السؤال: انا مضطر لإجراء عملية التلقيح الصناعي ببويضة امرأة اجنبية خارج الرحم ثم يتم احتضانها في رحم زوجتي الى حين الولادة.
ولكن وحسب رأي سماحة السيد في المسألة فإنه يستشكل في تحقق العلاقة النسبية بين المولود وزوجتي وهذه يمكن حلها من جهة كونها زوجة ابيه، والمشكلة الاكبر هي عدم تحقق المحرمية بينه وبين اقارب زوجتي كأخواتها، وهو ما سيسبب لنا مشاكل متعددة.
وقد ذكر الفقهاء في باب الرضاع انه يشترط فيه ان يكون ناتجا عن وطء صحيح او عن ولادة شرعية.
السؤال: بعد ان يتم الحمل والولادة بإذن الله، فهل تعتبر هذه الولادة شرعية ؟ بحيث لو نتج عن هذه الولادة لبن وارضعت زوجتي (المولود) بهذا اللبن فهل تكون له أماً بالرضاعة ام لا ؟ وهل اخواتها يصرن خالات للمولود بالرضاعة؟
واذا لم يكن الرضاع الشرعي متحققا هنا فهل ثمة مخرج لهذه الاشكالية بنظركم؟
الجواب: إنّ صاحبة الرحم في مورد السؤال تجاه الولد على حدّ المرضعة بالنسبة إلى رضيعها فتترتب المحرمية بين الولد وبين ذويها كما تحصل بين الرضيع وبين ذوي المرضعة .
السؤال: هل يجوز اخذ بويضة من امرأة أخرى مع أخذ نطفة من زوجي ﻻجراء عملية اطفال اﻻنابيب ؟ ﻻنني كبيرة في العمر وليس لدي بيوض .
الجواب: اذا لم تكن صاحبة البويضة من محارم الزوج ـ كالأخت ـ فالعملية في حد ذاتها جائزة و لكن اجراؤها يتوقف في العادة على التمكين من النظر المحرم ولا ترتفع الحرمة الا في حال الضرورة . يبقى هنا امر آخر وهو ان الام النسبية للولد عند بعض الفقهاء هي صاحبة الرحم و عند آخرين هي صاحبة البويضة.
ولا يفتي سماحة السيد بأي من الرأيين ويمكن لمقلده الرجوع في ذلك الى فقيه آخر .
السؤال: هل يجوز الانجاب بطريقة التلقيح الصناعي ؟
الجواب: ينبغي البحث عن حكم عملية التلقيح الصناعي والعمليات الاخرى المساعدة على الانجاب من جانبين :
(الأول) : حكم العمليات ذاتها ، أي حكم زرع مني الزوج في رحم زوجته بالالآت الطبية ، او تخصيب بويضة الزوجة بمني غير الزوج وزرعها في رحمها ، او تخصيب بويضة الاجنبية بمني الزوج وزرعها في رحم الزوجة .. الخ .
(الثاني) : حكم ما تستدعيه العمليات المشار إليها ـ في الغالب ـ من التكشف امام الطبيب او الطبيبة لأخذ البويضة من الرحم او زرعها او زرع المبيض او استمناء الرجل لأخذ منيّه وزرعه في رحم زوجته او قطع مبيض امرأة لزرعها في بدن امرأة اخري .. الخ .
وسنبين ان شاء الله تعالى في اجوبة المسائل الآتية حكم عملية التلقيح الصناعي ونظائرها من الجانب الأول ، واما حكمها من الجانب الثاني وبالأحرى حكم مقدماتها ومقارناتها المشار إليها فيظهر بما يأتي :
١ ـ يحرم على المرأة ان تكشف عمّا عدا الوجه والكفين من بدنها للرجل الاجنبي أياً كان ، كما يحرم عليها ان تكشف عن عورتها ـ القبل والدبر ـ لغير زوجها حتى لنسائها ، وهكذا يحرم على الرجل ان يكشف عن عورته لغير زوجته سواء في ذلك الرجال والنساء ، وتستثني من ذلك حالة الضرورة وما يلحق بها ، كما إذا توقف العلاج من مرض او الوقاية منه على ان تكشف المرأة للطبيب الاجنبي عن صدرها او ان تكشف للطبيبة عن عورتها او يكشف الرجل للطبيب عن فرجه ، ففي هذه الحالة ونظائرها ترتفع الحرمة ويجوز الكشف بمقدار ما تقتضيه الضرورة.
٢ ـ ان الاستمناء ( أي اخراج المني بغير مباشرة الزوجة لمساً او تقبيلاً ونحوهما ) عملاً محرم شرعاً ، ولكنه يجوز في حالات الضرورة المرضية ، كما إذا كان الرجل مصاباً بمرض يضطر إلى العلاج منه وتوقف ذلك على فحص سائله المنوي في المختبر ولم يمكنه اخراجه ـ بالمواصفات المطلوبة من قبل المختبر ـ الا بطريقة الاستمناء .
٣ ـ ان حاجة الزوجين إلى الانجاب لا تبلغ في الحالات الاعتيادية درجة الضرورة التي تباح لأجلها المحظورات المتقدمة ، ولكنها قد تبلغ هذه الدرجة في حالتين :
(الأولي) : ما إذا كان عدم الانجاب يؤدي إلى حالة من التوتر والقلق النفسي يجد صاحبها قدراً كبيراً من الحرج والمشقة في تحملها والصبر عليها ، وهذا قد يحدث للزوج وقد يحدث للزوجة وقد يحدث لكليهما .
(الثانية) : ما إذا كانت المرأة مصابة ببعض الامراض التي تنحصر طريقة العلاج منها بالإنجاب مع اضطرارها إلى العلاج ، او كان عدم الانجاب يؤدي إلى اصابتها ببعض تلك الامراض .
ففي هاتين الحالتين ترتفع الحرمة عما ذكر من المحرمات في الامرين الاول والثاني فتحلّ عملية التلقيح الصناعي وما يماثلها من الجانب الثاني المتقدم .
٤ ـ ان قطع مبيض المرأة المسلمة او رحمها وهي ميتة لزرعها في جسد امرأة اخرى ، او قطع خصية رجل مسلم بعد وفاته لزرعها في بدن رجل آخر غير جائز ـ حتى في صورة وصيتها بذلك على الاحوط ـ ولكن إذا قطع شيء من الاعضاء المذكورة وتم زرعه في بدن آخر وحلّت فيه الحياة عدّ جزءً من بدن الثاني ولا يجب قطعه بعد الالحاق . وهل للمرأة ان تتبرع برحمها او مبيضها لامرأة اخرى او يتبرع الرجل بخصيته لرجل آخر بعوض او بدونه ؟
فيه اشكال ، والاظهر عدم الجواز فيما إذا كان ذلك يؤدي إلى عدم قدرتهما على الانجاب او يضر بهما ضرراً بليغاً من جهة اخرى واما في غير هاتين الصورتين ـ كما إذا كان تبرع المرأة بإحدى مبيضيها او تبرع الرجل بإحدى خصيتيه لا يؤثر على قدرتهما على الانجاب او كانا غير قادرين عليه ابداً من جهة اخرى مع عدم استلزامه للضرر البليغ من جانب آخر ـ فلا يبعد جوازه . هذا مع غض النظر عما يستدعيه التبرع المذكور من كشف ما لا يجوز كشفه للغير الّا في حال الضرورة .
٥ ـ اجراء العمليات المذكورة ومقدماتها يتوقف ـ في الغالب ـ على اللمس والنظر المحرمين في حال الاختيار ، ولكن إذا كان المراجع او المراجعة مضطراً الى اجراء العملية حلّ اللمس والنظر للمباشر لها بمقدار ما تقتضيه الضرورة .
٤السؤال: هل يجوز تلقيح المرأة بالحويمن المستخرج من ماء رجل أجنبي ؟ وما هو الفرق بينه وبين البويضة المخصّبة ، حيث ذكرتم جواز نقلها إلى رحم امرأة أجنبيّة ؟
الجواب: إدخال نطفة الرجل الاجنبي في رحم المرأة حرام ، سواء أكان ذلك بإدخال مائه ، أو بإدخال الحويمن المستخلص منه ، وهو المستفاد من بعض النصوص المعتبرة ، وأمّا البويضة المخصّبة خارج الرحم بحويمن الرجل الاجنبي فلا دليل على حرمة إدخاله في رحم المرأة.
٥السؤال: في عملية التلقيح داخل الانابيب قد تتكون عدّة اجنّة في آن واحد ، ممّا يصبح زرعها كلّها في رحم الام مسألة خطرة على حياة الامّ أو مميتة، فهل يحق لنا انتقاء جنين واحد وإتلاف الاجنّة الباقية ؟
الجواب: البويضة المخصّبة بالحويمن في انبوية الاختبار لا يجب زرعها في الرحم، ففي مفروض السؤال يجوز انتقاء واحدة منها وإتلاف البقيّة .
السؤال: يحفظ مني الرجل أحياناً في بنك خاص. هل يجوز لمسلمة مطلّقة استعمال مني رجل أجنبي، بإذنه من دون عقد ، أو بدون إذن ؟
وما هو الحكم لو كان المني مني زوجها أثناء عدّتها الرجعية منه، أو بعد انتهاء العدة؟
الجواب: لا يجوز تلقيح المرأة بماء الاجنبي ويجوز بماء زوجها ولو أثناء عدّتها الرجعية لا بعدها.
السؤال: هل يجوز أخذ البويضة من محارم الزوجة أو الزوج كالام ووضعها في رحم الزوجة بعد تلقيحها بنطفة الزوج؟
الجواب: لا مانع منه لولا المقارنات المحرمة كالكشف والاستمناء ولاتحلّ إلا إذا كان عدم الانجاب يوجب قلقاً شديداً يقع في حرج شديد من تحمله ( هذا في غير محارم الزوج وأمّا فيه فلا يجوز ذلك على الأحوط ).
السؤال: اذا انجب طفل بعملية اطفال الأنابيب وأكتشف أنه تم اختلاط النسب من غير علم الزوجين سواء كان من ناحية الحيوانات المنوية للرجل أو بويضات المرأة فما حكم الشرع في هذه الحالة ؟ والى من ينسب الطفل؟
الجواب: ينسب الى صاحب المني واما بالنسبة الى الأم ففي كونها هي صاحبة البويضة أومن ولدته اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط وان كانت التي ولدته محرما ً للولد.
السؤال: هل يجب أن يكون الزوج هو المباشر لعملية التلقيح الصناعي؟
الجواب: لا يجوز أن يكون المباشر غير الزوج اذا توقفت على كشف المرأة عورتها للطبيبة مثلاً لتنظر اليها أو لتلمسها من غير حائل، نعم اذا لم يكن يتيسر لها الحمل بغير ذلك وكان الصبر على عدم الانجاب حرجياً عليها بحد لا يتحمّل عادة جاز لها ذلك.
السؤال: هل يجوز التلقيح الصناعي بمنيّ غير الزوج؟
الجواب: لا يجوز تلقيح المرأة بمنيّ غير الزوج، سواء أكانت ذات زوج أم لا ورضي الزوج والزوجة بذلك أم لا، وكان التلقيح بواسطة الزوج أم غيره.
السؤال: هل يجوز التلقيح الصناعي لزوجين يعانيان من التأخر في الانجاب بحيث يؤخذ السائل المنوي من ثم يوضع بواسطة ابرة في رحم الزوجة؟
الجواب: يجوز تلقيح المرأة صناعياً بمنّي زوجها مادام حياً ولا يجوز ذلك بعد وفاته – على الاحوط لزوماً – وحكم الولد المولود بهذه الطريقة حكم سائر اولادهما بلا فرق اصلاً إلاّ اذا كان التلقيح بعد وفاة الزوج فانه لا يرث منه في هذه الصورة وان كان منتسباً اليه ثم انه لا يجوز ان يكون المباشر لعملية التلقيح الصناعي غير الزوج اذا توقفت على كشف المراة عورتها للطبيبة – مثلاً – لتنظر اليها او لتلمسها من غير حائل نعم اذا لم يكن يتيسر لها الحمل بغير ذلك وكان الصبر على عدم الانجاب حرجيا عليها بحّد لا يتحمل عادة جاز لها ذلك .
السؤال: اذا كان انسان عقيماً واعطاه الطبيب حقنة في ظهره تحمل مادة منوية ثم اتصل بزوجته وحملت، هل يلحق به الولد، وهل تجوز هذه العملية؟
الجواب: هذا مجرد فرض لا واقع له، ولكن على تقدير تحققه فالوالد محلق بصاحب الحويمن، المنوي ولا يجوز ادخال مني غير الزوج في رحم المراة بأية طريقة كانت.
السؤال: هل يجوز وضع منيّ الرجل وبويضة امرأة في رحم امرأة اخري؟
الجواب: اذا لم يكن الرجل زوجاً للمرأة الثانية لم يجز لها ادخال ماءه في فرجها.
السؤال: انا وزوجتي لم نرزق بالأولاد ولقد حاولنا جميع الوسائل حتى توصلنا الى اخر الطريق ان زوجتي لا تقدر على حمل النطفة بعد التلقيح الصناعي في رحمها لسبب لا يعلمه الا الله العزيز الكريم ولقد اقترح على الطبيب ان يأخذ مني الحيوان المنوي ويلقحوا البويضة من زوجتي ويضعوه بعد التلقيح في رحم امرأة اخري كي تحمل النطفة الى حين الولادة؟
سيدي المعظم ما هو حكمكم في هذه المسالة هل الولد لصاحبة البويضة ام الولد لصاحبة الحمل وهل يجوز ان نقوم بهذه العملية ام لا فارجوا منك سيدي الجواب عن هذه المسالة وراي الشرع وحكمه فيها؟
الجواب: هذه العملية لها عدة جوانب:
١ ـ ذات العملية اي تلقيح بويضة الزوجة بحويمن الزوج خارج الرحم ثم زرعها في رحم امراة اخري، وهذا الجانب خال عن الاشكال بالنسبة الى الزوجين وكذلك لا مانع منه بالنسبة الى المراة الاجنبية على اشكال لا ينبغي معه ترك الاحتياط.
٢ ـ مقدمات العملية ومقارناتها الخارجية فإنها تستدعي في العادة ارتكاب بعض لا ما لا يجوز ارتكابه في حال الاختيار كإخراج المني بالدلك باليد ونحوها، او كشف المراة فرجها للطبيب او الطبيبة لالتقاط البويضة او لزرعها بعد التخصيب، ولا تنتفي الحرمة عن الامور المذكورة وما شابهها الا بانطباق احد العناوين العذرية كالاضطرار والحرج الشديد كما اذا كان عدم الانجاب يؤدي الى الاصابة بمرض او قلق نفسي شديد لا يتحمل عادة.
٣ ـ تشخيص الام النسبية للمولود فان فيه احتمالين : احدهما كونها صاحبة البويضة التي كان اصله منها والثاني كونها صاحبة الرحم الذي نما فيه، والاحتمال الاول وان كان هو الاقرب في النظر الا انه لم تترجح عندنا بصورة واضحة ومن هنا فلا يترك مراعاة الاحتياط فيما يترتب على البنوة والامومة النسبيتين من الاحكام بالنسبة الى المرأتين.
السؤال: شخص اخذ منه مني لزرعه في رحم زوجته واتفاقاً توفي الزوج وبعد وفاته زرع المني في رحم الزوجة (المتوفى زوجها) وولد لها ولد فكيف الحكم بالنسبة للولد والميراث؟
الجواب: الولد يلحق بالزوج صاحب المني لكنه في مفروض السؤال لا يرث منه.
السؤال: لو ربيت النطفة في رحم اليائسة بالوسائل العلمية فهل لها حكم الام؟
الجواب: حيث ان البويضة من امرأة اخرى ففي كونها الام النسبية للولد او صاحبة الرحم اشكال فلا يترك الاحتياط.
السؤال: اذا تم تلقيح النطفة والبويضة خارج الرحم وقد انعقدت فهل يجوز اتلافها علماً انها خارج الرحم؟
الجواب: يجوز.
السؤال: انا شخص متزوج الان في لندن وزوجتي لا تنجب (عقيم) وقد راجعت الاطباء هناك فذكروا لي انه يمكن اخذ بويضة من امرأة اخرى وتلقح بواسطة الانابيب بالمني الماخوذ مني ثم تزرع في رحم زوجتي والسؤال هو:
١-ما هو حكم هذا العمل بحد ذاته؟
٢ـ هل يلحق المولود بي؟
٣ـ هل يلحق المولود بالأم صاحبة البويضة ام بزوجتي الذي توضع البويضة برحمها بعد تلقيحها؟
الجواب: ١- يجوز اذا كان عدم الانجاب حرجياً عليها حرجاً شديداً.
٢- نعم.
٣- فيه اشكال فلا يترك الاحتياط بالنسبة لأحكام الامومة نعم هو محرم لزوجتك ان كان ذكراً.
١٩السؤال: هل يعتبر اذن الزوج في اخذ البويضة من زوجته لتلقيحها بنطفة رجل اجنبي مع غض النظر عن جواز او عدم جواز عملية التلقيح؟
الجواب: لا يعتبر .
السؤال: زوجي يشكو من ضعف حاد بالحيوانات المنوية عملنا ثلاث عمليات تلقيح ولم تنجح وقد صار عمري الآن (٤٥) سنة، وقال الطبيب بوجوب اخذ بويضة من امرأة اخرى تكون صغيرة بالسن فهل يجوز اخذ البويضة وزرعها دون معرفة من هي صاحبة البويضة لان الطبيب هو الذي يأتي بالبويضة؟
الجواب: نعم يجوز.
السؤال: هل يجوز أخذ نطفة من الزوج وتلقيحها ببويضة الزوجة خارج الرحم وبعد ثلاثة أيام تزرع في رحم أخت الزوجة لوجود مشاكل في حمل الزوجة وقد وصل عدم الانجاب عند الزوجين إلى حد المشقة والحرج الذي لا يتحمل عادة؟
ومن هي أم الولد؟
الجواب: يجوز في حد ذاته إذا لم يستلزم النظر واللمس المحرمين وإلا فلا يجوز إلا في حال الضرورة والحرج الشديد الذي لا يتحمّل عادة ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك
وأمُّه هي صاحبة البويضة وعليه الاحتياط بالنسبة إلى صاحبة الرحم في الارث وفي النظر ونحوه.
وأما أخت الزوجة فلا يجوز لها ما يستلزم النظر واللمس من الأجنبي إلا في حال الضرورة و الحرج.
السؤال: ما هو رأي سماحتكم في طريقة الحمل الجديدة التي تسمى بحمل الاجنة وهي تتم اذا لم يمكن للمرأة ان تحمل جنيناً في رحمها لأسباب مرضية او تشوهات في الرحم او خطورة من الحمل قد تؤدي بحياة الام وتتكون من ان تأخذ نطفة الزوج وبيضة المرأة ويتم التلقيح في المختبر وبعد الاخصاب يتم زرع البيضة في رحم امرأة ثانية ليكتمل الحمل ومن ثم الولادة رغم أن الثانية قد تكون غير متزوجة او تكون اماً لام الجنين اخذت منها البيضة او اختها او غريبة تتبرع بالحمل؟
وما هو الحكم الشرعي للطفل اذا ولد وكذلك للمرأة التي تبرعت بحمل الجنين علماً ان هذه الطريقة منتشرة في الغرب حالياً؟
الجواب: العملية جائزة في حد ذاتها ولكنها حيث تستلزم محرما ككشف العورة فلا تجوز من هذه الجهة الا في حال الضرورة، والضرورة يمكن ان تحصل لصاحبة البويضة ولكن صاحبة الرحم ليست مضطرة غالبا والأحوط ان لا تكون الحامل من ارحام الاب والولد على كل حال يلحق بابيه ومن جهة الام لابد من مراعاة الاحتياط بين المرأتين في تطبيق احكام الامومة والبنوة كالإرث والحضانة والنفقة وغيرها واما من جهة المحرمية فلاشك انه محرم لصاحبة الرحم ويشكل كونه محرما لصاحبة البويضة من دون رضاع ونحوه.
السؤال: إذا كانت الزوجة عاقراً (لا تنجب أطفالاً) وتم أخذ بويضة من امرأة أخرى وقام الزوج بتلقيح هذه البويضة خارج الرحم ثم زرعت البيضة الملقحة في الزوجة فما حكم ذلك، ومن تكون الأم ؟
الجواب: يجوز ذلك في حدّ ذاته وفي كون الام هي صاحبة البويضة أو صاحبة الرحم: وجهان ولابد من رعاية الاحتياط بينهما.
السؤال: في الآونة الاخيرة تطور العلم و ظهرت حالة تجميد مني الرجل الى أكثر من ثلاثة أشهر او ربما ثلاث سنوات او أكثر ففي حالة وفاة الرجل هل يجوز تخصيب زوجته بمنيه؟
الجواب: لا يجوز ذلك على الاحوط لزوماً.
السؤال: اذا كان العقم بسبب الزوج فهل يجوز حقن المرأة بماء غير الزوج و قد يكون هذا الشخص من المحارم للزوجة؟
الجواب: لا يجوز، بل حتى إذا تمّ التخصيب في خارج الرحم ثمّ أرسلت البويضة المخصّبة في رحم الزوجة على الأحوط.
السؤال: هل تجوز الإستعانة ببنك الأجنة (بنك الحيوانات المنوية المجمّدة) الذي يتيح إمكانية الحصول على خلايا جنينية مخصبة (بسائل منوي وبويضة زوجين آخرين) وتم تجميدها في بنك الأجنة للتبرع بها لمن يحتاجها ، حيث يمكن تلقيح بويضات الزوجة بحيوانات منوية مجمدة من البنك الخاص بها علما بأن الشخص يعاني من عقم تام؟
الجواب: لا يجوز نقل المني او الحويمن الى رحم غير الزوجة ليتم التخصيب في داخل الرحم واما لو تم التخصيب في انبوبة الاختبار ثم أريد زرعها في رحم غير الزوجة فالاحوط استحباباً تركه وان كان الاظهر الجواز و على التقديرين فالولد شرعي وينتسب من جهة الاب الى صاحب الحويمن.
السؤال: نحتاج في حالات معينة لإجراء تلقيح اصطناعي يجريه الطبيب بين الزوج وزوجته لزيادة احتمالات الحمل ، ويتطلب هذا التلقيح كشف العورتين ، فهل يجوز ذلك؟
الجواب: لا يجوز كشف العورة ، لمجرد ما ذكر، نعم إذا كانت هناك ضرورة تدعو الى الإنجاب وتوقف على الكشف جاز عندئذ. ومن الضرورة ما لو كان الصبر على عدم الانجاب حرجيّاً على الزوجين بحد لا يتحمل عادة.
السؤال: هل يجوز استئجار رحم لحمل البويضة الملقحة من زوجين شرعيين من دون ان يتزوجها الرجل لأني سمعت انه جائز علما بأن الزوج لن يرى مؤجرة الرحم ولن يلمسها بتاتا بل سيتم نقل البويضة الملقحة الى رحمها من خلال الطبيب فقط؟
الجواب: يجوز وان كان الاحوط استحباباً تركه وعلى تقدير إجرائها ففي لحوق الولد بصاحبة البويضة أو بصاحبة الرحم احتمالان: مقتضى الاحتياط مراعاته بينهما.
السؤال: ما هو الموقف الشرعي من تخصيب بويضة الزوجة بحويمن الزوج في انبوبة الاختبار المسمّى بعملية (أطفال الانابيب)؟
الجواب: العملية المذكورة لا بأس بها في حدّ ذاتها، نعم إذا كانت تستوجب تعريض المرأة بدنها للنظر واللمس المحرّمين لم يجز إلاّ إذا كان في عدم الإنجاب حرج شديد لا يتحمّل عادة.
السؤال: زوجان يعانيان من عدم الانجاب لسنين طويلة ويريدان اجراء عملية (طفل انابيب) وهناك اجراءات يتعيّن اجراؤها قبل اجراء العملية من قبيل كشف العورة والملامسة لكلا الزوجين من قبل الطبيب فهل يجوز كشف ذلك... وما هو حد الضرورة في جواز الكشف والملامسة؟
الجواب: جواز الكشف واللمس انما هو للحرج او الضرر اللذين يختلفان بحسب الاحوال والاشخاص.
السؤال: اخبرنا الطبيب بأنّ زوجتي لا ينفع معها أي علاج ونصحنا بالذهاب إلى إيران لإجراء عملية، والعملية هي اخذ نطفة الرجل ليتم تخصيب بويضة إمراه غير زوجتي بها وبعدها يتم نقل البويضة الى زوجتي فهل يجوز هذا في الشريعة علماً بأنّه لا يخلو عن المعاناة الكثيرة وصرف المبالغ الطائلة على الأطباء؟
الجواب: لا بأس بأخذ حويمن من الزوج وبويضة امرأة اخرى فتخصب ثم تنقل الى رحم الزوجة، فهذا يجوز في حد ذاته.
السؤال: شاب في سن الاربعين ، تزوجت منذ خمس سنوات ولكن زوجتي مصابة بمرض عضوي وغير قادرة على الحمل إلا عن طريق إستعمال بويضة امرأة أخرى.
١ ـ ما هو حكم الشرع في هذا الموضوع؟
٢ ـ هل توجد شروط أو مواصفات بالنسبة لصاحبة البويضة؟
٣ ـ هل يكون المولود إبن زوجتي (ليست صاحبة البويضة)؟ إذا كان كذلك، فكيف؟
٤ ـ ماذا يكون المولود بالنسبة لصاحبة البويضة؟ وبالنسبة لأهل وإخوة زوجتي؟
٥ ـ هل يشجع الشرع على مثل هذا الحل؟ أم ترون أن من الافضل أن أتزوج من إمرأة أخرى؟
٦ ـ هل يرث المولود ترث زوجتي (ليست صاحبة البويضة)؟
٧ ـ هل يجب إعلام المولود بالموضوع عند سن البلوغ؟
الجواب: ١ ـ يجوز ذلك في حدّ نفسه.
٢ ـ أن لا تكون من محارم أي من الزوجين على الأحوط.
٣ ـ ٤ ـ في انتساب المولود الى صاحبة البويضة أو الى صاحبة الرحم اشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط فيما يتعلق بذلك من أحكام الاخوة والبنوة، نعم تثبت المحرمية بين المولود وصاحبة الرحم وان لم يحكم بانتسابه اليها.
٦ ـ ظهر جوابه مما سبق.
٧ ـ ينبغي الاحتراز عن الوقوع في المحذور من إرتكاب الحرام مثل زواج الولد من بنت صاحبة البويضة ونحو ذلك. وبما أن المسألة مبنية على الاحتياط لدى سماحة السيد (دام ظله) فيمكن لمقلديه الرجوع فيها إلى مجتهد آخر يفتي بالحاق الولد بصاحبة الرحم الخاصة. مع مراعاة الأعلم فالأعلم.
السؤال: إمرأة تعاني من مشاكل في المبيض وقد فشلت في الانجاب بسبب ذلك فهل يجوز أن تؤخذ بويضة من إمرأة أخرى وتلقح من قبل زوج المرأة التي تعاني من خلل المبايض ثم تزرع في رحمها حتى الولادة؟
الجواب: هذه العملية جائزة في حدّ ذاتها اذا لم تكن صاحبة البويضة من محارم صاحب الحويمن (زوج التي تحتضن البويضة المخصبة) ولكن اذا كان اجراء العملية يتوقف على النظر او اللمس المحرم فلا يجوز الا لمن تضطر اليه، واذا تمت الولادة ففي كون الام النسبية للولد(اي التي ترث منه ويرث منها) هي صاحبة البويضة او صاحبة الرحم اشكال فلابد من رعاية الاحتياط في ذلك.
السؤال: اسأل عن رأي سماحتكم بخصوص مسألتين محددتين تخصّان تأجير الرحم:
١ ـ ما مدى شرعية العقد؟ وان كان مشروعاً فهل تلتزم صاحبة الرحم (مؤجرة الرحم) بتسليم الوليد؟
٢ ـ ما حكم تأجير المرأة رحمها لأكثر من أسرة؟ وما اثر ذلك على احتمال التزاوج بين اولاد هذه الأسر؟
الجواب: ١ ـ لا بأس بالمصالحة بمبلغ في مقابل استقبال البويضة الملقحة. وأما لزوم التسليم وعدمه فهو محل اشكال بالنظر الى احتمال كون صاحبة الرحم هي الام، وحضانة الطفل واجبة على الاب والام في السنتين الأوليين بالتساوي. نعم اذا اجريت المصالحة على ان توكل حضانة الطفل ـ على تقدير أمومتها ـ الى صاحبة البويضة لزم العمل بالشرط.
٢ ـ الاحوط وجوباً ترتيب أحكام الاخوة على المشتركين في صاحبة الرحم لاحتمال كونها هي الأم، وكذلك الحال في سائر العلاقات المتفرعة على أمومتها. والله الهادي.
السيرة الذاتية لسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
وبعد / لقد أثمر منبر الإمام السيد الخوئي (قدس سرّه ) خلال أكثر من نصف قرن ثماراً عظيمة جليلة هي الأزكى والأفضل عطاءاً على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمّة ، حيث تخرّج من بين يديه مئات العلماء والفضلاء العظام الذين اخذوا على عاتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والعلم والمجتمع، ومعظمهم اليوم أساتذة الحوزات العلمية وبالخصوص في النجف الأشرف ومنهم من هو في مستوى الكفاية والجدارة العلمية والاجتماعية التي تؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ورعاية الأمة في يومنا الحاضر.
المزيد
ومن أهم وابرز أولئك العباقرة هو سيدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه ) فهو من أبرز تلامذة الإمام الخوئي الراحل (قدس سرّه ) نبوغاً وعلماً وفضلاً وأهليّةً ، وحديثنا في هذه السطور حول شخصية هذا العلم الكبير موجز في عدّة نقاط :
ولادته ونشاته
ولد سماحته في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 للهجرة في المشهد الرضوي الشريف في أسرة علمية معروفة ، فوالده هو العالم المقدّس( السيد محمد باقر ) ووالدته هي العلوية الجليلة كريمة العلامة ( المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي) وجدّه الادنى هو العالم الجليل ( السيد علي ) الذي ترجم له العلامة الشيخ آغا بزرك في طبقات أعلام الشيعة قائلاً: ( انه كان في النجف الأشرف من تلامذة الحجّة المؤسس المولى علي النهاوندي وفي سامراء من تلامذة المجدد الشيرازي، ثم اختص بالحجة السيد اسماعيل الصدر، وفي حدود سنة 1318 هـ عاد إلى مشهد الرضا ( عليه السلام ) واستقر فيه وحاز مكانة سامية مع ما كان له من حظ وافر من العلم مقروناً بالتقى والصلاح ) ومن تلامذته المعروفين الفقيه الكبير الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سرّه ).
وأسرة سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ــ التي هي من الاسر العلوية الحسينية ــ كانت تقطن مدينة (اصفهان) في القرن الحادي عشر الهجري ، ومن ابرز اعلامها يومذاك الفيلسوف الشهير ( محمد باقر الداماد ) صاحب كتاب القبسات، ومن أحفاده العلم الكبير ( السيد محمد ) الذي عيّن في منصب ( شيخ الاسلام ) في بلاد ( سيستان ) في زمن السلطان حسين الصفوي فانتقل اليها وسكنها هو وذريته من بعده، وأول من هاجر منهم إلى مشهد الرضا (ع) هو المرحوم( السيد علي ) المار ذكره، حيث استقرّ فيه برهة من الزمن في مدرسة المرحوم الملا محمد باقر السبزواري ومن ثمّ هاجر الى النجف الأشرف لاكمال دراسته ثم الى سامراء المقدسة للغرض نفسه.
وقد نشأ سيدنا ( دام ظلّه ) في مسقط رأسه المشهد الرضوي نشأة عالية فتدرج في الأوليات والمقدمات ، حيث بدأ وهو في الخامسة من عمره بتعلم القرآن الكريم ثم دخل مدرسة دار التعليم الديني لتعلم القراء والكتابة ونحوهما ، فتخرج من هذه المدرسة وقد تعلم أثناء ذلك فن الخط من استاذه ( الميرزا علي اقا ظالم ).وفي أوائل عام (1360 هـ.ق) بدأ بتوجيه من والده بقراءة مقدمات العلوم الحوزوية ، فأتم قراءة جملة من الكتب الأدبية كشرح الألفية للسيوطي والمغني لابن هشام والمطول للتفتازاني ومقامات الحريري وشرح النظام عند المرحوم الاديب النيشابوري وغيره من أساتذة الفن، وقرأ شرح اللمعة والقوانين عند المرحوم السيد احمد اليزدي المعروف بـ (نهنگ ) وقرأ جملة من السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية عند آية الله الميرزا هاشم القزويني، وقرأ جملة من الكتب الفلسفية كشرح منظومة السبزواري وشرح الاشراق والاسفار عند المرحوم الايسي، وقرأ شوارق الالهام عند المرحوم آية الله الشيخ مجتبى القزويني ، وحضر في المعارف الالهية دروس آية الله المرحوم الميرزا مهدي الاصفهاني المتوفى أواخر سنة (1365 هـ . ق) كما حضر بحوث الخارج لآية الله الميرزا مهدي الآشتياني صاحب التعليقة على شرح المنظومة وآية الله المرحوم الميرزا هاشم القزويني (قدّس سرهما).
وفي أواخر عام 1368 هـ انتقل الى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه والاصول، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجّة الكوهكمري(قدّس سرّه).
وخلال مدّة اقامته في قم راسل العلاّمة المرحوم السيد علي البهبهاني عالم الأهواز الشهير ومن اتباع مدرسة المحقق الطهراني، وكان موضوع المراسلات بعض مسائل القبلة حيث ناقش سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه) بعض نظريات المحقق الطهراني ووقف السيد البهبهاني موقف المدافع عنها ، وبعد تبادل عدّة رسائل كتب المرحوم السيد البهباني لسيدنا الأستاذ (دام ظلّه) رسالة مؤرخة في ( 7/ رجب /1370 هـ ) ــ وهو شاب في الواحدة والعشرين من العمر ــ يثني فيها على مهارته العلمية واصفاً اياه بـ (عمدة العلماء المحققين ونخبة الفقهاء المدققين) وموكّلا ﱟ تكميل البحث إلى حين اللقاء به عند التشرّف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام ).
وفي أوائل عام (1371 هـ ) غادر سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) مدينة قم متجهاً إلى موئل العلم والفضل للحوزات العلمية النجف الأشرف، فوصل كربلاء المقدسة في ذكرى أربعين الامام الحسين ( عليه السلام ) ثمّ توجّه إلى النجف الأشرف فسكن ( مدرسة البخارائي العلمية )، وحضر البحوث الفقهية والاصولية للعلمين الكبيرين السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه ) ولازمهما مدّة طويلة ، وحضر خلال ذلك ايضاً بحوث بعض الأعلام الآخرين منهم السيد الحكيم (قدّس سرّه ) والسيد الشاهرودي (قدّس سرّه ).
نبوغه العلمي
لقد برز السيد السيستاني ( دام ظلّه ) في بحوث اساتذته بتفوق بالغ على اقرانه وذلك في قوّة الإشكال وسرعة البديهة وكثرة التحقيق والتتبع ومواصلة النشاط العلمي وإلمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، ومما يشهد على ذلك أنه منح من بين زملاه واقرانه في عام 1380 هـ وهو في الحادية والثلاثين من عمره ـ ( شهادة الاجتهاد المطلق ) من قبل استاذيه السيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ الحلي (قدّس سرّه ) ولم يمنح السيد الخوئي شهادة الاجتهاد الإّ لنادرٍ من تلامذته منهم سيدنا الأستاذ وآية الله الشيخ علي الفلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة كما لم يمنح الشيخ الحلي اجازة الاجتهاد المطلق لغيره ( دام ظلّه ) وقد كتب له ايضاً شيخ محدّثي عصره العلاّمة الشيخ آغا برزك الطهراني (قدّس سرّه ) شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث وهي مؤرخة كذلك في عام 1380 هـ.
عطاؤه الفكري وتأليفاته
اشتغل سيدنا الأستاذ (دام ظلّه) من أوائل عام 1381 هـ بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) في الفقه في ضوء مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري، وأعقبه بشرح العروة الوثقى ، فتمّ له منه شرح كتاب الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وقسم من كتاب الخمس وتمام كتاب الصوم والاعتكاف ثم شرع في شرح كتاب الزكاة.
وقد كانت له محاضرات فقهية اخرى خلال هذه السنوات تناولت كتاب القضاء وابحاث الربا وقاعدة الإلزام وقاعدة التقية وغيرهما من القواعد الفقهية،كما كانت له محاضرات رجالية شملت حجية مراسيل ابن ابي عمير وشرح مشيخة التهذيبين وغيرهما.
وابتدأ ( دام ظلّه ) بإلقاء محاضراته في علم الأصول من شعبان عام (1384 هـ ) وقد أكمل دورته الثالثة في شعبان عام ( 1411 هـ ) ، ويوجد تسجيل صوتي لجميع محاضراته الفقهية والأصولية من عام 1397 هـ وإلى اليوم.
وقد خرّج بحثه الشريف عدّة من الفضلاء البارزين وبعضهم من أساتذة البحث الخارج : كالعلاّمة الشيخ مهدي مرواريد ، والعلاّمة السيد مرتضى المهري والعلاّمة المرحوم السيد حبيب حسينيان والعلاّمة السيد أحمد المددي والعلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي والعلاّمة السيد هاشم الهاشمي وغيرهم من أفاضل أساتذة الحوزات العلمية.
وضمن اشتغال سماحته ( دام ظلّه ) بالدرس والبحث خلال هذه المدّة كان مهتمّاً بتأليف كتب مهمّة وجملة من الرسائل بالإضافة إلى ما كتبه من تقريرات بحوث اساتذته فقه وأصولاً، وسيأتي ذكر جملة منها في موضع آخر.
منهجه في البحث والتدريس
وهو منهج متميز على مناهج كثير من أساتذة الحوزة وأرباب البحث الخارج فعلى صعيد الأصول يتجلّى منهجه بعدّة خصائص :
أ- التحدث عن تأريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية كمسالة بساطة المشتق وتركيبه أو عقائدية وسياسية كبحث التعادل والتراجح الذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي احاطت بالأئمة( عليهم السلام ) ومن الواضح أن الإطّلاع على تأريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصلنا إلى واقع الآراء المطروحة فيها .
ب- الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة ففي بحثه حول المعنى الحرفي في بيان الفارق بينه وبين المعنى الاسمي وهل هو فارق ذاتي ام لحاظي؟
اختار اتجاه صاحب الكفاية في أن الفرق باللحاظ لكن بناه على النظرية الفلسفية الحديثة وهي نظرية التكثر الادراكي في فعالية الذهن البشري وخلاقيته، فيمكن للذهن تصور مطلب واحد بصورتين: تارة بصورة الاستقلال والوضوح فيعبر عنه بالاسم وتارة بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف.
وعندما دخل في بحث المشتق في النزاع الدائر بين العلماء حول اسم الزمان، تحدّث عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة وهي انتزاع الزمان من المكان (زمكان) بلحاظ تعاقب النور والظلام ، وفي بحثه حول مدلول صيغة الأمر ومادته وبحثه في التجري طرح نظرية بعض علماء الاجتماع من أن تقسيم الطلب بامر والتماس وسؤال نتيجة لتدخل صفة الطالب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً.
وكذلك جعل ضابط استحقاق العقوبة عنوان تمرد العبد وطغيانه على المولى مبني على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد وعالي وسافل وما أشبه ذلك. فهذه نظرة من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح الانسانية العامة.
ج- الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه : ان الطالب الحوزوي يلاحظ في كثير من العلماء اغراقهم واسهابهم في بحوث اصولية لا يعدّ الاسهاب فيها الإّ ترفاً فكريّاً لا ينتج ثمرةً علميةً للفقيه في مسيرته الفقهية كبحثه في الوضع وكونه امراً اعتبارياً أو تكوينياً وأنّه تعهد أو تخصص ، وبحثهم في بيان موضوع العلم وبعض العوارض الذاتية في تعريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك.
ولكن الملاحظ في دروس سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) هو الاغراق وبذل الجهد الشاق في الخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الأصولية المرتبطة بعملية الاستنباط كمباحث الاصول العملية والتعادل والتراجح والعام والخاص ، وأمّا البحوث الأخرى التي أشرنا لبعض مسمياتها ، فبحثه فيها إنما هو بمقدار الثمرة العلمية في بحوث أخرى أو الثمرة العملية في الفقه.
د- الابداع والتجديد : هناك كثير من الأساتذة الماهرين في الحوزة لا يملك روح التجديد بل يصب اهتمامه على التعليق فقط والتركيز على جماليات البحث لا على جوهره فيطرح الآراء الموجودة ويعلّق على بعضها ويختار الأقوى في نظره ، الإّ أن سيدنا الأستاذ يختلف في هذا النهج فيحاول الابداع والتجديد إما بصياغة المطلب بصياغة جديدة تتناسب مع الحاجة للبحث كما صنع ذلك عندما دخل بحث استعمال اللفظ في عدة معانٍ حيث بحثه الأصوليون من زاوية الإمكان والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه وبحثه سيدنا الأستاذ من حيث الوقوع وعدمه لانه أقوى دليل على الإمكان، وبحثه كذلك من حيث الاستظهار وعدمه.
وعندما دخل بحث التعادل والتراجح رأى أن سرّ البحث يكمن في علّة اختلاف الأحاديث فإذا بحثنا وحدّدنا أسباب اختلاف النصوص الشرعية انحلّت المشكلة العويصة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) وذلك يغنينا عن روايات الترجيح والتخيير كما حملها صاحب الكفاية على الاستحباب .
وهذا البحث تناوله غيره ولكنه بشكل عقلي صرف،أما السيد الأستاذ فإنه حشد فيه الشواهد التأريخية والحديثية وخرج منه بقواعد مهمّة لحلّ الاختلافات وقام بتطبيقها في دروسه الفقهية أيضاً.
هـ - المقارنة بين المدارس المختلفة : ان المعروف عن الكثير من الأساتذة حصر البحث في مدرسة معينة أو اتجاه خاص ولكن السيد السيستاني يقارن بحثه بين فكر مدرسة مشهد وفكر مدرسة قم وفكر مدرسة النجف الأشرف فهو يطرح آراء الميرزا مهدي الاصفهاني (قدّس سرّه) من علماء مشهد وآراء السيد البروجردي (قدّس سرّه ) كتعبير عن فكر مدرسة قم وآراء المحققين الثلاثة ( الشيخ النائيني والشيخ العراقي والشيخ الاصفهاني ) والسيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه) كمثال لمدرسة النجف الأشرف.
وتعدّد الاتجاهات هذه يوسع امامنا زوايا البحث والرؤيا الواضحة لواقع المطلب العلمي .
وأمّا منهجه الفقهي فله فيه منهج خاص يتميز في تدريس الفقه وطرحه ، ولهذا المنهج عدّة ملامح :
1- المقارنة بين فقه الشيعة وفقه غيرهم من المذاهب الاسلامية الأخرى ، فإنّ الإطّلاع على الفكر الفقهي السني المعاصر لزمان النص كالاطلاع على موطأ مالك واخراج ابي يوسف وآراء الفقهاء الآخرين يوضّح أمامنا مقاصد الأئمة ( عليهم السلام ) ونظرهم حين طرح النصوص.
2- الاستفادة من علم القانون الحديث في بعض المواضع الفقهية كمراجعته للقانون العراقي والمصري والفرنسي عند بحثه في كتاب البيع والخيارات ، والاحاطة بالفكر القانوني المعاصر تزوّد الإنسان خبرة قانونية يستعين بها على تحليل القواعد الفقهية وتوسعة مداركها وموارد تطبيقها .
3- التجديد في الأطروحة : إنّ معظم علمائنا الأعلام يتلقون بعض القواعد الفقهية بنفس الصياغة التي طرحها السابقون ولا يزيدون في البحث فيها الإّ عن صلاحية المدرك لها أو عدمه ووجود مدرك آخر وعدمه ، أما السيد السيستاني فإنّه يحاول الإهتمام في بعض القواعد الفقهية بتغيير الصياغة ، مثلاً بالنسبة لقاعدة الإلزام التي يفهمها بعض الفقهاء من الزاوية المصلحية بمعنى أنّ للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من بعض القوانين للمذاهب الأخرى وإن كان مذهبه لا يقرّه ، يطرحه السيد السيستاني على أساس الاحترام ويسميّها بقاعدة الاحترام أي احترام آراء الآخرين وقوانينهم ، وانطلاقه من حريّة الرأي وهي على سياق ( لكلّ قوم نكاح ) و (نكاح أهل الشرك جائز ) وكذلك بالنسبة الى قاعدة التزاحم التي يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة يدخلها السيد الأستاذ تحت قاعدة الاضطرار التي هي قاعدة شرعية اشارت لها النصوص نحو ( ما من شيء حرّمه الله الإّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه ) فإنّ مؤدى قاعدة الاضطرار هو مؤدى قاعدة التزاحم بضميمة متمم الجعل التطبيقي .
وأحياناً يقوم بتوسعة القاعدة كما في قاعدة ( لا تعاد ) حيث خصّها الفقهاء بالصلاة لورود النص في ذلك بينما السيد السيستاني جعل صدر الرواية المتضمن لقوله (ع) : ( لا تعاد الصلاة إلا ّ من خمسة ) مصداقاً لكبرى أخرى تعمّ الصلاة وغيرها من الواجبات ، وهذه الكبرى موجودة في ذيل النص ( ولا تنقض السنّة الفريضة)، فالمناط هو تقديم الفريضة على السنّة في الصلاة وغيرها ، ومن مصاديق هذا التقديم هو تقديم الوقت والقبلة ...الخ على غيرها من أجزاء الصلاة وشرائطها لأنّ الوقت والقبلة من الفرائض لا من السنن .
4- النظرة الاجتماعية للنص : إنّ من الفقهاء من هو حرفي الفهم بمعنى أنّه جامد على حدود حروف النص من دون محاولة التصرف في سعة دلالات النص وهناك من الفقهاء من يقرأ أجواء النص والظروف المحيطة به ليتعرف على سائر الملابسات التي تؤثر على دلالته ، فمثلاً في ما ورد من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) حرّم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر ، أخذنا بالفهم الحرفي لقلنا بالحرمة أو الكراهة لأكل لحم الحمر الاهلية ولو اتبعنا الفهم الاجتماعي لرأينا أنّ النص ناظر لظروف حرجة وهي ظروف الحرب مع اليهود في خيبر والحرب تحتاج لنقل السلاح والمؤنة ولم تكن هناك وسائل نقل إلاّ الدواب ومنها الحمير ، فالنهي في الواقع نهي إداري لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك ولا يستفاد منه تشريع الحرمة ولا الكراهة ، وسيدنا الأستاذ من النمط الثاني من العلماء في التعامل مع النص.
5- توفير الخبرة بمواد الاستنباط : إنّ السيد السيستاني يركّز دائماً على انّ الفقيه لا يكون فقيهاً بالمعنى الأتم حتى يتوفر لديه خبرة وافية بكلام العرب وخطبهم واشعارهم ومجازاتهم كي يكون قادراً على تشخيص ظهور النص تشخيصاً موضوعيّا لا ذاتيا وأن يكون على اطلاع تام بكتب اللغة وأحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها فإنّ ذلك دخيل في الاعتماد على قول اللغوي أو عدم الاعتماد عليه وأن يكون على احاطة باحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ورواتها بالتفصيل ، فإنّ علم الرجال فن ضروري للمجتهد لتحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك ، وله آراء خاصّة يخالف بها المشهور في هذا العصر مثلاً ما اشتهر من عدم الاعتداد بقدح اين الغضائري اما لكثرة قدحه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه مما لا يرتضيه سيدا الأستاذ بل يرى ثبوت الكتاب وان ابن الغضائري هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل اكثر من النجاشي والشيخ وامثالهما ويرى الاعتماد على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسنداً أو مرسلاً على ما قرّره السيد البروجردي (قدّس سرّه ).
ويرى أيضاً ضرورة الإلمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة حال المؤلف من حيث الضبط والتثبت ومنهج التأليف ، وأما ما يشاع في هذا المجال من كون الصدوق اضبط من الشيخ فلا يرتضيه، بل يرى الشيخ ناقلاً أميناً لما وجده من الكتب الحاضرة عنده بقرائن يستند اليها.
فهذه الجهات الخبرية قد لا يعتمد عليها كثير من الفقهاء في مقام الاستنباط بل يكتفي بعضهم بالظهور الشخصي من دون أن يجمع القرائن المختلفة لتحقيق الظهور الموضوعي بل قد يعتمد على كلام بعض اللغويين بدون التحقيق في المؤلف ومنهج التأليف ولا يكون لبعض آخر أي رصيد في علم الرجال والخبرة بكتب الحديث.
معالم شخصيته
إنّ من يعاشر السيد السيستاني ( دام ظلّه ) ويتصل به يرى فيه شخصية فذّة تتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حثّ عليها أهل البيت ( عليهم السلام) والتي تجعل منه ومن امثاله من العلماء المخلصين مظهراً جليّاً لكلمة ( عالم رباني ) وقوله ( عليه السلام ) ( مجاري الامور بيد العلماء امناء الله على حلاله وحرامه ) ومن أجل وضع النقاط على الحروف اطرح بعض المعالم الفاضلة التي رأيتها بنفسي عند اتصالي به درساً ومعاشرة :
ﺃ- الانصاف واحترام الرأي : فان السيد السيستاني انطلاقاً من عشق العلم والمعرفة ورغبة في الوصول إلى الحقيقة وتقديساً لحرية الرأي والكلمة البناءة تجده كثير القراءة والتتبع للكتب والبحوث ومعرفة الآراء حتى آراء بعض العلماء من غير اساتذته أو آراء بعض المغمورين في خضم الحوزة العلمية فتراه بعض الاحيان قد يشير في بحثه لرأي لطيف لأحد الأفاضل مع أنه ليس من أساتذته كالشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه، فطرح هذه الآراء ومناقشتها مع أنها لم تصدر من اساطين اساتذته يمثل لنا صورة حيّة من صور الانصاف واحترام آراء الآخرين .
ب- الأدب في الحوار : ان بحوث النجف معروفة بالحوار الساخن بين الزملاء او الأستاذ وتلميذه وذلك مما يصقل ثقافة الطالب وقوته العلمية وأحياناً قد يكون الحوار جدلاً فارغاً لا يوصل لهدف علمي بل مضمونه ابراز العضلات في الجدل وقوة المعارضة وذلك ما يستهلك وقت الطالب الطموح ويبعده عن الجو الروحي للعلم والمذاكرة ويتركه يحوم في حلقة عقيمة دون الوصول للهدف، أما بحث السيد السيستاني (دام ظلّه) فإنّه بعيد كل البعد عن الجدل واساليب الإسكات والتوهين فهو في النقاش مع أساتذته وآراء الآخرين يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ مقام العلماء وعظمتهم حتى ولو كان الرأي المطروح واضح الضعف والاندفاع ، وفي اجابته لاستفهامات الطالب يتحدث بانفتاح وبروح الارشاد والتوجيه ولو صرف التلميذ الحوار الهادف إلى الجدل الفارغ عن المحتوى فان السيد السيستاني يحاول تكرار الجواب بصورة علمية ومع اصرار الطالب فان السيد الأستاذ حينئذ يفضل السكوت على الكلام.
ج ـ خلق التربية : التدريس ليس وظيفة رسمية او روتينية يمارسها الأستاذ في مقابل مقدار من المال ، فإن هذه النظرة تبعد المدرس عن تقويم التلميذ والعناية بتربيته والصعود بمستواه العلمي للتفوق والظهور، كما أن التدريس لا يقتصر على التربية العلمية في محاولة الترشيد التربوي لمسيرة الطالب بل التدريس رسالة خطيرة تحتاج مزاولتها لروح الحب والإشفاق على الطالب وحثّه نحو العلم وآداب العلم ايضاً وإذا كان يحصل في الحوزة أو غيرها احياناً رجال لا يخلصون لمسؤولية التدريس والتعليم فإن في الحوزات أساتذة مخلصين يرون التدريس رسالة ساوية لابدّ من مزاولتها بروح المحبّة والعناية التامة بمسيرة التلميذ العلمية والعملية ، وقد كان الإمام الحكيم (قدّس سرّه) مضرب المثل في خلقه التربوي لتلامذته وطلاّبه وكما كانت علاقة الإمام الخوئي (قدّس سرّه) بتلامذته فقد رأيت هذا الخلق متجسّداً في شخصية السيد السيستاني (دام ظلّه ) فهو يحثّ دائماً بعد الدرس على سؤاله ونقاشه فيقول : اسألوا ولو على رقم الصفحة لبحث معين او اسم كتاب معين حتى تعتادوا على حوار الأستاذ والصلة العلمية به وكان يدفعنا لمقارنة بحثه مع البحوث المطبوعة والوقوف عند نقاط الضعف والقوة وكان يؤكد دائماً على احترام العلماء والالتزام بالأدب في نقاش أقوالهم ويتحدث عن أساتذته بروحية وهمّة عالية وأمثال ذلك من شواهد الخلق الرفيع .
د – الورع : إنّ هناك ظاهرة جليّة في كثير من العلماء والأعاظم وهي ظاهرة البعد عن مواقع الضوضاء والفتن وربما يعتبر هذا البعد عن البعض موقفاً سلبيّاً لأنه هروب من مواجهة الواقع وتسجيل الموقف الصريح المرضي للشرع المقدس ولكنه عند التامل يظهر بانه موقف ايجابي وضروري احياناً للمصلحة العامة ومواجهة الواقع وتسجيل الموقف الشرعي يحتاج لظروف موضوعية وارضية صالحة تتفاعل مع هذا الموقف ، فلو وقعت في الساحة الإسلامية أو المجتمع الحوزوي إثارات وملابسات بحيث تؤدي لطمس بعض المفاهيم الأساسية في الشريعة الإسلامية وجب على العلماء بالدرجة الاولى التصدي لإزاحة الشبهات وابراز الحقائق الناصعة فإذا ظهرت البدع وجب على العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان ، كما جاء في الحديث .
ولكن لو كان مسار الفتنة مساراً شخصياً وجواً مفعماً بالمزايدات والتعصبات العرقية والشخصية لمرجع معيّن أو خط معيّن او كانت الأجواء تعيش حرباً دعائية مؤججة بنار الحقد والحسد المتبادل فإنّ علماء الحوزة ومنهم السيد السيستاني ( دام ظلّه ) يلتزمون دوماً الصمت والوقار والبعد عن هذه الضوضاء الصاخبة وما يحدث غالباً من التنافس على الألقاب والمناصب والاختلافات الجزئية كما هو الحال في يومنا الحاضر ، هذا مضافاً لزهده المتمثّل في لباسه المتواضع ومسكنه الصغير الذي لا يملكه وأثاثه البسيط.
هـ ـ الإنتاج الفكري: السيد السيستاني ليس فقيهاً فقط بل هو رجل مثقّف مطّلع على الثقافات المعاصرة ومتفتح على الأفكار الحضارية المختلفة ويمتلك الرؤية الثاقبة في المسيرة العالمية في المجال الاقتصادي والسياسي وعنده نظرات إدارية جيدة وأفكاراً إجتماعية مواكبة للتطور الملحوظ واستيعاب للأوضاع المعاصرة بحيث تكون الفتوى في نظره طريقاً صالحاً للخير في المجتمع المسلم.
إمامته في الصلاة
كان سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه ) في عيادة استاذه المرحوم الإمام الخوئي ( قدّس سرّه )في (29/ ربيع الآخر / 1409 هـ ) لوعكة صحية ألمّت به فطلب منه أن يقيم صلاة الجماعة في محرابه في جامع الخضراء فلم يوافق على ذلك في البداية فألحّ عليه في الطلب وقال له ( لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمّي لحكمت عليكم بلزوم القبول ) فاستمهله بضعة أيّام وفي نهاية الأمر استجاب لطلبه وأمّ المصلين من يوم الجمعة (5/ جمادى الأولى / 1409 هـ ) إلى الجمعة الأخيرة من ذي الحجّة عام 1414 هـ حيث أغلق الجامع من قبل السلطة كما سيأتي .
مسيرته الجهادية
كان النظام البعثي يسعى بكل وسيلة للقضاء على الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ السنين الأولى من تسلمه السلطة في العراق ، وقد قام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، ولاقى سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) عناءاً بالغاً من جرّاء ذلك وكاد ان يسفّر عدّة مرّات وتمّ تسفير مجاميع من تلامذته وطلاّب مجلس درسه في فترات متقاربة ، ثمّ كانت الظروف القاسية جدّاً أيّام الحرب العراقية الإيرانية ، ولكن على الرغم من ذلك فقد أصرّ ( دام ظلّه ) على البقاء في النجف الأشرف وواصل التدريس في حوزته العلمية المقدّسة إيماناً منه بلزوم استمرار المسار الحوزوي المستقل عن الحكومات تفادياً للسلبيات التي تنجم عن تغيير هذا المسار.
وفي عام 1411 هـ عندما قضى النظام على الانتفاضة الشعبانية اعتقل سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ومعه مجموعة من العلماء كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الميرزا علي الغروي وقد تعرّضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية إلى أن فرّج الله عنهم ببركة أهل البيت ( عليهم السلام ).
وفي عام 1413 هـ عندما توفي الإمام السيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) وتصدّى سيدّنا الأستاذ ( دام ظلّه ) للمرجعية ـ كما سيأتي ـ حاولت سلطات النظام السابق تغيير مسار المرجعية الدينية في النجف الأشرف وبذلت ما في وسعها في الحطّ من موقع السيد الأستاذ ( دام ظلّه ) ومكانته المتميزة بين المراجع وسعت إلى تفرق المؤمنين عنه بأساليب متعدّدة منها إغلاق جامع الخضراء في أواخر ذي الحجّة عام 1414 هـ كما تقدّم .
وعندما وجد النظام أنّ محاولاته قد باءت جميعاً بالفشل خطّط لاغتيال سيدنا الأستاذ وتصفيته ، وقد كشفت وثائق جهاز المخابرات عن عدد من هذه المخطّطات ولكن مكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وهكذا بقي سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) رهين داره منذ أواخر عام 1418 هـ حتى أنّه لم يتشرف بزيارة جدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طوال هذه الفترة.
وقد تعرّض لضغوط كثيرة من اجهزة النظام وأزلامه ولكنه قاوم جميع الضغوطات إلى أن منّ الله على العراقيين بزوال النظام ونسأله تبارك وتعالى ان يمنّ عليهم بالتحرر من الاحتلال ايضاً.
مرجعيته
في السنوات الاخيرة من حياة سماحة الإمام الخوئي ( رضوان الله عليه ) كان هاجس كثير من الفضلاء في النجف الأشرف وخارجها البحث عمن يصلح ان يخلف الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) في مرجعيته للطائفة الإمامية ليحافظ على كيان الحوزة العلمية واستقلالية المرجعية الدينية ويتحلى بما يلزم توفره في شخص المرجع من مؤهلات علمية وورع وتقوى وحكمة وتدبير.
وقد توجّه أنظار الكثير من الفضلاء إلى سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) وقد اختاره الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) للصلاة في محرابه في جامع الخضراء كما تقدّم فبدأ ينتشر صيته في أوساط العامة بعد ان كان محصوراً في الأوساط العلمية والحوزوية التي عرفته أستاذاً قديراً في البحث الخارج طوال ربع قرن من الزمن .
وعندما التحق الإمام الخوئي بالرفيق الأعلى في (8/ صفر / 1413 هـ ) ارجع اليه في التقليد جمع من العلماء الأعلام يأتي في مقدمتهم سماحة آية الله السيد علي البهشتي (قدّس سرّه ) وسماحة آية الله الشيخ مرتضى البروجردي (قدّس سرّه ) فقلّده كثير من المؤمنين في العراق وايران وبلاد الخليج وباكستان والهند ، وبعد وفاة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري في (27/ صفر /1414 هـ ) رجع اليه معظم مقلديه في العراق وقسم في خارجه ، وعندما توفي آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني (قدّس سرّه ) في (24 / جمادي الآخرة / 1414 هـ ) عمّ تقليد سيدّنا الأستاذ (دام ظلّه ) وبشكل سريع مختلف الأقطار الإسلامية ورجع إليه معظم المؤمنين في العراق والاحساء والقطيف وايران ولبنان ودول الخليج وباكستان والهند والمغتربين في اوربا والامريكيتين واستراليا وغيرهم، وقد توسع الرجوع إليه أكثر فأكثر بعد وفاة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (قدّس سرّه ) وآية الله العظمى السيد محمد الروحاني (قدّس سرّه )، فسيدنا الأستاذ (دام ظلّه ) ــ اليوم ــ هو المرجع الأعلى للطائفة الإمامية، أدام ظلّه السامي ونفع بوجوده الإسلام والمسلمين . رجوع