أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-03-2015
3094
التاريخ: 3-03-2015
1225
التاريخ: 3-03-2015
1453
التاريخ: 29-03-2015
3469
|
هو جمال الدين عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري(1)، وُلد بالقاهرة سنة 708 للهجرة وبها توفي سنة 761، وقد طارت شهرته في العربية منذ حياته، فأقبل عليه الطلاب من كل فج يفيدون من علمه ومباحثه النحوية الدقيقة واستنباطاته الرائعة. ويقال: إنه لم يقرأ على أبي حيان سوى ديوان زهير، وكأنه ثمرة العلماء المصريين من أساتذته، وقد تحول يتعمق مذاهب النحاة، وتمثلها تمثلا غريبا نادرا، وهي مبثوثة في مصنفاته مع مناقشتها وبيان الضعيف منها والسديد، مع إثارته ما لا يحصى من الخواطر والآراء في كل ما يناقشه وكل ما يعرضه. وبلغ الإعجاب به لدى بعض معاصريه حدا
ص346
جعلهم يقولون: إنه أنحى من سيبويه! وخلّف في العربية مصنفات كثيرة، من أهمها: كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" وقد اختطّ له منهجا لم يسبق إليه، إذ لم يُقمه على أبواب النحو المعروفة، بل قسمه قسمين كبيرين؛ قسما أفرده للحروف والأدوات التي تشبه مفاتيح البيان في لغتنا، ومضى يوضّح وظائفها وطرق استخدامها مع عرض جميع الآراء المتصلة بها عرضا باهرا. أما القسم الثاني فتحدث فيه عن أحكام الجملة وأقسامها المتنوعة وأحكام الظرف والجار والمجرور وخصائص الأبواب النحوية وصور العبارات الغريبة, مع ما لا يكاد ينفد من ملاحظات وقواعد كلية تجسم أسرار العربية، وقد طبع هذا الكتاب مرارا، وطبع معه شرحان أو حاشيتان للأمير والدسوقي. ومن مصنفاته: "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" وهو مطبوع مرارا، وشرحه الشيخ خالد الأزهري باسم "التصريح على التوضيح" وكتب عليه حاشية الشيخ يس العليمي الحمصي، والحاشية والشرح مطبوعان معه. ولابن هشام بجانب هذين المصنفين شذور الذهب في معرفة كلام العرب، وهو مطبوع مرارا ومثله "قطر الندا وبل الصدا" و"الإعراب عن قواعد الإعراب". وله وراء ذلك مصنفات نحوية كثيرة لا تزال مخطوطة ومحفوظة على رفوف المكتبات المختلفة. وهو يمتاز فيها جميعا بوضوح عبارته مع الأداء الدقيق إلى أبعد حدود الدقة, مسهبا مطنبا أو موجزا مجملا.
ومنهجه في النحو هو منهج المدرسة البغدادية، فهو يوازن بين آراء البصريين والكوفيين ومن تلاهما من النحاة في أقطار العالم العربي، مختارا لنفسه منها ما يتمشّى مع مقاييسه مظهرا قدرة فائقة في التوجيه والتعليل والتخريج، وكثيرا ما يشتق لنفسه رأيا جديدا لم يسبق إليه، وخاصة في توجيهاته الإعرابية على نحو ما يتضح لقارئ كتابه المغني.
وهو في أغلب اختياراته يقف مع البصريين، من ذلك اختياره رأي سيبويه في أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ(2) ، وأن كان وأخواتها
ص347
تعمل الرفع في اسمها والنصب في خبرها(3) ، وأن المفعول به منصوب بالفعل(4)، وأن المضاف إليه مجرور بالمضاف لا بالإضافة ولا بمعنى اللام المحذوفة(5) وقد لا نبالغ إذا قلنا: إنه كان يجل سيبويه إجلالا بعيدا، كما كان يجل جمهور البصريين، وفي كل جانب من كتاباته نراه متحمسا لهم مدافعا عن آرائهم، من ذلك أنه كان يذهب مذهب يونس بن حبيب في أن تاء أخت وبنت ليست للتأنيث(6). وكان يرى رأي سيبويه وجمهور البصريين في أن المحذوف في مثل {تَأْمُرُونِّي} نون الرفع لا نون الوقاية(7). وكان يرفض رأي الكوفيين القائل بأن أسماء الإشارة قد تحل محل أسماء الصلة، في مثل: "وهذا تحملين طليق" إذ يعرب الكوفيون هذا اسما موصولا بمعنى الذي(8) كما رفض رأيهم متشيعا للبصريين في أن الوصف يسد معه الفاعل مسد الخبر إذا لم يتقدمه نفي أو استفهام في مثل: "خبيرٌ بنو لهب"(9) وكان يحتم مع جمهور البصريين أن يكون الخبر مع الظرف والجار والمجرور محذوفا وتقديره: كائن أو مستقر, لا كان أو استقر(10) وكان يختار رأي سيبويه في أن المرفوع بعد لولا في مثل: "لولا محمد لهلك العرب" مبتدأ مرفوع بالابتداء، يقول: "وليس المرفوع بعد لولا فاعلا بفعل محذوف ولا بلولا، خلافا لزاعمي ذلك"(11) واختار رأيه في أن عسى في مثل عساك وعساه تجري مجرى لعل، ويوضح ذلك قائلا: إن في مثل هذا التعبير ثلاثة مذاهب: أحدها: أنها أجريت مجرى لعل في نصب الاسم ورفع الخبر كما أجريت لعل مجراها في اقتران خبرها بأن، قاله سيبويه، والثاني: أنها باقية على عملها عمل كان ولكن استعير ضمير النصب مكان ضمير الرفع، قاله الأخفش، ويورد ابن هشام عليه اعتراضين، كما يعترض على المذهب الثالث فيها، وهو مذهب المبرد وأبي علي الفارسي،
ص348
إذ ذهبا إلى أنها باقية على إعمالها عمل كان ولكن قلب الكلام فجعل المخبر عنه خبرا وبالعكس (12)، وواضح من اعتراضه على المذهبين الثاني والثالث أنه إنما يرتضي مذهب سيبويه. وكان يقف معه ضد الكسائي في أن زيدا في مثل: "هل زيدا رأيته؟ " منصوب على الاشتغال بفعل محذوف ولا يصح أن يكون مبتدأ(13) ، وأن حيث لا تضاف إلى المفرد قياسا (14) وأن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا كان بمعنى الحال والاستقبال, وقد تمسك الكسائي بإعماله وهو بمعنى الماضي في الآية الكريمة: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} وخرّج ذلك ابن هشام على حكاية الحال(15). ومما خالف فيه الكسائي أيضا متشيعا لسيبويه وجمهور البصريين أن معمول اسم الفعل لا يصح أن يتقدم عليه (16) وأن "إذن" الناصبة للمضارع لا بد أن تتصدر الجملة(17) وأن المضارع ينصب بأن مضمرة وجوبا بعد اللام وأو وحتى والفاء والواو(18) وكان يأخذ برأي سيبويه في أن "إذما" حرف شرط مثل إن الشرطية تماما خلافا للمبرد والفارسي القائلين بأنها ظرف زمان(19)، وكذلك أخذ برأيه في أنه لا يجوز أن يقال: "هذا لك وأباك" بنصب أباك مفعولا معه؛ لعدم تقدم فعل في الجملة أو شبهه خلافا للفارسي(20) ومما كان يأخذ فيه برأي جمهور البصريين أن "زيد" في مثل: "إنْ زيد قام" فاعل لفعل محذوف لا مبتدأ خلافا للأخفش والكوفيين (21) ، وأن الفاعل لا يصح أن يتقدم على فعله خلافا لأهل الكوفة (22)
وليس معنى ذلك أنه كان متعصبا لسيبويه وجمهور البصريين، وإنما معناه أنه كان يوافقهم في الكثرة الكثيرة من آرائهم النحوية، ولكن دون أن يوصد الأبواب أمام بعض آراء الكوفيين والبغداديين حين يراها جديرة بالاتباع، ومما كان يتابع فيه الكوفيين أن الفعل ماض ومضارع فقط وأن الأمر فرع من
ص349
المضارع المصحوب بلام الطلب في مثل: لتقم، حُذفت للتخفيف في مثل: قم واقعد وتبعها حرف المضارع، يقول: "وبقولهم أقول؛ لأن الأمر معنى حقه أن يؤدى بالحرف ولأنه أخو النهي ولم يدل عليه إلا بالحرف، ولأن الفعل إنما وضع لتقييد الحدث بالزمان المحصل وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده" (23) . وكان سيبويه يذهب إلى أن "أبؤسا" في مثل: "عسى الغوير أبؤسا" خبر عسى، وذهب الكوفيون ومعهم ابن هشام إلى أن "أبؤسا" خبر لكان أو يكون محذوفة أي: يكون أبؤسا، والجملة خبر عسى (24). وذهب سيبويه إلى أن "كيف" تكون دائما ظرفا, وذهب الكوفيون وتابعهم ابن هشام إلى أنها تكون ظرفا أحيانا وأحيانا اسما غير ظرف، بدليل أنه يبدل منها بالرفع فيقال: كيف أنت؟ أصحيح أم سقيم؟ ولا يبدل المرفوع من المنصوب(25) وكان جمهور البصريين يمنع توكيد النكرة مطلقا وأجازه الأخفش والكوفيون إذا أفاد، وتابعهم ابن هشام، مصححا مثل: "اعتكفت أسبوعا كله"(26). ومما أخذ فيه برأي الكوفيين إنكار أن التفسيرية, محتجا بأنه إذا قيل: "كتبت إليه أن قم" لم يكن قم نفس كتبت. ولهذا لو جئت بأي مكان أن في المثال لم تجده مقبولا في الطبع (27). وكان يجوز مع الكوفيين منع صرف المنصرف في ضرورة الشعر(28) وكذلك مد المقصور كقول بعض الشعراء:
فلا فقر يدوم ولا غناء
بمد كلمة غِنى (29) وجوز أيضا مع الكوفيين عدا الفراء العطف على الضمير المتصل المخفوض بدون إعادة الخافض لقراءة حمزة وغيره: "تساءلون بِهِ وَالْأَرْحَامِ" بالخفض عطفا على الهاء المخفوضة بالباء(30)، كما جوز معهم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول مستدلا بقراءة ابن عامر: "وكذلك زُيِّنَ لِكثِير من الْمشركينَ قَتْلُ أَوْلَادَهم شُرَكَائهم" بإضافة قتل إلى شركائهم, أو بعبارة أخرى: إضافة المصدر إلى فاعله مع الفصل بينهما بالمفعول به وهو كلمة "أولادَهم" (31)
ص350
وكان يأخذ برأي الفراء في أن "لو" قد تكون حرفا مصدريا بمنزلة أن المصدرية, إلا أنها لا تنصب المضارع، ويكثر وقوعها حينئذ بعد ود ويود مثل: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ} و {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ} وقد تقع بدونهما كقول قتيلة:
ما كان ضرَّك لو مننت وربما ... مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق
ويعرض لرأي جمهور البصريين في أنها في هذه المواضع شرطية وأن جوابها محذوف، ويقول: "لا خفاء بما في ذلك من التكلف"(32).
وعلى نحو ما كان يختار ابن هشام لنفسه من المدرستين الكوفية والبصرية, كان يختار لنفسه أيضا من المدرستين البغدادية والأندلسية، ومما اختاره من آراء أبي علي الفارسي أن "حيث" قد تقع مفعولا به كما في قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (33) وأن قلما في مثل: "قلما يقوم زيد" لا تحتاج لفاعل؛ لأنها استُعملت استعمال ما النافية (34) وأن "ما" قد تأتي زمانية، يقول: "وهذا ظاهر في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} أي: استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم" (35). ووافق ابن جني في أن الجملة قد تبدل من المفرد كقول بعض الشعراء:
إلى الله أشكو بالمدينة حاجةً ... وبالشام أخرى كيف يلتقيانِ؟
على تقدير أن جملة الاستفهام: "كيف يلتقيان" بدل من كلمتي "حاجة وأخرى" أي: إلى الله أشكو حاجتين تعذر التقائهما (36). وقد أكثر من مراجعة الزمخشري، ويكفي أن نذكر من ذلك ثلاثة أمثلة، أولها: رده ما ذهب إليه من أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده، يقول: "وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} ولكان ذكر الأبد في {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} تكرارا والأصل عدمه" (37) وثاني الأمثلة: ما ذهب إليه الزمخشري في الواو من أنها قد تأتي للإباحة مثل أو، وذلك في تعليقه بتفسيره على آية البقرة: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ
ص351
الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فقد ذكر عند الكلام على قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أن الواو تأتي للإباحة نحو: "جالس الحسن وابن سيرين", وأنه إنما جاء بتلك العبارة دفعا لتوهم إرادة الإباحة في قوله جل وعز: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} يقول ابن هشام: "وقلده في ذلك صاحب الإيضاح البياني ولا تعرف هذه المقالة لنحوي"(38) . والمثال الثالث: يتصل بعطف الزمخشري كلمات وعبارات متباعدة في الذكر الحكيم بعضها على بعض، إذ ذهب في قوله عز شأنه: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} إلى أن {وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} فيمن جر {مُسْتَقِرٌّ} عطف على {السَّاعَةُ} ، وهي في رأي ابن هشام مبتدأ حذف خبره. ومن ذلك ذهاب الزمخشري إلى أن الآية رقم 38 في سورة الذاريات: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} معطوفة على الآية رقم 20 : {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} , وفي رأي ابن هشام أنها معطوفة على كلمة {فِيهَا} في الآية السابقة لها رقم 37: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}(39). وليس معنى ذلك أنه كان يعارض دائما آراء الزمخشري, فقد كان يرتضي بل يستحسن كثيرا من آرائه، من ذلك ما ذهب إليه من أن "أنما" بالفتح تفيد الحصر مثل "إنما" وقد اجتمعتا، كما يقول في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}(40) ويقف بإزاء إفادة أما التوكيد في مثل: "أما زيد فمنطلق" ويقول: قل من ذكره ولم أر من أحكم شرحه غير الزمخشري, فإنه قال: "فائدة: أما في الكلام أن تعطيه فضل توكيد تقول: زيد ذاهب, فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب وأنه منه عزيمة قلت: أما زيد فذاهب؛ ولذلك قال سيبويه في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير مُدْل بفائدتين: بيان كونه توكيدا وأنه في معنى الشرط"(41). وقد استصوب رأيه في أن "قد" تأتي للتوقع, وقد تأتي للتحقيق مثل: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}
ص352
إذ دخلت لتوكيد العلم (42) .
وأكثر الأندلسيين دورانا في مصنفاته ابن عصفور وابن مالك وأبو حيان، ومما اختاره من آراء الأول أن "لَنْ" قد تأتي للدعاء، والحجة في ذلك قول الأعشى:
لن تزالوا كذلكم ثم لا زلـ ... ـت لكم خالدا خلود الجبال (43)
وأن محل الجملة في التعليق النصب؛ ولذلك يعطف عليها بالنصب مثل: "عرفت من زيد وغير ذلك من الأمور" وكان ابن عصفور يستدل بقول كثير:
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا ... ولا موجعاتِ القلب حتى تولت
بنصب "موجعات" وعطفها على عبارة: "ما البكا" التي علق عنها فعل أدري(44) أما ابن مالك فهو صاحبه الذي عني بشرح مصنفاته مثل التسهيل والألفية، ومن يقرؤه في "أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك" يجده يتابعه في جمهور آرائه، وقلما خالفه، وقد حكى آراءه أو قل كثيرا منها في كتابه "المغني" وتارة يوافقه وتارة يخالفه، ومما وافقه فيه أن إلى قد تأتي بمعنى في كما في الآية الكريمة: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}(45) ، وأنه يمكن تخريج مسألة الزنبور: "فإذا هو إياها" على أن ضمير النصب استُعير في مكان ضمير الرفع، يقول: ويشهد له قراءة الحسن: "إياك تُعْبَدُ" ببناء الفعل للمفعول(46) وأن حتى إذا عطفت على مجرور أُعيد الخافض فرقا بينها وبين الجارة مثل: مررت بالقوم حتى بزيد إلا إذا تعين كونها للعطف مثل: "عجبت من القوم حتى بنيهم". قال ابن هشام: وهو قيد حسن(47) وأن "عن" الجارة قد تفيد الاستعانة مثل: "رميت عن القوس" أي: بالقوس(48) ويقول: "عبارة ابن مالك في قد حسنة, فإنه قال: إنها تدخل على ماض متوقع، ولم يقل: إنها تفيد التوقع ... وهذا هو الحق"(49)، ويتابعه في أن كلا قد تأتي توكيدا لمعرفة مثل: "يا أشبه الناسِ كلِّ
ص353
الناس بالقمر" وأنها ليست حينئذ نعتا كما زعم أبو حيان(50) . وكان يعجب بقوله في كيف: "لم يقل أحد: إنها ظرف إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسَّر بقولك على أي حال؛ لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا؛ لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا"(51) كما كان يعجب بقوله: إن لما ظرف بمعنى "إذ" لا بمعنى حين كما زعم الفارسي وابن جني (52) أما أبو حيان، فإنه كاد أن لا يوافقه في شيء، وكان كما أسلفنا يكثر من الخلاف على ابن مالك، وكأنما جعل ابن هشام نصب عينيه أن ينقض كل ما أورده عليه(53) وكذلك على الزمخشري(54).
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن أهم نحوي مصري تعقبه في آرائه هو ابن الحاجب، وكثيرا ما يثبت عليه السهو والوهم والتعسف(55)، وكثيرا ما يتوقف لنقض آرائه(56) وكتابه "المغني" في الواقع موسوعة كبرى لعرض آراء النحاة السابقين له في مختلف الأصقاع العربية، وهو ليس عرضا فقط بل هو مناقشة واسعة لتلك الآراء وتبين الصحيح منها والفاسد، مع كثرة الاستنباطات ومع اشتقاق الآراء المبتكرة غير المسبوقة، ويكفي أن نضرب لذلك بعض الأمثلة كذهابه إلى أن "عشر" في قولنا: اثني عشر حالة محل النون في اثنين، وهي بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها ولا محل لها من الإعراب(57) ومن ذلك أن كان وأخواتها ما عدا ليس تدل على الحدث كما تدل على الزمان(58)، وأن الحال كما تأتي مؤكدة لعاملها في مثل: {وَلَّى مُدْبِرًا} تأتي مؤكدة لصاحبها مثل: "جاء القوم طرا"، و {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}(59) . وأهم من الآراء المبتكرة وضعه للضوابط النحوية على نحو ما يتجلى في الأبواب الثاني والثالث والرابع والخامس من كتابه المغني، وقد بلغت حدا رائعا من
ص354
الدقة والسداد. ولا تقل عنها أهمية القواعد النحوية الكلية التي ضمنها الباب الثامن من هذا الكتاب، وهي مقتبسة في جملتها من قواعد علم الأصول، كقاعدة أن الشيء قد يعطى حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما. وقد عرضها في أربع وعشرين صورة جزئية (60) . ولعل في ذلك كله ما يصور من بعض الوجوه نشاط ابن هشام النحوي ومدى استيعابه لآراء النحاة السالفين, ومدى فطنته في استخلاص الآراء واستنباطها والحوار فيها كأدق ما يكون الحوار, مع النفوذ إلى القوانين النحوية الكلية العامة.
ص355
________________________
(1) راجع في ترجمة ابن هشام: الدرر الكامنة لابن حجر 7/ 30 8، وشذرات الذهب 6/ 191، وبغية الوعاة ص293، والمنهج الأحمد للعليمي ص255.
(2) شرح التصريح على التوضيح 1/ 158.
(3) التصريح 1/ 184.
(4) التصريح 1/ 309.
(5) التصريح 2/ 24.
(6) التصريح 1/ 74.
(7) المغني ص380 ، والتصريح 1/ 111.
(8) التصريح 1/ 139.
(9) التصريح 1/ 157.
(10) التصريح 1/ 166, وانظر ابن يعيش 1/ 90 .
(11) المغني ص302, والتصريح 1/ 178، وانظر ابن يعيش 1/ 95، 3/ 118.
(12) المغني ص164.
(13) التصريح 1/ 297.
(14) التصريح 2/ 39, والمغني ص141.
(15) التصريح 2/ 66.
(16) التصريح 2/ 200 .
(17) التصريح 2/ 234.
(18) التصريح 2/ 235.
(19) التصريح 2/ 247, وانظر المغني ص92.
(20) التصريح 1/ 343.
(21) التصريح 1/ 270 .
(22) التصريح 1/ 271.
(23) المغني ص250 , والتصريح 1/ 55.
(24) المغني ص164، والتصريح 1/ 204.
(25) المغني ص226، والهمع 1/ 202.
(26) التصريح 2/ 124.
(27) المغني ص29.
(28) التصريح 2/ 228.
(29) التصريح 2/ 293.
(30) التصريح 2/ 150 .
(31) التصريح 2/ 57.
(32) المغني ص293، والتصريح 2/ 254.
(33) المغني ص140 .
(34) المغني ص750 .
(35) المغني ص335.
(36) المغني ص475, والتصريح 2/ 162.
(37) التصريح 2/ 229، والمغني ص314.
(38) المغني ص66.
(39) المغني ص605 وما بعدها.
(40) المغني ص39.
(41) المغني ص59.
(42) المغني ص188 وما بعدها.
(43) المغني ص315.
(44) المغني ص467, والتصريح 1/ 257.
(45) المغني ص79.
(46) المغني ص96.
(47) المغني ص136.
(48) المغني ص159.
(49) المغني ص187.
(50) المغني ص212.
(51) المغني ص226.
(52) المغني ص310 .
(53) انظر المغني ص117، 136، 212، 216.
(54) انظر مثلا المغني ص32، 39، 208.
(55) انظر المغني ص35، 299.
(56) راجع المغني ص73، 103، 290 ، 514.
(57) الهمع 1/ 14.
(58) المغني ص488.
(59) المغني ص518.
(60) المغني ص751.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|