أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2017
2860
التاريخ: 15-6-2016
6643
التاريخ: 2024-04-20
903
التاريخ: 16-1-2019
7283
|
من الملاحظ أن أحكام القضاء الإداري المصري في منازعات العقود الإدارية تتميز بالثبات وعدم التطور . وعلي الرغم من تغير الظروف الاقتصادية ، فإن المبادئ التي قررها مجلس الدولة المصري في منازعات العقود الإدارية مازالت ثابتة عند بداياتها الأولي ، وهي في غالبها تتربص بالمتعاقد مع الإدارة وتفترض فيه في أغلب الأحوال سوء النية .
ومن الملاحظ أيضا أن أحكام محكمة القضاء الإداري التي صدرت في منتصف القرن العشرين هي مصدر جل المبادئ التي تحكم العقود الإدارية .
وإذا كانت مساوئ هذا الجمود لم تتضح في الوقت الذي زاد فيه تدخل الدولة في المجال الاقتصادي ، والذي قلت معه الأهمية العملية النظرية العقود الإدارية وهو ما عبر عنه البعض بقوله « ... المركز الخاص الذي تشغله الأجهزة الإدارية التي تتولي مباشرة النشاط التجاري والصناعي والزراعي والمالي باسم النظام الاشتراكي ، يثير التساؤل ع ن مدي الحاجة لتطبيق نظرية العقود الإدارية بمبادئها وأحكامها علي الروابط التي تنشأ في الدولة ممثلة في الوزارات والمصالح وبين المؤسسات العامة وما يتبعها من شركات أو بين المؤسسات العامة أو بين الشركات العامة التي تتبع المؤسسات العامة في كل ما يتعلق بتنفيذ المشروعات العامة أو توريد الحاجات العامة للوزارات والمؤسسات والهيئات العامة ، ووحدات الإدارة المحلية » .
ثم يخلص هذا الرأي إلي «أن تطبيق نظرية العقود الإدارية في مجال التعاون بين أجهزة القطاع العام ، لم يعد له في ظل النظام الاشتراكي نفس الأهمية التي كانت له من قبل .. بل إنه يمكن القول : إنه لم تعد ثمة حاجة لتطبيق نظرية العقد الإداري في هذا المجال »(1) فإن هذا الجمود قد أصبح يمثل خطرا كبيرا علي نظرية العقود الإدارية - بصفة خاصة - وعلي مبادئ القانون الإداري بصفة عامة. ومرد ذلك بطبيعة الحال إلي ما يتميز به القانون الإداري من أنه قانون قضائي . وهو ما يعني أن أحكام القضاء الإداري تمثل رافدا أساسيا من روافد تطوير وصياغة القانون الإداري .
فالقاضي الإداري «لا يقف دوره عند مجرد تطبيق النصوص بطريقة آلية محضة . ولكنه يتمتع بقدر من الحرية في تفسير النصوص التشريعية ، وتحديد مدي انطباقها علي الحالة المعروضة أمامه ، وتحليل عناصر هذه الحالة تحليلا واقعيا وقانونيا . كما أن القواعد القانونية تكون عادة علي قدر من العمومية والتجريد يسمح للقاضي بممارسة مهمته بطريقة تقديرية إلي حد كبير »(۲) .
وعلي الرغم من أن القضاء لا يعد مصدرا رسميا للقانون في مصر حيث لا يأخذ النظام القانوني المصري بفكرة نظام السوابق القضائية . فإن القضاء يكون هو المصدر الوحيد للقاعدة القانونية في حالة عدم وجود نص تشريعي يحكم المنازعة المعروضة علي القاضي الإداري فهو ف ي هذه الحالة ملزم بأن يبتدع قاعدة قانونية تفصل في النزاع .
وإذا كان العقد الإداري يعد أسلوبا مهما من أساليب ممارسة الإدارة لنشاطها . فإن هذه الأهمية - ولا شك - سوف تزداد كثيرا مع اتجاه الدولة نحو سياسة الخصخصة وانحسار الأفكار الاشتراكية والاتجاه نحو حصر نشاط القطاع العام في مجالات ضيقة ومحدودة .
فالانتقال من. « .. اقتصاد التخطيط إلي اقتصاد السوق سيؤدي إلي زيادة وأهمية العقود التي تبرمها الإدارة سواء أكانت إدارية أم مدنية أم تجارية ، لأن اقتصاد السوق قائم علي التخلي عن الأوامر وأساليب القهر ... »(3).
هذا التحول إلي الاقتصاد الحر أدي إلي زيادة اللجوء إلي نظرية العقود الإدارية ، مما نتج عنه استحداث صور جديدة لهذه العقود ومنها عقود البوت . فضلا عن استحداث آليات جديدة لفض المنازعات التي تثور حول هذه العقود مثل التحكيم أو التوفيق أو الوساطة وهو ما أدي إلي انحسار اختصاص القضاء الإداري بنظر منازعات كانت تدخل في اختصاصه ، ومنها - إن لم يكن أهمها - منازعات العقود الإدارية .
وقد كان لهذا الجمود الذي أصاب الاجتهاد القضائي بخصوص العقود الإدارية في مصر أثره في نشوء هذه الآليات القانونية أو بالأحرى زيادة الطلب عليها . ولا شك في أن هذه الآليات القانونية - لا سيما التحكيم وعقود البوت - لها أهميتها وضرورتها ، ولكن يبقي مدي الاستفادة منها بصورة جيدة متوقفة علي مدي استخدامها في موضعها الصحيح . ومن الملاحظ اندفاع النظام القانوني المصري نحو هذه الوسائل بصورة تنذر بخطر شديد ، ولعل أهم مظاهر هذا الاندفاع إبرام مثل هذه العقود مع الإحجام - الذي يوشك أن يكون عمديا - عن إصدار تشريع ينظم هذه العقود ويحد من مخاطرها ويعظم من فوائدها(4)
وإذا كانت نظرية العقود الإدارية وتطورها في النظام القانوني الفرنسي إنما نشأت في كنف الازدواج القضائي ، وإنشاء قضاء إداري يختص بنظر المنازعات الإدارية ومنها العقود الإدارية . فإن هذا القضاء هو الذي دأب علي العمل علي تطبيق قواعد خاصة مختلفة عن تلك التي تطبق أمام المحاكم العادية ، وهو ما ساهم بقدر كبير في إنشاء القانون الإداري الذي يعد بطبيعته قانون قضائي . وهو الأمر الذي ينصرف بدوره علي نظرية العقود الإدارية .
وعلي ذلك فإن القضاء المصري قبل إنشاء مجلس الدولة سنة 1946 لم يكن يعرف القواعد الإدارية التي تطبق علي العقود الإدارية في القضاء الإداري الفرنسي . وكان يطبق علي عقود الإدارة القواعد الخاصة التي تنظمها علي فرض وجودها . فإن لم يكن ثمة قواعد من هذا النوع فإنه يطبق عليها قواعد القانون المدني . فعلي خ لاف القاضي الإداري فإن القاضي المدني يقنع دائما بدوره في تطبيق القانون دون المساهمة في خلقه وابتداعه عند غياب النص التشريعي .
ومن أهم الأمثلة التي يضربها الفقه تأييدا لذلك هو رفض القضاء العادي تطبيق نظرية الظروف الطارئة ، والتي أقرها مجلس الدولة الفرنسي من قبل . ففي حكمها بتاريخ ۳۱ مارس ۱۹۲۹ أنكرت محكمة الاستئناف المختلطة علي شركة مياه الإسكندرية حقها في طلب زيادة المقابل الذي تتقاضاه من المشتركين بسبب ارتفاع التكاليف ارتفاعا كبيرا ، وقررت أن السبيل الوحيد أمام الشركة هو الاتفاق الودي مع الإدارة وأن ليس للقضاء أن يعتدي علي حق الإدارة في هذا الخصوص ، لأن اختصاصه يقتصر علي تفسير الاتفاقيات المبرمة بقصد العمل علی احترامها دون تعديل في شروطها(5)
وهو ما أكدته محكمة الاسكندرية المختلطة بقضاء لاحق في 6 مايو ۱۹۲۹ مقررة أن « القانون المصري يجهل نظرية الظروف الطارئة ، وأن مهمة المحاكم تنحصر في تفسير العقود والعمل علي احترام الاتفاقيات التي السينات تعقد بحرية وأن هذه المبادئ تسري علي الامتيازات التي تبرمها الإدارة .. ».(6)
ومضت المحاكم الأهلية علي هذا الدرب والتزمت ما سبق وقررته المحاكم المختلطة وعندما أرادت محكمة الاستئناف تلمس العدالة وتطبيق نظرية الظروف الطارئة اهتداء بما قرره القضاء الإداري في فرنسا وقفت لها محكمة النقض بالمرصاد وألغت قضاءها في ذلك .
فقد تعلق الأمر بمتعاقد مع الإدارة علي توريد كمية كبيرة من الشعير في وقت كانت الحكومة تفرض تسعيرة محددة للشعير فما إن شرع المتعهد بتوريد ما اتفق عليه حتي الغت الحكومة التسعيرة فارتفع سعر الشعير بصورة كبيرة فتوقف عن تنفيذ التزاماته فاشترت الإدارة علي حسابه ورفعت الدعوي أمام محكمة أول درجة لتطالبه بفرق الثمن فدفع ذلك بالظروف الطارئة . فرفضت المحكمة دفعه ، ولما رفع الأمر إلي محكمة الاستئناف ألغت الحكم المستأنف مقررة « انفساخ الالتزام بالظروف الطارئة التي لم يكن يتوقعها العاقدان والتي تجعل التنفيذ مرهقا للمدين » .
وعندما اتصلت محكمة النقض بالدعوي أصدرت حكمها في ؛ يناير سنة ۱۹۳۲ فألغت حكم الاستئناف ؛ لأنه أخطأ في تأويل القانون بتقرير المساواة بين الطارئ الذي يجعل تنفيذ الالتزام مرهقا للملتزم وبين الحادث الجبري الذي يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا استحالة مطلقة » . وقررت أنه وإن كانت نظرية الظروف الطارئة تقوم علي أساس العدل والعفو والإحسان إلا أنه لا يصح لهذه المحكمة أن تستبق الشارع إلى ابتداعها فيكون عليها هي وضعها وتبيان الظروف الواجب تطبيقها فيها .. »(7).
وعلي الرغم من مجافاة هذا القضاء لمنطق العدل وضرورة النظر إلي منازعات العقود الإدارية نظرة مختلفة تستدعي تطبيق قواعد خاصة ومغايرة لتلك التي ينظمها القانون المدني علي هذه المنازعات . فإن هذا الاتجاه القضائي قد ظل ثابتا ولم يغير فيه اتجاه بعض الأحكام للإعلان عن عدم رضاها عن ذلك ، ومنها حكم محكمة الاستئناف المختلطة في ۱۰ يناير ۱۹۳۳ والتي قررت فيه « .. أنه في حالة عدم وجود تشريعات خاصة لتنظيم العقود الإدارية فإنه علي المحاكم عند التصدي للمنازعات المتولدة عن تلك العقود أن تراعي المبادئ الخاصة بالعقود الإدارية والتي يمكن استمدادها من المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري ذلك القانون الذي يوجد حتما في كل دولة متحضرة»(8) .
ويتضح مما سبق أن الدواعي التي أدت إلي قيام قضاء إداري متخصص بالنظر في المنازعات الإدارية - ومنها العقود الإدارية - أمر تستدعيه قواعد العدالة . ولم يكن أبدا بقصد محاباة جهة الإدارة علي حساب المتعاقد معها . فتوازن التزامات المتعاقد مع الإدارة هو الضمان الأساسي النجاح العقد الإداري . وهو الأمر الذي سعت إليه نظرية التوازن المالي في العقد الإداري . والتي شادها القضاء الإداري في فرنسا وأخذ بها بعد ذلك القضاء الإداري المصري . وإذا كان القضاء الإداري في فرنسا لم يفقد قدرته علي التطور مواكبة التطورات الاقتصادية والسياسية في المجتمع.
فإن القضاء الإداري المصري لا سيما فيما يتعلق بالعقود الإدارية لم يبارح قضاءه الذي صدر منذ بواكير أحكامه في الخمسينات م ن القرن الماضي.
وهو الأمر الذي يخالف اتجاهات قضاء المجلس في موضوعات أخري كالحريات أو القرارات الخاصة بالموظفين ، التي تميز قضاؤه فيها بالتطور وملاحقة التغييرات السياسية والاقتصادية في المجتمع . .
_____________________
1- محمد فؤاد مهنا : القانون الإداري في ظل النظام الاشتراكي الديمقراطي التعاوني1993 - ص ۱۲۳ وما بعدها .
2- ثروت بدوي : القانون الإداري 1974 دار النهضة العربية - ص ۱۰۳،
3- سعاد الشرقاوي : العقود الإدارية - ۱۹۹۰ - دار النهضة العربية - ص 294.
4- الأمر الذي دعا رئيس الجمهورية إلى التحذير من التوسع في مشروعات بوت وضرورة وضع ضوابط لهذه العقود . تصريحات الرئيس لرؤساء تحرير الصحف المصرية أثناء عودته من الكويت والإمارات . انظر الأهرام - الصفحة الأولى العدد رقم – ۱۹۷۹؛ السنة ۱۲۹ - الصفحة الأولى بتاریخ 12/11/2001 وأعاد التحذير مرة أخرى - بمناسبة افتتاح كوبري الفردان - الأهرام بتاريخ 15/11/2001ص 3.
5- مجموعة التشريع والقضاء المختلطة - السنة 36 - ص 281 .
6- الجازيت - السنة 16 – ص 250
7- المجموعة - حكم رقم ۱۱۰ - ص ۲۱۰.
8- مجموعة التشريع والقضاء المختلطة – السنة 45 - ص 114
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|