعير مهزول يأتين من كل طريق بعيد، ولفظة{كل} تفيد في أمثال هذه الموارد معنى الكثرة دون الاستغراق.

قوله تعالى:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} إلخ، اللام للتعليل أوالغاية والجار والمجرور متعلق بقوله:{يأتوك} والمعنى يأتوك لشهادة منافع لهم أويأتوك فيشهدوا منافع لهم وقد أطلقت المنافع ولم تتقيد بالدنيوية أو الأخروية.

والمنافع نوعان: منافع دنيوية وهي التي تتقدم بها حياة الإنسان الاجتماعية ويصفو بها العيش وترفع بها الحوائج المتنوعة وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ومختلف التعاونات والتعاضدات الاجتماعية وغيرها.

فإذا اجتمعت أقوام وأمم من مختلف مناطق الأرض وأصقاعها على ما لهم من اختلاف الأنساب والألوان والسنن والآداب ثم تعارفوا بينهم وكلمتهم واحدة هي كلمة الحق وإلههم واحد وهو الله عز اسمه ووجهتهم واحدة هي الكعبة البيت الحرام حملهم اتحاد الأرواح على تقارب الأشباح ووحدة القول على تشابه الفعل فأخذ هذا من ذاك ما يرتضيه وأعطاه ما يرضيه، واستعان قوم بآخرين في حل مشكلتهم وأعانوهم بما في مقدرتهم فيبدل كل مجتمع جزئي مجتمعا أرقى، ثم امتزجت المجتمعات فكونت مجتمعا وسيعا له من القوة والعدة ما لا تقوم له الجبال الرواسي، ولا تقوى عليه أي قوة جبارة طاحنة، ولا وسيلة إلى حل مشكلات الحياة كالتعاضد ولا سبيل إلى التعاضد كالتفاهم، ولا تفاهم كتفاهم الدين.

ومنافع أخروية وهي وجوه التقرب إلى الله تعالى بما يمثل عبودية الإنسان من قول وفعل وعمل الحج بما له من المناسك يتضمن أنواع العبادات من التوجه إلى الله وترك لذائذ الحياة وشواغل العيش والسعي إليه بتحمل المشاق والطواف حول بيته والصلاة والتضحية والإنفاق والصيام وغير ذلك.

وقد تقدم فيما مر أن عمل الحج بما له من الأركان والأجزاء يمثل دورة كاملة مما جرى على إبراهيم (عليه السلام) في مسيره في مراحل التوحيد ونفي الشريك وإخلاص العبودية لله سبحانه.

فإتيان الناس إبراهيم (عليه السلام) أي حضورهم عند البيت لزيارته يستعقب شهودهم هذه المنافع أخرويها ودنيويها وإذا شهدوها تعلقوا بها فالإنسان مجبول على حب النفع.

وقوله:{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} قال الراغب: والبهيمة ما لا نطق له وذلك لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع والطير فقال تعالى:{أحلت لكم بهيمة الأنعام}. انتهى.

وقال: والنعم مختص بالإبل وجمعه أنعام وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم، ولا يقال لها: أنعام حتى تكون في جملتها الإبل.انتهى.

فالمراد ببهيمة الأنعام الأنواع الثلاثة: الإبل والبقر والغنم من معز أوضأن والإضافة بيانية.

والجملة أعني قوله:{ويذكروا}، إلخ معطوف على قوله:{يشهدوا} أي وليذكروا اسم الله في أيام معلومات أي في أيام التشريق على ما فسرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وهي يوم الأضحى عاشر ذي الحجة وثلاثة أيام بعده.

وظاهر قوله:{على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} أنه متعلق بقوله:{يذكروا} وقوله:{من بهيمة الأنعام} بيان للموصول والمراد ذكرهم اسم الله على البهيمة - الأضحية - عند ذبحها أونحوها على خلاف ما كان المشركون يهلونها لأصنامهم.

وقد ذكر الزمخشري أن قوله:{ويذكروا اسم الله} إلخ كناية عن الذبح والنحر ويبعده أن في الكلام عناية خاصة بذكر اسمه تعالى بالخصوص والعناية في الكناية متعلقة بالمكني عنه دون نفس الكناية، ويظهر من بعضهم أن المراد مطلق ذكر اسم الله في أيام الحج وهو كما ترى.

وقوله:{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} البائس من البؤس وهو شدة الضر والحاجة، والذي اشتمل عليه الكلام حكم ترخيصي إلزامي.

قوله تعالى:{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} التفث شعث البدن، وقضاء التفث إزالة ما طرأ بالإحرام من الشعث بتقليم الأظفار وأخذ الشعر ونحوذلك وهو كناية عن الخروج من الإحرام.

والمراد بقوله:{وليوفوا نذورهم} إتمام ما لزمهم بنذر أو نحوه، وبقوله:{وليطوفوا بالبيت العتيق} طواف النساء على ما في تفسير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فإن الخروج من الإحرام يحلل له كل ما حرم به إلا النساء فتحل بطواف النساء وهو آخر العمل.

والبيت العتيق هو الكعبة المشرفة سميت به لقدمه فإنه أول بيت بني لعبادة الله كما قال تعالى:{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين:} آل عمران: 96، وقد مضى على هذا البيت اليوم زهاء أربعة آلاف سنة وهو معمور وكان له يوم نزول الآيات أكثر من ألفين وخمسمائة سنة.

____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص299-302.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الدّعوة العامّة للحجّ!

تناولت الآية السابقة قضيّة المسجد الحرام وحجّاج بيت الله، أمّا هذه الآيات فتستعرض بناء الكعبة على يد إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ووجوب الحجّ وفلسفته، وبعض أحكام هذه العبادة الجليلة. وبتعبير آخر: كانت الآية السابقة مقدّمة للأبحاث المختلفة التي تناولتها الآيات اللاحقة، إذ بدأت بقصّة تجديد بناء الكعبة: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} أي تذكّر كيف أعددنا لإبراهيم مكان الكعبة ليقوم ببنائها.

وكلمة «بوّأ» مشتقة من بواء، أي الأرض المسطّحة، ثمّ أطلقت على إعداد المكان مطلقاً.

وتقصد هذه الآية حسبما يراه المفسّرون أنّ الله هدى إبراهيم (عليه السلام) إلى مكان الكعبة بعد أن هدمت بطوفان نوح وخفيت معالمها. إذ حدثت عاصفة فأزالت التراب وكشفت عن اُسس البيت، أو بعث الله سحابة ظلّلت مكان البيت، أو بأيّ أُسلوب آخر كشف الله لإبراهيم (عليه السلام) أسّس الكعبة، فقام هو وإبنه إسماعيل (عليهما السلام)بتجديد بناء بيت الله الحرام(2).

وتضيف الآية الكريمة أنّه عندما تمّ بناء البيت خوطب إبراهيم(عليه السلام): { أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(3).

فمهمّة إبراهيم (عليه السلام) كانت تطهير البيت وما حوله من أي نجس ظاهر أو باطن، ومن أي صنم أو مظهر للشرك، من أجل أن يوجّه عباد الرحمن قلوبهم وأبصارهم إليه تعالى وحده في هذا المكان الطاهر، وليقوموا بأهمّ العبادات في هذه البقعة المباركة، ألا وهو الطواف والصلاة في محيط إيمانيّ لا يخالطه شرك.

وأشارت الآية أيضاً إلى ثلاثة من الأركان الأساسيّة في الصلاة: القيام، والركوع، والسجود، بالترتيب، لأنّ الأركان الباقية تستظلّ بها، على الرغم من قول بعض المفسّرين: إنّ «القائمين» تعني هنا المقيمين بمكّة، ومع ملاحظة مسألة الطواف والركوع والسجود التي جاءت قبل كلمة القائمين وبعدها يتّضح لنا أنّ القيام هنا يعني قيام الصلاة وقد إختار هذا المعنى عدد كبير من مفسّري الشيعة والسنّة أو نقلوه باعتباره تفسير لها(4).

وكلمتا «ركّع» وهي جمع للراكع، و «السجود» وهي جمع ساجد، لم يرد بينهما واو العطف، بل ذكرتا وصفاً لتقارب هاتان العبادتان.

وبعد إعداد البيت للعبادة، أمر الله تعالى إبراهيم (عليه السلام): { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

كلمة «أذّن» مشتقة من «الأذان» أي «الإعلان». و «رجال» جمع «راجل» أي «ماشي». و «الضامر» تعني الحيوان الضعيف. و «الفجّ» في الأصل تعني المسافة بين جبلين، ثمّ أطلقت على الطرق الواسعة و «العميق» تعني هنا «البعيد».

جاء في حديث رواه علي بن إبراهيم في تفسيره: عندما تسلّم إبراهيم (عليه السلام)هذا الأمر الربّاني قال: إنّ أذاني لا يصل إلى أسماع الناس، فأجابه سبحانه وتعالى (عليك الأذان وعليّ البلاغ)! فصعد إبراهيم (عليه السلام) موضع المقام ووضع إصبعيه في اُذنيه وقال: ياأيّها الناس كتب عليكم الحجّ إلى البيت العتيق فأجيبوا ربّكم. وأبلغ الله عزّوجلّ نداءه أسماع جميع الناس حتّى الذين في أصلاب آبائهم وأرحام اُمّهاتهم، فردّوا: لبّيك اللهمّ لبّيك! وإنّ جميع الذين يشاركون في مراسم الحجّ منذ ذلك اليوم وحتّى يوم القيامة، هم من الذين لبّوا دعوة إبراهيم (عليه السلام)(5).

وقد ذكرت الآية هنا الحجّاج المشاة أوّلا، ثمّ الراكبين، لأنّهم أفضل منزلة عند الله، بسب ما يتحمّلون من صعاب السفر أكثر من غيرهم، ولهذا السبب قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «للحاج الراكب بكلّ خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة، وللحاج الماشي بكلّ خطوة يخطوها سبعمائة حسنة»(6).

أو أنّ هذه المنزلة جاءت لتحديد أهميّة حجّ بيت الله الحرام، الذي يجب أن يتمّ بأي اُسلوب وبأيّة إمكانات. وأن لا ينتظر الحاج مركباً له.

أمّا عبارة «ضامر» فتعني الحيوان الضعيف، إشارةً إلى أنّ هذا الطريق يجعل الحيوان هزيلا، لأنّه يجتاز صحاري جافةً محرقة لا زرع فيها ولا ماء، وإستعداداً لتحمل الصعاب في هذا الطريق.

أو يكون المراد أنّ على الحاج إختيار جواد قوي سريع صابر، رشيق ضامر، متدرّب على السير في مثل هذه الطرق، ولا فائدة ترجى من الحيوان المنعم في هذا الطريق. (مثلما لا يمكن للرجال المترفين إجتياز هذا الطريق).

أمّا عبارة {من كلّ فج عميق} فهي إشارة إلى توجّه الحجاج إلى الكعبة، ليس فقط من الأماكن القريبة، بل يشمل ذلك الحجّاج من الأماكن البعيدة أيضاً. كلمة «كلّ» لا تعني هنا الإستغراق والشمول، بل الكثرة.

ويذكر المفسّر المشهور أبو الفتوح الرازي في تفسيره لهذه الآية حياة مثيرة لرجل يدعى «أبو القاسم بشر بن محمّد» فيقول: رأيت حين الطواف شيخاً هزيلا بدت عليه آثار السفر، ورسم التعب علائمه على جبينه. تقدّمت إليه وسألته من أين أنت؟ أجاب: من فجّ عميق طال قطعه خمسة أعوام! فأصبحت شيخاً هزيلا من شدّة تعب السفر وآلامه، فقلت: والله لهي مشقّة، إلاّ أنّها طاعة خالصة وحبّ عميق لله تعالى.

فسّره ذلك ثمّ أنشد:

زر من هويت وإن شطّت بك الدار                وحال من دونه حجب وأستار!

لا يمنعنّك بُعد من زيارته                          إنّ المحبّ لمن يهواه زوّار!(7)

حقّاً إنّ جاذبية بيت الله هي بدرجة تجعل القلوب الطافحة بالإيمان تهوى إليه من جميع الأنحاء، قربت أم بعدت، تجذب الشاب والشيخ والصغير والكبير، من كلّ اُمّة ومكان، بعيداً أم قريباً، الكل يلبّون الله يأتونه عشّاقاً ليروا مظاهر ذات الله الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم، ويشعروا برحمته التي لا حدود لها من أعماق وجودهم(8).

وتناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت: { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}. أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة، ليروا منافع لهم باُم أعينهم.

وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان، إلاّ أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية، وكلّ عائد فردي وإجتماعي وفلسفة سياسيّة وإقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهوداً على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم!

وعلى هذا ذكر في كتاب الكافي حديثاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) في الردّ على إستفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ...: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: «الكل»(9).

وسنتناول بإسهاب شرح هذه المنافع في ملاحظاتنا على هذه الآية إن شاء الله.

ثمّ تضيف الآية: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} أي أنّه على المسلمين أن يحجّوا إلى البيت ويقدّموا القرابين من المواشي التي رزقهم الله، وأن يذكروا اسم الله عليها حين الذبح في أيّام محدّدة معروفة. وبما أنّ الإهتمام الأساس في مراسم الحجّ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة، تُقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاُضحية فقط، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الاُضحية، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان، كما أنّ الإستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه.

وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزاً لإعلان الحاج إستعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله، على نحو ما ذكر من قصّة إبراهيم (عليه السلام) ومحاولة التضحية بإبنه إسماعيل (عليه السلام). إنّ الحجّاج بعملهم هذا يعلنون إستعدادهم للإيثار والتضحية في سبيل الله حتّى بأنفسهم.

وعلى كلّ حال فإنّ القرآن بهذا الكلام ينفي اُسلوب المشركين الذين كانوا يذكرون أسماء الأصنام التي يعبدونها على أضاحيهم، ليحيلوا هذه المراسم التوحيديّة إلى شرك بالله. وجاء في ختام الآية: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.

كما يمكن أنّ تفسّر هذه الآية بأنّ القصد من ذكر اسم الله في (أيّام معلومات)هو التكبير والحمد لله ربّ العالمين لما أنعم علينا من نِعَم لا تعدّ ولا تحصى. خاصةً بما رزقنا من بهيمة الأنعام التي نستفيد في حياتنا من جميع أجزاء أبدانها(10).

تتابع هذه الآيات البحث السابق عن مناسك الحجّ مشيرةً إلى جانب آخر من هذه المناسك، فتقول أوّلا: { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أي ليطّهروا أجسامهم من الأوساخ والتلوّث، ثمّ ليوفوا ما عليهم من نذور. و { لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي يطوفوا بذلك البيت الذي صانه الله عن المصائب والكوارث وحرّره.

وكلمة «تفث» تعني ـ كما قال كبار اللغويين والمفسّرين ـ القذارة وما يلتصق بالجسم وزوائده كالأظافر والشعر. ويقول البعض: إنّ أصلها يعني القذارة التي تحت الأظافر وأمثالها(11). ورغم إنكار بعض اللغويين لوجود مثل هذا الإشتقاق في اللغة العربية، إلاّ أنّ الراغب الاصفهاني نقل كلام بدويّ قاله بحقّ أحد الأشخاص القذرين: «ما أتفثك وأدرنك» دليلا على عربية هذه الكلمة ووجود إشتقاق لها في اللغة العربية.

وقد فسّرت {ليقضوا تفثهم} في الأحاديث الإسلامية بتقليم الأظافر وتطهير البدن ونزع الإحرام. وبتعبير آخر: تشير هذه العبارة إلى برنامج «التقصير» الذي يعدّ من مناسك الحجّ. وجاء في أحاديث إسلامية أُخرى بمعنى حلاقة الرأس التي تعتبر أحد أساليب «التقصير».

كما جاء في «كنز العرفان» حديث رواه ابن عبّاس في تفسير هذه الآية: «القصد إنجاز مشاعر الحجّ كلّها»(12) إلاّ أنّه لا سند لدينا لحديث ابن عبّاس هذا.

والذي يلفت النظر في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه فسّر عبارة {ليقضوا تفثهم} بلقاء الإمام، وعندما سأله الراوي عبدالله بن سنان عن توضيح لهذه المسألة قال: «إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً»(13).

وهذا الحديث ربّما كان إشارة إلى ملاحظة تستحقّ الإهتمام. وهي أنّ حجّاج بيت الله الحرام يتطهّرون عقب مناسك الحجّ ليزيلوا الأوساخ عن أبدانهم، فعليهم أن يطهّروا أرواحهم أيضاً بلقاء الإمام (عليه السلام)، خاصّةً وأنّ الخلفاء الجبابرة كانوا يمنعون لقاء المسلمين لإمامهم في الظروف العادية. لهذا تكون أيّام الحجّ خير فرصة للقاء الإمام، وبهذا المعنى نقرأ حديثاً للإمام الباقر (عليه السلام) قال فيه: «تمام الحجّ لقاء الإمام»(14).

وكلاهما ـ في الحقيقة ـ تطهير، أحدهما تطهير لظاهر البدن من القذارة والأوساخ، والآخر تطهير باطني من الجهل والمفاسد الأخلاقية.

أمّا «الوفاء بالنذر» فيعني أنّ كثيراً من الناس ينذرون تقديم أضاحي إضافيّة في الحجّ، أو التصدّق بمال، أو القيام بعمل خيري في أيّام الحجّ، ولكنّهم ينسون ويغفلون عن كلّ ذلك عند وصولهم إلى مكّة، لهذا أكّد القرآن عليهم الوفاء بالنذور، وإلاّ يقصّروا في ذلك(15).

أمّا لماذا سمّيت الكعبة بالبيت العتيق؟

«العتيق» مشتقّة من «العتق» أي التحرّر من قيود العبودية، وربّما كان ذلك لأنّ الكعبة تحرّرت من قيود ملكية عباد الله، ولم يكن لها مالك إلاّ الله، كما حرّرت من قيد سيطرة الجبابرة كإبرهة.

ومن معاني «العتيق» أيضاً الشيء الكريم الثمين، وهذا المعنى يتجسّد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الاُخرى للعتيق «القديم» يقول الراغب الاصفهاني: العتيق المتقدّم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضاً واضح بالنسبة للكعبة، فهي أقدم مكان يوحّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن {إنّ أوّل بيت وضع للناس}(ال عمران،96)وعلى كلّ حال فلا مانع من إطلاق العتيق على بيت الله بعد ملاحظة ما تتضمنّه هذه الكلمة من معان، أشار كلّ مفسّر إلى جانب منها. أو ذكرت الأحاديث المختلفة جوانب أُخرى من معانيها.

أمّا المراد من «الطواف» الوارد في آخر الآية المذكور أعلاه فهناك بحث بين المفسّرين (هناك طوافان ـ بعد مراسم عيد الأضحى في منى ـ على الحجّاج أن يقوموا بهما، الطواف الأوّل يدعى «طواف الزيارة»، والثّاني «طواف النساء»).

يرى بعض الفقهاء والمفسّرين أنّ مفهوم الطواف عام هنا، لأنّ الآية لم تتضمّن قيوداً أو شرطاً ما، فهي تضمّ طواف الحجّ وطواف النساء، حتّى أنّها تشمل طواف العمرة أيضاً(16).

في وقت يرى مفسّرون آخرون أنّ الآية تقصد طواف الزيارة فقط، الذي يجب على الحاج بعد إحلاله من إحرام الحجّ(17).

إلاّ أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تفيد أنّ القصد هنا طواف النساء، ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير (وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) قال: «طواف النساء»(18).

كما روي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) حديث بهذا المعنى(19).

وهذا الطواف يسمّى عند أهل السنّة طواف الوداع.

ومع ملاحظة هذه الأحاديث يبدو التّفسير الأخير هو الأقوى، خاصّةً إذا عبّر بهذا المعنى أيضاً في تفسير {ثمّ ليقضوا تفثهم}. حيث يجب إضافة إلى تطهير البدن من القذارة والشعر الزائد، إستعمال العطر أيضاً. ومن المعلوم أنّه لا يجوز إستعمال العطور في الحجّ إلاّ بعد إتمام الطواف والسعي، أو عندما لا يكون طواف بذمّة الحاج إلاّ طواف النساء.

_______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص386-400.

2ـ يراجع للإطلاع على كيفية بناء الكعبة تفسير الآية (127) من سورة البقرة. كما تناولنا ذلك بشرح مسهب في تفسير الآية (96) من سورة آل عمران.

3ـ في هذه الآية جملة محذوفة تقديرها «أوحينا» وقد أشار إلى ذلك عدد كبير من المفسّرين.

4ـ يراجع تفسير الآية موضع البحث في تفاسير الميزان، وفي ظلال القرآن، والتبيان، ومجمع البيان، والتّفسير الكبير للفخر الرازي.

5ـ بتلخيص، عن تفسير علي بن إبراهيم حسبما نقله تفسير نور الثقلين، المجلّد الثّالث، 488. والآلوسي في روح المعاني، والفخر الرازي، في التّفسير الكبير في تفسير الآية موضع البحث مع بعض الفارق.

6ـ تفسير «روح المعاني»، و «مجمع البيان»، و «الفخر الرازي».

7- تفسير روح الجنان،ذيل الأية مورد البحث.

8ـ يقول العالم الفاضل العلاّمة الشعراني (رضي الله عنه): إنّ ذلك ليس عجيباً بالنسبة للذين يأتون إلى مكّة من الاندلس أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمناً طويلا يصل إلى عدّة أشهر نظراً لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك وإفتقاد الطرق للأمن (إضافةً إلى ذلك كان البعض من المتولّهين ببيت الله يتعرّضون إلى السرقة في الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).

9ـ تفسير نور الثقلين، المجلّد الثّالث، الصفحة 488 نقلا عن كتاب الكافي.

10ـ في التّفسير الأوّل (أي ذكر اسم الله على الاُضحية) تكون «على» هنا للإستعلاء، أمّا في التّفسير الثّاني (أي الذكر المطلق لاسم الله تعالى في هذه الأيّام) فإنّ «على» تعني «من أجل» فالفرق بين هذين التّفسيرين كبير، سنشير إليه في الملاحظات.

11ـ عن قاموس اللغة، ومفردات الراغب الاصفهاني، وكنز العرفان، وتفسير مجمع البيان، وتفاسير أُخرى.

12ـ كنز العرفان، المجلّد الأوّل، ص270.

13ـ نور الثقلين، المجلّد الثّالث، صفحة 492.

14ـ وسائل الشيعة المجلّد، العاشر، الصفحة 255 (أبواب المزار الباب الثّاني الحديث الثّاني عشر).

15ـ إحتمل بعض المفسّرين القصد من النذور القيام بمشاعر الحجّ، إلاّ أنّه بمراجعة حالات إستعمال كلمة النذر في القرآن المجيد، يتّضح لنا أنّه يقصد المعنى المتداول من كلمة النذر، لهذا فإنّ إستخدامها في مناسك الحجّ دون دليل، خلافاً لمعناها الظاهر.

16- كنز العرفان، المجلّد الأوّل، ص271.

17ـ تفسير مجمع البيان ،ج7،ص82،نقلها في تفسير الأية مورد البحث عن بعض المفسرين لم يذكر أسمائهم..

18ـ وسائل الشيعة،ج9،ص390، (أبواب الطواف 2).

19-المصدر السابق.

 

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .