المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الاقليم المناخي الموسمي
2024-11-02
اقليم المناخ المتوسطي (مناخ البحر المتوسط)
2024-11-02
اقليم المناخ الصحراوي
2024-11-02
اقليم المناخ السوداني
2024-11-02
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01



حفني ناصف  
  
3228   01:31 مساءً   التاريخ: 4-8-2018
المؤلف : عمر الدسوقي
الكتاب أو المصدر : نشأة النثر الحديث و تطوره
الجزء والصفحة : ص :113-115
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-1-2016 2748
التاريخ: 19-06-2015 2177
التاريخ: 27-1-2016 3274
التاريخ: 13-08-2015 2162


حفني ناصف وقد تخرج في دار العلوم سنة 1882 بعد أن قضى بها ثلاث سنوات، وتلك السنة التي شبت فيها الثورة العرابية، ودخل الإنجليز مصر، وكان حفني أديبا، وعالمًا لغويًا، وأهم ظاهرة في أدبه شعره ونثره تلك الروح المصرية السمحة التي تتميز بالدعابة والفكاهة، ويقول عنه تلميذه طه حسين: إنه "كان ذكي القلب، خصب الذهن، نافذ البصيرة حاضر البديهة، سريع الخاطر، ذرب اللسان، وكان أسمع الناس طبعًا، وأرجحهم حلمًا، وأعذبهم روحًا، وأرقهم شمائل".
وقد شغل حفني مناصب عدة، فاشتغل بالتدريس والقضاء، وسافر إلى أوروبا وكتب في الصحف، وكان لكل ذلك تأثير في عقله، ومن ثم على قلمه، ولعله أشهر كتاب الرسائل وأقواهم بعد عبد الله فكري، وهو ممن يؤثرون السجع ويدافعون عنه، وسنرى بعد قليل حجته في ذلك، وقد تدعوه روح الفكاهة والظرف إلى استخدام بعض الألفاظ العامية أو المتداولة كثيرًا، إذ يراها تضفي على كتابته الروح التي يريدها، ومن ذلك مثلًا قوله من رسالة يشكر فيها من أهدى له عنبًا: "وصل يا مولاي إلى هذا الطرف ما خصصت به العبد من الطرف "قفص" من عنب كاللؤلؤ في الصدف، تتألق عناقيده كأنها من صناعة "النجف"، ولعمر الحق إنها تحفة من أحلى التحف، لا يعثر على مثلها إلا بطريق "الصدف"، فقابلناه لثما بالأفواه، ورشفا بالشفاه، واحتفينا بقدومه كل الاحتفاء، ولم نفرط في حبه عند اللقاء، بل حللنا به الحبى، وقلنا له: أهلا وسهلا ومرحبًا، وأوسعناه عضا ولثما، وتناولناه تجمنيشًا وضما ... إلخ".
ولعل من أشهر رسائله، وأدلها على أسلوبه وخصائصه، وكيف كان يضمنها الأمثال والأشعار، ويحل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بطريقة تدل على مقدرة وتمكن في الكتابة، وعلى أن حفني قد يجد -وكثيرًا ما يجد- في كتابته فيغضب لكرامته، ويكون قاسيًا في معاتبته، مع أدب جم، وذوق رفيع في اختيار الكلمات، وعرض الفكرة -لعل من أشهر رسائله في هذا الباب رسالته إلى السيد توفيق البكري، وقد زاره في بيته فوجد زوارا كثيرين، فانتظر حتى قدم صاحب الدار، ولكنه لم يعره التفاتا، فكتبت إليه يعتب عليه:
"
كتابي إلى السيد السند، ولا أجشمه الجواب عنه، فذلك ما لا أنتظره منه، وإنما أسأله أن ينشط لقراءته، وتنزل إلى مطالعته، وله الرأي بعد ذلك أن يحاسب نفسه، أو يزكيها ويحكم لها أو عليها.
فقد تنفع الذكرى إذا كان هجرهم ... دلالًا فأما إن ملالًا فلا نفعًا
"زرت "السيد"، ويعلم الله أن شوقي إلى لقائه، كحرص على بقائه، وكلفي بشهوده، كشغفي بوجوده، فقد بعد والله عهد هذا التلاق، وطال أمد الفراق وتصرم الزمان، وأنا من رؤيته في حرمان، فسألت عنه فقيل لي: أنه خرج لتشييع زائر، وهو عما قليل حاضر، فانتظرت رجوعه، وترقبت طلوعه، ولم أزال أعد اللحظات، وأستطيل الأوقات، حتى بزغت الأنوار، وارتج صحن الدار، وظهر الاستبشار على وجوه الزوار، وجاء السيد في موكبه وجلاله محتده ومنصبه، فقمنا باستقباله، وهيمنا بكماله فمر يتعرف وجوه القوم، حتى حازاني، وكبر على عينه أن تراني، فغادرني ومن على يساري، وأخذ في السلام على جاري، وجر السلام الكلام، وتكرر القعود والقيام، وأنا في هذه الحال أوهم جاري أني في داري، وأظهر للناس أن شدة الألفة تسقط الكلفة، مر السيد بعد ذلك من أمامي ثلاث مرات، ومن الغريب أنه لم يستدرك ما فات.

تمرون الديار ولم تعوجوا ... كلامكم علي إذا حرام
وكنت أظن أن مكانتي عند السيد لا تنكر، وأن عهدي لديه لا يخفر، فإذا أنا لست في العير ولا في النفير، وغيري عند السيد كثير، وذهاب صاحب أو أكثر عليه يسير.
ومن مدت العليا إليه يمينها ... فأكبر إنسان لديه صغير
ولا أدعي أني أوازي السيد "صانه الله" في علو حسبه، أو أدانيه في علمه وأدبه وأقاربه في مناصبه ورتبه، أو أكاثره في فضته وذهبه، وإنما أقول: ينبغي للسيد أن يميز بين من يزوره لسماع الأغاني والأذكار، وشهود الأواني على مائدة الإفطار، وبين من يزوره للسلام، وتأييد جامعة الإسلام، وأن يفرق بين من يتردد عليه استخلاصًا للخلاص، ومن يتردد إجابة لدعوى الإخلاص، وألا يشتبه عليه طلاب الفوائد بطلاب العوائد، وقناص الشوارد، بنقباء الموالد، ورواد الطرف بأرباب الحرف.
فما كل من لاقيت صاحب حاجة ... ولا كل من قابلت سائلك العرفا
فإن حسن عند السيد أن يغضي عن بعض الأجناس، فلا يحسن أن يغضي عن جميع الناس، وإلا فلماذا يطوف على الضيوف، ويحييهم بصنوف من المعروف، يتخطى الرقاب "لصروف"، ويخترق لأجله الصفوف؟، فإن زعم السيد أنه أعلم بتصريف الأقلام، فليس بأقدم هجرة في الإسلام، وإن رأى أنه أقدر مني على إطرائه، فليس بممكن أن يتخذه من أوليائه.
ولا أروم بحمد الله منزلة ... غيري أحق بها مني إذا راما
وإنما أصون نفسي عن المهانة والضعة  ، ولا أعرضها للضيق وفي الدنيا سعة.
وأكرم نفسي، إنني إن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فلا يصعر السيد من خده، فقد رضيت بما ألزمني من بعده، ولا يغض من عينه، فهذا فراق بيني وبينه، وليتخذني صاحبًا من بعيد، ولا يكلمني إلى يوم الوعيد.

كلانا غني عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشد تغانيا
ومني على السيد السلام، على الدوام، ومبارك إذا لبس جديدًا، وكل عام وهو بخير إذا استقبل عيدًا، ومرحى إذا أصاب، وشيعته السلامة إذا غاب، وقدومًا مباركًا إذا آب، وبالرفاء والبنين إذا أغرس، وبالطالع المسعود إذا أنجب، ورحمة الله إذا عطس، ونوم العافية إذا نعس، وصح نومه إذا استيقظ، وهنيئًا إذا شرب، وما شاء الله إذا ركب، ونعم صباحه إذا انفجر الفجر، وسعد مساؤه إذا أذن العصر، وبخ بخ إذا نثر، ولا فض فوه إذا شعر، وأجاد وأفاد إذا خطب، وأطرب وأغرب إذا كتب، وإذا حج البيت فحجا مبرورًا، وإذا شيع جنازتي فسعيا مشكورًا، والسلام".
ونرى حفني قد سار في هذه الرسالة سيرا طبيعيًا، ومهد لعتبه تمهيدًا لبقا، فبين كم كان مشوقًا إلى لقائه، والحوافز التي دعته إلى زيارته، ثم أجاد في وصف موكب السيد، ووصف حاله هو حين تخطاه ولم يعره التفاتا، وكيف حز ذلك في نفسه، وبين أنه على الرغم من التفاوت بينهما في المنصب، والجاه والحسب والمال، فإنه لم يزره طالبًا رفده أو منظرًا فضله، ويجب عليه أن يفرق بين أنواع الزوار، وضرب مثلًا بحفاوة السيد يعقوب صروف، وبين أنه لا يقل عنه منزلة، فليس ممن سبقوا إلى الإسلام، ثم اشتد في عتبه وثأر لنفسه في أدب، وبين أنه كريم يحافظ على مكانته، وأنه سيفارقه إلى الأبد ضنا بنفسه عن المهانة، وقطع عليه خط الرجعة، فقدم لك كل ما يمكن أن يقال في المناسبات، حتى تشييع جنازته، فهي رسالة أديب حر كريم، ونموذج صادق في ميدان الأدب والكرامة.
ولقد كان حفني بارعًا في تصوير المواقف، والحالات النفسية والمناظر، وكان أسلوبه فيها شفافًا عن نفسه، لم يحل سجعه دون ظهور صدقه، ولم تحل سماحته وسجاحته دون شدته وقوة عارضته، وقد أفاء على سجعه طلاوة قصر فقراته، ومجيئه متمكنًا في مواضعه حتى لا نحس بأدنى تكلف، وقد ضمنها كثيرًا من الأشعار جاءت في مكانها مناسبة للمقام تمام المناسبة.

ولا شك أنه ذوق حفني، وكثرة محصوله من الأدب نثره وشعره، وما كان فيه من حالة نفسية عاطفية قد أضفى على القطعة كلها جو من القوة، وجماله الرونق.
وكان حفني مولعًا بالسجع، متمكنًا فيه كل التمكن، ولذلك لم يعدل عنه رسائله، بل كان يحرر به المقالات، وينشئ المقامات، وفي أخريات تلك الحقبة اشتدت الحملة على السجع ممن أرادوا تحرير النثر من قيوده، وكان ذلك طبيعيًا لتطور العقول، وتحررها من مخلفات الماضي، وازدياد صلتها بالثقافات الأجنبية، ولطور المقالة الصحفية بمختلف أنواعها، فلم لا تسلك ألوان النثر الأخرى مسلكها، ولقد كان حفني يمثل الفريق المحافظ في هذا الصراع بين الثقافتين، ولذلك سجل رأيه في السجع واضحًا فقال:
"
أخذوا في ذم السجع والمقفى، وأطلقوا القول في تهجينه، وضللوا المتقدمين من المنشئين، وأئمة الأدب وفرسان البراعة، ولا أقول: إن ذلك ناشئ عن عجزهم وقلة بضاعتهم في ذلك الشأن، فأخذوا يحسنون به القبيح ويقبحون الحسن، سفسطة على العالم، ومغالطة الناس ومن جهل شيئًا عاداه، بل أقول: إن هذا إطلاق في مقام التقييد، وإرسال للعنان في موضع الإمساك، وإجمال في ساحة التفصيل، والحق أن لكل مقام مقالًا، وأن السجع والتقفية، قد يلبسان القول حسنًا، ويكسبانه رونقًا لا ينهض به تفلسفهم المسجوع، وسفسطتهم الباردة.
نعم إن بعض القاصرين من الناشئين قد يضطره الازدواج، وتحكم عليه القافية، فيأتي بألفاظ عن الغرض، أو يعقد الكلام فلا يفي بالمرام، فكانوا -لو أنصفوا- يجعلون هذا محط تهجينهم، ومرمى قذفهم، فإن الحشو مذهب لانتظام القول، مضيع لزينته.
فالغاية أنه يلزم المنشئ أن يكون كلامه وافيًا بالغرض، مؤديًا للمطلوب في سياق مناسب لاختلاف المقامات وتباين الدواعي، فإن سهل عليه ذلك مع مراعاة السجع، والقافية كان أدخل في تمكين المعاني في الأذهان، وأنشط للأسماع.

وأدعى للإقبال، وأخف على الأرواح، فتركه إنما هو رخصة لا عزيمة، فعليك أن تستعمل فكرك في استخلاص الحق، وتبصر وتشيم كل برق فما كل داعي بأهل، لأن يصاخ له، ولا ترم بنفسك في إسار التقليد، ولا تكن في الأمور إمعة، كلما سار إنسان سرت معه".
ومع هذا الدافع عن السجع، وبيان مواطنه المناسبة، فإن التيار كان قويًا، وقد كان حفني ناصف نفسه من العاملين على إشاعة الترسل في الكتابة كما يقول صاحبًا الوسيط، وإن ظل الأسلوب الأدبي متميزًا بطابع خاص، وقد مرت بنا بعض رسائل قل فيها السجع، ومع ذلك حفظت رونقها وطلاوتها كتلك التي كان يكتبها الشيخ مفتاح.
إن دافع حنفي ناصف وثيقة قيمة تكشف عن الصراع في سبيل الوصول إلى الأسلوب المناسب مع تيارات العصر، وكانت آخر سهم وجهته الفرقة المحافظة قبل أن تستسلم.
أما أدباء الشام -سواء منهم من آثر الإقامة بمصر، ومن ظل بدياره فقد كانت السمة الغالبة على نثرهم هي السجع، وحشد المحسنات، وبخاصة في الرسائل.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.