تـطـور تـاريـخ بـورصـة مصـر وانـواعـها 2
المؤلف:
د. جيهان جمال
المصدر:
عالم البورصة (رؤية تحليلية تعليمية بسيطة)
الجزء والصفحة:
ص25 - 28
2025-12-02
35
وفي أعقاب ثورة يوليو عام1952م اتخذت السلطات الاقتصادية موقفاً مشجعاً للنشاط الاقتصادي، وانعكس ذلك في العديد من التشريعات التي اتخذت، والتي كان لها بالغ الأثر في تنشيط حركة التعامل ببورصة الأوراق المالية، والتي بلغت ذروتها في نهاية عام 1958م والأسبوع الأول من شهر يناير عام 1959 م فوصل متوسط حجم التعامل في بعض الأيام1.25 مليون جنيه بالأسعار السائدة آنذاك. كان صدور القانون رقم (7) لسنة 1959م الخاص بتحديد الحد الأقصى لنسبة الأرباح الموزعة بداية انتكاسة للنشاط الملحوظ لسوق الأوراق المالية، باعتباره أولى خطوات تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي الذي كان قائماً على آليات السوق، وجاءت قرارات وإجراءات تأميم الشركات المساهمة في أوائل الستينيات فقلصت نشاط القطاع الخاص تماماً، وقضت على ثقة المستثمرين في الحكومة، ومن ثم تدهورت المراكز المالية لهم، وعمت الخسارة، وانتشرت موجات التشاؤم، وأحجم المستثمرون عن شراء الأسهم والسندات، وزادت محاولاتهم للتخلص مما بحوزتهم من أسهم وسندات بأسعار أقل من الأسعار المحددة لها من الحكومة. وقد ترتب على ذلك انهيار أسعار هذه الأسهم والسندات، واضطرت الحكومة إلى غلق سوق الأوراق المالية لمدة شهرين بموجب القانون رقم (116) لسنة 1961م، وبذلك اقتصر نشاط القطاع الخاص على المشروعات الفردية بعد أن كانت مبادراته من أهم مقومات الاقتصاد المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين، ونظراً للارتباط الوثيق بين ازدهار ونمو سوق رأس المال واتساع نشاط القطاع الخاص، فقد أثرت تلك الإجراءات سلبياً على سوق الأوراق المالية، وتجمد نشاطها تماماً، حيث انكمش عدد الشركات المساهمة من نحو 925 شركة في شهر يونيو عام 1961م إلى نحو 36 شركة مساهمة قطاع خاص عقب قرارات التأميم. وخلال الفترة من عام 1961م - 1971 م لم تُنشأ سوى شركة واحدة في مصر، كما تراجع حجم التعامل في بورصة القاهرة من نحو 38.4 مليون جنيه في عام 1960م إلى نحو 9.1 مليون جنيه عام1963م، واستمر في الانخفاض حتى وصل إلى نحو 3.6 مليون جنيه في عام 1971م.
مع انتهاج سياسة اقتصادية ليبرالية في السبعينيات عادت بورصة الأوراق المالية لتؤدي دورها التنموي في تجميع المدخرات وتوجيهها لمجالات الاستثمار المختلفة، ففي منتصف السبعينيات ظهرت نظرة جديدة لسوق الأوراق المالية، وقامت الحكومة بإصدار عدة قوانين وإدخال العديد من التعديلات على التشريعات المؤثرة في هذه السوق، بهدف زيادة ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري وإعادة تنشيط سوق الأوراق المالية.
وفي الفترة من 1973م إلى 1982م صدرت مجموعة من القوانين والقرارات التي تهدف إلى تنمية سوق المال في مصر، منها القانون رقم (121) لسنة 1981م بشأن تعديلات اللائحة العامة للبورصات والقانون رقم (159) لسنة 1981م بشأن الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم، بالإضافة إلى ذلك تم خلال هذه الفترة إنشاء العديد من المؤسسات الهامة، منها الهيئة العامة للاستثمار» و«الهيئة العامة لسوق المال». على الرغم من كافة الإجراءات التي تم اتخاذها لإنعاش السوق إلا أنه لم يحدث بها تقدم يذكر، واقتصرت الزيادة في رؤوس أموال الشركات المساهمة المقيدة في البورصة خلال الفترة من عام 1975 م - 1979م على 4309 مليون جنيه لترتفع إلى 88.9 مليون جنيه في نهاية الفترة، كما أن متوسط حجم التعامل لم يتجاوز 7.6 مليون جنيه سنوياً خلال تلك الفترة وشهدت الفترة 1983 م - 1990م بداية انطلاق سوق التداول المصرية، وذلك نتيجة لتحقيق القوانين السابق الإشارة إليها جانباً كبيراً من أهدافها، بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي تم اتخاذها بهدف إعادة النشاط والحيوية لسوق الأوراق المالية وتقوية دورها في تعبئة المدخرات وتمويل الاستثمارات الإنتاجية، وقد أدى ذلك إلى تحسن في مؤشرات أداء سوق الأوراق المالية، حيث ارتفعت قيمة التداول من نحو 29 مليون جنيه عام 1983م إلى نحو 341 مليون جنيه عام 1990 م ، كما ارتفع عدد الأسهم المتداولة من نحو 3.7 مليون سهم إلى نحو 17 مليون سهم خلال نفس الفترة ولكن يلاحظ أنه كان هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ضعف السوق خلال تلك الفترة، ولعل أهمها تزايد عجز الموازنة العامة للدولة بنحو 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة معدل التضخم وبلوغه معدل بين -18 - ٪23، وظهور شركات توظيف الأموال التي أصابت السوق المصري بهزة كبيرة.
وفي الفترة 1991 م - 2001م كان وضع الاقتصاد الكلي في بداية التسعينيات بالغ الخطورة، فكان لابد من الإصلاح، فقامت الحكومة بعملية انتقال منسقة نحو الاقتصاد المفتوح، ومن أجل تعزيز هذا الاتجاه قلصت الحكومة دورها في الاقتصاد وزادت من دور رأس المال الخاص، وكان الهدف الأساسي لذلك هو خلق اقتصاد جديد يقوم على آليات السوق، تتحدد فيه الأسعار على أساس قوى العرض والطلب، وتم تحرير أسعار الفائدة اعتبارا من يناير عام 1991م.
ودأبت الحكومة على اتخاذ عدة إجراءات في مجال تحسين أداء سوق النقد وسوق رأس المال، ولعلى أهمها كان إصدار قانون سوق رأس المال رقم (95) لسنة 1992م بغرض تنشيط سوق الأوراق المالية وقد وضع هذا القانون الإطار القانوني لسوق رأس المال في مصر، وتضمن تنظيم إصدار وتداول الأوراق المالية، وتنظيم العلاقة بين المؤسسات العاملة في هذه السوق، وشدد على ضمان الشفافية والإفصاح لبث الثقة لدى المستثمرين واستحداث بعض الأحكام الجديدة المتعلقة بتنظيم إنشاء الشركات المساهمة، وأدخل كثيراً من الأنشطة التي لم تكن موجودة بالسوق المصرية من قبل، وهي شركات ترتيب وتغطية الاكتتاب، وشركات الاشتراك في تأسيس الشركات التي تُصدر أوراقاً مالية أو تزيد رأسمالها وشركات رأس المال المخاطر وشركات المقاصة والتسوية وشركات تكوين وإدارة المحافظ وصناديق الاستثمار وشركات السمسرة في الأوراق المالية. وقد شملت هذه الفترة إدخال الكثير من التعديلات على نظام التداول بالبورصة حيث تم إنشاء أول نظام للتداول الآلي في البورصة عام 1995م واستحداث نظام جديد للمقاصة والتسوية والحفظ المركزي للأوراق المالية عام 1996م، وإصدار قانون الإيداع والقيد المركزي عام 2000م، كما تم ربط بورصتي القاهرة والإسكندرية بواسطة الحاسب الآلي، ودخول سوق الأوراق المالية المصرية ضمن مؤشرات مؤسسة التمويل الدولية.
وفي عام 1997 م أعــاد القرار الجمهوري رقم (51) لعام 1997 م تعريف الهيكل القانوني للبورصات ومن ثم تمت معاملة بورصتي القاهرة والإسكندرية ككيان واحد وأصبح لديها مجلس إدارة واحد ومقرين أحدهما بالقاهرة والآخر بالإسكندرية، وخلال هذه الفترة من الإصلاح شهدت السوق نمواً ملحوظاً، حيث زاد رأس المال السوقي للأوراق المالية المقيدة في البورصة من 50.07 مليار جنيه (1) عام 1990 م إلى 112 مليار بنهاية عام 2001م، ووفقاً لبرنامج الخصخصة الذي انتهجته الحكومة تم بيع حصص الأغلبية في 131 شركة، وجرى خصخصة 38 شركة من خلال البورصة، حققت حصيلة بيعها إيرادات للحكومة بلغت قيمتها 6.3 مليار جنيه، كما تم خصخصة 16 شركة أخرى بصورة جزئية من خلال طرحها للاكتتاب العام للجمهور بالبورصة حققت إيرادات للحكومة قيمتها 1.75 مليار جنيه (2).
ووفقاً لتصنيف مؤسسة التمويل الدولية تحتل البورصة المصرية من حيث الحجم المرتبة الثانية في قارة إفريقيا والشرق الأوسط بعد بورصة جنوب إفريقيا. وخلال عام 2005م نجحت البورصة المصرية في أن تكون الأداة المثلى لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية امتدادا للإنجازات التي حققتها خلال عامي 2003م و 2004م لتسجل سوق الأوراق المالية المصرية نشاطاً غير مسبوق على صعيد المؤشرات والأسعار وأحجام التداول وضعها في مقدمة الأسواق الصاعدة Emerging Markets بنسب تراوحت ما بين 50 إلى 90٪ مقابل متوسط ارتفاع يصل إلى %15 فقط بالبورصات الأخرى.
وشهد عام 2007م إطلاق أول سوق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لـقـيـد وتداول الشركات المتوسطة والصغيرة، كما شهد أيضاً إصدار القواعد المنظمة لنشاط صانع السوق وصناديق الاستثمار المتداول، ثم بدأت البورصة تلقي عروض وطلبات المؤسسات المالية لتدشين أول صناديق للمؤشرات. وفي عام 2008م بلغ عدد الشركات المقيدة بالبورصة حتى 2008/5م حوالي 376 شركة، برأسمال سوقي يبلغ 874.9 مليار جنيه، وحوالي 50% حالياً من الشركات المقيدة مرفوع عنها الحدود السعرية ارتفاعا وهبوطاً بنسبة 10٪ بما يسمح بزيادة أحجام التداول، كما تم الاستعداد لإطلاق بورصة العقود في أوائل 2009م، وهذه البورصة تعتبر مهمة للقطاعات الصناعية والزراعية، كما تم تأسيس وحدة رقابة جودة أعمال مراقبي الحسابات المقيدين بسجل الهيئة بخلاف إصدار تعديلات لوائح التوريق وإصدار معايير المراجعة وتطوير لوائح صناديق الاستثمار، وإنشاء «بورصة النيل» كسوق لقيد وتداول الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- بورصتي القاهرة والإسكندرية - إحصائيات التداول السنوية 2001م.
2 ـ الخصخصة في مصر - وحدة دعم وتنسيق مشروعات الخصخصة - تقرير من يناير إلى مارس 2002م.
الاكثر قراءة في السياسات و الاسواق المالية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة