المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

العمر الملائم لتلقيح العجلات لأول مرة
18-5-2016
Ruth Moufang
9-11-2017
آلية إجراء السؤال البرلماني
23-4-2022
لماذا يعد الضوء الذي تنتجه الحشرات ضوءا منفردا ومميزا؟
16-2-2021
المشوهات Teratogens
11-6-2020
Sodium Chemical Properties
24-10-2018


إقتضاء النهي للفساد وعدمه  
  
1764   07:17 صباحاً   التاريخ: 7-6-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏1، ص: 236
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

وقبل الخوض في المقصود نقدّم امورا.

 

الأوّل: قد مرّ في المبحث المتقدّم بيان الفرق بينه وبين هذا المبحث وأنّه يفترق عن هذا المبحث سؤالا وجوابا بأنّ المسئول عنه هناك أنّه هل يمكن إبقاء الأمر والنهي المتعلّقين بعنوانين مجتمعين في وجود واحد، أو لا بدّ عقلا من تقييد أحدهما، وهنا أنّ التحريم هل هو ملازم للفساد أولا.

وموردا بأنّه لو كان بين العنوانين عموم وخصوص مطلقا مفهوما وخارجا يجري فيهما هذا النزاع دون النزاع المتقدّم وقد مرّ وجهه، وأمّا غير هذا المورد فالقول بالامتناع وتقييد جانب الأمر بجعله من مبادي هذا النزاع، وأمّا على القول بالجواز فلم يتعلّق نهي بالعبادة أصلا.

الثاني: أنّ هذا النزاع هل هو عقلي او لفظي؟ الظاهر الأوّل؛ إذ لا إشكال في أنّ هذا النزاع ليس راجعا إلى أنّ معنى النهي المتعلّق بالعبادة أو المعاملة هل هو الإرشاد إلى الفساد أو التحريم، بل هو راجع إلى أنّ التحريم التكليفي سواء كان مستفادا من اللفظ أو من غيره ملازم للفساد أولا؟ ويشهد لذلك ظاهر الكلمات والعنوانات.

أمّا الأوّل، فلأنّ استدلالهم على الفساد في العبادات بأنّ الوجود المبعّد لا يمكن أن يكون مقرّبا ظاهر في كون النزاع في أمر عقلي لا لفظي، ومن هذا السنخ أيضا استدلالاتهم في جانب المعاملات، وأمّا الثاني فلأنّ تقرير العنوان بأنّ النهي هل هو موجب للفساد أو لا، ظاهر في ذلك؛ إذ الموجب بمعنى العلّة، ولا يقال: إنّ اللفظ علّة لمعناه، بل يقال: إنّه دالّ عليه، فلو كان النزاع في أمر لفظي لكان حقّ العبارة في العنوان أن يقال: هل النهي دالّ على الفساد أولا، فمعنى العبارة المذكورة أنّ العنوان من حيث نفسه تام لا مانع فيه بحيث لو لا المانعيّة من قبل النهي كان صحيحا بلا كلام، فليس حاله حال الصلاة في اللباس النجس أو في جزء غير المأكول اللحم، حيث إنّها في حدّ نفسها فاسدة، فالنهي فيها دالّ على الفساد ولا علّة له.

وأمّا مجرّد وجود القائل بإنكار الملازمة عقلا وإثبات الدلالة الالتزاميّة لفظا في المعاملات فلا يوجب كون النزاع في أمر لفظي، بل لا بدّ من إبطال هذا القول كما أبطلنا القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا في المبحث المتقدّم.

الثالث: ربّما يقال بتعميم ملاك النزاع للنهي التحريمي والتنزيهي والنفسي والغيري والأصلي والتبعي، والمراد بالأصلي ما كان مدلولا بالدلالة الاستقلالية المطابقيّة، وبالتبعي ما كان مدلولا بتبع الدلالة على شي‏ء آخر كما يستفاد من قوله:

انصب السلّم، مطلوبيّة الكون على السطح انتقالا من المعلول إلى العلّة.

أقول: الحقّ عدم كون التنزيهي محلّا للنزاع، ووجهه أنّ المفروض كون العنوان من حيث الذات مشتملا على المصلحة الوجوبيّة المانعة من النقيض، وهذه المصلحة لا تزاحمها إلّا المفسدة التحريميّة المانعة من النقيض أيضا، لا المفسدة الكراهيّة الغير المانعة عنه المشوبة بالرخصة في الفعل؛ فإنّ هذه لا يعقل أن تصير مزاحمة للجهة الوجوبيّة ومسقطة لها عن التأثير.

وبعبارة اخرى: الجهة الكراهيّة تقتضي كون الفعل خلاف الأولى وهو غير مناف للعباديّة، وإنّما المنافي لها كونه معصية، ولهذا تراهم يسمّون العبادات التي تعلّق بها النهي التنزيهي بالعبادات المكروهة؛ فإنّ معنى ذلك أنّها صحيحة، غاية الأمر كونها أقلّ ثوابا، ولم يعهد القول بفسادها من أحد حتّى من القائلين بأنّ النهي في العبادات موجب للفساد، فهذا دليل على خروج النهي التنزيهي عن تحت هذا النزاع.

وأمّا النهي النفسي التبعي فلا إشكال في دخوله في حريم النزاع كالأصلي بلا فرق، وكذا الغيري أصليّا كان أو تبعيّا، وإن كان ربّما يتوّهم خروجه استنادا إلى أنّه لا عقاب على مخالفة مقدّمات الواجب وأنّها لا توجب البعد عن ساحة المولى، فمبغوضيّتها غير مؤثّرة، فليست بمانعة عن العباديّة.

و لكنّه مندفع بأنّ مقدّمة الواجب وإن كان لا يوجب مخالفتها عقابا مستقلا عليها بمعنى أنّه لو كان لواجب مقدّمات عديدة، فترك تلك المقدّمات لا يوجب عقابات متعدّدة بعددها، إلّا أنّه لا شبهة في إيجابها العقاب والبعد عن ساحة المولى من جهة ترك ذيها.

وبعبارة اخرى: لا شكّ في اتّصاف المقدّمة باللابديّة العقليّة؛ إذ معنى المقدّميّة ذلك، فيكون ترك ذيها مسبّبا عن تركها، فيكون ترتّب العقاب والبعد على ترك ذي المقدّمة معلولا في الحقيقة لترك المقدّمة، وما هو علّة لترتّب العقاب والبعد ولو على غيره يكون اختياره قبيحا لا محالة، فيكون الحسن الفاعلي المعتبر في العبادة منتفيا فيه، فلهذا يمتنع عباديّة الفعل الذي يكون تركه مقدّمة لواجب.

ومن هنا ظهر أنّ جريان ملاك النزاع في المقدّمة التي تكون علّة للحرام غير مبنيّ على القول بوجوب مقدّمة الواجب، بل يجري ولو على القول بعدم وجوبها، وذلك لما عرفت من كفاية المقدّميّة واللابدّية العقليّة في ذلك، فمن قال في مبحث الضّد بعدم الاقتضاء لا لمنع مقدّميّة ترك الضدّ لفعل ضدّه بل لمنع الوجوب مع تسليم المقدّميّة كان له أن يقول بفساد الضدّ لو كان عبادة، فيشترك هذا القول مع القول بالاقتضاء نتيجة.

الرابع: لا إشكال في أنّ المراد بالعبادة في المقام ليس ما يكون عبادة فعليّة تامّة من جميع الجهات؛ ضرورة عدم إمكان وقوعه متعلّقا للنهي وإن كان الظاهر من المحكيّ أبي حنيفة من القول بإيجاب النهي في العبادة للصّحة ذلك، بل المراد- على ما عرفت من أنّ النزاع إنّما هو في ثبوت العليّة والملازمة العقليّة بين النهي والفساد حتّى باعتراف من يجعل النزاع في الدلالة اللفظيّة الالتزاميّة كصاحب الكفاية- هو ما يكون اقتضاء العباديّة والقرب فيه في حدّ ذاته ولو لا النهي تامّا حتى ينحصر الكلام فيه في أنّه هل يحدث من جهة النهي مانع من عباديّة هذا الذي يكون في حدّ ذاته تامّا في اقتضاء العباديّة أولا.

وأمّا ما ليس كذلك بأن كانت المصلحة العباديّة مقيّدة بغيره وقاصرة عن أن تشمله كما في الصلاة في اللباس النجس أو في جزء غير المأكول فليس محلا لهذا الكلام؛ لعدم استناد الفساد فيه إلى النهي، بل إلى قصور المصلحة.

ومن هنا ظهر ما فيما ذكر في الكفاية ممّا حاصله: أنّ المراد بالعبادة هنا إمّا ما يكون عبادة في ذاته، أو ما لو تعلّق الأمر به كان أمره تعبّديا لا توصّليّا، ومثّل له‏ بصوم العيدين؛ فإنّ الأخير بإطلاقه غير صحيح، وإنّما يصحّ مع التقييد بإحراز وجود المصلحة، فصوم العيدين إنّما يصحّ جعله من محلّ الكلام لو استفيد من دليل حرمته مجرّد الحرمة لا هي مع تقييد المصلحة بغير هذا الصوم، وكذا الكلام في صوم الحائض وصلاتها على القول بحرمتهما الذاتية، ومجرّد تسميتهما بالصوم والصلاة لا يوجب كونهما من محلّ الكلام مطلقا.

وبالجملة، فحال هذا المبحث حال المبحث المتقدّم في لزوم إحراز وجود المقتضي في نفس العنوان، وبعد إحرازه يقع الكلام هناك في إمكان بقاء الحكمين الفعليّين وعدمه، وهنا في منافاة التحريم للصّحة والعباديّة وعدمها.

الخامس: من الواضح أنّ النزاع في أنّ النهي في العبادة أو المعاملة موجب لفسادهما أولا إنّما هو فيما إذا كان طروّ الفساد ممكنا بأن يتّصف العمل بالصحّة تارة وبالفساد اخرى، فما لا يمكن فيه طروّ الفساد ولا ينفكّ عن أثر لكونه علّة تامّة له لا يجري فيه هذا النزاع.

السادس: صحّة كلّ موضوع وفساده عبارتان عن تماميّته وعدم تماميته بلحاظ الأغراض المتعلّقة به والفوائد المنظورة منه، فتماميته بحسب الأجزاء والقيود مستلزم لترتّب الفوائد وعدم تماميته مستلزم لعدم ترتبها فكلّ منهما أمر وحداني في جميع الموارد وهو التماميّة أو عدمها بلحاظ الأثر المنظور إليه.

نعم يتّصف العمل الواحد بالتماميّة بملاحظة أثر وبعدمها بملاحظة آخر، وكذا يختلف حاله باختلاف الأنظار، واختلاف الفقيه والمتكلّم في تفسير الصحّة في العبادة من هذا القبيل وليس من باب الاختلاف في المفهوم؛ فإنّ نظر الأوّل في باب العبادة مقصور على سقوط الإعادة والقضاء ووجوبهما، ونظر الثاني على حصول المثوبة والقرب للعبد، وكلاهما لازم تماميّة العبادة، فعبّر كلّ منهما بالصحّة عن لازمها المنظور إليه، غاية الأمر أنّ هذا اللازم يختلف باختلاف نظرهما.

وكذا قد يختلف حال العمل الواحد من حيث الصحّة والفساد باختلاف الملاحظات، مثلا لو بنينا على عدم إجزاء موافقة الأمر الظاهري عن الواقعي وقام‏ أمارة على عدم وجوب السورة وكون الصلاة مركّبة من تسعة أجزاء- مثلا- وكانت السورة في الواقع واجبة والصلاة مركّبة من عشرة أجزاء، فأتى المكلّف بالصلاة بدون السورة لقيام الأمارة المذكورة عنده، فيكون هذا العمل بملاحظة الأمر الظاهري ما دام موضوعه- وهو الجهل بالواقع- باقيا تامّا مسقطا للإعادة والقضاء في قبال كون الإتيان بثمانية من الأجزاء ناقصا موجبا لهما، وهذا العمل بملاحظة الأمر الواقعي ناقص؛ ولهذا عند ارتفاع الجهل يجب الإعادة والقضاء.

ثمّ إنّ كلّا من الصحّة والفساد أمر وحداني اعتباري في جميع الموارد، بمعنى أنّه ليس في الخارج ما وراء عشرة أجزاء مثلا شي‏ء آخر يكون بحذاء التماميّة أو المنشئيّة للأثر أو بحذاء عدم التماميّة أو عدم المنشئيّة للأثر، من غير فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات وإن فرّق بينهما في الكفاية ردّا على من جعل الصحّة والفساد اعتباريين بقول مطلق بما حاصله: أنّ الصحّة في العبادات بالنسبة إلى الكليّات مختلفة، فيكون انتزاعيّة بمعنى موافقة الأمر، وعقليّة بمعنى سقوط الإعادة والقضاء في المأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي؛ لكونه حكما يستقلّ به العقل كسائر الأحكام العقليّة، وجعليّة بمعنى سقوطها في المأمور به بالأمر الظاهري، فإنّه على القول بعدم الإجزاء في الأوامر الظاهريّة عند تبيّن الخلاف على حسب القاعدة مع تصوير إجزائها حينئذ أيضا بأن يكون الإتيان بالناقص موجبا لسقوط الفاعل عن قابليّة تدارك المصلحة الفائتة يكون سقوط الإعادة والقضاء في هذه الأوامر عند تبيّن الخلاف حكما شرعيّا، بمعنى كون بيانه من وظيفة الشرع كسائر الأحكام الشرعيّة.

وبالنسبة إلى الجزئيّات يكون من باب انطباق الكليّات عليها نظير اتّصاف أفراد الواجب بالوجوب؛ فإنّه ليس بالجعل، بل من باب انطباق عنوان الواجب عليها، وفي المعاملات بالنسبة إلى الكلّيات جعليّة دائما؛ لاحتياجها إلى إمضاء الشرع؛ إذ لولاه لم يترتّب الأثر لأصالة الفساد، وبالنسبة إلى الجزئيّات يكون من باب الانطباق.

ولكنّه مخدوش، أمّا في العبادات، فلما عرفت من أنّ الصحّة بمعنى التماميّة بلحاظ الأثر المرغوب أمر وحداني لا يختلف باختلاف الموارد، وهو قدّس سرّه أيضا معترف بذلك في صدر هذا البحث، وما ذكره هنا متّجه بالنسبة إلى آثار التماميّة ولوازمها لا بالنسبة إلى نفسها، فيصحّ القول باعتباريّة الصحّة والفساد بقول مطلق.

وأمّا المأمور به بالأمر الظاهري فلا يتّصف على القول المذكور عند تبيّن الخلاف بالتماميّة حتى يقال بكونها مجعولة، غاية الأمر كونه مسقطا للإعادة والقضاء، فسقوطهما لا يكون لازما مساويا للتماميّة بل أعمّ، مع أنّه لو ثبت من الشرع اتّصافه بالتماميّة في مقام نلتزم فيه بأنّ هنا مصلحتين إحداهما أدنى والاخرى أقصى، فاتّصاف العمل الناقص بالتماميّة بلحاظ الأدنى، وبعدمها والإسقاط عن قابليّة التدارك بلحاظ الأقصى.

وأمّا في المعاملات فلأنّ وجه الحاجة فيها إلى إمضاء الشرع، إمّا كونه دخيلا في التأثير فإنّ الشارع مالك حقيقي فلا يقصر إمضائه عن إمضاء المالك المجازي، فكما أنّ الثاني جزء للمؤثّر فكذا الأوّل بطريق اولى، وإمّا كونه كاشفا عن السببيّة الواقعيّة بمعنى أنّ الشارع جعل اختيار الأموال بيد المالك المجازي لها، ولكن الأسباب التي تكون أسبابا بنظر العرف بعضها متلبّس بالسببيّة واقعا وبعضها غير متلبس بها كذلك، فإمضاء الشرع يرفع احتمال كون العقد من القبيل الثاني ويكشف عن كونه من الأوّل، كما أنّ تخطئته بالعكس.

فإن كان الثاني فمن الواضح أنّ إمضاء الشرع حينئذ مجرّد تصديق للعرف بمعنى أنّ ما يراه العرف سببا فهو كذلك واقعا فإنّما يحتاج إليه في مرحلة الإثبات بعد الفراغ عن ثبوت السببيّة لبعض العقود واقعا لا بجعل جاعل.

وإن كان الأوّل فإمضاء الشرع جزء متمّم للسبب، فحاله حال الإيجاب والقبول وإجازة المالك المجازي، فكما أنّ الموجب مثلا موجد لجزء السبب لا جاعل للصحّة، فكذا حال الشارع في إمضائه، فإذا تحقّق أجزاء السبب التي من جملتها إمضاء الشرع انتزع من المجموع وصف التماميّة قهرا.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الصحّة في المعاملات أيضا أمر اعتباري كما في‏ العبادات، غاية الأمر أنّها في المعاملات منتزعة عن امور جعليّة كالإيجاب والقبول، وفي العبادات عن امور واقعيّة.

السابع: متعلّق النواهي في العبادات إمّا نفسها كالنهي عن الصلاة في الحمّام، وإمّا جزئها كالنهي عن قراءة سورة العزيمة في الصلاة، وإمّا شرطها كالنهي عن لبس الحرير فيها الراجع إلى الستر المشروط به الصلاة، لا عن لبس اللباس المغصوب؛ فإنّ النهي فيه متعلّق بالغصب المتّحد مع الصلاة، وأمّا الحرير فالنهي فيه متعلّق باللبس وهو مقترن مع الأكوان الصلاتيّة لا متّحد معها.

وإمّا وصفها غير المفارق عنها كالنهي عن جهر المرأة في الصلاة عند سماع الأجنبي صوتها، بناء على كون صوتها عورة، لا عن الجهر في صلاة الظهر مثلا؛ فإنّ النهي فيه وضعي راجع إلى اشتراط الإخفات لا تكليفي، والجهر في القراءة ملازم للقراءة وإن كانت القراءة غير ملازمة له، وإمّا وصفها المفارق عنها المتّحد معها أحيانا كالنهي عن الغصبيّة المتّحدة مع الأكوان الصلاتيّة.

لا إشكال في دخول القسم الأوّل في محلّ النزاع، ولا في دخول القسم الثاني بالنسبة إلى نفس الجزء، بمعنى أنّ العزيمة في الصلاة مثلا غير مجزية عن السورة الواجبة في الصلاة، وأمّا أنّ بطلان الجزء موجب لبطلان أصل العبادة فلا؛ لإمكان الإتيان ثانيا بجزء غير محرّم فتصّح العبادة بذلك، اللّهم إلّا أن يلزم من ذلك محذور آخر كالزيادة العمديّة في الصلاة، بناء على شمول دليل الزيادة العمديّة لمثل ذلك، كما احتملوا في الريا في جزء العبادة بعد القطع ببطلان نفس الجزء كونه مبطلا لأصل العبادة لذلك.

وأمّا القسم الثالث فإن كان الشرط توصّليّا فلا ضير في كونه محرّما، وإن كان تعبّديا فالنهي موجب لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وأمّا القسم الرابع فادّعى في الكفاية امتناعه؛ إذ النهي عن الوصف يسري إلى الموصوف، فالنهي عن الجهر في القراءة في الحقيقة نهي عن القراءة الجهريّة، وهو لا يجتمع مع الأمر بالقراءة، ويمكن منعه بمنع السراية؛ لمكان التعدّد بين الوصف و الموصوف خارجا وعدم الاتّحاد المصحّح للحمل الشائع الصناعي بينهما وجودا وإن قلنا بثبوت الاتّحاد الوجودي بينهما نحو الاتّحاد الوجودي الثابت في الجسم المتّصل كماء الحوض؛ فإنّ هذا النحو من الاتّحاد غير مناف؛ لاختصاص كل بعرض من دون سراية عرضه إلى الآخر كما هو المشاهد في الجسم المتّصل، نعم كون المأمور به ملازما للمنهي عنه ممتنع؛ للزوم التكليف بما لا يطاق، وأمّا العكس فلا كما في نحن فيه.

وأمّا القسم الخامس وهو ما إذا تعلّق النهي بالوصف المفارق كغصبيّة المكان أو اللباس أو المحمول في الصلاة، فإن لم يكن الوصف المتعلّق للنهي متّحدا مع العبادة، ولا كانت العبادة علّة له كما في الصلاة في المحمول المغصوب الذي لم يوجب الحركات الصلاتية تصرّفا زائدا فيه، ولم يتحرّك بحركاتها مثل الخيط الملصق بالبدن أو اللباس، فلا وجه لسراية نهيه حينئذ إلى العبادة؛ إذ متعلّق النهي في المثال مثلا هو استصحاب المحمول وإمساكه، وهو غير متّحد مع الأكوان الصلاتية، ولا هي علّة له بل هو مقترن معها، فحاله حال النظر إلى الأجنبيّة في الصلاة.

كما أنّه لو كانت العبادة علّة للوصف فلا إشكال في تعلّق النهي بها؛ لكونها علّة للحرام، فتصير بذلك من محلّ البحث، وذلك كما في الصلاة في المحمول المغصوب الذي يتحرّك بالحركات الصلاتيّة؛ فإنّ الأكوان الصلاتيّة حينئذ يكون علّة للتصرّف في المغصوب بناء على كونها عبارة عن نفس القيام والركوع والسجود التي هي أفعال بلا واسطة للمكلّف، وأمّا بناء على كونها عبارة عن نتائج تلك الأفعال والهيئات الحاصلة منها فهي مع التصرّف في المغصوب معلولان لعلّة ثالثة وهي نفس تلك الأفعال.

وأمّا صورة إيقاع الصلاة في المكان المغصوب فتسرية النهي فيها عن الغصب إلى الصلاة ثمّ الحكم بفسادها مبتنية على طيّ مقدّمتين: احداهما من مسائل الاصول والاخرى من مسائل الفقه.

فالاولى مسألة جواز اجتماع الأمر والنهي وامتناعه، فالحكم بالتّسرية المذكورة مبتن على اختيار الامتناع في هذه المسألة؛ إذ لو جوّزنا الاجتماع فالنهي‏ متعلّق بطبيعة الغصب وهي غير طبيعة الصلاة، فيكون اجنبيّا عن النهي المتعلّق بالعبادة الذي هو موضوع لهذا البحث.

والثانية اختيار احتمال أن يكون الأكوان الصلاتيّة عبارة عن نفس القيام والركوع والسجود التي هي أفعال مضافة إلى المكلّف بلا واسطة؛ إذ على هذا الاحتمال تكون الأكوان الصلاتيّة متّحدة مع الغصب؛ فإنّ الحركة النهوضيّة- مثلا- على هذا قيام صلاتي وغصب، وهكذا، فيسري النهي عن الغصب إليها لا محالة بناء على القول بالامتناع كما هو المقدّمة الاولى.

وأمّا لو اخترنا الاحتمال الآخر فيها وهو أن يكون عبارة عن الهيئات والأطوار القائمة بالمكلّف الناشئة من القيام والركوع والسجود، والفرق بين هذا والاحتمال الأوّل أنّ الأكوان على الأوّل ملحوظة بوجود مستقلّ منحاز عن وجود المحلّ، وعلى الثاني ملحوظة بوجود مندكّ في وجود المحلّ، فهي على الثاني تكون من كيفيات المحلّ وأطواره وخصوصيّاته، فالأوّل هو بعينه ما جعله أهل المعقول مفهوما لمبدا المشتق، والثاني بعينه هو ما جعلوه مفهوما لنفس المشتق.

وكيف كان فعلى هذا يكون الأفعال المذكورة المتّحدة مع الغصب محقّقات للأكوان الصلاتية والأكوان نتائج لها، والسبب الحرام إنّما لا يجتمع مع المسبّب الواجب إذا كان السبب منحصرا فيه، وأمّا السبب غير المنحصر فلا ينافي حرمته مع وجوب المسبّب كما في ركوب الدابّة الغصبيّة في طريق الحج مع عدم الانحصار، وما نحن فيه من القبيل الثاني؛ لتمكّن المكلّف من إيجاد المحقّقات المذكورة في الأرض المباحة.

فتحصّل ممّا ذكرنا أنّا لو قلنا بالامتناع في مبحث الاجتماع لا يكفي مجرّد ذلك في الحكم بفساد الصلاة في الأرض المغصوبة، بل لا بدّ معه من إثبات مطلب آخر وهو الاتّحاد بين الغصب وأكوان الصلاة دون السببيّة والمسببيّة، وبعبارة اخرى إثبات كون الأكوان نفس الأفعال دون نتائجها.

ثمّ لو تعلّق النهي بالعبادة وعلم كونه من جهة الجزء أو الشرط أو الوصف كما لو نهى عن الصلاة المشتملة على العزيمة أو في الحرير أو في المكان المغصوب وعلم كونه لأجل أحدها، فإن كان النهي راجعا إلى أحد الامور لبّا ونسب إلى العبادة بالعرض والمجاز ومن قبيل نسبة الوصف بحال المتعلّق، كان حاله حال النهي عن أحدها، وإن كان راجعا إلى نفس العبادة حقيقة، وكان أحد الامور واسطة في الثبوت لا في العروض بأن أوجب المفسدة في نفس العبادة، كان من قبيل القسم الأوّل الذي قد مرّ أنّه من محلّ الكلام بلا كلام.

إذا عرفت هذه الامور فلنذكر الاستدلال في طرفي العبادات والمعاملات في مقامين:

المقام الأوّل في العبادات، فنقول وعلى اللّه الاتكال: هنا احتمالات في الفرق بين العبادة وغيرها بحسب التصوير الاولى.

الأوّل: أنّ العبادة ما يعتبر فيه داعي الأمر فلا يجزي بدونه بخلاف التوصّلي،

الثاني: أنّه لا يلزم في العبادة داعي الأمر بل يلزم كونها على وجه يحصل القرب الفعلي بها فلا يجزي بدونه بخلاف التوصّلي.

فعلى كلّ من هذين الاحتمالين لا إشكال في أنّ النهي موجب لفسادها؛ إذ بعد وجود النهي لا يمكن هنا وجود الأمر حتى على القول بالجواز، كما مرّ وجهه سابقا، وبعد وجود المبغوضيّة الفعليّة لا يمكن وجود الحسن الفعلي، وإن كان الجهة موجودة- كما عرفت- فلا يمكن أن يكون مقرّبا فعليّا.

الثالث: أنّه لا يلزم الداعي المذكور ولا القرب الفعلي، بل يكفي في العباديّة مجرّد التواضع والخضوع والخشوع وإظهار العبوديّة والتعظيم للمولى، وهذا غير ملازم للقرب الفعلي؛ لإمكان اجتماعه مع المانع عنه كما هو المشاهد في الموالي الظاهريّة؛ فإنّ بعض التواضعات غير موجب للقرب عندهم، فعلى هذا الاحتمال يمكن حفظ عنوان العبادة مع وجود النهي، فيكون مجزيا كالتوصّلي بمعنى كونه مسقطا للأمر المتعلّق لغيره مع كون نفسه محرّما؛ لحصول الغرض به؛ إذا الفرض عدم دخل شي‏ء في الغرض سوى عنوان التواضع، هذا في مقام التصوير.

وظاهر كلمات العلماء رضوان اللّه عليهم في باب النيّة في العبادات ثبوت الإجماع على اعتبار قصد القربة في العبادة، لا على وجه يكون المقصود نفس القربة، بل بأن يكون المقصود أحد العناوين المقرّبة، وعلى هذا أيضا يكون النهي موجبا للفساد بلا إشكال؛ إذ بعد وجود النهي والالتفات إليه لا يمكن قصد القربة.

ومن هنا ظهر أنّ النهي المتعلّق بالعبادة الفعليّة لا موضوع له على الاحتمالين الأوّلين وعلى الاحتمال الأخير وإن كان له موضوع، ولكنّه خلاف ظاهر استدلالهم على الفساد بأنّ الفعل المنهيّ عنه لا يمكن أن يكون مقرّبا، فلا بدّ من حمل لفظ العبادة في العنوان على أحد الاحتمالين الأوّلين، ومعه لا بدّ من أن يراد به ما كان عبادة لو لا النهي، وإذن فلا فرق بين أمثال السجود للّه تعالى في حقّ الحائض وبين صوم العيدين، فكما أنّ الأوّل عبادة لو لا النهي وليس بعبادة فعليّة فكذا الثاني وإن فرّق بينهما في الكفاية.

فإن قلت: إنّ الاستدلال على الفساد في العبادة بأنّ النهي يفيد التحريم الذاتي وهو مناف للصحّة والعباديّة والمقربيّة مخدوش، بأنّ المكلّف عند إتيانه بالعبادة المنهيّ عنها لا بدّ وأن يأتي بالعمل بقصد القربة حتّى يصير عبادة وداخلا في موضوع البحث، وحيث إنّ قصد القربة على وجه الحقيقة غير ممكن لمنافاته مع وجود النهي، وجب قصدها على وجه التشريع، وهو موجب لثبوت الحرمة التشريعيّة، وثبوتها موجب لانتفاء الحرمة الذاتية؛ لامتناع اجتماع المثلين.

قلت أوّلا: لا نسلّم تقوّم موضوع البحث بقصد القربة، بل الموضوع نفس العمل، فالمنهيّ عنه في حقّ الحائض هو صورة الصلاة وإن لم تأت بها بقصد القربة.

وثانيا: سلّمنا تقوّمه بذلك، ولكنّه لا منافاة بين الحرمة التشريعيّة والحرمة الذاتيّة؛ فإنّ متعلّق الاولى ما هو من فعل القلب وهو العقد والبناء على العباديّة، ومتعلّق الثانية هو الفعل الخارجي، فهذا نظير التجرّي؛ فإنّ الفعل فيه باق على ما هو عليه واقعا، والحرمة متعلّقة بسوء السريرة.

وثالثا: اللازم من اجتماع الحرمتين حصول الحرمة الواحدة المؤكّدة المستتبعة للعقاب الأشدّ، فإتيان الحرام الذاتي بانيا على حلّيته محرّم آكد من إتيانه لا كذلك، وعقاب الأوّل أشدّ من الثاني، وبالجملة، الممتنع إنّما هو اجتماع المتماثلين في موضوع واحد مع محفوظيّة تعدّدهما لا بدونها.

المقام الثاني في المعاملات، والتكلّم فيها في مقامين:

الأوّل: أنّ مقتضى القاعدة هل هو الملازمة بين حرمتها وفسادها، فالإطلاقات والعمومات مقيّدة ومخصّصة بحكم العقل، أو عدمها فلا مانع من الأخذ بها؟.

فنقول: النهي الوارد في هذا الباب إمّا متعلّق بالسبب بأن يكون إنشاء عقد البيع الفلاني مثلا حراما، أو بالمسبّب بأن يكون نفس النقل والانتقال حراما، أو بالتسبيب أي جعل فعل سببا لأمر كالملكيّة والزوجيّة ونحوهما، إمّا بمعنى عقد القلب على أنّه مؤثّر فيه، أو بمعنى تطبيق العمل الخارجي على مؤثريته والمعاملة معه معاملة السبب وترتيب الآثار على سببيّته، وبعبارة اخرى بناء العمل الخارجي على مؤثريّته نظير ما هو المراد في قوله عليه السلام: «صدّق العادل»، فهذه أربع صور لتعلّق النهي بالمعاملة.

وأمّا حكمها فربّما يقال: إنّ الصورتين الاوليين مشتركتان في أنّ النهي فيهما غير ملازم للفساد، إلّا أنّه في الاولى منهما غير مقتض لشي‏ء من الصحّة والفساد؛ لوضوح إمكان أن يكون إيجاد سبب مبغوضا، ويكون على تقدير إيجاده عصيانا مؤثّرا واقعا، كما يمكن أن يكون غير مؤثّر حينئذ.

وأمّا الثانية فالنهي فيها مضافا إلى عدم اقتضائه للفساد مقتض للصحّة؛ وذلك لأنّ النهي عن المسبّب دليل على مقدوريّته للمكلّف، ومقدوريّته ملازمة للصّحة ولا يجتمع مع الفساد كما هو واضح.

كما أنّ الصورتين الأخيرتين مشتركتان في كون النهي فيهما مقتضيا للفساد، ووجه ذلك أنّه وإن كان لا منافاة عقلا بين حرمة عقد القلب على التأثير وحرمة ترتيب الأثر الخارجي على السببيّة وبين التأثير الواقعي، إلّا أنّه يمكن دعوى ظهور كلّ من التحريمين في عدم التأثير عرفا، وكذا يمكن دعوى القطع بعدم منع الشارع‏ عن عقد القلب على أمر له النفس الأمريّة والثبوت الواقعي أو عن ترتيب الأثر الخارجي على المعاملة الصحيحة مع قطع النظر عن أمر خارجي كالجنون والسفه ونحوهما، فيكون النهي عن عقد القلب على تأثير المعاملة الخاصّة أو عن ترتيب الأثر عليها كما في قوله: «ثمن العذرة سحت» كاشفا عن فسادها أصلا وعدم تأثيرها رأسا بمقتضى الظهور والقطع المذكورين.

هذا كلّه في النهي التكليفي المفيد للتحريم، وأمّا الوضعي المرشد إلى الفساد فخارج عن محلّ الكلام، ولا يبعد دعوى ظهور النهي في العقود والإيقاعات في الإرشاد إلى الفساد.

اقول: قد مرّ سابقا أنّ وجه احتياج المعاملة إلى إمضاء الشرع إمّا كونه دخيلا في التأثير لكون الشارع مالكا حقيقيا، وإمّا كونه تصديقا للعرف بمعنى عدم خطاء نظره في رؤية السببيّة، فما ذكر إنّما يتمّ على الثاني، وأمّا على الأوّل فيمكن أن يقال:

إنّ مبغوضيّة المسبّب مستلزمة لعدم إمضاء الشرع الموجب للفساد؛ إذ بعد فرض توقّف تحقّق المسبّب على إمضاء الشرع وكون وجوده مبغوضا فلو أمضاه الشرع فقد أوجد مبغوضه.

وعلى هذا فلا يمكن تعلّق النهي بالنقل والانتقال الفعلي؛ لعدم مقدوريّته للمكلّف، فلا بدّ من إرجاع النهي المتعلّق به ظاهرا إلى النقل والانتقال لو لا عدم الإمضاء الذي هو راجع إلى السبب، نظير ما قلنا في العبادة من لزوم إرجاع نهيها عقلا إلى العبادة لو لا النهي.

وأمّا مبغوضيّة السبب فمعناها مبغوضيّة إنشاء العقد بقصد ترتّب الأثر؛ إذ معنى السبب ذلك، ولا ريب أنّ المبغوضيّة بهذا الوجه في الحقيقة راجعة إلى المسبّب، مثلا مبغوضيّة نصب السلّم بقصد ترتّب الكون على سطح الغير علّته في الحقيقة راجعة إلى مبغوضيّة نفس الكون، فيكون حال هذا القسم حال سابقه، فظهر أنّه يمكن دعوى الجزم بالفساد في السابق، وكذا في اللاحق بعد رجوعه إلى السابق، اللّهم إلّا أن يقال: إنّ للشارع حيثيتين، فمن حيث إنّه شارع يكون ناهيا، ومن حيث إنّه‏ مالك يكون مجيزا، كما أنّه قد يريد شيئا بالإرادة التشريعيّة ومن حيث إنّه شارع، ويريد خلافه بالإرادة التكوينية ومن حيث إنّه خالق، ولهذا يوجد أسباب خلافه ومقدّماته.

والثاني: أنّ النهي في المعاملة وإن قلنا بعدم ملازمته للفساد عقلا هل هو ملازم له شرعا أولا؟ فنقول: يمكن الاستدلال على الملازمة شرعا بعموم التعليل الواقع في خبر تزويج العبد بغير إذن سيّده المرويّ في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام «سأله عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذلك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما، قلت: أصلحك اللّه تعالى إنّ حكم بن عتبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد ولا يحلّ إجازة السيّد له؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجاز فهو له جائز».

فإنّ ظاهر الفقرة الأخيرة أنّ كلّ معاملة كانت معصية للّه ومخالفة للنهي التكليفي بعنوانه الأوّلي فهي غير قابلة للصّحة، وتزويج العبد وإن كان محرّما لكونه معصية السيّد، إلّا أنّ الحرمة متعلّقة بعنوان مخالفة السيّد لا بعنوان التزويج.

فإن قلت: المراد بالمعصية المنفيّة مخالفة النهي الوضعي دون التكليفي؛ إذ المراد بمعصية السيد بقرينة الصدر هو مجرّد الفعل بدون رضاه وإذنه وإمضائه، فيكون المراد بالمعصية المنفيّة أيضا بقرينة السياق هو مجرّد الفعل الذي لم يمضه اللّه ولم يشرّعه بل نهى عنه وضعيّا، بمعنى فقدانه شرطا شرعيّا، وهذا لا كلام في فساده.

قلت: حمل المعصية على مخالفة النهي الوضعي خلاف الظاهر في الغاية، بل الظاهر منها مخالفة النهي التحريمي، وأمّا عدم الإذن الواقع في صدر الرواية فمحمول على الكراهة وإطلاقه عليها شايع في العرف، أ لا ترى أنّه يقال: فلان غير راض بكذا فيما إذا كان كارها له، مع أنّ عدم الرضى أعمّ بحسب اللغة من الكراهة، وبالجملة، فإبقاء المعصية على ظاهرها ورفع اليد عن ظهور عدم الإذن فيما هو أعمّ من الكراهة أولى من العكس؛ لأقوائيّة ظهور الأوّل من الثاني، فيتمّ بذلك الاستدلال بالرواية على المطلوب.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.