المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

النية في الصوم
31-10-2016
Electron-capture Detectors
4-2-2020
تعارض الاستصحاب مع الأمارة
10-9-2016
النظام النقدي الدولي
20-8-2018
التفاعل والحيوية
2024-08-28
اعتقال الإمام الكاظم ( عليه السّلام )
9-1-2023


موضوع الخطاب‏ في سورة البقرة  
  
3586   07:43 مساءاً   التاريخ: 1-03-2015
المؤلف : خلود عموش
الكتاب أو المصدر : الخطاب القرآني
الجزء والصفحة : ص405-410.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / مواضيع عامة في علوم القرآن /

هذه السورة من أوائل ما نزل من السور بعد الهجرة، وتضم عدة موضوعات، ولكنّ المحور الذي يجمعها كلّها محور واحد مزدوج، يترابط الخطّان الرئيسان فيه ترابطا شديدا؛ فهي من ناحية تدور حول موقف بني إسرائيل من الدعوة الإسلاميّة في المدينة، واستقبالهم لها، ومواجهتهم لرسولها- صلى اللّه عليه وآله وسلّم- وللجماعة المسلمة الناشئة على أساسها، وسائر ما يتعلّق بهذا الموقف بما فيه تلك العلاقة القويّة بين اليهود والمنافقين من جهة، وبين اليهود والمشركين من جهة أخرى. وهي من الناحية الأخرى تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أوّل نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد اللّه، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام، وتبصير الجماعة المسلمة، وتحذيرها من العثرات التي سبّبت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم، وكلّ موضوعات السورة تدور حول هذا المحور المزدوج بخطيّه الرئيسين.

ولكي يتّضح مدى الارتباط بين محور السورة وموضوعاتها من جهة، وبين خط سير الدعوة أوّل العهد بالمدينة، وحياة الجماعة المسلمة وملابساتها من الجهة الأخرى، يحسن أن نلقي ضوءا على مجمل هذه الملابسات التي نزلت آيات السورة لموجهتها ابتداء.

لقد تمّت هجرة الرسول- صلّى اللّه عليه وآله وسلم- إلى المدينة بعد تمهيد ثابت وإعداد محكم تحت تأثير ظروف حتمت هذه الهجرة وجعلتها إجراء ضروريا لسير هذه الدعوة في الخط المرسوم الذي قدّره اللّه لها، وكان موقف قريش العنيد من الدعوة في (مكة) خاصّة بعد وفاة خديجة وموت أبي طالب- قد أدّى إلى تجميد الدعوة تقريبا في مكّة وما حولها، ومن ثمّ كان بحث الرسول عن قاعدة أخرى غير مكّة، تحمي العقيدة وتكفل لها الحريّة، وبعد محاولات إلى الحبشة والطائف فتح اللّه على الرسول الكريم، فكانت بيعة العقبة الأولى والثانية «1»، وهما ذواتا صلة قويّة بالموضوع الذي نعالجه في مقدّمة هذه السورة، وقد أخذ المبايعون الأمر بقوّة، ومن ثمّ فشا الإسلام في المدينة، وأخذ المسلمون في مكّة يهاجرون تباعا تاركين وراءهم كلّ شي‏ء، وقامت دولة الإسلام من أولئك السابقين من المهاجرين والأنصار، وتكوّنت منهم طبقة ممتازة من المسلمين نوّه القرآن بها، وهنا نجد السورة تفتتح بتقدير مقوّمات الإيمان، وهي تقرّر صفة المؤمنين الصادقين إطلاقا، ولكنها تصف ذلك الفريق من المسلمين الذي كان قائما بالمدينة حينذاك. ثمّ نجد بعدها مباشرة في السياق وصفا للكفّار وهو يمثّل مواصفات الكفر بشكل عام، ولكنه وصف مباشر للكفّار الذين كانت تواجههم حينذاك. كذلك كانت هناك طائفة المنافقين، ووجود هذه الطائفة نشأ بأثر من الأوضاع التي أنشأتها الهجرة النبوية ولم يكن لها وجود بمكّة، ففي المدينة أصبح المسلمون عصبة يخشاها بعض الكارهين لها فيضطرون لمصانعتها، وفي مقدمة أولئك نفر من الكبراء دخل أهلهم وشيعتهم في الإسلام، فصار لزاما عليهم أن يتظاهروا باعتناق الدين الذي اعتنقه أهلهم، لكي يحتفظوا بمقامهم ومصالحهم الموروثة، ومن هؤلاء عبد اللّه بن أبيّ بن سلول الذي كان قومه ينظمون له الخزر ليتوّجوه ملكا عليهم قبيل مقدم الإسلام على المدينة «2».

وسنجد في أول السورة وصفا مطوّلا لهؤلاء المنافقين ندرك من بعض فقراته أن المعني بهم في الغالب هم أولئك الذين أرغموا على التظاهر بالإسلام ولم ينسوا بعد ترفعهم على جماهير الناس، وتسمية هذه الجماهير بالسفهاء على طريقة العلية المتكبّرين {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة :  8]. وفي ثنايا هذه الحملة على المنافقين الذين في قلوبهم مرض نجد إشارة إلى (شياطينهم) والظاهر من سياق السورة ومن سياق الأحداث في السيرة أنّها تعني اليهود الذين تضمنت السورة حملات شديدة عليها فيما بعد. لقد كان اليهود أوّل من اصطدم‏ بالدعوة في المدينة، وكان لهذا الاصطدام أسبابه الكثيرة، فقد كان لليهود في يثرب مركز ممتاز سبب أنّهم أهل كتاب بين الأميّين من العرب، وساعد ذلك ما بين الأوس والخزرج من فرقة وخصام، فلمّا جاء الإسلام سلبهم هذه المزايا، وأزال الفرقة التي كانوا ينفذون من خلالها للدس والكيد، وكانوا يتطلّعون أن يكون الرسول الأخير فيهم كما توقّعوا دائما، فلما وجدوا الرسول يدعوهم إلى كتاب اللّه أخذتهم العزّة بالإثم، وعدوّا ذلك إهانة لهم، وشعروا بالخطر من عزلهم عن المجتمع المدني الذي كانوا يزاولون فيه القيادة العقليّة الرابحة والربا المضاعف. لهذا كلّه وقف اليهود من الدعوة الإسلاميّة هذا الموقف الذي تصفه سورة البقرة في تفصيل دقيق. وكانت معجزة القرآن الخالدة أنّ صفتهم التي دمغهم بها هي الصفة الملازمة لهم في كلّ أجيالهم، مما جعل القرآن يخاطبهم في عهد النّبي- صلى اللّه عليه وآله وسلّم- كما لو كانوا هم أنفسهم الذين كانوا على عهد موسى عليه السلام، وعلى عهود خلفائه من أنبيائه باعتبارهم جبلّة واحدة، سماتهم واحدة وموقفهم من الحقّ والخلق واحد على مدار الزمان، ومن ثمّ يكثر الالتفات في السياق من خطاب قوم موسى إلى خطاب اليهود في المدينة، إلى خطاب أجيال بين هذين الجيلين.

وهذه السورة التي تضمّنت هذا الوصف وهذا التحذير، ذكرت كذلك بناء الجماعة المسلمة وإعدادها لحمل أمانة العقيدة في الأرض بعد نكول بني إسرائيل عن حملها قديما، ووقوفهم في وجهها هذه الوقفة أخيرا.

أمّا داخل النصّ فنجد أن السورة تمضي على محورها بخطيّه الرئيسين إلى نهايتها، في وحدة ملحوظة تمثّل الشخصية الخاصّة للسورة مع تعدّد الموضوعات التي تتناولها. فبعد استعراض النماذج الثلاثة الأولى :  المتّقين، والكافرين، والمنافقين، وبعد الإشارة الضمنية لليهود الشياطين نجد دعوة الناس جميعا إلى عبادة اللّه والإيمان بالكتاب المنزّل على عبده، وتحدّي المرتابين فيه أن يأتوا بسورة من مثله، وتهديد الكافرين بالنار وتبشير المؤمنين بالجنّة، ثم نجد التعجّب من أمر الذي يكفرون باللّه {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُو الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة :  28، 29] وعند هذا المقطع الذي يشير إلى خلق ما في الأرض جميعا للناس تجي‏ء قصة استخلاف آدم في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ..} [البقرة :  30] وتمضي القصّة تصف المعركة الخالدة بين آدم والشيطان حتى تنتهي بعهد الاستخلاف وهو عهد الإيمان {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة :  38] بعد هذا يبدأ السياق جولة واسعة طويلة مع بني إسرائيل تتخلّلها دعوتهم للدخول في دين اللّه مع تذكيرهم بعثراتهم وخطاياهم والتوائهم منذ أيام موسى عليه السلام، وتستغرق هذه الجولة كل هذا الجزء الأوّل من السورة، وتحمل السورة حملة قوية على أفاعيل بني إسرائيل، وتنتهي هذه الحملة بتيئيس المسلمين من الطمع في إيمانهم وبتقرير أنهم وحدهم المهتدون بما أنهم ورثة إبراهيم عليه السلام، وأن وراثة إبراهيم عليه السلام انتهت إلى محمّد والمؤمنين به، وأنّ هذا كان استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل.

وعند هذا الحد يبدأ سياق السورة يتّجه إلى النّبي- صلى اللّه عليه وآله وسلّم- وإلى الجماعة المسلمة من حوله، حيث يأخذ في وضع الأسس التي تقوم عليها حياة هذه الجماعة المستخلفة على دعوة اللّه في الأرض، وفي تمييز هذه الجماعة بطابع خاصّ وبمنهج في التصوّر وفي الحياة خاص، ويبدأ هذا بتعيين القبلة التي تتّجه إليها هذه الجماعة، وهي البيت المحرّم الذي عهد اللّه لإبراهيم وإسماعيل أن يقيماه ويطهّراه ليعبد فيه اللّه وحده. ثمّ‏ تمضي السورة في بيان المنهج الرباني لهذه الجماعة المسلمة، منهج التصوّر والعبادة، ومنهج السلوك والمعاملة، فبيّن لها أنّ الذين يقتلون في سبيل اللّه ليسوا أمواتا بل أحياء، وأن الإصابة بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ليس شرّا يراد بها، إنما هو ابتلاء ينال الصابرون عليه صلوات اللّه ورحمته، وأنّ اللّه وليّ الذين آمنوا، وبيّن لهم بعض الحلال والحرام في المطاعم والمشارب، وحقيقة البرّ لا مظاهره وأشكاله، وأحكام القصاص في القتلى، وأحكام الوصيّة، وأحكام الصوم والحج، وأحكام الزواج والطلاق مع التوسّع في دستور الأسرة بصفة خاصّة، وأحكام الصدقة والربا، وأحكام الدين والتجارة و....

وإذا ما تأمّلنا كيف دخل السياق إلى الحديث عن بني إسرائيل، ثمّ كيف انتقل من بني إسرائيل إلى الأمة المؤمنة ليضع لها دستور حياتها الجديدة، فإنّ في هذين الموضعين بالذات تبدو(الهندسة) الدقيقة في بناء السورة، وترسم صورة كذلك للبناء كلّه، لم يبدأ الحديث مباشرة عن بني إسرائيل، بل بدأ بما يناسب افتتاح عهد جديد في حياة المسلمين، وهو قيام المجتمع المسلم والدولة المسلمة بعد ثلاثة عشر عاما من الاضطهاد والتشريد والملاحقة المضنية من قريش، والسياق في الآيات من (42- 123) تقريبا لخّص تاريخ بني إسرائيل الأسود كلّه، وينتهي الحديث الموجّه إليهم طيلة هذه الآيات كلّها بهذا الإنذار الأخير :  {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } [البقرة :  47، 48]. علما أنّ هذا الإنذار ذاته قد جاء بتنويع طفيف في عبارته في مبدأ الحديث إلى بني إسرائيل في الآيات (47- 48) { يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ، واتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، ولا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ولا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، ولا هُمْ يُنْصَرُونَ} فكأنما بدأ الحديث بالإنذار وختم به. ثمّ بعد ذلك سيبدأ الحديث الموجّه إلى المؤمنين ينظّم لهم شئون حياتهم في المجتمع الجديد، فكيف انتقل إلى ذلك؟ لقد أتى السياق بوصلة بديعة تصل بين الحديثين، وتفرّق في الوقت ذاته بين الأمّتين، إنّ الأمّتين تنتهيان في النسب إلى إبراهيم عليه السلام فهو الجدّ المشترك لليهود عن طريق إسحاق، وللعرب عن طريق إسماعيل، وهما ابنا إبراهيم عليه السلام، ولقد أعطى اللّه إبراهيم العهد فجعله للناس إماما، وسأل إبراهيم ربّه :  هل يسري هذا العهد إلى ذريتي؟ فقال عزّ وجل  : { لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة :  124]. وإذن فقد نبّه إبراهيم عليه السلام أن العهد له ثمّ لذريّته إن استقاموا على العهد، فإن ظلموا فلا عهد لهم عند اللّه، ومن ثمّ انتقل العهد إلى أمّة محمد عن طريق إسماعيل‏ «2». لأنها أمّة مهتدية مؤمنة، تلك هي القصّة التي تحويها- صراحة وضمنا- تلك الوصلة البديعة التي تصل بين الحديثين، وتفرّق في الوقت ذاته بين الأمّتين.

إذن فهذه هي الرسالة اللّغويّة التي تحملها سورة البقرة ، وهي رسالة متماسكة بخيط موضوعيّ واحد من الآية الأولى إلى الآية النهائية، ومن الجدير بالذكر أنّ السورة قد ركّزت على إنشاء الجماعة المسلمة المستخلفة التي تقيم شرع اللّه في كلّ ميادين الحياة :  في الاقتصاد، والاجتماع، وفي ميدان الأسرة، وفي الجهاد، و..... ضمن منهجيّة وسطيّة، وقد جاء الحديث عن وسطيّة الأمّة في الآية (143)، وهي الآية التي تنتصف بها سورة البقرة تماما «3»، إذ عدد آياتها هو (286) آية ممّا يومئ بنظام هندسيّ دقيق يرتبط بموضوع السورة؛ وهذا يذكّرنا بقولة (بارت) عن الفن يقول : " إنّه لا يعرف الضوضاء، إنّه عبارة عن نسق خالص، وليس هناك أبدا وحدة ضائعة" «4». وفي نهاية السورة نرى الختام ينعطف على الافتتاح فنرى طبيعة التصوّر الإيماني من خلال إيمان الأمة المسلمة بالأنبياء كلّهم، وبالكتب كلّها، وبالغيب وما وراءه، مع السمع والطاعة { آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ ...}

" ومن ثمّ يتناسق البدء والختام، وتتجمّع موضوعات السورة بين صفتين من صفات المؤمنين وخصائص الإيمان" «5».

إنّ النصّ في سورة البقرة متماسك في موضوعه، منسجم في سياقه، فهو نسيج متّصل؛ ونسيج النصّ هو واحد من الخصائص التي تميز النصّ عن اللانصّ في علم لسانيات الخطاب، فكلمة نصّ توحي" بسلسلة من الجمل والملفوظات المنسوجة بنيويّا ودلاليّا، وتتمثل في هذا النسيج، أوهذه المتوالية عناصر الاستمرار والانسجام ". «6» وهذا النص " مغلق بمعنى له بداية ونهاية ولكنه توالديّ مفتوح " «7»، يملك رسالة للقراءة في كلّ آن، والعلائق الداخلية في نسيج النصّ تبدّت من خلال وجود ثابت بنيوي (محور رئيس للسورة) ينطلق منه النصّ يفصّله ويكمله " وهذا الثابت يحقق التماسك الدلالي والمنطقي في النصّ " «8».

____________________

(1) انظر تهذيب سيرة ابن هشام.

(2) تهذيب سيرة ابن هشام، ص.

(3) انظر محمّد قطب، دراسات قرآنيّة، ص 271.

(4) هذه الملاحظة من جاك بيرك في كتابه :  القرآن وعلم القراءة، ط 1، ترجمة منذر عياشي، دار التنوير، بيروت، 1996، ص 53.

(5) رولان بارت، درس السيميولوجيا، ص 85.

(6) سيّد قطب، في ظلال القرآن ، ط 11 ، دار الشروق ، القاهرة ، 1985، 1/ 35.

(7) (Criticism The New EnCyclopedia Britannica Vol 18 P. 190. 1972 Textual).

(8) محمّد مفتاح ، استراتيجية التناص ، ص 42.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .