أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-06-2015
2479
التاريخ: 21-06-2015
3936
التاريخ: 26-1-2016
3001
التاريخ: 25-12-2015
3723
|
أبو إسحاق النحوي قال الخطيب: كان من أهل الدين والفضل، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب، مات في جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
وحكى ابن مهذب في تاريخه. حدثني الشيخ أبو العلاء المعري أنه سمع عنه ببغداد، أنه لما حضرته الوفاة سئل عن سنه، فعقد لهم سبعين، وآخر ما سمع منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل: وأبو إسحاق هو أستاذ أبي علي الفارسي.
قال الخطيب بإسناده، قال أبو محمد عبد الله بن درستويه النحوي: حدثني الزجاج قال: كنت أخرط الزجاج فاشتهيت النحو، فلزمت المبرد لتعلمه، وكان لا يعلم مجاناً ولا يعلم بأجرة إلا على قدرها، فقال لي: أي شيء صناعتك؟ قلت: أخرط الزجاج، وكسبي في كل يوم درهم ودانقان أو درهم ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي، وأنا أعطيك كل يوم درهماً، وأشرط لك أن أعطيك إياه أبداً، إلى أن يفرق الموت بيننا، استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه، قال: فلزمته، وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم، فينصحني في العلم، حتى استقللت، فجاء كتاب بعض بني مارقة من الصراة يلتمسون معلماً نحوياً لأولادهم، فقلت له أسمني لهم، فأسماني، فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهماً، وأزيده بعد ذلك بما أقدر عليه، ومضت مدة على ذلك، فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم، فقال له: لا أعرف لك إلا رجلاً بالصراة مع بني مارقة، قال: فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني، فنزلوا له، فأحضرني وأسلم القاسم إلي، فكان ذلك سبب غنائي، وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقد بحسب طاقتي، قال فكنت أقول للقاسم بن عبيد الله: إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي؟ فيقول: ماذا أحببت؟ فأقول له: تعطينني عشرين ألف دينار، وكانت غاية أمنيتي، فما مضت سنون حتى ولي القاسم الوزارة، وأنا على ملازمتي له، وصرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد، ثم هبته، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي: يا أبا إسحاق، لم أرك أذكرتني بالنذر، فقلت: عولت على رعاية الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار بنذر عليه في أمر خادم واجب الحق، فقال لي: إنه المعتضد، ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكني أخاف أن يصير لي معه حديث، فاسمح بأخذه متفرقاً، فقلت يا سيدي أفعل، فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار واستجعل عليها، ولا تمتنع عن مسألتي شيئاً تخاطب فيه، صحيحاً كان أو محالاً، إلى أن يحصل لك مال النذر، قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعاً، فيوقع لي فيها، وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول كذا وكذا، فيقول لي غبنت، هذا يساوي كذا وكذا إرجع فاستزد، فأراجع القوم، فلا أزال أماكسهم ويزيدوني، حتى أبلغ الحد الذي رسمه، قال وعرضت عليه شيئاً عظيماً، فحصلت عندي عشرون ألف دينار، وأكثر منها في مديدة، فقال لي بعد شهور يا أبا إسحاق، حصل مال النذر؟ فقلت لا، فسكت، وكنت أعرض عليه فيسألني في كل شهر ونحوه حصل المال؟ فأقول لا، خوفاً من انقطاع الكسب إلى أن حصل لي ضعف ذلك المال.
وسألني يوماً فاستحييت من الكذب المتصل، فقلت قد حصل ذلك ببركة الوزير، فقال فرجت والله عني، فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك، قال ثم أخذ الدواة فوقع إلى خزانه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها، وامتنعت أن أعرض عليه شيئاً، ولم أدر كيف أقع منه؟ فلما كان من الغد جئته وجلست على رسمي فأومأ إلى أن هات ما معك، يستدعي مني الرقاع على الرسم، فقلت ما أخذت من أحد رقعة، لأن النذر وقع الوفاء به، ولم أدر كيف أقع من الوزير؟ فقال يا سبحان الله! أتراني أقطع عنك شيئاً قد صار لك عادة؟ وعلم به الناس، وصارت لك به منزلة عندهم وجاه، وغدو ورواح إلى بابك، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظن ذلك لضعف جاهك عندي، أو تغير رتبتك عندي، اعرض علي رسمك، وخذ بلا حساب، فقبلت يده، وباكرته من غد بالرقاع، فكنت أعرض عليه كل يوم شيئاً إلى أن مات وقد تأثلت حالي هذه.
وحدث أبو علي الفارسي النحوي قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد عليه خادم وساره بشيء استبشر له، ثم تقدم إلى شيخنا أبي إسحاق بالمكوث إلى أن يعود، ثم نهض فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك، لأنس كان بينه وبينه، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى المغنيات، فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها أن تهديها إلي، رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما وردت أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشراً لأفتضها، فوجدتها قد حاضت، فكان مني ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه وكتب:
قال الخطيب بإسناده، قال أبو محمد عبد الله بن درستويه النحوي: حدثني الزجاج قال: كنت أخرط الزجاج فاشتهيت النحو، فلزمت المبرد لتعلمه، وكان لا يعلم مجاناً ولا يعلم بأجرة إلا على قدرها، فقال لي: أي شيء صناعتك؟ قلت: أخرط الزجاج، وكسبي في كل يوم درهم ودانقان أو درهم ونصف، وأريد أن تبالغ في تعليمي، وأنا أعطيك كل يوم درهماً، وأشرط لك أن أعطيك إياه أبداً، إلى أن يفرق الموت بيننا، استغنيت عن التعليم أو احتجت إليه، قال: فلزمته، وكنت أخدمه في أموره مع ذلك وأعطيه الدرهم، فينصحني في العلم، حتى استقللت، فجاء كتاب بعض بني مارقة من الصراة يلتمسون معلماً نحوياً لأولادهم، فقلت له أسمني لهم، فأسماني، فخرجت فكنت أعلمهم وأنفذ إليه في كل شهر ثلاثين درهماً، وأزيده بعد ذلك بما أقدر عليه، ومضت مدة على ذلك، فطلب منه عبيد الله بن سليمان مؤدباً لابنه القاسم، فقال له: لا أعرف لك إلا رجلاً بالصراة مع بني مارقة، قال: فكتب إليهم عبيد الله فاستنزلهم عني، فنزلوا له، فأحضرني وأسلم القاسم إلي، فكان ذلك سبب غنائي، وكنت أعطي المبرد ذلك الدرهم في كل يوم إلى أن مات، ولا أخليه من التفقد بحسب طاقتي، قال فكنت أقول للقاسم بن عبيد الله: إن بلغك الله مبلغ أبيك ووليت الوزارة ماذا تصنع بي؟ فيقول: ماذا أحببت؟ فأقول له: تعطينني عشرين ألف دينار، وكانت غاية أمنيتي، فما مضت سنون حتى ولي القاسم الوزارة، وأنا على ملازمتي له، وصرت نديمه، فدعتني نفسي إلى إذكاره بالوعد، ثم هبته، فلما كان في اليوم الثالث من وزارته قال لي: يا أبا إسحاق، لم أرك أذكرتني بالنذر، فقلت: عولت على رعاية الوزير أيده الله، وأنه لا يحتاج إلى إذكار بنذر عليه في أمر خادم واجب الحق، فقال لي: إنه المعتضد، ولولاه ما تعاظمني دفع ذلك إليك في مكان واحد، ولكني أخاف أن يصير لي معه حديث، فاسمح بأخذه متفرقاً، فقلت يا سيدي أفعل، فقال: اجلس للناس وخذ رقاعهم في الحوائج الكبار واستجعل عليها، ولا تمتنع عن مسألتي شيئاً تخاطب فيه، صحيحاً كان أو محالاً، إلى أن يحصل لك مال النذر، قال: ففعلت ذلك، وكنت أعرض عليه كل يوم رقاعاً، فيوقع لي فيها، وربما قال لي: كم ضمن لك على هذا؟ فأقول كذا وكذا، فيقول لي غبنت، هذا يساوي كذا وكذا إرجع فاستزد، فأراجع القوم، فلا أزال أماكسهم ويزيدوني، حتى أبلغ الحد الذي رسمه، قال وعرضت عليه شيئاً عظيماً، فحصلت عندي عشرون ألف دينار، وأكثر منها في مديدة، فقال لي بعد شهور يا أبا إسحاق، حصل مال النذر؟ فقلت لا، فسكت، وكنت أعرض عليه فيسألني في كل شهر ونحوه حصل المال؟ فأقول لا، خوفاً من انقطاع الكسب إلى أن حصل لي ضعف ذلك المال.
وسألني يوماً فاستحييت من الكذب المتصل، فقلت قد حصل ذلك ببركة الوزير، فقال فرجت والله عني، فقد كنت مشغول القلب إلى أن يحصل لك، قال ثم أخذ الدواة فوقع إلى خزانه بثلاثة آلاف دينار صلة فأخذتها، وامتنعت أن أعرض عليه شيئاً، ولم أدر كيف أقع منه؟ فلما كان من الغد جئته وجلست على رسمي فأومأ إلى أن هات ما معك، يستدعي مني الرقاع على الرسم، فقلت ما أخذت من أحد رقعة، لأن النذر وقع الوفاء به، ولم أدر كيف أقع من الوزير؟ فقال يا سبحان الله! أتراني أقطع عنك شيئاً قد صار لك عادة؟ وعلم به الناس، وصارت لك به منزلة عندهم وجاه، وغدو ورواح إلى بابك، ولا يعلم سبب انقطاعه، فيظن ذلك لضعف جاهك عندي، أو تغير رتبتك عندي، اعرض علي رسمك، وخذ بلا حساب، فقبلت يده، وباكرته من غد بالرقاع، فكنت أعرض عليه كل يوم شيئاً إلى أن مات وقد تأثلت حالي هذه.
وحدث أبو علي الفارسي النحوي قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير، فورد عليه خادم وساره بشيء استبشر له، ثم تقدم إلى شيخنا أبي إسحاق بالمكوث إلى أن يعود، ثم نهض فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك، لأنس كان بينه وبينه، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى المغنيات، فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها أن تهديها إلي، رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما وردت أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشراً لأفتضها، فوجدتها قد حاضت، فكان مني ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه وكتب:
فارس ماض بحربته ... حاذق بالطعن في الظلم
رام أن يدمي فريسته ... فاتقته من دم بدم
قال: وجرى بين الزجاج وبين المعروف بمسيند، وكان من أهل العلم تنمر، فاتصل ونسجه إبليس وألحمه، حتى خرج إبراهيم بن السري إلى حد الشتم، فكتب إليه مسيند:
أبي الزجاج إلا شتم عرضي ... لينفعه فأثمه وضره
وأقسم صادقاً ما كان حر ... ليطلق لفظة في شتم حره
ولو أني كررت لفر مني ... ولكن للمنون علي كره
فأصبح قد وقاه الله شري ... ليوم لا وقاه الله شره
فلما اتصل هذا الشعر بالزجاج قصده راجلاً حتى اعتذر إليه وسأله الصفح. كل هذا من تاريخ الخطيب إبراهيم.
أنبأنا يزيد بن الحسن الكندي عن أبي منصور الجواليقي عن المبارك الصيرفي، عن علي بن أحمد بن الدهان، عن عبد السلام بن حسن البصري، قال: كتب إلينا أبو الحسن علي بن محمد الشمشاطي من الموصل قال: قال أبو إسحاق بن السري الزجاج رحمه الله، دخلت على أبي العباس ثعلب رحمه الله، في أيام أبي العباس محمد بن يزيد المبرد وقد أملى شيئاً من المقتضب، فسلمت عليه وعنده أبو موسى الحامض، وكان يحسدني شديداً، ويجاهرني بالعداوة، وكنت ألين له وأحتمله لموضع الشيخوخة، فقال لي أبو العباس: قد حمل إلي بعض ما أملاه هذا الخلدي، فرأيته لا يطوع لسانه بعبارة، فقلت له إنه لا يشك في حسن عبارته اثنان، ولكن سوء رأيك فيه يعيبه عندك، فقال: ما رأيته إلا ألكن متغلقاً، فقال أبو موسى: والله إن صاحبكم ألكن يعني سيبويه، فأحفظني ذلك، ثم قال: بلغني عن الفراء أنه قال: دخلت البصرة فلقيت يونس وأصحابه، فسمعتهم يذكرونه بالحفظ والدراية وحسن الفطنة، فأتيته فإذا هو أعجم لا يفصح، سمعته يقول لجارية له: هات ذيك الماء من ذاك الجرة، فخرجت من عنده ولم أعد إليه، فقلت له: هذا لا يصح عن الفراء، وأنت غير مأمون في هذه الحكاية، ولا يعرف أصحاب سيبويه من هذا شيئاً، وكيف تقول هذا لمن يقول في أول كتابه: هذا باب علم ما الكلم من العربية؟ وهذا يعجز عن إدراك فهمه كثير من الفصحاء، فضلاً عن النطق به: فقال ثعلب: قد وجدت في كتابه نحواً من هذا، قلت: ما هو؟ قال يقول في كتابه في غير نسخة: حاشا حرف يخفض ما بعده كما تخفض حتى، وفيها معنى الاستثناء، فقلت له: هذا كذا في كتابه، وهو صحيح، ذهب في التذكير إلى الحرف، وفي التأنيث إلى الكلمة، قال: والأجود أن يحمل الكلام على وجه واحد، قلت: كل جيد، قال الله تعالى: " ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً " . وقرئ وتعمل صالحاً. وقال عز وجل: " ومنهم من يستمعون إليك " ذهب إلى المعنى، ثم قال: " ومنهم من ينظر إليك " ذهب إلى اللفظ، وليس لقائل أن يقول: لو حمل الكلام على وجه واحد في الاثنين كان أجود، لأن كلا جيد، فأما نحن فلا نذكر حدود الفراء، لأن صوابه فيه أكثر من أن يعد، ولكن هذا أنت: عملت كتاب الفصيح للمبتدئ المتعلم، وهو عشرون ورقة، أخطأت في عشرة مواضع منه قال لي اذكرها، قلت له نعم، قلت وهو عرق النسا، ولا يقال عرق النسا، كما لا يقال عرق الأبهر، ولا عرق الأكحل.
قال امرؤ القيس:
فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر
وقلت: حلمت في النوم أحلم حلماً، ليس بمصدر، وإنما هو اسم، قال الله تعالى: " والذين لم يبلغوا الحلم منكم " وإذا كان للشيء مصدر واسم، لم يوضع الاسم موضع المصدر، ألا ترى أنك تقول: حسبت الشيء أحسبه حسباً وحساباً، والحسب المصدر، والحساب الاسم، ولو قلت ما بلغ الحسب إليك ورفعت الحسب إليك لم يجز، وأنت تريد ورفعت الحساب إليك، وقلت: رجل عزب، وامرأة عزبة، وهذا خطأ، إنما يقال رجل عزب، وامرأة عزب، لأنه مصدر وصف به فلا يجمع ولا يثنى، ولا يؤنث، كما يقال رجل خصم وامرأة خصم، وقد أتيت بباب من هذا النوع في الكتاب، وأفردت هذا منه، قال الشاعر:
يا من يدل عزباً على عزب
وقالت كسرى بكسر الكاف وهذا خطأ، إنما هو كسرى، والدليل على ذلك أنا وإياكم لا نختلف في النسب إلى كسرى، يقال كسروي بفتح الكاف، وليس هذا مما يغير بالنسب لبعده منها، ألا ترى أنك لو نسبت إلى معزى لقلت معزوي، وإلى درهم قلت درهمي ولا يقال معزوي ولا درهمي، وقلت: وعدت الرجل خيراً وشراً، فإذا لم تذكر الشر قلت أوعدته بكذا، نقضاً لما أصلت، لأنك قلت بكذا، وقولك بكذا كناية عن الشر، والصواب أن تقول إذا لم تذكر الشر قلت أوعدته، وقلت: وهم المطوعة، وإنما هم المطوعة، بتشديد الطاء كما قال الله تعالى: " يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات " فقال ما قلت إلا المطوعة، فقلت: هكذا قرأته عليك، وقرأه غيري وأنا حاضر أسمع مراراً. وقلت هو لرشدة وزنية، كما هو لغية، والباب فيها واحد، لأنه إنما يريد المرة الواحدة، ومصادر الثلاثي إذا أردت المرة الواحدة لم تختلف، تقول ضربته ضربة، وجلست جلسة وركبت ركبة، لا اختلاف في ذلك بين أحد من النحويين، وإنما تكسر من ذلك ما كان هيئة حال، فتصفها بالحسن والقبح وغيرهما، فتقول: هو حسن الجلسة والسيرة والركبة، وليس هذا من ذلك. وقلت: أسنمة للبلدة، ورواه الأصمعي بضم الهمزة أسنمة، فقال: ما روى ابن الأعرابي وأصحابنا إلا أسنمة، فقلت قد علمت أنت أن الأصمعي أضبط لما يحكى، وأوثق فيما يروى، وقلت: إذا عز أخوك فهن، والكلام فهن، وهو من هان يهين إذا لان، ومنه قيل هين لين، لأن هن من هان يهون من الهوان، والعرب لا تأمر بذلك، ولا معنى لهذا الكلام يصح لو قالته العرب، ومعنى عز ليس من العزة التي هي المنعة والقدرة، وإنما هو من قولك عز الشيء إذا اشتد، ومعنى الكلام: إذا صعب أخوك واشتد فذل من الذل له، ولا معنى للذل ههنا، كما تقول إذا صعب أخوك فلن له، قال فما قرئ عليه كتاب الفصيح بعد ذلك علمي، ثم بلغني أنه سئم ذلك، فأنكر كتاب الفصيح أن يكون له.
قال المؤلف: وهذه المآخذ التي أخذها الزجاج على ثعلب لم يسلم إليه العلماء باللغة فيها، وقد ألفوا تآليف في الانتصار لثعلب يضيق هذا المختصر عن ذكرها.
وحدث الزجاج قال: أنشدنا أبو العباس المبرد:
في انقباض وحشمة فإذا ... رأيت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها ... وجئت ما جئت غير محتشم
قال عبيد الله الفقير: وهذان البيتان يرويان لمحمد بن كناسة، وقد رواهما آخرون لأبي نواس، قال الزجاج: فقلت له: أليس يقول الأصمعي الحشمة الغضب؟ والحشمة الاستحياء، لأن الغضب والاستحياء جميعاً نقصان في النفس، وانحطاط عن الكمال، فلذلك كان مخرجهما واحداً، قال: فقلت له: أليس الحياء محموداً، والغضب مذموماً؟؟ وقد روي أن الحياء شعبة من الإيمان، وقد قيل: إذا لم تستح فافعل ما تشاء، فقال: الحياء محمود في الدين، وفي اجتناب المحارم، وفي الإفضال، وأما في ترك الحقوق، والنكوص عن الخصوم عند الحجاج، فهو نقصان في النفس.
قال أبو العباس: وسمعت المازني يقول: معنى قولهم إذا لم تستح فاصنع ما شئت أي إذا صنعت ما لا تستحي من مثله فاصنع ما شئت، وليس على ما يذهب إليه العوام، وهذا تأويل حسن.
قال حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب الموازنة: كان الزجاج يزعم أن كل لفظتين اتفقتا ببعض الحروف وإن نقص حروف إحداهما عن حروف الأخرى فإن إحداهما مشتقة من الأخرى، فيقول الرجل مشتق من الرجل، والثور إنما يسمى ثوراً لأنه يثير الأرض، والثوب إنما سمي ثوباً لأنه ثاب لباساً بعد أن كان غزلاً، حسيبه الله، كذا قال، قال: وزعم أن القرنان إنما سمى قرناناً لأنه مطيق لفجور امرأته، كالثور القرنان أي المطيق لحمل قرنه، وفي القرآن " وما كنا له مقرنين " أي مطيقين قال: وحكى يحيى بن علي بن يحيى المنجم، أنه سأله بحضرة عبد الله بن أحمد بن حمدون النديم، من أي شيء اشتق الجرجير؟ قال لأن الريح تجرجره، قال وما معنى تجرجره؟ قال تجرره، قال ومن هذا قيل للحبل الجرير، لأنه يجر على الأرض، قال: والجرة لم سميت جرة؟ قال: لأنها تجر على الأرض، فقال لو جرت على الأرض لانكسرت، قال: فالمجرة لم سميت مجرة؟ قال لأن الله جرها في السماء جراً، قال: فالجرجور الذي هو اسم المائة من الإبل لم سميت به؟ قال: لأنها تجر بالأزمة وتقاد، قال: فالفصيل المجر، الذي يشق طرف لسانه، لئلا يرتضع أمه، ما قولك فيه؟ قال لأنهم جروا لسانه حتى قطعوه، قال فإن جروا أذنيه فقطعوه تسميه مجراً؟ قال لا يجوز ذلك، فقال يحيى بن علي: قد نقضت العلة التي أتيت بها على نفسك، ومن لم يدر أن هذا مناقضة فلا حس له، قال حمزة: وشهدت ابن العلاف الشاعر وعنده من يحكي عن كتاب الزجاج أشياء من شنيع الاشتقاق الذي فيه، ثم قال إني حضرته وقد سئل عن اشتقاق القصة، قال لأنها تقصع الجوع أي تكسره، قال ابن العلاف يلزمه أن يقول: الخضض مشتق من الخضيض. والعصفر مشتق من العصفور، والدب مشتق من الدب، والعذب من الشراب مشتق من العذاب، والخريف من الخروف، والعقل مشتق من العاقول، والحلم مشتق من الحلمة، والإقليم مشتق من القلم، والخنفساء من الفساء، والخنثى من الأنثى، والمخنث من المؤنث، ضرط إبليس على ذا من أدب.
وقال ابن بشران: كان أبو إسحاق الزجاج ينزل بالجانب الغربي من بغداد، في الموضع المعروف بالدويرة، وأنشدت له:
قعودي لا يرد الرزق عني ... ولا يدنيه إن لم يقض شي
قعدت فقد أتاني في قعودي ... وسرت فعافني والسير لي
فلما أن رأيت القصد أدنى ... إلى رشدي وأن الحرص غي
تركت لمدلج دلج الليالي ... ولي ظل أعيش به وفي
حدث أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن جعفر الأزدي البصري قال: لما مات أبو العباس أحمد بن يحيى بكى أبو إسحاق الزجاج، فقلت ما بكاؤك؟ فقال لي: أين يذهب بك؟ أليس كان يقال: أحمد بن يحيى جالس وإبراهيم الزجاج اليوم؟ فقال الزجاج ونفطويه وابن الأنباري: مات الناقد، ونفقت البهارج. وحدث المرزباني في كتاب المقتبس، ولم يذكر من خبره غير هذه القصة، وذكرها ابن النديم في فهرسته، قالا جميعاً: كان السبب في اتصال أبي إسحاق الزجاج بالمعتضد، أن بعض الندماء وصف للمعتضد كتاب جامع النطق الذي عمله محبرة النديم، قال محمد بن إسحاق خاصة، واسم محبرة محمد بن يحيى بن أبي عباد، ويكنى أبا جعفر، واسم أبي عباد جابر بن زيد بن الصباح العسكري، وكان حسن الأدب، ونادم المعتضد، وجعل كتابه جداول، رجع الكلام إلى اتفاقهما، فأمر المعتضد القاسم بن عبيد الله أن يطلب من يفسر تلك الجداول، فبعث إلى ثعلب وعرضه عليه فلم يتوجه إلى حساب الجداول، وقال لست أعرف هذا، وإن أردتم كتاب العين فموجود، ولا رواية له فكتب ابن عبيد الله إلى المبرد أن يفسرها، فأجابهم: إنه كتاب طويل، يحتاج إلى تعب وشغل، وإنه قد كبر وضعف عن ذلك، وإن دفعتموه إلى صاحبي إبراهيم بن السري رجوت أن يفي بذلك، فتغافل القاسم عن مذاكرة المعتضد بالزجاج حتى ألح عليه المعتضد، فأخبره بقول ثعلب والمبرد وأنه أحال على الزجاج، فتقدم إليه بالتقدم إلى الزجاج بذلك، ففعل القاسم، فقال الزجاج: أنا أعمل ذلك على غير نسخة، ولا نظر في جدول، فأمره بعمل الثنائي، فاستعار الزجاج كتب اللغة من ثعلب والسكري وغيرهما، لأنه كان ضعيف العلم باللغة، ففسر الثنائي كله، وكتبه بخط الترمذي الصغير أبي الحسن، وجلده، وحمله إلى الوزير، وحمله الوزير إلى المعتضد، واستحسنه وأمر له بثلاثمائة دينار، وتقدم إليه بتفسيره كله، ولم يخرج مما عمله الزجاج نسخة إلى أحد، إلا إلى خزانة المعتضد ووزيره.
وقال ابن النديم: ثم ظهر في كتاب السلطان هذا التفسير منقطعاً، ورأيناه في طلحي لطيف، وصار للزجاج بهذا السبب منزلة عظيمة، وجعل له رزق في الندماء، ورزق في الفقهاء، ورزق في العلماء، نحو ثلاثمائة دينار، قال ابن النديم: وللزجاج من الكتب: كتاب ما فسره من جامع النطق، كتاب معاني القرآن، " قرأت على ظهر كتاب المعاني: ابتدأ أبو إسحاق بإملاء كتابه الموسوم بمعاني القرآن في صفر سنة خمس وثمانين ومائتين وأتمه في شهر ربيع الأول، سنة إحدى وثلثمائة " ، كتاب الاشتقاق، كتاب القوافي، كتاب العروض، كتاب الفرق، كتاب خلق الإنسان، كتاب خلق الفرس، كتاب مختصر النحو، كتاب فعلت وأفعلت، كتاب ما ينصرف وما لا ينصرف، كتاب شرح أبيات سيبويه، كتاب النوادر.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|