تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
محاججة النبي لليهود والنصارى والمشركين
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص103-113.
2025-05-07
19
محاججة النبي لليهود والنصارى والمشركين
قال تعالى : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة : 30].
قال الإمام العسكريّ عليه السّلام : « قال الصادق عليه السّلام : لقد حدّثني أبي الباقر عليه السّلام عن جدّي عليّ بن الحسين زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن عليّ سيّد الشهداء ، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( صلوات اللّه عليهم أجمعين ) ، أنّه اجتمع يوما عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أهل خمسة أديان : اليهود ، والنّصارى ، والدّهريّة ، والثّنويّة ، ومشركو العرب .
فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن اللّه ، وقد جئناك - يا محمّد - لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خاصمناك .
وقالت النّصارى : نحن نقول : إنّ المسيح ابن اللّه اتّحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خاصمناك .
وقالت الدّهريّة : نحن نقول : الأشياء لا بدء لها ، وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خاصمناك .
وقالت الثّنويّة : نحن نقول : إنّ النّور والظّلمة هما المدبّران ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خاصمناك .
وقال مشركو العرب : نحن نقول : إنّ أوثاننا آلهة ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فإن تبعتنا فنحن أسبق إلى الصّواب منك وأفضل ، وإن خالفتنا خاصمناك .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : آمنت باللّه وحده لا شريك له ، وكفرت بكلّ معبود سواه . ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى بعثني بالحقّ إلى الخلق كافّة بشيرا ونذيرا ، حجّة على العالمين ، وسيردّ اللّه كيد من يكيد دينه في نحره .
ثمّ قال لليهود : أجئتموني لأقبل قولكم بغير حجّة ؟ قالوا : لا .
قال : فما الذي دعاكم إلى القول بأنّ عزيرا ابن اللّه ؟ قالوا : لأنّه أحيا لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل به هذا إلّا لأنّه ابنه .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فكيف صار عزير ابن اللّه دون موسى ، وهو الذي جاء بالتوراة ، ورئي منه من العجائب ما قد علمتم ، ولئن كان عزير ابن اللّه لما ظهر من إكرامه بإحياء التّوراة ، فلقد كان موسى بالبنوّة أحقّ وأولى ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب أنه ابنه ، فأضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزلة أجل من النبوّة ، لأنّكم إن كنتم إنّما تريدون بالبنوّة الولادة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الأمّهات الأولاد بوطء آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللّه تعالى ، وشبّهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدثين ، ووجب عندكم أن يكون محدثا مخلوقا ، وأنّ له خالقا صنعه وابتدعه !
قالوا : لسنا نعني هذا ، فإنّ هذا كفر كما ذكرت ، ولكنّا نعني أنّه ابنه على معنى الكرامة ، وإن لم يكن هناك ولادة ، كما يقول بعض علمائنا لمن يريد إكرامه وإبانة المنزلة من غيره : يا بني ، و : إنّه ابني . لا على إثبات ولادته منه ، لأنّه قد يقول ذلك لمن هو أجنبيّ لا نسب بينه وبينه ، وكذلك لمّا فعل بعزير ما فعل كان اتّخذه ابنا على الكرامة لا على الولادة .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فهذا ما قلته لكم : إنّه إن وجب على هذا الوجه أن يكون عزير ابنه ، فإنّ هذه المنزلة لموسى أولى ، وإنّ اللّه تعالى يفضح كلّ مبطل بإقراره ، ويقلب عليه حجّته . إنّ ما احتججتم به إنّما يؤدّيكم إلى ما هو أكبر ممّا ذكرته لكم ، لأنّكم زعمتم أنّ عظيما من عظمائكم قد يقول لأجنبيّ لا نسب بينه وبينه : يا بنيّ ، وهذا ابني ، لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضا هذا العظيم يقول لأجنبيّ آخر : هذا أخي . ولآخر : هذا شيخي ، وأبي .
ولآخر : هذا سيّدي ، ويا سيّدي ، على طريق الإكرام ، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، فإذن يجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه أو شيخا أو أبا أو سيّدا لأنّه قد زاده في الكرامة على ما لعزير ، كما أن من زاد رجلا في الإكرام ، فقال له : يا سيدي ، ويا شيخي ، ويا عمّي ، ويا رئيسي ، ويا أميري [ على طريق الإكرام ، وإنّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول ، أفيجوز عندكم أن يكون موسى أخا للّه أو شيخا أو عمّا أو رئيسا أو سيّدا أو أميرا لأنه قد زاده في الإكرام على من قال له : يا شيخي أو : يا سيّدي أو : يا عمّي أو : يا رئيسي أو : يا أميري ؟ ] .
قال : فبهت القوم وتحيّروا ، وقالوا : يا محمّد ، أجّلنا نتفكّر فيما قلته .
فقال : انظروا فيه بقلوب معتقدة للإنصاف يهدكم اللّه .
ثمّ أقبل صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على النّصارى ، فقال لهم : وأنتم قلتم : إنّ القديم عزّ وجلّ اتّحد بالمسيح ابنه ، ما الذي أردتموه بهذا القول ؟ أردتم أنّ القديم صار محدثا لوجود هذا المحدث الذي هو عيسى ؟ أو المحدث الذي هو عيسى صار قديما لوجود القديم الذي هو اللّه ، أو معنى قولكم : إنّه اتّحذ به ، أنّه اختصّه بكرامة لم يكرم بها أحدا سواه . فإن أردتم أنّ القديم تعالى صار محدثا ، فقد أحلتم « 1 » ، لأنّ القديم محال أن ينقلب فيصير محدثا ، وإن أردتم أنّ المحدث صار قديما ، فقد أحلتم ، لأنّ المحدث أيضا محال أن يصير قديما ، وإن أردتم أنّه اتّحد به بأن اختصّه واصطفاه على سائر عباده ، فقد أقررتم بحدوث عيسى وبحدوث المعنى الذي اتّحد به من أجله ، لأنّه إذا كان عيسى محدثا ، وكان اللّه اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى محدثا ، وكان اللّه اتّحد به بأن أحدث به معنى صار به أكرم الخلق عنده ، فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا خلاف ما بدأتم تقولون .
قال : فقالت النصارى : يا محمّد ، إن اللّه تعالى لمّا أظهر على يد عيسى من الأشياء العجيبة ما أظهر ، فقد اتّخذه ولدا على جهة الكرامة . فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فقد سمعتم ما قلت لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ، ثمّ أعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ذلك كلّه ، فسكتوا إلّا رجلا واحدا منهم ، قال له : يا محمّد ، أو لستم تقولون إنّ إبراهيم خليل اللّه ؟ [ قال : قد قلنا ذلك . فقال : ] فإذا قلتم ذلك ، فلم منعتمونا من أن نقول : إن عيسى ابن اللّه ؟ !
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : إنّهما لن يشتبها ، لأنّ قولنا : إنّ إبراهيم خليل اللّه ، فإنّما هو مشتقّ من الخلّة والخلّة ، فأمّا الخلّة فمعناه الفقر والفاقة ، فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا وإليه منقطعا ، وعن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا ، وذلك لمّا أريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللّه تعالى إلى جبرئيل عليه السّلام ، وقال له : أدرك عبدي . فجاءه فلقيه في الهواء ، فقال له :
كلّفني ما بدا لك ، فقد بعثني اللّه لنصرتك ، فقال : بل حسبي اللّه ونعم الوكيل ، إنّي لا أسأل غيره ، ولا حاجة لي إلّا إليه ، فسمّاه خليله ، أي فقيره ومحتاجه ، والمنقطع إليه عمّن سواه .
وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة فقد تخلّل معانيه ، ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره ، كأنّ معناه العالم به وبأموره ، فلا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه ، ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله ، وإذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله ، وأنّ من يلده الرجل وإن أهانه وأقصاه لم يخرج عن أن يكون ولده ، لأنّ معنى الولادة قائم .
ثمّ إن وجب - لأنه قال اللّه تعالى : إبراهيم خليلي - أن تقيسوا أنتم فتقولوا : إنّ عيسى ابنه ، وجب أيضا كذلك أن تقولوا لموسى : إنّ موسى أيضا ابنه ، وإنّه يجوز أن تقولوا على هذا المعنى : شيخه وعمّه وسيّده ورئيسه وأميره ، كما قد ذكرته لليهود .
فقال بعضهم : ففي الكتب المنزلة أنّ عيسى قال : أذهب إلى أبي ؟
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فإن كنتم بذلك الكتاب تعملون ، فإنّ فيه : ربّي وربّكم ، وأذهب إلى أبي وأبيكم ، فقولوا : إنّ جميع الذين خاطبهم كانوا أبناء اللّه ، كما كان عيسى ابنه ، من الوجه الذي كان عيسى ابنه ثمّ إنّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا المعنى الذي زعمتم أنّ عيسى من جهة الاختصاص كان ابنا له ، لأنّكم قلتم : إنّما قلنا : إنّه ابنه لأنّه تعالى اختصّه بما لم يختص به غيره ، وأنتم تعلمون أن الذي خصّ به عيسى ، لم يخصّ به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى : أذهب إلى أبي وأبيكم . فبطل أن يكون الاختصاص لعيسى ، لأنه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثل اختصاص عيسى . وأنتم إنّما حكيتم لفظة عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها ، لأنّه إذا قال : أبي وأبيكم . فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه . وما يدريكم لعلّه عنى : أذهب إلى آدم وإلى نوح ، إنّ اللّه يرفعني إليهم ، ويجمعني معهم ، وآدم أبي وأبوكم ، وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا ؟
قال : فسكتت النّصارى ، وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلا ومخاصما ، وسننظر في أمورنا .
ثمّ أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على الدّهريّة ، فقال : وأنتم ، فما الذي دعاكم إلى القول بأنّ الأشياء لا بدء لها ، وهي دائمة لم تزل ، ولا تزال ؟
فقالوا : إنّا لا نحكم إلّا بما نشاهد ، ولم نجد للأشياء حدثا ، فحكمنا بأنّها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاء وفناء [ فحكمنا بأنّها لا تزال ] .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أفوجدتم لها قدما ، أم وجدتم لها بقاء أبد الأبد ؟
فإن قلتم : إنّكم قد وجدتم ذلك أثبتّم لأنفسكم أنّكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ، ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا دفعتم العيان وكذّبكم العالمون الذين يشاهدونكم .
قالوا : بل لم نشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الأبد .
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فلم صرتم بأن تحكموا بالقدم والبقاء دائما ، لأنّكم لم تشاهدوا حدوثها وانقضاءها أولى من تارك التمييز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع ، لأنّه لم يشاهد لها قدما ولا بقاء أبد الآبد . أو لستم تشاهدون الليل والنهار وأحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا : نعم .
فقال : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم .
قال : فيجوز عندكم اجتماع اللّيل والنهار ، فقالوا : لا .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فإذن ينقطع أحدهما عن الآخر ، فيسبق أحدهما ، ويكون الثاني جاريا بعده ، قالوا : كذلك هو .
قال : قد حكمتم بحدوثه ما تقدّم من ليل ونهار لم تشاهدوهما ، فلا تنكروا اللّه قدرة .
ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أتقدّرون ما تقدّم من اللّيل والنهار متناه أو غير متناه ؟ فإن قلتم : غير متناه . فكيف وصل إليكم آخر بلا نهاية لأوّله ؟ وإن قلتم : إنّه متناه . فقد كان ولا شيء منهما . قالوا : نعم .
قال لهم : أقلتم ، إنّ العالم قديم ليس بمحدث . وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به ، وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا : نعم .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فهذا الذي نشاهده من الأشياء ، بعضها إلى بعض مفتقر ، لأنّه لا قوام للبعض إلّا بما يتّصل به ، كما نرى أنّ البناء محتاج بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق ولم يستحكم ، وكذلك سائر ما نرى .
وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فإن كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه هو القديم ، فأخبروني أن لو كان محدثا فكيف كان يكون ؟ وما ذا كانت تكون صفته ؟ قال :
فبهتوا وعلموا أنّهم لا يجدون للمحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنّه قديم ، فوجموا ثم قالوا : سننظر في أمرنا .
ثمّ أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على الثّنويّة الذين قالوا : إنّ النور والظّلمة هما المدبّران ، فقال : وأنتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟
قالوا : لأنّا وجدنا العالم صنفين : خيرا ، وشرّا ، ووجدنا الخير ضدّ الشّر ، فأنكرنا أن يكون فاعل واحد يفعل الشيء وضدّه ، بل لكّل واحد منهما فاعل ، ألا ترى أنّ الثّلج محال أن يسخن ، كما أنّ النار محال أن تبرد ، فأثبتنا لذلك صانعين قديمين : ظلمة وضياء .
وقال آخرون منهم : إنّ اللّه لمّا خلق آدم وأمر الملائكة بالسّجود له ، كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك ، وصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللّه ، كما تقرّبت الملائكة بالسّجود لآدم إلى اللّه تعالى ، وكما أمرتم بالسّجود بزعمكم إلى جهة مكّة ففعلتم ، ثم نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها ، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم ، وقصدتم بالكعبة إلى اللّه تعالى لا إليها .
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أخطأتم الطريق وضللتم ، أمّا أنتم - وهو صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يخاطب الذين قالوا : إنّ اللّه يحلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصّور التي صوّرناها ، فصوّرنا هذه نعظّمها لتعظيمنا لتلك الصّور التي حلّ فيها ربّنا - فقد وصفتم ربّكم بصفة المخلوقات ، أو يحلّ ربّكم في شيء حتّى يحيط به ذلك الشيء ؟ فأيّ فرق بينه إذن وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه وطعمه ورائحته ولينه وخشونته وثقله وخفّته ؟ ولم صار هذا المحلول فيه محدثا وذلك قديما دون أن يكون ذلك محدثا وهذا قديما ؟ وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل يكون ذلك محدثا وهذا قديما ؟ وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحال ، وهو عزّ وجلّ [ لا يزال ] كما لم يزل ؟ فإذا وصفتموه بصفة المحدثات في الحلول فقد لزمكم أن تصفوه بالزوال ، وما وصفتموه بالزّوال والحدوث وصفتموه بالفناء ، لأنّ ذلك أجمع من صفات الحالّ والمحلول فيه ، وجميع ذلك يغيّر الذات ، فإن جاز أن تتغيّر ذات الباري عزّ وجلّ بحلوله في شيء ، جاز أن يتغيّر بأن يتحرّك ويسكن ويسودّ ويبيضّ ويحمرّ ويصفرّ وتحلّه الصّفات التي تتعاقب على الموصوف بها حتى يكون فيه جميع صفات المحدثين ويكون محدثا تعالى اللّه عن ذلك .
ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فإذا بطل ما ظننتموه من أنّ اللّه يحلّ في شيء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم . قال : فسكت القوم ، وقالوا : سننظر في أمورنا .
ثمّ أقبل على الفريق الثاني ، فقال لهم : أخبرونا عنكم إذا عبدتم صور من كان يعبد اللّه فسجدتم لها وصلّيتم ، ووضعتم الوجوه الكريمة على التراب ، فما الذي أبقيتم لربّ العالمين ؟ أما علمتم أن من حقّ من يلزم تعظيمه وعبادته أن لا يساوى به عبده ؟ أرأيتم ملكا عظيما إذا سويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع للكبير ما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا : نعم . فقال : أفلا تعلمون أنكم من حيث تعظّمون اللّه بتعظيم صور عباده المطيعين له تزرون على ربّ العالمين ؟ فسكت القوم بعد أن قالوا : سننظر في أمورنا .
ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلا وشبّهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء ، وذلك أنا عباد اللّه مخلوقون مربوبون نأتمر له فيما أمرنا ، وننزجر عمّا زجرنا ، ونعبده من حيث يريد منا ، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره ممّا لم يأمرنا ، ولم يأذن لنا ، لأنّا لا ندري لعلّه أراد منّا الأوّل وهو يكره الثاني ، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه . فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعنا ، ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا ، فلم نخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره ، واللّه عزّ وجلّ حيث أمر بالسّجود لآدم لم يأمر بالسّجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه ، لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون ، إذ لم يأمركم به .
ثمّ قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : أرأيتم لو أمركم رجل بدخول داره يوما بعينه ، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ ولكم أن تدخلوا دارا له أخرى مثلها بغير أمره ؟ أو وهب لكم رجل ثوبا من ثيابه ، أو عبدا من عبيده ، أو دابّة من دوابّه ، ألكم أن تأخذوا ذلك ؟ قالوا : نعم . قال : فإن لم تجدوه أخذتم آخر مثله ؟ قالوا : لا ، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن لنا في الأوّل .
قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فأخبروني ، اللّه تعالى أولى بأن لا يتقدّم على ملكه بغير أمره أو بعض المملوكين ؟ قالوا : بل اللّه أولى بأن لا يتصرّف في ملكه بغير أمره وإذنه . قال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : فلم فعلتم ، ومن أمركم أن تسجدوا لهذه الصّور ؟ قال : فقال القوم : سننظر في أمورنا ثمّ سكتوا .
قال الصادق عليه السّلام : فوالذي بعثه بالحقّ نبيّا ما أتت على جماعتهم ثلاثة أيّام حتى أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأسلموا ، وكانوا خمسة وعشرين رجلا ، من كلّ فرقة خمسة ، وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك - يا محمّد - نشهد أنّك رسول اللّه .
وقال الصادق عليه السّلام : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : فأنزل اللّه : {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام : 1] فكان في هذه الآية ردّ على ثلاثة أصناف منهم : لمّا قال :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فكان ردّا على الدّهريّة الذين قالوا : إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة . ثمّ قال : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فكان ردّا على الثّنويّة الذين قالوا : إنّ النّور والظلمة هما المدبّران . ثمّ قال :
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ فكان ردّا على مشركي العرب الذين قالوا :
إنّ أوثاننا آلهة . ثمّ أنزل اللّه تعالى : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1] إلى آخرها ، فكان فيها ردّ على من ادّعى من دون اللّه ضدّا أو ندا .
قال : فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأصحابه : قالوا : إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي نعبد واحدا ، لا نقول كما قالت الدّهرية : إنّ الأشياء لا بدء لها ، وهي دائمة . ولا كما قالت الثّنويّة الذين قالوا : إنّ النّور والظلمة هما المدبّران . ولا كما قال مشركو العرب : إنّ أوثاننا آلهة . فلا نشرك بك شيئا ، ولا ندعو من دونك إلها ، كما يقول هؤلاء الكفّار ، ولا نقول كما قالت اليهود والنّصارى : إنّ لك ولدا ، تعاليت عن ذلك » « 2 » .
وقال الطّبرسي في ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، قال :
« قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أي لعنهم اللّه أنّى يؤفكون ، فسمّى اللعنة قتالا ، وكذلك {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس : 17] أي لعن الإنسان » « 3 » .
______________
( 1 ) أحال : جمع بين المتناقضين في كلامه . « المعجم الوسيط - حال - ج 1 ، ص 208 » .
( 2 ) تفسير الإمام العسكري عليه السّلام : ص 530 ، ح . 323
( 3 ) الاحتجاج : 250 .