تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
نظرية النسبية
المؤلف:
فرينر هايزنبرج
المصدر:
الفيزياء والفلسفة ـ ثورة في العلم الحديث
الجزء والصفحة:
ص111
2025-05-17
13
لعبت نظرية النسبية دورا مهما للغاية داخل مجال الفيزياء الحديثة. وبفضل هذه النظرية، تم إدراك، ولأول مرة، ضرورة تغيير المبادئ الأساسية للفيزياء. لذلك فإن مناقشة تلك المشكلات التى أثارتها نظرية النسبية، وتوصلت إلى حل جزئي لها، ترتبط ارتباطا وثيقا بمعالجتنا للمضامين الفلسفية للفيزياء الحديثة. و على عكس نظرية الكم، يمكننا القول بمعنى ما إن تطور نظرية النسبية، من الاعتراف النهائي بالصعوبات وحتى تقديم حلول لها، لم يستغرق وقتا طويلا. ظهر لأول مرة دليل على استحالة الكشف عن الحركة الانسحابية بالمناهج البصرية بعد ما كرر مورلى وميلر عام 1904 تجربة ميكلسون ، بعد أقل من عامين ظهـر بحث أينشتين الحاسم من جهة أخرى كانت تجربة مورلي وميلر وبحث أينشتين بمثابة الخطوات النهائية لتطور بدأ قبل ذلك بكثير، هذا التطور يمكن تلخيصه في هذا العنوان الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة.
واضح أن الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة كانت تمثل حقلاً مهما في الفيزياء و الهندسة عندما تم إنشاء المحركات الكهربائية إلا إن ثمة مشكلة خطيرة ظهرت في هذا الموضوع، بعد ما اكتشف ماكسويل الطبيعة الكهرومغناطيسية لموجات الضوء. هذه الموجات التى تختلف عن الموجات الأخرى في خاصية واحدة جوهرية، عن موجات الصوت، مثلاً تنتشر فيما يبدو أنه حيز فارغ، عندما يدق جرس في إناء تم تفريغه من الهواء، فإن الصوت لا يصل إلى الخارج، في حين أن الضوء يمكن أن يخترق بسهولة خلال الحيز الذي تم تفريغه. لهذا تــم افتراض أن موجات الضوء تعتبر موجات مرنة من جوهر خفيف للغاية يطلق عليه الأثير Ether) الذي لا يُرى ولا يُحس، ورغم ذلك يملأ حيز الفراغ كما يملأ المكان الذي توجد به مواد أخرى، مثل الهواء والزجاج. لم يتراءي للفيزيائيين في ذلك الوقت أن فكرة الموجات الكهرومغناطيسية قد تكون واقعا مستقلا عن أي أجسام، ولما كان بدا الجوهر الافتراضي للأثير متخللاً في كل مادة؛ فقد طرح هذا السؤال: ماذا يحدث عندما تتحرك المادة؟ هل يشارك الأثير في هذه الحركة - وإذا كان ذلك كذلك، كيف تنتشر موجة الضوء في الأثير المتحرك؟
إن التجارب المتعلقة بهذا السؤال تعد صعبة للغاية لهذا السبب: فسرعة الأجسام المتحركة تكون في الغالب أصغر مقارنة بسرعة الضوء. لذلك فإن حركة هذه الأجسام لا تقدم سوى آثار طفيفة للغاية تتناسب مع حاصل قسمة . سر. رعة هذه الأجسام على سرعة الضوء، أو حتى في وجود أس أعلى لهذه النسبة. في العديد من التجارب التي أجراها كل من ويلسون Wilson ورولاند Rowland ورونتجن Roentgen وأيشنفالد Eichenwald وفيزو Fizeau تم قياس هذه الآثار بدقة تناظر الأس الأول لهذه النسبة. تمكنت نظرية الإلكترونات التى أدخل عليها لورنتز تعديلات في عام 1895 من وصف هذه الآثار بطريقة مرضية تماما. إلا إن تجربة ميكلسون ومورلى وميلر قد خلقت وضعًا جديدًا.
ولكي نحصل على آثار أكبر ، ومن ثم نتائج أكثر دقة علينا أن نناقش هذه التجربة بالتفصيل، حيث يستدعى هذا إجراء تجارب على أجسام ذات . سر. عة كبيرة للغاية. فالأرض تتحرك حول الشمس بسرعة تقدر بنحو 20 ميل/ ثانية. فإذا ما كان الأثير ساكنا بالنسبة للشمس ولا يتحرك مع الأرض، فإن هذه الحركة السريعة للأثير بالنسبة للأرض تظهر باعتبارها تغيرا في سرعة الضوء. هذه السرعة لا بد من أن تختلف عن القيمة السابقة إذا كان انتشار الضوء في اتجاه مواز الحركة الأثير أو عمودي عليه حتى لو كان الأثير يتحرك جزئيا مع الأرض، فلا بد من أن ينتج عن هذا الأثير ما يمكن أن نطلق عليه ريح الأثير ، هذا الأثير قد يتوقف إذن على ارتفاع المكان الذي تجرى فيه التجارب، عن مستوى سطح البحر. أظهر حساب هذا الأثير المتوقع أنه صغير للغاية، بأنه يتناسب مع مربع نسبة سرعة الأرض على سرعة الضوء، ومن ثم علينا أن نجرى التجارب بعناية شديدة فيما يتعلق بتداخل شعاعين من الضوء يتحرك أحدهما بشكل متواز لسرعة حركة الأرض والآخر عمودي عليها.
أجرى ميكلسون عام 1881 أول تجربة من هذا النوع، والتي لم تكن دقيقــــة بشكل كاف حتى عندما أعيد أجراؤها فيما بعد لم تظهر أدنى إشارة للأثير المتوقع. إلا إن تجارب مورلى وميلر بصفة خاصة التي أجرياها عام 1940 قدمت دليلا على عدم وجود أي أثير بهذا الحجم.
هذه النتيجة على غرابتها جاءت متفقة مع وجهة نظر أخرى كانت موضع مناقشة الفيزيائيين منذ وقت مضي، ففي الميكانيكا النيوتونية يوجد "مبدأ النسبية و الذي يمكن وصفه كالتالي:
إذا كانت الحركة الميكانيكية للأجسام في أي نظام مرجعي محدد تتفق مع قوانين الميكانيكا النيوتونية، فسيكون هذا صحيحا أيضا بالنسبة لأي إطار مرجعي آخر ما دام في حركة منتظمة غير دوارة بالنسبة للنظام الأول، وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن الحركة الانسحابية المنتظمة للنظام لا ينتج عنها أي آثار ميكانيكية على الإطلاق، ومن ثم لا يمكن أن نلاحظها من خلال هذه الآثار.
تراءى للفيزيائيين أن مبدأ النسبية لا يكون صحيحا في البصريات أو الديناميكا الحرارية، فإذا كان النظام الأول ساكنا بالنسبة للأثير، فيتم إدراك حركة النظم الأخرى بالنسبة للأثير عن طريق آثارها وفقا للنمط الذي أقره ميكلسون. إلا إن النتيجة السلبية التي نتجت عن تجربة مورلى وميلر عام 1904 أحيت فكرة أن مبدأ النسبية قد يكون صحيحا في الديناميكا الكهربائية كما في الميكانيكا النيوتونية. من جهة أخرى، كانت هناك تجربة قديمة أجراها فيزو عام 1851 ، تبدو متناقضة تماما ا مع مبدأ النسبية. فقد أجرى فيزو قياسا لسرعة الضوء فـــي ســــائل متحرك. فإذا كان مبدأ النسبية صحيحا فإن سرعة الضوء في السائل المتحرك ينبغي أن تكون حاصل جمع سرعة السائل مضافا إليها سرعة الضوء في السائل الساكن. إلا إن التجربة لم تمض على هذا النحو، فقد أظهرت تجربة فيزو أن السرعة الكلية كانت أقل من ذلك بعض الشيء. ورغم النتائج السلبية لكل التجارب الأكثر حداثة لإدراك الحركة بالنسبة للأثير ؛ فإنها أثارت المهتمين بالفيزياء النظرية و الرياضيين في ذلك الوقت للبحث عن تفسيرات رياضياتية للتوفيق بين المعادلة الموجية لانتشار الضوء ومبدأ النسبية، اقترح لورنتز في عام 1904 تحويلا رياضياتيا يحقق هذه الاحتياجات لقد قدم فرضا أن الأجسام المتحركة تتقلص فــــي اتجاه الحركة بمعامل يتوقف على سرعة الجسم ، وأن هناك في الأنظمة المرجعية المختلفة أزمنة "ظاهرة مختلفة، هذه الأزمنة تحل محل الزمن الواقعي" بهذه الطريقة توصل لورنتز إلى شيء يشبه مبدأ النسبية ،وهو إن السرعة "الظاهرة للضوء هي نفسها في كل نظام مرجعي. وقد ناقش بوانكاریه Poincare وفيتزجيرالد Fitzgerald و غيرهما من الفيزيائيين أفكارا من هذا القبيل.
إلا إن الخطوة الحاسمة جاءت في بحث آينشتين الذي نشر في عام 1905، حيث أثبت أن الزمن الظاهري" لتحويل لورنتز هو الزمن الواقعي" واستبعد ما اسماه لورنتز الزمن الواقعي". كان هذا التغير في أسس الفيزياء تغيرا جذريا وغير متوقع وكان يتطلب هذا جرأة شاب عبقري وثوري. كان اتخاذ هذه الخطوة، في التمثيل الرياضياتي للطبيعة، لا يتطلب أكثر من تطبيق متماسك لتحويل لورنتز. بيد أن تفسيراتها الجديدة قد أحدثت تغيرا في بنية المكان والزمان، كما ألقت الضوء على العديد من مشاكل الفيزياء. فعلى سبيل المثال أصبح ممكنا استبعاد جوهر الأثير تماما. ولما كانت كل الأنظمة المرجعية الموجودة في الحركة الانسحابية منتظمة مع بعضها بعضا، ولما كانت متساوية في وصف الطبيعة، فلا معنى للعبارة التي تقول إن هناك جوهر وهو الأثير الساكن في واحد فقط من تلك النظم. في حقيقة الأمر لسنا في حاجة إلى مثل هذا الجوهر، والأسهل أن نقول إن موجات الضوء تنتشر خلال الحيز الفارغ.
وإن المجالات الكهرومغناطيسية لديها واقعها المستقل وتوجد في الحيز الفارغ بيد أنه من الصعوبة بمكان أن نصف هذا التغير الحاسم في بنيـة المكان والزمان بمفردات اللغة الدارجة دون استخدام لغة الرياضيات، ولما كانت الكلمتين الشائعتين "المكان" و "الزمان" يشيران إلى بنيتين مثاليتين وتبسيط مفرط للبنية الحقيقية إلا إنه يتعين علينا محاولة وصف البنية الجديدة، وربما يمكن إنجاز ذلك بالطريقة التالية: عندما نستخدم مصطلح "الماضي ندرج تحته كل الوقائع التـــي يمكن أن نعرفها أو سمعنا بها على الأقل من حيث المبدأ. يمكن أن ندرج تحت مصطلح مستقبل بالطريقة نفسها تلك الوقائع التي لها تأثير، على الأقل، من حيث المبدأ، والتي يمكن أن نحاول تغييرها أو استبعادها على الأقل من حيث المبدأ. ليس من السهل بالنسبة لغير الفيزيائي أن يعرف السبب أن تعريف مصطلحات من قبيل "الماضي" و "المستقبل" هو الأكثر ملائمة. ولكن يمكن أن نرى بسهولة أنـه يناظر تماما استخدامنا المعتاد لهذين المصطلحين. فإذا ما استخدمنا هذين المصطلحين بهذه الطريقة، فإن ثمة نتائج لتجارب عديدة تؤكد أن محتوى "المستقبل" أو "الماضي" لا يتوقف على حالة الملاحظ من حيث الحركة أو بأية خصائص أخرى. يمكننا القول إن هذا التعريف ثابت غير متغير مع حركة الملاحظ، وهذا صحيح في كل من الميكانيكا النيوتونية ونظرية النسبية لأينشتين. لكن الفارق هو أننا نفترض في النظرية الكلاسيكية أن المستقبل منفصل عن الماضي بفترة غاية في القصر، نطلق عليها اللحظة الحاضرة، أما في نظرية النسبية فإن الوضع يختلف، فهناك فترة زمنية متناهية وفاصلة بين المستقبل والماضي، يتوقف طولها على المسافة بين الواقعة الملاحظة والملاحظ، لأن أي فعل ينتشر بسرعة أقل من سرعة الضوء أو تساويها. لذلك، فإن الملاحظ لا يمكنه في لحظة ما، أن يعرف أي واقعة أو أن يؤثر فيها، إذا كان على مبعدة في فترة زمنية تقع بين فترتين زمنيتين متمايزين الفترة الزمنية الأولى يصدر عنها إشارة ضوئية من مكان الواقعة لتصل إلى الملاحظ لحظة الملاحظة ذاتها. أما الفترة الزمنية الثانية فينطلق فيها إشارة ضوئية من الملاحظ لحظة الملاحظة دائها. إن الفترة الزمنية المتناهية بين هاتين اللحظتين هي ما نطلق عليها "الزمن الحاضر" بالنسبة للملاحظ لحظة الملاحظة. وأي واقعة تحدث بين هاتين الفترتين الـزمنيتين نطلق عليها متزامنة مع فعل الملاحظة.
إن استخدام تعبير ممكن أن نطلق عليها يشير إلى غموض كلمة "التزامن هذا الغموض يرجع إلى حقيقة أن هذا المصطلح تشكل من خبرة الحياة اليومية التي رعة الضوء لا متناهية في الكبر . وفي حقيقة الأمر يمكن تعريف هذا المصطلح بطريقة مختلفة بعض الشيء، فقد استخدم أينشتين في أبحاثه هذا التعريف الثاني. فعندما تحدث واقعتان متزامنتان في نفس النقطة في المكان، فإننا نقول إنهما متوافقتان، وهذا المصطلح خال تماما من أي غموض. دعونا نتصور ثلاث نقاط توجد في مكان على خط مستقيم، تقع إحداهما في منتصف المسافة بين نقطتي الطرف. فإذا ما حدثت واقعتان بنقطتي الطرف بحيث يتوافق عند النقطة الوسطى وصول إشارتين ضوئيتين منبعثتين منهما ، قلنا إن الواقعتين متزامنتان.
هذا التعريف محدود مقارنة بالتعريف الأول. أحد أهم نتائجه هي: : أنه إذا ما كانت واقعتان متزامنتان بالنسبة لملاحظ ما، ربما لا تكونان كذلك لملاحظ آخر، إذا كان هذا الملاحظ في حالة حركة بالنسبة للملاحظ الأول ممكن أن نوضح إذن، العلاقة بين هذين التعريفين من خلال العبارة التى تقول إنه إذا تزامن واقعتان بالمعنى الأول لهذا المصطلح، فيمكن أن نجد دائما إطارا مرجعيا تكونان فيه متزامنتين بالمعنى الثاني أيضا.
إن تعريف مصطلح "التزامن" يبدو أكثر قربا من استخدامه في الحياة اليومية، ذلك لأن المشكلة هي أنه إذا كانت ثمة واقعتان متزامنتان فإنهما لا يتوقفان في الحياة اليومية، على إطار مرجعى إلا إن كلا التعريفين النسبيين للمصطلح قد اكتسبا دقة تفتقر إلى لغة الحياة اليومية. تعلم الفيزيائيون من نظرية الكم أن مصطلحات الفيزياء الكلاسيكية تصف الطبيعة بطريقة غير دقيقة تماماً، وأن تطبيقها محكوم بقوانين الكم، لذلك علينا أن نكون حذرين في استخدامها. أمـــا في النظرية النسبية يحاول الفيزيائيون تغيير معنى كلمات الفيزياء الكلاسيكية لتقديم مصطلحات أكثر دقة بطريقة تلائم الوضع الجديد في الطبيعة.
إن بنية المكان والزمان التي كشفت عنها نظرية النسبية لها نتائج عديدة في أجزاء مختلفة من الفيزياء فيمكن أن نشتق الديناميكا الكهربائية للأجسام المتحركة. لأول وهلة، من مبدأ النسبية هذا المبدأ ذاته يمكن أن يصاغ بوصفه قانونا عاما للطبيعة لا يقتصر على الديناميكا الكهربائية أو الميكانيكا فحسب، بـل علــى أيــة مجموعة من القوانين: القوانين التي تأخذ الصورة نفسها في كل النظم المرجعية، والتي هي مختلفة بدورها عن بعضها بعضا، بسبب حركة انسحابية منتظمة، فهي ثابتة أمام تحويل لورنتز. ربما كانت أهم نتيجة لمبدأ النسبية هي القصور الذاتي للطاقة، أو تكافؤ الكتلة والطاقة، ولما كانت سرعة الضوء هي سرعة قصوى لا يمكن لأي جسم مادي الوصول إليها البتة، كان من السهل أن نرى تعجيل جسم يتحرك بالفعل بسرعة كبيرة أصعب من تعجيل جسم ساكن يزداد القصور الذاتي بتزايد الطاقة الحركية. ولكن بوجه عام، أي نوع من أنواع الطاقة سيساهم في القصور الذاتي، وفقا لنظرية النسبية ؛ أي في الكتلة، وإن كتلة أي مقدار من الطاقة ليــســت ســــوى حاصل قسمة هذه الطاقة على مربع سرعة الضوء، لذلك فإن كل طاقة تحمل كتلتها، حتى الطاقة الهائلة لا تحمل إلا قدرا ضئيلا جدا من الكتلة، وهذا ما يفسر السبب في عدم اكتشاف العلاقة بين الكتلة والطاقة من قبل يفقد قانونا حفظ المادة وحفظ الشحنة صحتهما الانفصالية ويجتمعان معا في قانون واحد يمكن أن نطلق عليه قانون حفظ الطاقة والكتلة. عندما تم صياغة نظرية النسبية منذ خمسين عاما مضت. كان يبدو فرض تكافؤ الكتلة والطاقة بمثابة ثورة كاملة في الفيزياء، ولم يكن سوى القليل من الأدلة التجريبية التى تؤيده أما اليوم نرى العديد من التجارب التي تظهر كيف يمكن تخليق جسيمات أولية من الطاقة الحركية، وكيف تفنى مثل هذه الجسيمات لتشكل إشعاعا ؛ لذا، فإن التحول من الطاقة إلى المادة والعكس يفترض شيئا استثنائيا ، أن الطاقة الهائلة المنبعثة عن انفجار ذري تعد برهانا هائلا على صحة معادلة أينشتين ولكن يمكن أن نضيف هنا ملاحظة نقدية تاريخية.
لقد قبل أحيانا إن الطاقات الهائلة للانفجارات الذرية تعود إلى تحول الطاقة المباشر إلى كتلة، وإن قدرتنا على التنبؤ بهذه الطاقات يستند أسامنــا علـى نظرية النسبية، إلا إن هذا يمثل على أية حال سوء فهم. فالكمية الهائلة من الطاقة المتاحة في النواة الذرية كانت معروفة منذ تجارب بيكريل وكوري وروز فورد عن الانحلال الإشعاعي. فأي جسم منحل مثل الرادايوم ينتج عنه كمية من الحرارة تصل إلى مليون ضعف مقارنة بالحرارة المنبعثة من التفاعل الكيميائي لكمية مساوية من المادة. فمصدر الطاقة من عملية انشطار اليورانيوم وهي بالضبط عملية انحلال ألفا بعنصر الراديوم نفسه، أعنى التنافر الكهروستاتيكي للجزيئين اللذين تنشطر إليهما النواة؛ لذا تأتي طاقة الانفجار الذري مباشرة من مصدره لا من تحول الكتلة إلى طاقة. إن هذا العدد الهائل من الجسيمات الأولية ذات الكتلة الساكنة المحدودة لا ينقص في أثناء الانفجار، إلا إنه من الصحيح أن الطاقات المرتبطة بالجسيمات في نواة ذرة ما لا تبدو لكتلها، ومن ثم فإن تحرر الطاقة بهذه الطريقة غير المباشرة يرتبط أيضا بالتغيرات التى تطرأ على كتل النواة. لقد أثار تكافؤ الكتلة والطاقة، إلى جانب أهميته الكبيرة في الفيزياء مشاكل تتعلق بمشكلات فلسفية قديمة. فقد كان ثمة أطروحة تتعلق بعدة أنساق فلسفية قديمة تقول بأن الجوهر أو المادة لا يفنى. أما في الفيزياء الحديثة، فقد أظهرت العديد من التجارب أن الجسيمات الأولية من قبيل البيوزيترونات والإلكترونات يمكن أن تفنى وتتحول إلى إشعاع. فهل هذا يعنى أن التجارب الحديثة قد دحضت الأنساق الفلسفية القديمة وأن الحجج التي قدمتها هذه الأنساق في وقت سابق كانت مضللة؟
إذا ما توصلنا إلى مثل هذه النتيجة فإنها ستكون متسرعة ولا مبرر لها، لأن المصطلحين "الجوهر" و"المادة المستخدمان في الفلسفة القديمة والوسيطة لا يمكن ببساطة أن ينطبقا على مصطلح "الكتلة" في الفيزياء الحديثة. فإذا ما رغب أحد في أن يعبر عن خبرتنا الحديثة بلغة الفلسفات القديمة، فإنه سينظر إلى الكتلة والطاقة باعتبارهما صورتين مختلفتين من الجوهر نفسه وبالتالي سيحتفظ بفكرة الجوهر الذي لا يفنى. يمكن القول من جهة أخرى، إنه من الصعوبة بالنسبة للمرء أن يقول بأنه يحقق مكاسب كبيرة إذا ما عبر عن المعرفة الحديثة بلغة قديمة. لقد تم تشكيل الأنساق الفلسفية في الجزء الكبير منها، من المعرفة المتاحة أنذاك، ومن اتجاهات الفكر التي أدت إلى هذه المعرفة لا ينبغي أن نتوقع من فلاسفة عاشوا منـذ عـدة قرون مضت أن يتنبؤوا بتطور الفيزياء الحديثة أو النظرية النسبية. لذا فإن المفاهيم التي توصل إليها الفلاسفة في عملية الوضوح العقلي، منذ زمن بعيد، لا يمكن أن تتكيف مع الظواهر التى تم ملاحظتها من خلال أدوات تقنية معقدة ظهرت في عصرنا هذا. ولكن قبل الخوض في مناقشة المضامين الفلسفية للنظرية النسبية علينا أن نصف أولاً تطورها اللاحق. لقد فندت نظرية النسبية، كما ذكرنا من قبل، فرض الأثير الذي لعب دورا مهما في المناقشات المبكرة عن نظريات ماكسويل في القرن التاسع عشر. وقد تم التعبير عن هذا بالقول بأنه قد تم التخلي عن فكرة المكان المطلق، لكن لا بد من أن نكون حذرين عند قبول مثل هذه العبارة. صحيح أننا لا نستطيع أن نشير إلى إطار مرجعي خاص لجوهر الأثير يكون ثابتا ويستحق اسم المكان المطلق"، ولكن من الخطأ القول إن المكان قد فقد الآن كل خصائصه الفيزيائية. فما زالت معادلات حركة الأجسام المادية أو الحقول تتخذ صورة مختلفة في نظام مرجعي عادي عندما تنتسب إلى نظام مرجعي آخر في نسق آخر يتحرك حركة غير منتظمة بالنسبة للنظام المرجعي "العادي". يثبت وجود قوى الطرد المركزية في النظم الدوارة - فيما تهتم به النظرية النسبية عام 1905 وعام 1906 - خصائص فيزيائية للمكان من شأنها أن تسمح بوجود تمييز بين نظام دوار وآخر غير دوار. هذا لا يبدو مرضيا من وجهة نظر فلسفية، هذه الوجهة من النظر التي تفضل الصاق خصائص فيزيائية فقط لكيانات مادية مثل الأجسام المادية أو الحقول وليس للمكان الفارغ. أما فيما يتعلق بالنظرية الكهرومغناطيسية والحركات الميكانيكية، فيوجد خصائص فيزيائية للمكان الفارغ إلا إنها مجرد وصف لحقائق لا نزاع عليها.
إن التحليل المتأني الدقيق لهذا الوضع جاء بعد عشر سنوات، في عام 1916، حيث توسع أينشتين في النظرية النسبية توسعا مهما، هذا التوسع عادة ما يطلق عليه "نظرية النسبية العامة". وقبل الخوض في وصف الأفكار الرئيسية لهذه النظرية الجديدة قد يكون من المفيد أن نذكر بضع كلمات عن درجة اليقين التي يمكن الاعتماد عليها في صحة هذين الجزئين من نظرية النسبية. تستند نظرية عامي 1905 و1906 على عدد كبير من الوقائع الثابتة على تجارب ميكلسون ومورلي والكثير غيرها مما يشبهها على التكافؤ بين الكتلة والطاقة في العمليات الإشعاعية التي لا حصر لها، وعلى الاعتماد على علاقة متوسط عمر الأجسام المشعة وسرعتها وهلم جرا. لذا تنتمى هذه النظرية إلى أسس راسخة في الفيزياء الحديثة والتي لا يوجد نزاع عليها في وضعنا الحالي.
بعد الدليل التجريبي في نظرية النسبية العامة أقل إقناعا، ذلك لأن المادة التجريبية نادرة للغاية. فهناك عدد قليل فقط من الملاحظات الفلكية التي تسمح بالتحقق من صحة الافتراضات لهذا كانت هذه النظرية ككل أكثر افتراضية مقارنة بالنظرية الأولى. إن حجر الزاوية في نظرية النسبية العامة هي العلاقة بين القصور الذاتي والجاذبية. أظهرت القياسات الدقيقة أن كتلة الجسم، باعتبارها مصدرا للجاذبية، يتناسب تماما مع الكتلة باعتبارها مقياسا للقصور الذاتي للجسم، حتى القياسات الأكثر دقة لا تظهر أي انحراف عن هذا القانون فإذا كان هذا القانون صحيحا، بوجه عام، فمن الممكن أن نضع قوى الجاذبية على المستوى نفسه مع قوى الطرد المركزي أو غيرها من القوى الأخرى التى تنشأ كرد فعل للقصور الذاتي. ولما كان من الضروري اعتبار قوى الطرد المركزي ناشئة عن خصائص المكان الفارغ، كما ناقشنا ذلك من قبل، فإن أينشتين قد اتجه إلى افتراض أن قوى الجاذبية هي أيضا ناشئة عن خصائص المكان الفارغ. كانت هذه خطوة مهمة للغاية استدعت خطوة ثانية تالية لها على الأهمية نفسها. فنحن نعرف أن قوى الجاذبية تنتج عن الكتل، ولما كانت الجاذبية مرتبطة بخصائص المكان، فلا بد لهذه الخصائص من أن تكون نتاجا للكتل أو تتأثر بها لا بد أيضا من أن تكون قوى الطرد المركزي، في أي نظام دوار ناجمة عن دوران كتل (بالنسبة للنظام) تقع على مسافة بعيدة جدا. لتنفيذ هذا البرنامج الذي أو جزناه في جمل قليلة كان على أينشتين أن يربط الأفكار الفيزيائية الأساسية بالمنهج الرياضياتي للهندسة العامة التي طورها ریمان Riemann . ولما كانت خصائص المكان تتغير على ما يبدو باستمرار مع مجالات الجاذبية، فمن الضروري أن يتم مقارنة هندسة المكان بهندسة السطوح المنحنية حيث يتم الاستعاضة عن الخط المستقيم في الهندسة الإقليدية بالخط الجيوديسى. وهو الخط الذي يتغير انحناؤه بصورة مستمرة. تمكن أينشتين في نهاية المطاف من التوصل إلى صياغة رياضياتية للعلاقة بين توزيع الكتل والمعامل المحدد للهندسة تمثل هذه النظرية الوقائع الشائعة عن الجاذبية، فهى تتطابق بدرجة عالية جدا مع النظرية التقليدية للجاذبية، فضلا عن تنبؤ هذه النظرية ببعض الآثار المثيرة للاهتمام والتى كانت تتعلق فقط بحد القابلية للقياس، فقد كان هناك على سبيل المثال عمل الجاذبية على الضو. فعندما ينبعث ضوء أحادي اللون عن نجم ذي كتلة عالية، فإن كم الضوء يفقد طاقته عندما يبتعد عن مجال الجاذبية للنجم، وينجم عن ذلك إزاحة نحو الأحمر لخط الطيف المنبعث. أنه لا توجد حتى الآن أية أدلة تجريبية لهذه الإزاحة نحو الأحمر. وهذا ما أظهرته بوضوح مناقشة تجارب فروندليتش Freundlich، ولكن سيكون من السابق لأوانه أن نستنتج أن التجارب تتعارض مع تنبؤ نظرية آينشتين، فشعاع الضوء الذي يمر بالقرب من الشمس ينبغي أن ينحرف بسبب مجال جذبيتها. وقد رصد فروندليتش هذا الانحراف تجريبيا وكان في النطاق الصحيح؛ إلا إن موضوع التوافق في هذا الانحراف من الناحية الكمية للقيمة التي تنبأت بها نظرية أينشتين أمر لم يتم تقريره بعد. ويبدو أن أفضل دليل على صحة نظرية النسبية العامة هو تقدم الحركة المدارية لكوكب عطارد، والذي يبدو متوافقـا بدرجة كبيرة للغاية، مع القيمة التي تنبأت بها النظرية.
على الرغم من أن الأساس التجريبي لنظرية النسبية العامة لا يزال ضيقًا نوعا ما، فإن النظرية تحتوى على أفكار ذات أهمية كبيرة. فمنذ الحقبة التي تمتد من اليونان القديمة وحتى القرن التاسع عشر، كان علماء الرياضيات يعتبرون الهندسة الإقليدية واضحة بذاتها، وأن بديهيات اقليدس تصلح لأي هندسة رياضياتية، فهي أساس لا يمكن الشك فيه. وقد اكتشف علماء الرياضيات في القرن التاسع عشر أمثال بولياي Bolyai ولبا شفيسكي Lobachevsky وجاوس Gauss ورایمان Riemann أن ثمة هندسات أخرى يمكن ابتكارها وتطويرها بالدقة الرياضياتية نفسها التي تميز هندسة إقليدس، وبالتالي، تحول السؤال أية هندسة من تلك الهندسات يمكن أن تكون صحيحة لتصبح هندسة تجريبية؟
كان هذا من خلال عمل أينشتين الذي وجه أنظار الفيزيائيين لمناقشة هذا السؤال. أما الهندسة التي كانت موضع نقاش في نظرية النسبية العامة لم تهتم بالمكان ثلاثي الأبعاد فحسب، بل من المركب الرباعي الأبعاد الذي يتألف من المكان والزمان وطدت هذه النظرية دعائم العلاقة بين الهندسة في هذا المركب وتوزيع الكتل في العالم. لذلك أثارت هذه النظرية في شكل جديد تماما، الأسئلة القديمة لسلوك المكان والزمان في الأبعاد الكبرى. وقد توحى بإجابات يمكن التحقق الملاحظات. فقا لذلك، أخذت المشاكل الفلسفية الموغلة في القدم والتي شغلت عقل الإنسان منذ أقدم مراحل الفلسفة والعلم تطرح من قبيل: هل المكان متناه أم غير متناه؟ هل ثمة بداية للزمان ؟ ما الذي سيحدث في نهاية الزمان؟ أم أن الزمان ليس له بداية ولا نهاية كان ثمة إجابات مختلفة قدمت من قبل فلسفات وأديان مختلفة، ففي فلسفة أرسطو، على سبيل المثال كان المكان الكلي للكون متناه (رغم أنه لم يكن قابلا للقسمة اللانهائية. فالمكان ينشأ عن امتداد الأجسام، كما أنه يرتبط بالأجسام، بحيث إذا لم توجد أجسام لا يوجد مكان "(انتفاء وجـود الأجسام يعنى انتفاء وجود المكان). أما الكون فيتألف من الأرض والشمس والنجوم: عدد متناه من الأجسام. لا يوجد مكان فيما وراء النجوم، وبالتالي فإن حيز الكون متناه.
ينتمى هذا السؤال في فلسفة كانط إلى ما أطلق عليه "الأضداد Antinomies وهو نوع من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عنها، وذلك لوجود حجتين مختلفتين ويقودان إلى نتائج متناقضة. فالمكان لا يمكن أن يكون متناهيا، ولا تستطيع أن نتصور أن ثمة نهاية للمكان؛ فحيثما نصل إلى نقطة في أي مكان فإن هذا يجعلنا نتصور دائما أن في استطاعتنا أن نذهب أبعد من تلك النقطة. في الوقت ذاته لا يمكن أن يكون المكان لا متناهيا، لأن المكان نتصوره أحيانا (وإلا لما صيغت كلمة مكان) ولا يمكن أن نتصور مكان لا متناه. إن كانط لم يقدم فعليا حجة لهذه الأطروحة الثانية. تعنى لنا الجملة التى تقول إن المكان لا متناه شيئا ما سلبياء فليس في مقدورنا الوصول إلى نهاية المكان. أما بالنسبة لكانط، فهذه الجملة تعنى، أن المكان اللامتناهى هو معطى حقيقي، فهو يوجد بمعنى ما يصعب علينا التعبير عنه أن النتيجة التى توصل إليها كائط هي: إن الإجابة العقلانية لسؤال ما إذا كان المكان متناه أم لا، هو أمر مستحيل، ذلك لأن الكون كله لا يمكن أن يكون موضوعا لخبرتنا.
هناك حالة مماثلة تتعلق بمشكلة لاتناهى الزمان، ففي اعترافات القديس أو غسطين Augustine على سبيل المثال، اتخذ السؤال هذا الشكل: ماذا كان يفعل الله قبل أن يخلق العالم؟ لم يكن أو غسطين راض عن هذه النكتة "إن الله كان مشغولا بتجهيز جهنم لأولئك الذين طرحوا مثل هذا الأسئلة الحمقاء، فهذه الإجابة، فيما يقول أو غسطين، مبتذلة للغاية، ومن ثم يحاول أن يعطى تحليلاً عقلانيا للمشكلة، فالزمان يمضي بالنسبة لنا وحدنا، وهذا ما نتوقعه في المستقبل. وهـو يمضي في اللحظة الراهنة، ونتذكره كماض، بيد أن الله ليس في الزمان، وأن ألف سنة بالنسبة له مثل يوم بالنسبة لذا، وأن يوما واحدًا مثل ألف سنة، وقد خلق الله الزمان مع خلق العالم، فهو ينتمى إلى العالم، ومن ثم لم يكن هناك زمان قبل وجود الكون. فالمسار الكلى للكون جاء من الله في لحظة واحدة، لذلك، ليس ثمة زمان قبل أن يخلق الله العالم.
من الواضح أن مثل هذه العبارات التي يرد بها كلمة "خلق" إنما تثير الأول وهلة صعوبات جوهرية، فهذه الكلمة عادة ما يفهم معناها على أنها تعنى شيئًا ما جاء إلى حيز الوجود ولم يكن موجودا من قبل، وهذا المعنى يفترض مفهوم الزمان. لذا من الصعوبة بمكان أن نعرف بمصطلحات عقلانية، ما المقصود من عبارة "لقد تم خلق الزمان". وهذه الحقيقة تذكرنا مرة أخرى بالدرس الذي غالبا ما تمت مناقشته و تعلمناه من الفيزياء الحديثة : إن كل كلمة أو مفهوم، مهما بدا واضحا، يظل لديه مجال محدود من القابلية للتطبيق.
يمكن طرح مثل هذه التساؤلات عن لا نهائية المكان والزمان في نظرية النسبية العامة من خلال الإجابة الجزئية التي تستند على أساس تجريبي، فإذا كانت النظرية أقامت علاقة بين الهندسة رباعية الأبعاد في المكان والزمان وتوزيع الكتل في الكون، فإن الملاحظات الفلكية عن توزيع المجرات في الفضاء تقدم لنــا معلومات عن هندسة الكون ككل. ويمكن للمرء أن يبنى نماذج للكـــون صــــورا كونية، ويمكنه مقارنة النتائج مع الوقائع التجريبية لا يستطيع المرء من خلال المعرفة الفلكية الحالية أن يميز بوضوح بين نماذج عديدة محتملة، قد يكون المكان الممتلئ بالكون متناه، وهذا لا يعنى أن هناك نهاية للكون في مكان ما، وهذا يعنى أننا إذا ما تقدمنا في هذا الكون أكثر وأكثر في اتجاه واحد فسنـصـل مـرة أخرى إلى نقطة البداية التى بدأنا منها، وهو الموقف نفسه الذي يحدث في الهندسة ثنائية الأبعاد على سطح الأرض، فعندما تبدأ من نقطة في الاتجاه شرقا، فإننا نعود في النهاية إلى النقطة نفسها من الغرب.
أما فيما يتعلق بالزمان، يبدو أن ثمة شيئًا يشبه البداية، حيث تشير العديد من الملاحظات إلى نشأة الكون منذ نحو أربعة مليارات عام مضت، أو يبدو أنها تشير على الأقل، أن مادة هذا الكون في ذلك الوقت كانت مركزة في مكان صغير للغاية مقارنة بما هي عليه الآن، وقد توسعت هذه المادة من ذلك الحين بسرعات متفاوتة، وقد أكدت الملاحظات التى تم اكتشافها منذ أربعة ملايين عام ذلك (على سبيل المثال، عمر النيازك، وعمر معادن الأرض، وهلم جرا)، لذلك ثمة صعوبة أن نعثر على تفسير يختلف جذريًا عن فكرة البدء تلك. إذا كان صحيحا فإن هذا يعنى أن مفهوم الزمان فيما وراء هذا الزمان سيخضع لتغيرات جوهرية. أما فـــي الحالة الراهنة فلا يمكن البتة أن نجد إجابة، تصل إلى حد اليقين، عن تلك الأسئلة المطروحة عن هندسة الزمكان على نطاق واسع من خلال الملاحظات الفلكية. ولكن من الأهمية بمكان أن نفكر في إجابات تلك الأسئلة في نهاية المطاف على أساس تجريبي صلب حتى نظرية النسبية العامة في الوقت الحالي تقوم على أساس تجريبي ضيق للغاية، وينبغي أن نعتبرها أقل يقينا مقارنة بما تسمى نظرية النسبية الخاصة التي عبر عنها تحويل لورنتز حتى لو لم نعط مزيدا من المناقشات لهذه النظرية الأخيرة، فإنه لا شك أن نظرية النسبية قد غيرت جذريا وجهات نظرنا حول بنية المكان والزمان. أما الجانب الأكثر إثارة في هذه التغيرات ربما لا يأتي من طبيعتها الخاصة، ولكن من احتماليتها كانت بنية المكان والزمان التي حددها نيوتن أساسا لوصفه الرياضياتي للطبيعة بسيطة ومتسقة ومتفقة بشكل كبير للغاية . مع استخدامنا لمفهومي المكان والزمان في الحياة اليومية. هذا التوافق كان في حقيقة الأمر وثيقا لدرجة أن تعريفات نيوتن كانت تعتبر صياغة رياضياتية دقيقة لهذين المفهومين الشائعين بدا واضحا تماما قبل نظرية النسبية أنه يمكننا أن نرتب الوقائع وفقا لتسلسل زمنــــي بطريقة مستقلة عن موقعها في المكان. ونحن نعلم اليوم أن هذا الانطباع قد نشأ في حياتنا اليومية من حقيقة أن سرعة الضوء أكبر بكثير من أي سرعة أخرى تصادفها في خبراتنا العملية، ولكن لم يدرك أحد هذا التقيد بطبيعة الحال في ذلك الوقت. حتى لو كنا نعرف هذا التقييد، فلا يمكن أن نتصور الآن أن التسلسل الزمني للوقائع يتوقف على موقعها.
وجهت فلسفة كانط فيما بعد انتباهنا إلى حقيقة مفهومي المكان والزمان وعلاقتنا بالطبيعة ليست الطبيعة ذاتها، لأننا لا نستطيع وصف الطبيعة دون استخدام هذين المفهومين ومن ثم فإن هذين المفهومين "قبليين" بمعنى ما، وهما شرطان وليسا نتيجة جديدة، لذا، بدت ضرورة التغيير بمثابة مفاجأة كبرى. وهذه هي المرة الأولى التى استشعر فيها العلماء الحاجة إلى الحذر عند تطبيق مفاهيم الحياة اليومية على الخبرة المصقلة للعلم التجريبي الحديث حتى الصياغة الدقيقة والمتسقة لهذه المفاهيم في اللغة الرياضياتية لميكانيكا نيوتن والتحليلات الدقيقة لفلسفة كانط، لم تقدم حماية ضد التحليل النقدي الذي تم من قبل قياسات دقيقة للغاية. وقد اتضحت فيما بعد فائدة هذا الحذر الكبير في تطوير الفيزياء الحديثة، ولكن كان من الصعوبة بمكان فهم نظرية الكم إذا لم تحقق نظرية النسبية نجاحا في تحذير العلماء الفيزيائيين من الاستخدام غير النقدي للمفاهيم المأخوذة من الحياة اليومية أو من الفيزياء الكلاسيكية.