المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



أحمد بن جعفر جحظة (جحظة البرمكي)  
  
4941   06:30 مساءاً   التاريخ: 10-04-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج1، ص314-337
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 2449
التاريخ: 27-09-2015 3899
التاريخ: 27-09-2015 8075
التاريخ: 4-7-2016 3408

هو أبو الحسن أحمد بن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي النديم قال أبو عبد الله الحسن بن علي بن مقلة سألت جحظة عمن لقبه بهذا اللقب فقال ابن المعتز لقيني يوما فقال لي ما حيوان إذا قلب صار آلة للبحرية فقلت علق إذا عكس صار قلعا فقال أحسنت يا جحظة فلزمني هذا اللقب، وهو من في عينيه نتو جدا وكان قبيح المنظر وكان له لقب آخر يلقبه به المعتمد وهو خنياكر وما أدري أي شيء معناه.

 كان حسن الأدب كثير الرواية للأخبار متصرفا في فنون من العلم كالنحو واللغة والنجوم مليح الشعر مقبول الألفاظ حاضر النادرة وكان طنبوريا حاذقا فيه فائقا.

 مات في شعبان سنة أربع وعشرين وثلاثمائة بجيل ومولده سنة أربع وعشرين ومائتين ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال ولجحظة من التصانيف كتب الطبيخ لطيف كتاب الطنبوريين كتاب فضائل السكباج كتاب الترنم كتاب المشاهدات كتاب ما شاهده من أمر المعتمد على الله كتاب ما جمعه مما جربه المنجمون فصح من الأحكام كتاب ديوان شعره.

 قال كان جحظة وسخا قذرا دني النفس في دينه قلة وهو القائل: [المتقارب]

 (إذا ما ظمئت إلى ريقه ... جعلت المدامة منه بديلا)

 (وأين المدامة من ريقه ... ولكن أعلل قلبا غليلا)

ومن سائر شعره قوله: [الخفيف]

 (لي صديق مغرى بقربي وشدوي ... وله عند ذاك وجه صفيق)

 (قوله إن شدوت أحسنت زدني ... وبأحسنت لا يباع الدقيق)

 حدث الخطيب قال: قال جحظة أنشدت عبيد الله بن طاهر قولي السريع

 (قد نادت الدنيا على نفسها ... لو كان في العالم من يسمع)

 (كم واثق بالعمر واثقته ... وجامع بددت ما يجمع)

 فقال لي ذنبك إلي الزمان الكمال.

 ومن شعر جحظة: [الطويل]

 (أقول لها والصبح قد لاح ضوءه ... كما لاح ضوء البارق المتألق)

 (شبيهك قد وافى ولاح افتراقنا ... فهل لك في صوت وكأس مروق)

 (فقالت شفائي في الذي قد ذكرته ... وإن كنت قد نغصته بالتفرق)

 قال جحظة صك لي بعض الملوك بصك فدافعني الجهبذ به حتى ضجرت فكتبت إليه: [الوافر]

 (إذا كانت صلاتكم رقاعا ... تخطط بالأنامل والأكف)

(ولم تكن الرقاع تجر نفعا ... فها خطي خذوه بألف ألف)

 وأنشد جحظة في أماليه: [الطويل]

 (طرقنا بزوغي حين أينع زهرها ... وفيها لعمر الله للعين منظر)

 (وكم من بهار يبهر العين حسنه ... ومن جدول بالبارد العذب يزخر)

 (ومن مستحث بالمدام كأنه ... وإن كان ذميا أمير مؤمر)

 (وفي كفه اليمنى شراب مورد ... وفي كفه اليسرى بنان معصفر)

 (شقائق تندى بالندى فكأنها ... خدود عليهن المدامع تقطر)

 (وكم ساقط سكرا يلوك لسانه ... وكم قائل هجرا وما كان يهجر)

 (وكم منشد بيتا وفيه بقية ... من العقل إلا أنه متحير)

 (فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث ضخوص كاعبان ومعصر)

 (وكم من حسان جس أوتار عوده ... فألهب نارا في الحشا تتسعر)

 (يغني وأسباب الصواب تمده ... بصوت جليل ذكره حين يذكر)

(أحن حنين الواله الطرب الذي ... ثنى شجوه بعد الغذاء التذكر)

 (جحظة إن تجزع على فقد معضر ... فقدت بهم من كان للكسر يجبر)

 (وأصبحت في قوم كأن عظامهم ... إذا جئتهم في حاجة تتكسر)

 (فصبرا جميلا إن في الصبر مقنعا ... على ما جناه الدهر والله أكبر)

 وأنشد أيضا لنفسه: [الكامل]

 (يا من بعدت عن الكرى ببعاده ... الصبر مذ غيبت عني غائب)

 (أصبحت أجحد أنني لك عاشق ... والعين مخبرة بأني كاذب)

 وأنشد أيضا لنفسه: [السريع]

 (قد قلل الإدمان أكلي فما ... أطعم زادا قيس إبهام)

 (فالحمد لله وشكرا له ... قد صرت من بائد أقوام)

 (قوم ترى أولادهم بينهم ... للجوع في حلية أيتام)

 وأنشد لنفسه: [الوافر]

 (أرى الأيام تضمن لي بخير ... ولكن بعد أيام طوال)

 (فمن ذا ضامن لدوام عمري ... إلى دهر يغير سوء حالي)

 (هي التسعون قد عطفت قناتي ... ونفرت الغواني عن وصالي)

وفيها لو عرفت الحق شغل ... عن الأمر الذي أضحى اشتغالي)

 (كأني بالنوادب قائلات ... وجسمي فوق أعناق الرجال)

 (ألا سقيا لجسمك كيف يبلى ... وذكرك في المجالس غير بالي)

 وأنشد أيضا لنفسه: [البسيط]

 (أنفق ولا تخش إقلالا فقد قسمت ... بين العباد مع الآجال أرزاق)

 (لا ينفع البخل مع دنيا مولية ... ولا يضر مع الإقبال إنفاق)

 وأنشد أيضا لنفسه: [البسيط]

 تعجبت إذ رأتني فوق مكسور ... من الحمير عقير الظهر مضرور)

 (من بعد كل أمين الرسغ معترض ... في السير تحسبه إحدى التصاوير)

 (فقلت لا تعجبي مني ومن زمن ... أنجي علي بتضييق وتقتير)

 (بل فاعجبي من كلاب قد خدمتهم ... تسعين عاما بأشعاري وطنبوري)

 (ولم يكن في تناهي حالهم بهم ... حر يعود على حالي بتغيير)

 وقيل لجحظة كيف حالك فقال كما قال الشاعر [الخفيف]

 (أي شيء رأيت أعجب من ذا ... إن تفكرت: ساعة في الزمان)

 (كل شيء من السرور بوزن ... والبلايا تكال بالقفزان)

 وأنشد جحظة لنفسه: [المنسرح]

 (الحمد لله ليس لي كاتب ... ولا على باب منزلي حاجب)

 (ولا حمار إذا عزمت على ... ركوبه قيل جحظة راكب)

(ولا قميص يكون لي بدلا ... مخافة من قميصي الذاهب)

 (وأجرة البيت فهي مقرحة ... أجفان عيني بالوابل الساكب)

 (إن زارني صاحب عزمت على ... بيع كتاب لشبعة الصاحب)

 (أصبحت في معشر تشمتهم ... فرض من الله لازب واجب)

 (فيهم صديق في عرسه عجب ... إذا تأملت أمرها عاجب)

 (تحسبها حرة وحافرها ... أرق من شعر خالد الكاتب)

 وأنشد لنفسه: [الخفيف]

 (الحمد لله لم أقل قط يا بدر ... ويا منصفا ويا كافور)

 (لا ولا قلت أين أين الشواهين ... ووزاننا وأين البدور)

 (لا ولا قيل قد أتاك من الضيعة ... بر موفر وشعير)

 (وأتاك العطاء بالند لما ... قيل لي إن في الخزين بخور)

 (أنا خلو من المماليك والأملاك ... جلد على البلا وصبور)

 (ليس إلا كسيرة وقديح ... وخليق أتت عليه الدهور)

 قال جحظة ومررت بوقاد يوقد في التنور ويغني: [مجزوء الرمل]

 (أنا أهواك نور الله ... فافعل ما بدا لك)

 (إن تكن تمنعني شخصك ... فابذل لي خيالك)

(قد أخذت الدن والطنبور ... والكلب فمالك)

 (قل لمن جنبك القموث ... من دسك والك)

 وله أيضا: [المتقارب]

 (ولي صاحب زرته للسلام ... فقابلني بالحجاب الصراح)

 (وقالوا تغيب عن داره ... لخوف غريم ملح وقاح)

 (ولو كان عن داره غائبا ... لأدخلني أهله للنكاح)

 وقال يستزير بعض إخوانه: [السريع]

 (لنا يا أخي زلة وافره ... وقدر معجلة حاضره)

 (وراح تزيل إذا صفقت ... سنا البرق في الليلة الماطره)

 (ومسمعة لم يخنها الصواب ... وزامرة أيما زامره)

 (وما شئت من خبر نادر ... ونادرة بعدها نادره)

 (فآت ولو كنت يا ابن الكرام ... وحاشك من ذاك في الآخره)

 وأنشد لنفسه أيضا: [الكامل]

 (ما زارني في الحبس من نادمته ... كأسين كأس مودة ومدام)

 (بخلوا علي وقد طلبت سلامهم ... فكأنني طالبتهم بطعام)

 وأنشد أيضا لنفسه: [الوافر]

 (وذي جدة طلبت إليه برا ... من الجلساء مذموم الخلائق)

(فأقسم أنه رجل فقير ... أرانيه المهيمن وهو صادق)

 (كأني بالمنازل عن قليل ... خلون من المطرزة النمارق)

 (وقد ظفر النساء بما تركتم ... فصار لماهر بالنيك حاذق)

 وأنشد أيضا لنفسه في أماليه: [البسيط]

 (وقائل قال لي من أنت قلت له ... مقال ذي حكمة واتت له الحكم)

 (لست الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم)

 (أنا الذي دينه إسعاف سائله ... والضر يعرفه والبؤس والعدم)

 (أنا الذي حب أهل البيت أفقره ... فالعدل مستعبر والجوز مبتسم)

 وله أيضا: [الطويل]

 (ولي كبد لا يصلح الطب سقمها ... من الوجد لا تنفك دامية حرى)

 (فيا ليت شعري والظنون كثيرة ... أيشعر بي من بت أرعى له الشعرى)

 وله أيضا: [السريع]

 (شكري لإحسانك شكر امرئ ... يستوهب الإحسان من واهبه)

 (وكيف لا أشكر من لا أرى ... في منزلي إلا الذي جاد به)

 وأنشد جحظة لنفسه في أماليه: [مجزوء الكامل]

 (حسبي ضجرت من الأدب ... ورأيته سبب العطب)

(وهجرت إعراب الكلام ... وما حفظت من الخطب)

 (ورهنت ديوان النقائض ... واسترحت من التعب)

 وله أيضا: [مجزوء الكامل]

 (لا تعجبي يا هند من ... حالي فما فيها عجب)

 (إن الزمان بمن تقدم ... في النباهة منقلب)

 (فالجهل يضطهد الحجى ... والرأس يعلوه الذنب)

 حدث غرس النعمة في كتاب الهفوات قال كان جحظة لما أسن يفسو في مجالسه فيلقى من يعاشره منه جهدا قال الحسين بن العباس وكنت أحب غناءه والكتابة عنه لما عنده من الآداب وكان يستطيب عشرتي وكنت إذا جلست عنده أخذته غلبة الريح فجئته يوما في مجلس الأدب والناس عنده وهو يملي فلما خفوا قال لي ولآخر كان معي اجلسا عندي حتى أقعدكما على أسود وأطعمكما طباهجة بكبود وأسقيكما من معتقة اليهود وأبخركما بعنبر وعود أطيب من الندود وأغنيكما غناء المسدود فقلت هذا موضع السجود وجلسنا وصديقي لا يعرف خلقه في الفساء وأنا قد أخذت الريح فوقي فوقى لنا بجميع ما ذكره وقال لنا وقد غنى وشربنا نحن بالغداة علماء وبالعشي في صورة المخنكرين فلما أخذ النبيذ منه أخذ يفسو وصديقي يغمزني ويتعجب فأقول له إن ذلك عادته وخلقه وإن سبيله أن يحتمل إلى أن غنى صوتا من الشعر والصنعة له فيه وكان يجيده: [الرمل]

 (إن بالحيرة قسا قد مجن ... فتن الرهبان فيها وافتتن)

 (ترك الإنجيل حينا للصبا ... ورأى الدنيا مجونا فركن)

قال فطرب عليه صديقي طربا شديدا واستحسنه كثيرا وأراد أن يقول له أحسنت والله يا أبا الحسن فقال له ما في نفسه يتردد من أمر الفساء افس علي يا أبا الحسن كيف شئت 1 فخجل جحظة وخجل الفتى وانصرفنا.

 وحدث الخطيب عن أبي الفرج الإصبهاني قال حدثني جحظة قال اتصلت علي إضاقة أنفقت فيها كل ما أملكه حتى بقيت ليس في داري سوى البواري فأصبحت يوما وأنا أفلس من طنبور بلا وتر كما في المثل ففكرت كيف أعمل فوقع لي أن أكتب إلى محبرة بن أبي عباد الكاتب وكنت أجاوره وكان قد ترك التصرف قبل ذلك بسنتين وحالفه النقرس فأزمنه حتى صار لا يتمكن من التصرف إلا محمولا على الأيدي أو في محفة وكان مع ذلك على غاية الظرف وكبر النفس وعظم الهمة ومواصلة الشرب والقصف فأردت أن أتطايب عليه ليدعوني فآخذ منه ما أنفقه مدة فكتبت إليه: [المجتث]

 (ماذا ترى في جدي ... وفي عقار بوارد)

 (وقهوة ذات لون ... يحكي خدود الخرائد)

 (ومسمع يتغنى ... من آل يحيى بن خالد)

 (إن المضيع لهذا ... نزر المروءة بارد)

 فما شعرت إلا بمحفة محبرة يحملها غلمانه إلى داري وأن جالس على بابي فقلت له لم جئت ومن دعاك فقال أنت فقلت إنما قلت لك ماذا  ترى فى هذا وعنيت في بيتك وما قلت لك إنه في بيتي وبيتي والله أفرغ من فؤاد أم موسى فقال الآن قد جئت ولا أرجع ولكن أدخل إليك وأستدعي من داري ما أريد قلت ذاك إليك فدخل فلم ير في بيتي إلا بارية فقال يا أبا الحسن هذا والله فقر مطيح هذا ضر مدقع ما هذا قلت هو والله ما ترى فأنفذ إلى داره فاستدعى فرشا وآلة وقماشا وغلمانا وجاء فراشوه ففرشوا ذلك وجاء وافر الصفر والشمع وغير ذلك مما يحتاج إليه وجاء طباخه بما كان في مطبخه وهو شيء كثير بآلات ذلك وجاء شرابيه بالأواني والمخروط والفاكهة وآلة التبخير والبخور وألوان الأنبذة وجلس يومه ذلك وليلته عندي يشرب على غنائي وغناء مغنية أحضرها كنت ألقنها فلما كان من الغد سلم إلى غلامه كيسا فيه ألف درهم ورزمة ثياب صحاح ومقطوعة من فاخر الثياب واستدعى محفة فجلس فيها وشيعته فلما بلغ آخر الصحن قال مكانك يا أبا الحسن احفظ بابك فكل ما في دارك لك فلا تدع أحدا يحمل منه شيئا وقال للغلمان اخرجوا فخرجوا بين يديه وأغلقت الباب على قماش بألوف كثيرة.

 وأنشد السلامي لجحظة في سعد الحاجب: [الكامل]

 (يا سعد إنك قد خدمت ثلاثة ... كل عليه منك وسم لائح)

 (وأراك تخدم رابعا لتميته ... رفقا به فالشيخ شيخ صالح)

 (يا خادم الوزراء إنك عندهم ... سعد ولكن أنت سعد الذابح)

 وحدث جحظة قال دخلت وأنا في بقايا علة على كاتب قال ابن بشران على هارون ابن عريب الخالي فقدم إلينا مضيرة عصبان فأمعنت منها فقال جعلت فداك أنت عليل وبدنك نجيل والعصب ثقيل واللبن يستحيل فقلت له والعظيم الجليل المفضل المنيل لا تركت منها كثيرا ولا قليلا وحسبنا الله ونعم الوكيل فغضب علي فضربني عشرين مقرعة فقلت: [الطويل]

 (ولي صاحب لا قدس الله روحه ... وكان من الخيرات غير قريب)

 (أكلت عصيدا عنده في مضيرة ... فيا لك من يوم علي عصيب)

 قال ودخلت إليه يوما آخر فقدم إلي لوزينجا لها أيام وقد حمضت فأخذت أمعن في أكلها فقال لي إن اللوزينج إذا كان بالجوز أبشم وإذا كان باللوز أتخم فقلت نعم يا سيدي إذا كانت لوزينجا وأما إذا كانت مصوصا فلا.

 وحدث عبد الله بن المعتز قال عربد ابن أبي العلاء على جحظة بحضرتي فأمرت بتنحية جحظة إلى أن رضي أحمد فكتب إلي جحظة: [الوافر]

 (أليس من العجائب أن مثلي ... يقام لأحمد بن أبي العلاء)

 (ولي نفس أبت إلا ارتفاعا ... فأضحت كالسماء على السماء)

 (لقد غضب الزمان على أناس ... فأبلاهم بأولاد الزناء)

 في تاريخ دمشق قال جحظة سلمت على بعض الرؤساء وكان مبخلا فلما أردت الإنصراف قال لي يا أبا الحسن إيش يقول في قطائف تأتيه ولم يكن له بذلك عادة فقلت ما آبى ذلك فأحضر لي جاما فيه قطائف قد خمت فأرجفت فيها وصادفت مني سغبة وهو ينظر إلي شزرا فقال لي يا أبا الحسن إن القطائف إذا كانت بجوز أتخمتك وإذا كانت بلوز أبشمتك قال فقلت هذا إذا كانت قطائف أما إذا كانت مصوصا فلا وعملت لوقتي هذه الأبيات [الطويل]

 (دعاني صديق لي لأكل القطائف ... فأمعنت فيها آمنا غير خائف)

 (فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه ... رويدك مهلا فهي إحدى المتالف)

 (فقلت له ما إن سمعنا بهالك ... ينادى عليه يا قتيل القطائف)

 قال عبد الله بن المعتز كتب إلى جحظة في يوم مطير انصرفت من عندك جعلني الله فداك وقد كنا عقدنا موعدا للقاء ومنعني من المصير إليك ما نحن فيه من انقطاع شريان الغمام فتفضل ببسط العذر لعبدك إن شاء الله.

 ومن شعر جحظة [الوافر]

 (وليل في جوانبه حران ... فليس لطول مدته انقضاء)

 (عدمت مطالع الإصباح فيه ... كأن الصبح جود أو وفاء)

 وله أيضا: [الطويل]

 (رحلتم فكم من أنة بعد زفرة ... مبينة للناس شوقي إليكم)

 (وقد كنت أعتقت الجفون من البكا ... فقد ردها في الرق حزني عليكم)

 وحدث أبو الفرج الإصبهاني قال دعاني محمد بن الشار يوما ودعا جحظة وأطال حبس الطعام جدا وجاع جحظة فأخذ دواة وبياضا وكتب: [السريع]

 (مالي وللشار وأولاده ... لا قدس الوالد والوالده)

 (قد حفظوا القرآن واستعملوا ... ما فيه إلا سورة المائدة)

 ورمى بها إلي فقرأتها ودفعتها إلى ابن الشار فقرأها ووثب مسرعا فقدم المائدة فقاطعه جحظة فكان يجهد جهده أن يجيئه فلا يفعل فإذا عاتبناه قال والله حتى يحفظ تلك السورة

 وله أيضا: [الطويل]

 (يطول علي الليل حتى أمله ... فأجلس والنوام في غفلة عني)

 (فلا أنا بالراضي من الدهر فعله ... ولا الدهر يرضى بالذي ناله مني)

 قال أبو علي حدثني أبو القاسم الحسين بن علي البغدادي وكان أبوه ينادم ابن الحواري ثم نادم اليزيديين بالبصرة وأقام بها سنين قال كان جحظة خفيف الدين وكان لا يصوم شهر رمضان وكان يأكل سرا فكان عند أبي يوما في شهر رمضان مسلما فأجلسته فلما كان نصف النهار سرق من الدار رغيفا ودخل المستراح وجلس على المقعدة واتفق أن دخل أبي فرآه فاستعظم ذلك وقال ما هذا يا أبا الحسن فقال أفت لبنات وردان ما يأكلون فقد رحمتهم من الجوع

 ومن شعر جحظة: [مجزوء الكامل]

 (إن كنت ترغب في الزيارة ... عند أوقات الزياره)

 (فدع الشتيمة للغلام ... إذا دنوت من الغضاره)

 ومن مطبوع شعر جحظة: [مجزوء الكامل]

 (وإذا جفاني صاحب ... لم أستجز ما عشت قطعه)

 (وتركته مثل القبور ... أزورها في كل جمعه)

 وحدث جحظة في أماليه دخلت إلى عريب المأمونية مع شروين المغني وأبي العبيس المغني وأنا يومئذ غلام علي قباء ومنطقة وأنكرتني وسألت عني فأخبرها شروين وقال لها هذا فتى من أهلك هذا ابن جعفر بن موسى بن يحيى بن خالد البرمكي وهو يغني بالطنبور فأدنتني وقربت مجلسي ودعت بطنبور وأمرتني أن أغني فغنيت أصواتا فقالت أحسنت يا بني ولتكونن مغنيا ولكن إذا حضرت بين هذين الأسدين ضعت أنت وطنبورك تعني بين عوديهما وأمرت لي بمائة دينار.

 وأنشد لنفسه في أماليه: [المتقارب]

 (دعيني من العذل أين الكبير ... بحرمة معبودك الأكبر)

 (فلست بباك على ظاعن ... ولا طلل محول مقفر)

 (ولكن بكائي على ماجد ... أراد نوالا فلم يقدر)

 وأنشد فيه لنفسه: [الوافر]

 (مرضت فلم يعدني في شكاتي ... من الإخوان ذو كرم وخير)

 (فإن مرضوا وللأيام حكم ... سينفذ في الكبير وفي الصغير)

 (غدوت على المدامة والملاهي ... وإن ماتوا حزنت على القبور)

 وأنشد فيه لنفسه: [البسيط]

 (يا راقدا ونسيم الورد منتبه ... في ربقة القفص والأطيار تنتحب)

 (الورد ضيف فلا تجهل كرامته ... وهاتها قهوة في الكاس تلتهب)

 (سقيا له زائرا تحيا النفوس به ... يجود بالوصل حينا ثم يجتنب)

(تبا لحر رآه وهو ذو جدة ... لم يقض من حقه بالشرب ما يجب)

 وقد قال جحظة: [البسيط]

 (ناديت عمرا وقد مالت بجانبه ... مدامة أخذت بالراس والقدم)

 (قد لاح في الدير نار الراهبين وقد ... ناداك بالصبح ناقوساهما فقم)

 (فقام يعثر في أثواب نعسته ... لبزل صافية كالنجم في الظلم)

 (فاستلها وشدا والكأس في يده ... سلم على الربع من سلمى بذي سلم)

 (لو دام لي في الورى خل وعاتقة ... لما حفلت بذي قربى ولا رحم)

 (ولا بكرت إلى حلو لنائله ... ولا التفت إلى شيء من النعم)

 حدث أبو علي المحسن بن محمد بن علي قال كان الحسن بن مخلد أكرم الناس في بذل المال وأبخلهم بطعامه فكان يحضر ندماؤه على مائدته فلا يستجرئ أحد منهم أن يشغب شيئا البتة وينزهون أنفسهم عند رفع المائدة بمسح أيديهم بلحاهم وله في ذلك قصص عجيبة

 قال جحظة ربحت بأكلة افتديتها مع الحسن بن مخلد خمسمائة دينار وخمسمائة درهم وخمسة أثواب فاخرة وعتيدة طيبة سرية فقيل له كيف كان ذلك فقال كان الحسن بن مخلد بخيلا على الطعام سمحا بالمال وكان يأخذ ندماءه بغتة فيسقيهم النبيذ ويؤاكلهم فمن أكل قتله قتلا ومن شرب معه على الخسف حظي عنده قال فكنت عنده يوما فقال لي يا أبا الحسن قد عملت غدا على الصبوح الجاشري فبت عندي فقلت لا يمكنني ولكني  أباكرك قبل الوقت فعلى أي شيء عملت أن تصطبخ فقال قد أعد لنا كذا وكذا ووصف ما تقدم به إلى الطباخ بعمله فعقدنا الرأي أن أباكره وقمت وجئت إلى منزلي ودعوت طباخي فتقدمت إليه بأن يصلح لي مثل ذلك بعينه ويفرغ منه وقت العتمة ففعل ونمت وقمت وقد مضى نصف الليل فأكلت ما أصلح وغسلت يدي وأسرج لي وأنا عامل على المضي إليه إذ طرقتني رسله فجئته فقال بحياتي أكلت قلت أعيذك بالله انصرفت من عندك قبل الغروب وهذا نصف الليل فأي وقت أصلح لي شيء أو أي وقت أكلت شيئا سل غلمانك على أي حال وجدوني فقالوا وجدناه يا سيدنا وقد لبس ثيابه وهو ينتظر أن يفرغ له من إسراج بغلته ليركبها، فسر بذلك سرورا شديدا وقدم الطعام فما كان في فضل أشمه فأمسكت عن تشعيبه ضرورة وهو يستدعي أكلي ولو أكلت أحل دمي قال وكذا كانت عادته فأقول هو ذا آكل يا سيدي أفي الدنيا أحد يأكل أكثر من هذا وانقضى الأكل وجلسنا على الشرب فجعلت أشرب بأرطال وهو يفرح وعنده أني أشرب على الريق أو على ذلك الأكل الذي جلست معه ثم أمرني بالغناء فغنيت فاستطاب ذلك وطرب وشرب أرطالا فلما رأيت النبيذ قد عمل فيه قلت يا سيدي تطرب أنت على غنائي فأنا على أي شيء أطرب فقال يا غلام هات دواة فأحضرها فكتب لي رقعة ورمى بها إلي وإذا هي على صيرفي يعامله بخمسمائة دينار فأخذتها وشكرته ثم غنيته وطرب وزاد سكره فطلبت منه ثيابا فخلع علي خمسة أثواب ثم أمر أن يبخر كل ما بين يديه فأحضرت عتيدة حسنة سرية فيها طيب كثير فأخذ الغلمان يبخرون منها للناس فلما انتهوا إلي قلت يا سيدي وأنا أرضى أن أتبخر فحسب فقال لي ما تريد قلت أريد نصيبي من العتيدة قال قد وهبتها لك فأخذتها وشرب بعد ذلك رطلا واتكأ على مسورته وكذا كانت عادته إذا  سكر فقام الناس من مجلسه وقمت وقد طلع الفجر وأضاء وهو وقت يبكر الناس في حوائجهم فخرجت كأني لص قد خرج من بيت قوم على قفا غلامي الثياب والعتيدة كلها فصرت إلى منزلي ونمت نومة ثم ركبت إلى درب عون أريد الصيرفي فأوصلت إليه فقال يا سيدي أنت الرجل المسمى في التوقيع قلت نعم قال أنت تعلم أن مثلنا يعاملون للفائدة قلت أجل قال ورسمنا أن نعطى في مثل هذا ما يكسر في كل دينار درهما فقلت له ليس أضايقك في هذا القدر فقال ما قلت هذا إلا لأربح عليك الكبير أيما أحب إليك أن تأخذ كما يأخذ الناس وهو ما قد عرفتك أو تجلس مكانك إلى الظهر حتى أفرغ من شغلي ثم تركب معي إلى داري فتقيم عندي اليوم والليلة تشرب فقد والله سمعت بك وكنت أتمنى أن أسمعك ووقعت الآن لي رخصا فإذا فعلت هذا دفعت إليك الدنانير من غير خسران فقلت أقيم عندك فجعل الرقعة في كمه وأقبل على شغله فلما دنا الظهر جاء غلامه ببغلة فارهة فركب وركبت معه وصرنا إلى دار سرية حسنة بفاخر الفرش والآلات ليس فيها إلا جوار روم للخدمة من غير فحل فتركني في مجلسه ودخل ثم خرج بثياب أولاد الخلفاء من حمام داره وتبخر وبخرني بيده بند عتيق جيد وأكلنا أسرى الطعام وأنظفه وقمنا إلى مجلس سري للشرب فيه فواكه وآلات بمال وشربنا ليلتنا فكانت ليلتي عنده أطيب من أختها عند الحسن بن مخلد فلما أصبحنا أخرج كيسين في أحدهما دنانير وفي الأخرى دراهم فوزن خمسمائة دينار وخمسمائة درهم وقال يا سيدي تلك ما أمرت به وهذه الدراهم هدية مني إليك فأخذتها وصار الصيرفي صديقي وداره لي.

قال وحدثني أبو الحسن أحمد بن يوسف التنوخي قال حدثني أبو علي بن الأعرابي الشاعر قال كنت في دعوة جحظة فأكلت وجلسنا نشرب وهو يغني إذ دخل رجل فقد ضم إليه جحظة زلة كان زلها من طعامه ونحن نأكل وكان بخيلا على الطعام قال وكأن الرجل كان طاويا طاوي تسع فأتى على الزلة ورفع الطيفورية فارغة وجحظة يرمقه ونحن نلمح جحظة ونضحك فلما فرغ قال له جحظة تلعب معي بالنرد قال نعم فوضعاه بينهما ولعبا فتوالى اللعب على جحظة من الرجل بأن تجيء الفصوص على ما يريد من الأعداد ويكره جحظة فأخرج جحظة رأسه من قبة الخيش رافعا له إلى السماء وقال كأنه يخاطب الله جل وعز لعمري إني أستحق هذ لأني أشبع من أجعته .قلت ما أشد تباعد ما بين هذين الخبرين وخبر رواه التنوخي أيضا عن أبي العباس بن المنجم قال سمعت أبا عبد الله الموسوي العلوي يقول قصدني أبو جعفر محمد بن يحيى شيرزاد في أيام تدبيره الأمر قصدا قبيحا وعمل لي كتابة مؤامرة في خراجاتي بمائة ألف درهم أكثرها واجب وباقيها كالواجب وأحضرني للمناظرة عليها واعتقلني في داره فضقت ذرعا بما نزل بي وعلمت أن المال سيلزمني إذا نوظرت وأنه يؤثر في حالي ويهتك جاهي فلم أدر ما أصنع فشاورت بعض من يختص به فقال طمعه فيك والله قوي وما يفعل معه بشيء غير المال فقلت له ففكر في حيلة أو مخادعة ففكر ثم قال لا أعرف لك دواء إلا شيئا واحدا إن سمحت به نفسك وتركت العلوية عنك وفعلت نجوت قلت ما هو قال هو رجل سمح على الطعام محب لأكلة مائدته موجب لحرمته وأرى لك إذا وضع طعامه أن تخرج إليه فإنك معه في الدار ولا يمنعك الموكلون من ذلك فتجيء بغير إذن فتجلس على المائدة وتأكل وتنبسط وتخاطبه في أمرك عقيب الأكل وتسأله وترفق به وتخضع له فإنه يسامحك بأكثرها ويقرب ما بينك وبينه

 فشق ذلك علي ثم نظرت فإذا وزن المال أشق منه وكان أبو جعفر لا يأكل إلا بعد المغرب في كل يوم أكلة فلم آكل ذلك اليوم شيئا وراعيت مضائدته فلما وضعت قمت فقال الموكلون إلى أين قلت إلى مائدة الوزير فما قدروا أن يمنعوني فلما رأى أبو جعفر أكبر ذلك وتهلل وجهه وقال ألا عندي يا سيدي وأجلسني إلى جنبه فأقبلت آكل وأنبسط في الأكل والحديث إلى أن رفعت المائدة واستدعاني إلى موضعه فغسلت يدي بحضرته فلما فرغت أردت أن أبتدئه بالخطاب فقال لي قد آذيتك يا سيدي يا أبا عبد الله بتأخرك عن منزلك فامض إلى بيتك وما أخاطبك بشيء مما في نفسي ولا مما أردت مخاطبتك به ولا مطالبة عليك من جهتي بعد ما تفضلت به فشكرته وقلت إن رأى سيدنا أيده الله أن يتمم معروفه بتسليم المؤامرة إلي فقال هاتموها فما برحت إلا وهي في خفي وانصرفت إلى منزلي وقد سقط المال عني ولزمته للسلم وصرت أتعمد مؤاكلته والتخصص به فسلمت طول أيامه وسلم جاهي ومالي علي إلى أن مضى لسبيله

 قلت هذا حسن من فعله مع عسف كان فيه بالرعية في جباية المال لم يسبق إليها ولا تبعه بعده أحد في مثلها فكانت له أفعال منكرة منها أنه استدعى العيارين وضمنهم ما يسرقونه من أموال الناس.

 وكتب جحظة إلى أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله المشمعي وكان قائدا جليلا تقلد البصرة وفارس: [الطويل]

(إليك أبا إسحاق مني رسالة ... تزين الفتى إن كان يعشق زينه)

 (لقد كنت غضبانا على الدهر زاريا ... عليه فقد أصلحت بيني وبينه)

 وكان أبو إسحاق هذا أديبا شاعرا ومن شعره: [المتقارب]

 (ألاطف من أجله أهله ... وكل إلي حبيب قريب)

 (وأسأل عن غيره قبله ... لأبطل ظن الذي يستريب)

 وأنشد جحظة لنفسه في أماليه: [البسيط]

 (قد نلتم صحة ما نالها بشر ... وحزتم نعمة ما نالها ملك)

 (فليت شعري أمقدار تعمدكم ... بما أتاكم به أم وسوس الفلك)

 وأنشد جحظة في أماليه: [مخلع البسيط]

 (يا من دعاني وفر مني ... أخلفت والله حسن ظني)

 (قد كنت أرضى بخبز رز ... ومالح أو قليل بن)

 (وسكرة من نبيذ دبس ... أقام يوما بعقر دن)

 (فكيف يغلو بما ذكرنا ... مساعد شاعر مغني)

 وحدث جحظة في أماليه قال كنت أشرب عند بعض إخواني بباب حرب في ناعورة ثابت في يوم مطر ومعنا شيخ خضيب حسن البزة متصدر فتجارينا ذكر المطر وما جاء فيه من الخبز فقال الشيخ حدثوا يا سيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبا بكر وأبا حفص وعلى النبيين السريين منكر ونكير وعلى عمرو بن العاصي قاتل الكفار يوم غدير خم وصاحب راية النبي يوم  القطائف ( يريد يوم الطائف ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومحا ملك يتبحا حتى يضحا في موضحا ثم يصعد ويدحا فقلت يا شيخ فالقطر يقع في الكنيف والملك ينزل معه قال نعم يا سيدي فيهم ما في الناس من الدناءة والخسة

 وأنشد جحظة لنفسه في أماليه: [مجزوء الكامل]

 (قالت أعاليه الصلب ... لما تثنى واضطرب)

 (أترى جنيت جناية ... حتى صلبت على الخشب)

 قال جحظة في أماليه استهديت من بعض إخواني دواة فأخرها عني ثم اجتمعنا في مجلس أبي العباس ثعلب فقلت لأبي العباس ما أراد الشاعر بقوله: [الطويل]

 (أحاجيك ما قبر عديم ترابه ... به معشر موتى وإن لم يكفنوا)

 (سلوت عن التبيان مدة قبرهم ... فإن نبشوا يوما من الدهر بينوا)

 فسكت ساعة ثم قال الدواة فلما انصرفت إلى منزلي إذا الدواة قد سبقتني إليه

 قال جحظة دعوت فضيلا الأعرج وكان عندنا جماعة فكتب إلينا: [الخفيف]

 (أنا في منزلي وقد رزق الله ... نديما ومسمعا وعقارا)

 (فاعذروني بأن تخلفت عنكم ... شغل الحلي أهله أن يعارا)

 ومثله لغيره: [الخفيف]

(حي طيفا من الأحبة زارا ... بعد أن نوم الكرى السمارا)

 (داعيا في الوصال تحت دجى الليل ... عيونا عن الوصال سهارى)

 (قلت ما بالنا وكنا ... قبل ذاك الأسماع والأبصار)

 (قال إنا كما عهدت ولكن ... شغل الحلي أهله أن يعارا)

 قال جحظة وسألت الحسن بن مخلد حاجة فقال إذا كان بعد ثلاث عرفتك فقلت يا سيدي تعدني أن تعدني.

 قال جحظة في أماليه: كنت جالسا عند صديق لي فجاءه رقعة من منزله فلما نظر فيها ضرط فحادثته ساعة واعتقلته وأخذتها وإذا فيها قد فني الدقيق وغدا الخبزة.

 وأنشد لنفسه في أماليه يقول: [البسيط]

يقول لي مالكي والدمع منحدر ... لا خفف الله رب العرش بلواكا

 وإن دعوت إليه عند معتبة ... يقول قلبي له في السر حاشاكا

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.