السؤال: ذكر سيدنا (دام ظله) أن الهلال لا يثبت بإخبار الفلكيين ، مع أن علم الفلك يقوم على أسس علمية متينة وحسابات رياضية دقيقة ، ونسبة احتمال الخطأ فيها لا تكاد تذكر ، ولا يزال الفلكيون يعدّون جداول شروق الشمس والقمر وسائر الكواكب السيّارة المعروفة في المجموعة الشمسية، ويلاحظ أنها في نهاية الدقّة بحيث لم تتخلف عن الواقع ــ وعلى الأقل خلال هذا القرن ــ ولا مرة واحدة .وأيضاً أن أرصاد علماء الفلك بخصوص وقت دخول القمر في المحاق وخروجه والوقت المحدّد لرؤيته ومقدار بعده الزاوي مقاساً بالدرجات القوسية عن الشمس ومقدار ارتفاعه فوق الأفق مقاساً بالدرجات القوسية و رصد بعده الأقصى عن الأرض و بعده الأدنى عنها كلها معلومات دقيقة يقينية معروفة لعلماء وطلاب علم الفلك وليست من قبيل الظنيات.
وعلى ذلك فلماذا لا يتم الاعتماد على إخبار الفلكيين الثقات عن ولادة الهلال للحكم بدخول الشهر الجديد؟
الجواب: إن المستفاد من الأدلّة الشرعية كون العبرة في بداية الشهر القمري بظهور الهلال على الأفق بنحو قابل للرؤية بالعين المجرّدة لولا الغيم ونحوه من الموانع الخارجية ، فلا تكفى ولادة الهلال وكونه موجوداً على الأفق ولكن بنحو غير قابل للرؤية مطلقاً أو بنحو غير قابل للرؤية إلا بالأدوات المقربّة والرصد المركّز.
وعلى هذا الأساس فإن إخبار الفلكيين عن ولادة الهلال وخروجه عن المحاق مما لا ينفع في الحكم بدخول الشهر القمري الجديد وإن كان معتمداً على الحسابات الرياضية القطعية .
وأما إخبارهم عن إمكانية رؤية الهلال بالعين المجرّدة في مناطق معينة إما مطلقاً أو في الأجواء المثالية ــ كما يعبّرون ــ فهو يعتمد على عنصرين :
أحدهما : المحاسبات الفلكية الخاصّة بوضع الهلال في تلك المناطق ، أي من حيث عمره ودرجة ارتفاعه عن الأفق ومقدار بُعده الزاوي عن الشمس ونحو ذلك من العوامل المؤثرة في الرؤية .
وثانيهما : التجارب الفلكية المعتمدة على رصد الهلال ميدانيّاً للتحقق من أدنى الشروط المطلوبة لرؤيته بالعين المجرّدة ، أي من حيث العمر والارتفاع والبعد عن الشمس وغير ذلك.
وهذا ما اختلفت بشأنه آراء الفلكيين ، مثلاً بنى بعضهم على إمكانية رؤية الهلال وهو بعمر (١٤) ساعة في حين اشترط آخرون أن يكون في الحد الأدنى بعمر (١٦) ساعة ، وقال بعضهم (١٨) ساعة وقيل غير ذلك. وأيضاً ادّعى بعضهم إمكانية رؤية الهلال وهو بارتفاع (٤) درجات على الأفق حين غروب الشمس ، وقال آخرون أن الحد الأدنى من الارتفاع المطلوب لرؤيته هو (٥) درجات ، وقال جمع أنه (٦) درجات وقيل غير ذلك ، وهكذا الحال في سائر العوامل المؤثّرة في الرؤية .
وعلى ذلك فلا سبيل للمكلف إلى الأخذ بإخبار الفلكيين من إمكانية رؤية الهلال في منطقة كذا وكذا مما لا يتأكد من ظهور الهلال فيها بنحو قابل للرؤية بالعين المجرّدة ، للنصوص الدالة على النهي عن الاعتماد على الرأي والتظني في أمر الهلال كقول الباقر (عليه السلام) ( إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فافطروا وليس هو بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية) (١).
نعم إذا حصل للمكلّف العلم أو الاطمئنان ــ ولو من خلال التجربة والممارسة ـ بأن الهلال الموجود على الأفق المحلّي بحجم كذا وبارتفاع كذا وبسائر الخصوصيات المؤثرة في الرؤية قابل لأن يُرى بالعين المجردة وإنما لم يُرَ بسبب السحاب أو الضباب أو الغبار أو نحوها يلزمه العمل بموجب ما حصل له من العلم أو الاطمئنان .
السؤال: يُحكى عن سيدّنا المرجع ( دام ظلّه ) أنه لا يأخذ أحياناً بشهادات الشهود على رؤية الهلال إذا خالفت إخبار الفلكيين بعدم قابليته للرؤية مع أن الشهادات حسّية والإخبار حدسي فما الوجه في ذلك؟
الجواب: إن إخبار الفلكيين على قسمين :
١ ـ ما يعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخلله الاجتهاد والحدس الشخصي كإخبارهم عن زمان ولادة الهلال ووقت خروجه من المحاق ومقدار ارتفاعه فوق الأفق ونسبة القسم المنار إلى اكبر قطر يبلغه القرص ونحو ذلك ، ولا يحدث عادةً اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم ، نعم ربما يخطأ بعضهم في المحاسبة.
٢ ـ ما يخضع للحدس والاجتهاد ويعتمد التجربة والممارسة ، كقول بعضهم أن الهلال لا يكون قابلاً للرؤية إلا إذا كان بارتفاع (٦) درجات فوق الأفق أو بعمر (٢٢) ساعة أو ببُعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك ، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف في وجهات النظر .
فإذا كانت شهادات الشهود على رؤية الهلال مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الأول يحصل عادة العلم أو الاطمئنان بخطأ الشهادة إذا اخبروا وفق حسابات دقيقة أن الهلال بعدُ في المحاق أو أنه قد غرب قبل غروب الشمس ومع ذلك شهد اثنان أو أزيد برؤيته!
وأما إذا كانت الشهادات مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الثاني فربما يحصل الاطمئنان بخطأ الشهادات ـ بتجميع القرائن والشواهد ـ و ربما لا يحصل الاطمئنان بذلك، وإن لم يحصل وكان من ضمن الشهود عدلان تتوفر في شهادتهما شروط الحجيّة لزم العمل بمقتضاها ولا أثر للظن بخلافها .
وبالجملة : إن من شروط حجّية البيّنة ( شهادة العدلين ) على رؤية الهلال هو عدم العلم أو الاطمئنان باشتباهها ، فإن حصل العلم أو الاطمئنان بذلك ولو من إخبار الفلكي ــ مثلاً ــ بكون الهلال بعدُ في المحاق أو بكونه بعدُ رفيعاً جدّاً بحيث لم ير مثله بالعين المجرّدة من قبل فلا عبرة بالبيّنة ، و إلا يؤخذ بها ولا أثر لإخبار الفلكي.
السؤال: نحن قسم من أهالي منطقة جبلة في محافظة الحلة وتوجد في منطقتنا حسينية كنا نعتمد عليها في الافطار وفي هذه المرة سمعنا فيها صلاة العيد وقد شاع يبن أهالي المنطقة انه عيد وتعذر علينا الاتصال بالنجف الأشرف وتم الافطار . ما هو حكم الافطار لهذا اليوم هل قضاء مع كفارة أم قضاء فقط ؟
الجواب: إذا حصل الاطمئنان بثبوت هلال شوال من شياع ونحوه ثم تبين خلافه فلا كفارة ولكن يجب القضاء وإن لم يحصل الاطمئنان ومع ذلك تمّ الافطار لزمت الكفارة مع القضاء .
السؤال: لماذا لا نتبع التقنية العلمية، اقصد الاجهزة فيما يخص رؤية الهلال في الاعياد وبدايات الاشهر ونعتمد الرؤية بالعين المجردة؟
الجواب: لان المستفاد من النصوص الشرعية ان العبرة في دخول الشهر القمري بوجود الهلال في الأفق عند غروب الشمس بدرجة من الارتفاع والاضاءة بحيث يكون قابلاً للرؤية بالعين المجردة الاعتيادية لولا الموانع.
السؤال: ما حكم من افطر قبل العيد على الشياع غير الحجّة شرعاً جهلاً منه بالحكم فهل يجب عليه القضاء والكفارة؟
الجواب: إذا كان واثقاً حين ذاك بجواز الافطار له لم تلزمه الكفارة.
السؤال: هل ان ثبوت الهلال في بلد يوجب ثبوته في الاخر ام يشترط اتفاق الافق ؟
الجواب: يشترط الاتفاق في الافق بمعني كون الرؤية في البلد الاول مستلزمة للرؤية في البلد الثاني لو لا المانع من سحاب او جبل او نحوهما ، ويتحقق ذلك فيما إذا كان الهلال في الثاني وفق الحسابات الدقيقة الفلكية بمواصفات أفضل أو مماثلة لما كان عليه في البلد الأول من حيث الحجم والارتفاع عن الأفق وقت الغروب والبعد الزاوي عن الشمس.
السؤال: ما حكم الهلال الذي يثبت في مكان دون غيره؟
الجواب: لكل مكان حكمه الاّ إذا ثبتت وحدة المكانين في الأفق.
السؤال: إذا كان بين البلدين نحو ساعة او اكثر في طلوع الشمس وغروبها فهل يعتبر افقها في الهلال واحداً ام لا؟
الجواب: لا يعتبران متحدين في الافق نعم رؤية الهلال في البلد ملازمة عادةً لرؤيته ـ لولا الموانع ـ في البلدان التي تقع على الغرب منه مع تقاربها في خطوط العرض ـ وكذلك اذا مكث الهلال في بلد الرؤية بأزيد مما يختلف مع البلدان الواقعة على شرقه في طلوع الشمس وغروبها كشف ذلك عن امكانية رؤيته في تلك البلدان في صورة تقاربها مع بلد الرؤية في خطوط العرض.
السؤال: هل يمكن تحديد المدي الذي نستطيع ان نقول فيه عن (منطقتين) انهما متوافقتين في الافق؟
الجواب: لا يمكن تحديد ذلك بصورة مضبوطة. نعم إذا كان بلد المكلّف في غربي بلد الرؤية وكانا متقاربين في خطوط العرض ــ بأن لم يختلفا الاّ بدرجة أو درجتين ــ تكفي الرؤية لبلده أيضاً.
السؤال: هل هناك وحدة افق او تقارب بين (البحرين) و(النجف الاشرف) ؟
الجواب: نعم هناك تقارب بين افقيهما ولكن ليس بحيث يحرز ان رؤية الهلال في البحرين مستلزمة لإمكانية رؤيته في النجف الأشرف ، نعم إذا رؤي في النجف الأشرف فالغالب إمكانية رؤيته في البحرين لولا الموانع الخارجية.
السؤال: اذا حلّت الليلة الثلاثون من شهر شعبان ولم ير الهلال فهل يجوز صوم نهارها ؟
الجواب: يجوز صومه لا بنية رمضان بل بنية اليوم الاخير من شعبان او بنية القضاء مثلاً.
السؤال: جاء في كتاب الفقه للمغتربين (المسألة ١١٣) : إذا ثبت الهلال في الشرق ، فهل يثبت عندنا في الغرب وكان الجواب من سماحتكم : إذا ثبت الهلال في الشرق فهو ثابت للغرب أيضاً مع عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً وهذا الاستثناء (عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً ) قد فهم منه عدم التلازم بين ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كإيران والعراق والخليج وثبوته في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا لاختلاف خطوط العرض وهذا مما أوجب بلبلة وإرباكاً في ثبوت الهلال لدي أفراد الأسرة الواحدة داخل الجالية الشيعية في هذه البلدان ، حيث أن السيد الخوئي قدس سره قد حكي الوفاق بين القائلين بمسلكه في الهلال ومسلك المشهور سواء اشترطنا أم لم نشترط اتحاد الأفق في ثبوت الهلال ـ في تلازم الرؤية وثبوت الهلال بين بلد الرؤية والبلاد التي تقع على الغرب منه ، في حالة فرض تأخر غروب الشمس في ذلك البلد الغربي عن بلد الرؤية ، وان اختلف خط العرض مادام الخط الفاصل بين النهار والليل وهو خط غروب الشمس يمر على بلد الرؤية قبل مروره على البلد الغربي ، حكي ذلك السيد الخوئي في مراسلاته مع بعض تلاميذه في مسألة رؤية الهلال ، والتي طبعت في رسالة مستقلة تحت عنوان مسألة رؤية الهلال ، وقد حكي في ضمن تلك الرسالة كلام كل من الشهيد الأول والثاني والنراقي في المستند ، دعواهم الوفاء من المشهور على ذلك ، هذا مع ان لازم الاستثناء المذكور في جوابكم هو حصول التعدد في بداية الشهر الهلالي إلى ثلاثة أيام ، كما هو حاصل في عامنا هذا وفق التفصيل الذي ذكرتموه في الجواب بضميمة بيانات علماء الأرصاد الفلكية حيث قرّروا تولد الهلال وامكانية الرؤية المجردة في مناطق المحيط الهادي ليلة الثلاثاء ، وامتناع الرؤية فيما سواها في تلك الليلة ، وإمكان الرؤية ليلة الأربعاء في بلاد العراق وايران والخليج وحوض المتوسط دون شمال أوروبا الذي يزيد في خطوط العرض والذي يمتنع عندهم الرؤية ليلة الأربعاء ، ويمكن لهم الرؤية ليلة الخميس ، فيكون مبدأ الشهر الهلالي في بقاع الأرض ثلاثة ايام ، وبنحو حلزوني الشكل ، وهذا مما يقتضي عدم تطابق وعدم امكان تطبيق اليوم القمري على اليوم الشمسي فكيف التوفيق بين هذا التسالم المحكي والتفصيل المذكور في جوابكم مع ملاحظة المحذورات المتقدمة ؟
ثم إن ها هنا بحث صغروي وتطبيقي آخر وهو أنه مع ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كبلاد ايران والعراق والخلِيج وعدم إمكان الرؤية في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا بسبب مانع في الأفق كالضباب ، تري هل يوجب ذلك التعدد في ثبوت الهلال بحسب الظاهر ؟
وهل دعوي الفلكيين بامتناع الرؤية في الغرب وإمكانها في الشرق توجب تعدد الثبوت ؟
الجواب: هنا عدة امور :
١ ـ انه وان ذكر جمع من فقهاء الفريقين ان رؤية الهلال في ايّ مكان تستلزم رؤيته في الامكنة الواقعة في غربه (2) ، الا انه لم يثبت كون ذلك مشهوراً حتى بين المتأخرين فضلاً عن التسالم عليه بل يستفاد من كلام شيخنا الشهيد الاول خلاف ذلك حيث ذكر ما نصه ( ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وان تباعدت للقطع بالرؤية عند عدم المانع) (3) فيلاحظ انه قدس سره لم يتبنّ الملازمة بين الرؤية في البلاد المشرقية وثبوت الرؤية في البلاد المغربية وانما ذكرها على سبيل الاحتمال بالرغم من التزامه بالملازمة بحسب الضوابط الفلكية .
وبعض الفقهاء الاخرين الذين التزموا بالملازمة المذكورة انما قالوا بها اعتقاداً منهم بالأولوية القطعية ، قال السيد الحكيم قدس سره ( واذا رئي في البلاد الشرقية فانه تثبت رؤيته في الغربية بطريق اولي ) وعلل ذلك بعضهم بان القمر لا يرجع ولا يتوقف .
ولكن الوجه المذكور لا يقتضي الا ازدياد القسم المنار من القمر كلما اتجه غرباً ، فاذا كان عمره عند غروب الشمس في استراليا ٢١ ساعة و٣٦ دقيقة يكون عمره في طهران ٢٧ ساعة و٥٠ دقيقة وفي النجف ٢٨ ساعة و١٩ دقيقة وفي لندن ٣٠ ساعة و٥٧ دقيقة وهكذا ولكن هذا لا يقتضي كونه قابلاً للرؤية في جميع تلك البلاد اذ لدرجة ارتفاع الهلال عن الافق دخل تام في امكانية الرؤية وعدمها ، فقد يكون الهلال بعمر ٢١ ساعة في ارتفاع ٨ درجات قابلاً للرؤية ولا يكون بعمر ٣٠ ساعة قابلاً لها لكونه في ارتفاع ١ درجة فقط .
ان قيل : ان عدم امكانية الرؤية عند كون الهلال قريباً من الافق وقت الغروب انما هو من جهة المانع الخارجي وهو اجتماع الغبار والبخار ونحوهما حوالي الافق وقد ادعي المحقق النراقي الاجماع على عدم العبرة بالموانع الخارجية الهوائية والارضية (4) .
قلت : ان ذلك في الموانع الطارئة المتغيرة كالسحاب والضباب واما الموانع الطبيعية التي لا تنفك عن المناطق القريبة من الافق في مختلف الازمنة والامكنة فليست كذلك لعدم الدليل عليه بل مقتضي كون الاهلة مواقيت للناس ـ كما ورد في الآية الكريمة ـ عدم العبرة بوجود الهلال في الافق الا اذا كان من حيث الحجم ومن حيث الارتفاع عن الافق ومن حيث البعد عن الشمس قابلاً للرؤية بالعين المجردة لولا الغيم ونحوه ، فالهلال الذي يكون بارتفاع ٣ درجات مثلاً حيث انه لا يكون قابلاً للرؤية عادة لا يصلح ان يكون ميقاتاً للناس .
٢ ـ المعلومات الفلكية المتوفرة لديناً لا تشير الى حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة ايام في رمضان الجاري اذ لم يكن الهلال في ليلة الثلاثاء قابلاً للرؤية في ايّ من البقاع لأنه كان القسم المنار منه دون الحد الأدنى المطلوب وانما كان يري في ليلة الاربعاء حتى في سيدني ونحوه من البلاد، مع أنه لو فرض حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة أيام فليس في ذلك محذور أصلاً.
٣ ـ انه قد ظهر مما مرّ انه مع رؤية الهلال في بلاد الشرق ان كان عدم امكان الرؤية في بلاد الغرب من جهة الغيم والضباب ونحوهما يحكم بدخول الشهر فيها ايضاً واما اذا لم يكن الهلال في افقها بالارتفاع الذي يمكن رؤيته عادة فلا يحكم بدخول الشهر فتعدد بداية الشهر الهلالي وهذا التعدد واقعي لا ظاهري .
ودعوي الفلكيين عدم امكان الرؤية لانخفاض درجة الهلال في الافق مما لا عبرة بها الا من حيث عدم حصول الاطمئنان بإمكانية الرؤية عادة والله العالم .
السؤال: هل يجوز الاعتماد على الفلك بدلاً من رؤية الهلال ؟
الجواب: قول الفلكي ان كان يستند الى المحاسبات الرياضية كإخباره عن زمان ولادة الهلال ومقدار ارتفاعه عن الافق لحظة الغروب ونحوها فهو مما يعتد به من الامن من وقوع الخطأ في المحاسبة كما هو الحال مع تعدد المخبر وكمال خبرته ، واما اذا كان قوله مستنداً الى الحدس والتجربة كالشروط التي يذكرها البعض لكون الهلال قابلاً للرؤية بالعين المجردة من حيث حجم القسم المنار منه والارتفاع عن الافق والبعد عن ذلك فهذا مما لا عبرة به إلا مع حصول الاطمئنان بصحته .
السؤال: سبق إن سئل سيدنا المرجع ( دام ظلّه ) عمّا إذا رئي الهلال بالتلسكوب ( المنظار ) وحصل اليقين للرائي بكونه هلالاً ، ولكن لم يمكن رؤيته بالعين المجرّدة ، فهل يعتد الرائي بهذه الرؤية وهل يعتد بها غيره أم لا ؟ فأجاب ( دام ظلّه ) أنه ( لا عبرة برؤية الهلال بالعين المسلحة سواء بالنسبة إلى الرائي وغيره ) ويسأل بعض أهل العلم عن الوجه في هذه الفتوى مع أن ( الرؤية ) المذكورة في النصوص تعمّ بإطلاقها الرؤية بالعين المجردة والعين المسلحة ، و مجرد كون الرؤية بالعين المسلحة غير متعارفة لا يمنع من شمول الإطلاق لها كما في نظائر المورد ، ولاسيما أن الرؤية طريق إلى ظهور الهلال على الأفق ولا موضوعية لها .
هذا ، بالإضافة إلى صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سألته عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره له أن يصوم ؟ قال إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس ( تهذيب الأحكام ج٤ ص ٣١٧ ).
فإنها لو لم تختص بذي البصر الحاد بقرينة قوله ( ولا يبصره غيره ) بدل ( ولم يبصره غيره ) فلا أقل من شمولها له بإطلاقها ، وعلى ذلك فهي دليل على كفاية رؤية الهلال بالعين الحادة جدّا فتلحق بها الرؤية بالمنظار لوحدة المناط.
الجواب: ١- أما التمسك بإطلاق نصوص الرؤية فهو مخدوش من جهة أن الهلال كان عند العرب ميقاتاً يبتدئون به الشهر القمري الذي اعتمدوا عليه في مختلف شؤون حياتهم ، ولما جاء الدين الإسلامي الحنيف أقرّهم على ذلك ، قال تعالى : ( يسألونك عن الأهِلّة قل هي مواقيت للناس والحج ) ومن المؤكد أن ما يصلح أن يكون ميقاتاً للناس بصورة عامة هو الهلال الذي يظهر على الأفق المحلّي بنحو قابل للرؤية بالعين المتعارفة المجرّدة ، وأما ما لا يرى إلا بالأدوات المقرّبة أو ما لا يراه إلا نادر من الناس يمتاز برؤية بصرية حادّة جدّاً فهو لا يصلح أن يكون ميقاتاً للناس عامة.
فبهذه القرينة لابدّ من البناء على أن الرؤية المذكورة في النصوص إنمّا أخذت طريقاً إلى ظهور الهلال على الأفق بحجم وبارتفاع مناسبين لأن يُرى بالعين المتعارفة غير المسلّحة لولا الموانع الخارجية من سحاب ونحوه .
٢- وأمّا صحيحة علي بن جعفر ، فالظاهر أن المراد بقول الراوي فيها ( ولا يبصره غيره ) هو مجرّد عدم تحقق الرؤية من الغير لا عدم إمكانية تحققها من جهة تفّرد الرائي بحدّة البصر بحيث لا يوجد نظير له فإنه فرض لا واقع له في أي عصر كما لا يخفى ، وعلى ذلك فليس مورد الصحيحة هو خصوص ذي البصر الحادّ جدّاً الذي يرى من الهلال ما لا يراه غيره ، وأما إطلاقها لهذا المورد فهو مخدوش لما سبق.
على أنه يمكن أن يقال أن هذه الصحيحة ناظرة سؤالاً وجواباً إلى أمر آخر وهو أن رؤية الهلال حجّة للمتفرد بها أم لا ؟ وذلك أنه لما ورد في العديد من النصوص ــ ومنها روايات محمد بن مسلم وأبي أيوب الخزاز وعبد الله بن بكير وأبي العباس (5) ــ التأكيد على أنه لا عبرة بالرؤية إذا ادعاها شخص ولم يصدقه سائر المستهلين أراد الراوي أن يستفسر عن اختصاص هذا الحكم بالآخرين أو شموله للرائي نفسه ـ و لاسيما أنه قد ذهب عدد من فقهاء الجمهور إلى شموله للرائي و أنه لا يصوم إلا مع الناس ـ وقد أجاب الإمام (عليه السلام) بان الرائي إذا كان متيقناً من رؤيته للهلال فليعمل بموجبها وإلا فليتابع الناس ، أي أن رؤيته معتبرة لنفسه وإن لم تكن معتبرة للآخرين.
وعلى ذلك فالصحيحة مسوقة لبيان أن رؤية المتفرد بها حجّة لنفسه دون غيره ولا ينعقد لها الإطلاق من جهة كون الهلال غير قابل للرؤية بالعين المتعارفة.
هذا كله مضافاً إلى أنه لو بني على كون المناط في دخول الشهر بظهور الهلال في الأفق بنحو قابل للرؤية ولو بأقوى التلسكوبات والأدوات المقرّبة لاقتضى ذلك أن صيام النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة (عليهم السلام) وفطرهم وحجهم وسائر أعمالهم التي لها أيام خاصة من الشهور لم تكن تقع في كثير من الحالات في أيامها الحقيقية ، لوضوح أنهم (عليهم السلام) كانوا يعتمدون على الرؤية المتعارفة في تعيين بدايات الأشهر الهلالية مع أنه قلّما يرى الهلال بالعين المجرّدة واضحاً ومرتفعاً في ليلة ولا يكون قابلاً في الليلة السابقة عليها ببعض الأدوات المقرّبة القوية، وهل هذا ما يمكن الالتزام به ؟!
السؤال: شخص مؤمن قد اشتهر برؤيته الهلال لسنوات عديدة ، فهل يكفي حصول الاطمئنان من قوله في ثبوت الهلال ، وهل يكفي هذا الاطمئنان للآخرين بمعنى أن آمر اهل بيتي يعملوا باطمئناني ؟
الجواب: من حصل له الاطمئنان يعمل بمقتضاه ومن لم يحصل له فعليه العمل وفق الموازين الاخرى ولا ينفع اطمئنان شخص لشخص آخر ، علماً أنّ انفراد شخص بدعوى رؤيته للهلال مع وجود مستهلين آخرين يماثلونه في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهم يثير الريب عادةً في صحّة دعواه بل يظن وقوعه فريسة الخطأ في الحسّ فكيف يتصوّر حصول الاطمئنان من قوله؟! .
السؤال: يقوم علم الفلك في يومنا هذا على أسس علمية متينة وحسابات رياضية دقيقة ، حيث ان احتمال نسبة الخطأ فيها قد تكون لا تذكر ، حيث يخبر الفلكيون بخسوف القمر وكسوف الشمس لعدة سنوات مقبلة بدقة متناهية وغيرها من الأمور الأخرى.
السؤال: لماذا لا يعتدّ بقول هؤلاء الفلكيون في ثبوت الهلال ، عندما يفتي هؤلاء الفلكيون بخروج القمر من المحاق وولادته الِّا انه لا يمكن رؤيته ، وهل الأساس فُي ثبوت الهلال ولادة الهلال ام رؤيته ؟
الجواب: هنا عدة امور :
أ) ان اخبار الفلكيين عن الكسوف والخسوف والمحاق وولادة الهلال ونحو ذلك يبتني على محاسبات رياضية كانت معروفة منذ مئات السنين ولا يقع فيها خطأ عادة الّا ممن لا يكون خبيراً بإجرائها ، وعلى هذا الاساس يحصل الاطمئنان عادة من قول الفلكيين أن القمر في الشهر الفلاني يدخل في المحاق في الساعة كذا ويخرج منه في الساعة كذا .
ب) العبرة في بداية الشهر شرعاً بظهور الهلال في الافق على نحو قابل للرؤية بالعين المجردة لولا السحاب ونحوه من الموانع ، فلا يكفي العلم بوجوده بعد ولادته ولكن على نحو غير قابل للرؤية مطلقاً او على نحو غير قابل للرؤية الّا بالأدوات المقرّبة والرصد المركّز ، ومن هنا لا ينفع اخبار الفلكي عن ولادة الهلال وخروجه من المحاق في ثبوت أول الشهر . نعم إذا اخبروا عن عدم ولادة الهلال بعد عند الغروب او اخبروا ان له من العمر ساعة او ساعتين مثلاً اوجب ذلك ـ عادة ـ الاطمئنان بعدم صحة الشهادة على رؤيته في تلك الليلة.
ج) هناك اختلاف كثير بين الفلكيين في خصوصيات الهلال الذي يكون قابلاً للرؤية بالعين المجردة - لو لا العوائق الخارجية - من حيث نسبة القدر المنار منه ودرجة ارتفاعه عن الافق ومقدار بعده عن الشمس وغير ذلك من الخصوصيات ولا يمكن الاعتماد على قول ايّ منهم في هذا المجال ، والعبرة بما يحصل من الاطمئنان بملاحظة مجموع الخصوصيات والقرائن .
السؤال: باي شيء يثبت الهلال ، وهل يثبت بقول المنجّم ؟
الجواب: طرق ثبوت الهلال مشروحة في الرسائل الفتوائية كالعروة الوثقى مع تعليقتنا عليها ومنهاج الصالحين ، وليس منها اخبار الفلكي ، نعم قد يكون اخباره من بواعث حصول الاطمئنان بكون الهلال ظاهراً على الافق بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة ، كما ان اخباره بعدم تولد الهلال وكونه بعد في المحاق او مرور وقت قصير جداً ـ كبضع ساعات ـ على ولادته قد يكون من موجبات حصول الاطمئنان بعدم ظهوره في الافق على الوجه القابل للرؤية بالعين المجردة .
السؤال: ألم يكن هناك شياع عالمي على رؤية هلال العيد في هذا العام فلماذا لم يأخذ به سماحة السيد ؟
أليس احتياط سماحته في أمر الهلال زائد على الحد ؟ ألا يخشى أن يصوم الناس بسبب ذلك في يوم العيد ؟
أليس من الأجدر أن يحتاط سماحته في مسألة الهلال لكي يرجع الناس إلى غيره من المراجع ويرتفع الحرج عن المؤمنين و لا يحدث الهرج و المرج في الأسرة الواحدة فإن كبار السن يقلدون السيد الخوئي وأبنائهم يقلدون سماحته فنرى الآباء يعيدون والأبناء يصومون !!
الجواب: ١ ـ عن أي ( شياع عالمي ) تتحدّث ؟! لعلّك لا تعلم أن معظم المراجع الذين اثبتوا الهلال في ليلة الجمعة إنما اعتمدوا على ثبوت رؤيته في استراليا وأفريقيا بناءً منهم على القول بوحدة الآفاق ، وبعضهم اعتمد على كفاية رؤيته بالتلسكوب ، وبعضهم بناءً على اعتبار حكم الحاكم الشرعي في الهلال ، وسماحة السيد – دام ظله ــ لا يرى شيئاً من ذلك .
ولعلّك لا تعلم أن مآت الأشخاص في الاحساء والقطيف والكويت والعراق وفي سائر أرجاء المنطقة استهلّوا ليلة الجمعة ومعهم الأدوات المقرّبة وفيهم الكثير ممن يعلم مكان الهلال بدقّة ومع ذلك لم يتيسّر لهم رؤيته ، ولكن هناك أشخاص آخرون ادعوا الرؤية وفيهم كما قيل (عدول أو ثقات) فاعتمدهم جمع من وكلاء المنطقة وهذا لا ينسجم مع مبنى سماحة السيد – مدّ ظلّه ــ من وقوع التعارض الحكمي بين الشهادات المثبتة والنافية في مثل هذه الحالة لما ورد في النص الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) من أنه (إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف).
٢ـ لعلّك لا تعلم أن حرمة صوم يوم العيد إنما هي حرمة تشريعية لا ذاتية أي إن من يعلم أنه يوم عيد ويصومه بداعي كونه مأموراً به يرتكب الحرام وأمّا من لا يعلم أنه يوم عيد فلو صامه لا يكون مرتكباً للحرام واقعاً ، وهذا بخلاف حرمة الإفطار في يوم من شهر رمضان فإن من اعتقد اشتباهاً أن آخر أيام رمضان هو يوم العيد فافطر فيه يكون مرتكباً للحرام واقعاً وإن لم يستحق العقاب إذا كان معذرواً في اعتقاده .
٣ـ إن الاختلاف في بداية الأشهر القمرية مما لا محيص منه في ضوء اختلاف مباني الفقهاء فيما هو المناط في بداية الشهر القمري وعلى كل مكلّف أن يعمل وفق رأي مرجع تقليده ولا يحدث هرج ولا مرج بذلك وأي ضير في أن يكون الأب مفطراً والولد صائماً كل حسب فتوى مقلّده؟!
٤ ـ إن سماحة السيد – دام ظلّه ــ لا يحتاط في أمر الهلال إلا بمقدار ما تلزمه به الأدلة ، وهو أعلم بموارد الفتوى والاحتياط ، وإذا كنت ترغب فيمن يفتي أو يحتاط مثل ما تحب فقلّد غير سماحة السيد – دام ظلّه ــ .
السؤال: هل يثبت الهلال بالرؤية عن طريق الارصاد الفلكية حيث تقول الآية الكريمة « فَمَن شَهدَ مِنكم الشَّهرَ فليَصُمهُ » فهل الآية الكريمة تختص بمن شهد الشهر بعينه المجرّدة أم تشمل كل من شهده بأي طريق كان؟
الجواب: دخول الشهر منوط شرعاً ـــ بمقتضي الدليل المذكور في محله ـــ بظهور الهلال فوق الافق على نحو قابل للرؤية بالعين المجردة الاعتيادية ، فلا تكفي رؤيته بالأدوات المقرّبة إذا لم يمكن رؤيته بدونها .
السؤال: اذا رؤي في بلد كفى في الثبوت في غيره مع اشتراكهما في الأفق بمعنى كون الرؤية الفعلية في البلد الأول ملازماً للرؤية في البلد الثاني لولا المانع من سحاب أو غيم أو جبل أو نحو ذلك. السؤال هو:
١- يرجى من سماحتكم توضيح الاشتراك في الأفق والتلازم في الرؤية لان البعض يعتقد ان التلازم يقع حتى اذا اشترك البلدان في جزء من الليل؟
٢- هل يفرق اذا كان البلد الملازم في الشرق أو الغرب؟
٣- هل الاشتراك في الأفق متغير من شهر لآخر أم انه ثابت على ضوء التعريف الآنف الذكر هل تعتبر سلطنة عمان ملازماً لأي من دول الخليج مثل البحرين أو السعودية أو حتى العراق؟
٥- بالنسبة لثبوت الهلال هل يعتد بالاطمئنان الناشئ من استهلال الحكومة المخالفة لمذهب الامامية؟
الجواب: ١- العوامل الرئيسية المؤثرة في رؤية الهلال هي:
أ - حجمه أي المقدار المنار من القمر.
ب - ارتفاعه عن الأفق.
جـ - بعده الزاوي عن الشمس.
فاذا رئي الهلال في بلد عند غروب الشمس فيه وكان حجمه ٤% وارتفاعه ٨ درجات وبعده عن الشمس ٢٥درجة مثلاً فمن المطمأن به ان يكون قابلاً للرؤية – لولا الموانع الخارجية – في بلد المكلف اذا لم يقل عن ما ذكر في المواصفات. وأما الاشتراك في جزء من الليل فهذا شرط عند بعض القائلين بوحدة الأفق ولا أثر له عند القائل بتعدد الأفق.
٢- اذا كان بلد الرؤية في غرب بلد المكلف فلا ملازمة بينهما في الرؤية الا اذا كانا متقاربين جداً لان حجم الهلال قد يكون أقل بدرجة لا تسمح فيه بالرؤية، وأما اذا كان بلد الرؤية في شرق بلد المكلف فلا ملازمة أيضاً الا مع تقاربهما في خطوط العرض لان الحجم وان كان أكبر ولكن ربما يكون الارتفاع أقل بما لا يسمح بالرؤية.
٣- يتغير بين البلاد المتباعدة حسب اختلاف الفصول واختلافهما في خطوط العرض والطول.
٤- لم يثبت ذلك بل الظاهر خلافه في بعض الأوقات.
٥- لابد من الاطمئنان بذلك وفق ما ذكر من الضوابط .
السؤال: ما هو المعتبر في ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك ؟
الجواب: يعتبر في وجوب صيام شهر رمضان ثبوت الهلال بأحد هذه الطرق:
١- أن يراه المكلّف نفسه.
٢- أن يتيقّن أو يطمئنّ لشياع أو نحوه برؤيته في بلده ، أو فيما يلحقه حكماً.
٣- مضي ثلاثين يوماً من شهر شعبان .
٤- شهادة رجلين عادلين بالرؤية ، وتعتبر فيها وحدة المشهود به ، فلو ادّعى أحدهما الرؤية في طرف وادّعى الآخر رؤيته في طرف آخر لم يثبت الهلال بذلك ، كما يعتبر فيها عدم العمل أو الاطمئنان باشتباههما وعدم وجود معارض لشهادتهما - ولو حكماً - كما لو استهلّ جمع ولم يدع الرؤية إلاّ عدلان ولم يره الآخرون وفيهم عدلان يماثلانهما في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر مع فرض صفاء الجّو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهما ، ففي مثل ذلك لا عبرة بشهادة العدلين ، ولا يثبت الهلال بشهادة النساء إلاّ إذا حصل اليقين أو الاطمئنان به من شهادتهنّ .
السؤال: اذا اطمأننت للرؤية الفلكية فهل يجوز لي ان اعمل بها؟
الجواب: اذا حصل لك الاطمئنان من أقوال الفلكيين بكون الهلال في افق المكان الذي أنت فيه بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة ــ لو لا السحاب ونحوه ــ عملت وفقه ولكن أقوال الفلكيين لا تورث الاطمئنان عاده بإمكانية الرؤية بالعين المجردة الا في بعض الحالات.
السؤال: ما المقصود باتحاد الافق في ثبوت الهلال، مع ذكر مثال لذلك ؟ وهل يذهب السيد الخوئي (قدس سره ) الى اتحاد الافق في ثبوت الهلال؟
الجواب: المكان المتحد أفقاً مع مكان الرؤية هو المكان الذي يظهر فيه الهلال بصورة أفضل أو مشابهة لما ظهر بها في مكان الرؤية كأن علم بموجب المحاسبات الفلكية الدقيقة أنه يكون فيه بحجم أكبر وبارتفاع عن الأفق يزيد على ارتفاعه في بلد الرؤية، هذا عند سماحة السيد (دام ظلّه).
واما السيد الخوئي (قدس سره) فكان يرى ان رؤية الهلال في مكان يكفي في ثبوته في بقية الامكنة المشاركة معه في جزء من الليل.
السؤال: لو ثبت الهلال في الشرق كإيران فهل يثبت الهلال في الغرب كالعراق لأنها غرب ايران؟ وما رأي السيد الخوئي (قدس سره) ؟
الجواب: نعم مع تقارب المكانين في خطوط العرض بان لم يختلفا الا بدرجة أو درجتين مثلاً، ويثبت عند المرحوم السيد الخوئي (قدّس سرّه ) مطلقاً.
السؤال: يشترك افق لندن مع بلدان كثيرة في غرب افريقيا، فلو حصل الاطمئنان بصحة الحسابات الفلكية في ولادة الهلال وكونه قابلاً للرؤية بالعين المجردة في تلك البلدان وليس في لندن، فهل يمكن الاعتماد على هذا الاطمئنان في اثبات اول رمضان أو العيد مثلاً ؟
الجواب: إنّ مدينة لندن تختلف عن البلدان الافريقية في خطوط العرض كثيراً، وبذلك تختلف في درجة ارتفاع الهلال عند غروب الشمس فيها، فلا يمكن استكشاف كون الهلال قابلاً للرؤية في لندن إذا تمت الرؤية في البلدان الافريقية.
السؤال: هل تقولون بثبوت الهلال بقول الفلكي اذا حصل الاطمئنان بذلك؟
الجواب: الاعتبار في ذلك بوثوق المكلف بظهور الهلال في افق المكان الذي فيه المكلف بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة، فإن حصل له الوثوق من أقوال الفلكيين فلا بأس ولكن لا يحصل وفق موازينه الاّ في بعض الحالات.
السؤال: في عيد الاضحى هل يجوز أن نتبع الحجاج في منى ، أي إذا كان العيد هو يوم السبت وفق ما ثبت من أول ذي الحجة عند السلطات السعودية ، وكان عندنا هو يوم الأحد فهل يجوز أن نضحي ونؤدي صلاة العيد في بلدنا في يوم السبت اتباعاً للحجاج؟
الجواب: لا يجوز ذلك، بل ان سماحة السيد ( دام ظلّه ) يستشكل في الاجتزاء باداء أعمال العيد في منى على خلاف ما تقتضيه الضوابط الشرعية في ثبوت الهلال، ولمقلّده الرجوع في ذلك الى فقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم.
السؤال: ذكرتم (دام ظلكم) في العروة الوثقى ج٢ في (فصل في طرق ثبوت هلال رمضان وشوال للصوم والإفطار) في الترقيم ٢١٥٦ م٤: اذا ثبت رؤيته في بلد آخر ولم يثبت في بلده فان كانا متقاربين كفى وإلا فلا الا اذا علم توافق أفقهما وان كانا متباعدين. والسؤال:
١- ما هو ضابط التقارب والتباعد عندكم (دام ظلكم العالي)؟
٢- ما الفرق بين مبناكم الشريف (دام ظلكم العالي) في توافق الأفق ومبنى سيد الطائفة الخوئي (قدس سره) في اتحاد الأفق؟
الجواب: ١- لا أثر للتباعد والتقارب بعنوانهما بل العبرة – كما أشير إليها في التعليقة رقم٢١٢ – بكون الرؤية الفعلية في البلد الأول ملازمة للرؤية في البلد الثاني لولا المانع من سحاب أو جبل أو نحوهما. فان كان البلدان متقاربين – كالنجف الأشرف وكربلاء المقدسة – يحرز تحقق الملازمة المذكورة عادة، واما ان كانا متباعدين فيتوقف الأمر على استحصال المعلومات الخاصة بوضع الهلال في كل شهر، فاذا كان يزيد ارتفاع الهلال وحجمه وبعده الزاوي عن الشمس في بلد على ارتفاعه وحجمه وبعده الزاوي عن الشمس في بلد الرؤية حصل العلم بكونه ظاهراً في أفق البلد الآخر عند الغروب أيضاً وان لم ير لمانع من غيم ونحوه.
٢- مبناه قدس سره دخول الشهر الهلالي في بلد المكلف وان لم يكن الهلال قابلاُ للرؤية فيه اذا كان قابلاً للرؤية في مكان ما يشترك مع بلد المكلف في جزء من الليل، وأما مبنى سماحة السيد – دام ظله – فهو ان دخول الشهر الهلالي في كل بلد يتبع رؤية الهلال في ذلك البلد إلا لمانع كالغيم.
السؤال: إذا اختلف وكيل مرجعي ووكيل مرجع آخر في بلدي في تحديد أول أيام شهر رمضان أو يوم العيد فهل يجب عليّ اتباع وكيل مرجعي أم يجوز لي أن أتبع وكيل المرجع الآخر ؟
الجواب: يجب عليك أن تطبق ضوابط ثبوت الهلال في فتوى مرجعك في التقليد ، فإذا كان الثبوت عند أحد الوكيلين مطابقاً للضوابط المعتمدة لدى المرجع اعتمدت عليه والا تركته.
السؤال: انا في اليمن وليس لي خبرة في رؤية الهلال فهل يمكنني الاعتماد في تحقق الرؤية على قول العلماء هنا اي حسب الاعلان عنه في وسائل الاعلام أو بمعنى آخر أصوم معهم وأفطر معهم ؟
الجواب: يمكنك أن تستهل أي تبحث عن الهلال في الافق عند غروب اليوم التاسع والعشرين من الشهر فإن رأيته فلا إشكال وإن لم تره فاكمل الشهر ثلاثين يوماً الا أن تطمئن برؤية الغير له، ولا عبرة بالإعلان الرسمي في حدّ ذاته.
السؤال: إذا رأى الشخص الهلال ولكن الحاكم لم يحكم بالثبوت فما هو حكمه ؟
الجواب: إذا كان متأكداً من رؤيته عمل بمقتضاها ولا حاجة الى حكم الحاكم.
السؤال: إذا شهد عدلان بالرؤية ولكن الحاكم لم يحكم فما هو تكليف الناس ؟
الجواب: يثبت الهلال بذلك إذا لم يكن لشهادتهما معارض ولو حكماً ولا حاجة الى حكم الحاكم.
السؤال: إذا ثبت هلال شهر رمضان اثناء اليوم فماذا يفعل ؟
الجواب: إذا ثبت قبل الظهر ولم يمارس مفطراً وجب عليه الصوم ولا قضاء عليه وإلاّ وجب قضاؤه ويمسك بقية اليوم على الأحوط وجوباً، وإذا كان الثبوت بعد الظهر ولم يصدر منه مفطر فالاحوط وجوباً الصوم والقضاء . وأمّا إذا كان قد اتى بمفطر فعليه القضاء والأحوط وجوباً له الامساك بقية اليوم.
السؤال: سيدنا اننا في استوكهولم عاصمة السويد نريد ان نعرف حكمنا الشرعي في إثبات الهلال بالنسبة لنا فهل لنا ان نتبع النجف الأشرف او قم ام غيرهما أفتونا جزاكم الله خيرا ودمتم عزا للمؤمنين ؟
الجواب: مختار سماحة السيد دام ظله ان ثبوت رؤية الهلال في بلاد الشرق لا يقتضي الحكم بدخول الشهر في بلاد الغرب الا اذا تأكد وجود الهلال في افقها في الليلة نفسها بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة لولا الغيم والضباب ونحوها ، واما وجوده بنحو غير قابل للرؤية فلا أثر له .
وهناك كثير من الفقهاء – كالسيد الخوئي والسيد السبزواري قدس سرهما – يكتفون برؤية الهلال في الشرق في الحكم بدخول الشهر في مثل الدول الأوربية، وكل يعمل وفق فتوى مقلده.
السؤال: ما هي المناطق المتحدة مع إستراليا في الأفق حتى يمكن أن تكون لنا مرجعاً في ثبوت هلال شهر رمضان المبارك وبقية أشهر السنة ؟
الجواب: استراليا أرضٌ واسعة وقد لا تتحد مناطقها في الافق فضلاً عن اتحادها مع مناطق أخرى في ذلك، وعليكم بالتحقق من رؤية الهلال في مكان تواجدكم فان لم تثبت رؤيته فاكملوا الشهر ثلاثين يوماً الا ان تثبت رؤيته في مكان آخر متحد الأفق مع بلدكم .
السؤال: في البلاد التي لا يمكن فيها الرؤية لوجود الغيوم اذا صعد الانسان فوق الغيوم وشاهد الهلال فهل يثبت بذلك ؟
الجواب: نعم إذا اطمأن بكونه قابلاً للرؤية من على سطح الأرض أيضاً لولا وجود الغيوم.
السؤال: هل يعتبر الاسلام في الشهادة برؤية الهلال ؟
الجواب: نعم هو معتبر في البينة الشرعية بل تعتبر العدالة فيها أيضاً ، ولكن إذا حصل الاطمئنان بإمكانية الرؤية بالعين المجرّدة ولو من إخبار غير المسلم يعمل بمقتضاه.
السؤال: إذا حكم الحاكم في بلد بثبوت الهلال في يوم وحكم آخر بثبوته في يومٍ آخر فما هو حكم من يسكن في حدود البلدين؟
الجواب: فتوى سماحة السيد ( دام ظلّه ) ان الهلال لا يثبت بحكم الحاكم فلا موضوع لهذا السؤال.
السؤال: ١- هل التصدي للأهلة في الأشهر من خصوصيات القاضي فقط وهل يجوز لغيره؟
٢- من يحق له التصدي للأهلة؟
٣- هل هناك إجازة من مرجع التقليد للتصدي للأهلة؟
٤- أنا من مقلد سماحتكم وفي مطلع شهر رمضان المبارك ثبت الشهر للمتصدي للأهلة على حسب مبدأ التطويق في الليلة الثانية. فهل عليّ إتباعه؟
٥- في شأن الأموال الوقف بخصوص المناسبات الشريفة لأهل البيت [عليهم السلام] كيف أقيمها في حال اختلاف بين المتصدين للهلال في بلادي؟
الجواب: ١- الاستهلال مستحب للجميع، واما التصدي لاستقبال الشهود وتمحيص شهاداتهم والإعلان عن أول الشهر فهذا شأن من تتوفر له إمكانية ذلك ويحظى بثقة المؤمنين.
٢- ظهر الجواب مما مرّ.
٣- لا.
٤- لا عبرة بالتطويق عند سماحة السيد دام ظله.
٥- طرق ثبوت الهلال مذكورة في الرسالة الفتوائية فلا يبنى على دخول الشهر الجديد ما لم يثبت ذلك بواحد منها والله العالم.
السؤال: متى يحق للمكلّف أن يصوم بنية رمضان ؟
الجواب: إذا رآه بنفسه ، أو شهد عادلان برؤيته من دون معارض ولم يطمئن باشتباههما ، أو حصل له الوثوق برؤيته من جهة الشياع أو غيره أو مضى ثلاثون يوماً على ثبوت هلال شعبان.
السؤال: ما هو التكليف الشرعي لمن أراد الذهاب إلى الحج في حال وجود اختلاف رؤية هلال شهر ذي الحجة ؟
الجواب: سماحة السيد ( دام ظلّه ) لا يفتي بالاجتزاء بالوقوف مع العامة في صورة عدم ثبوت الهلال بالطرق المعتبرة عندنا فلمن يقلد سماحته ان يرجع في هذه المسالة الى غيره مع رعاية الاعلم فالأعلم .
السؤال: كيف يمكنني ان اتحقق من رؤية الهلال هنا في المغرب وهل أعتمد على ما تعلن عند الجهات الرسمية ؟
الجواب: طرق ثبوت الهلال مذكورة في الرسالة العملية، والاعلان الرسمي لا عبرة به في حدّ ذاته ولكن المسموع ان في المغرب لجاناً كثيرة في مختلف أنحاء البلاد لتحقق من رؤية الهلال وتمحّص شهادات الشهود بدقّة ، فإن حصل الاطمئنان بما تعلن عنه عُمِلَ به.
السؤال: نحن في العراق وعالم البلد الذي يعرف بين الناس بان وكيل لمرجعهم في التقليد إذا ثبت عنده حلول يوم العيد ولم يثبت ذلك عند موكله المرجع فهل يحق له الاعلان عن حلول العيد واقامة صلاته من دون ان يوضح للجميع ويصارحهم بالاختلاف بينه وبين المرجع في امر الهلال او لا ؟
الجواب: لا ينبغي له ان يفعل ذلك لما يتسببه من ارباك في الوضع إلى حدّ بعيد، حيث ان كثيراً من الناس سيفطرون ذلك اليوم اعتقاداً منهم بان الوكيل لا يتصرف الاّ وفق رأى موكله فيكون عدم مصارحتهم موجباً لما يشبه الاغراء بالجهل.
السؤال: نحن نعيش في بلد غير اسلامي وبالنسبة لتحديد التاريخ الهجري هل نعتمد على تقويم البلاد التي نعيش فيها أم نعتمد على تقويم بلد اسلامي رغم اختلافه عنا قليلا، وما هو الحكم هنا في تعيين بداية شهر رمضان ويوم العيد ورأس السنة الخمسية ؟
الجواب: لا يصح الاعتماد على التقويم في تحديد أول الشهر القمري الاّ إذا حصل الاطمئنان بكون الهلال قابلاً للرؤية بالعين المجردة في بلد المكلف في الوقت المحدد في التقويم.
السؤال: لماذا يوجد الاختلاف غالباً في رؤية هلال شهر رمضان المبارك وشهر شوال؟
الجواب: بعض الاختلاف في ذلك يستند إلى إختلاف الفتاوى، مثلاً بعض الفقهاء يرون كفاية رؤية الهلال في أي مكان آخر يشترك في جزء من الليل مع بلد المكلف في الحكم بدخول الشهر في بلد المكلف أيضاً ، وبعض الفقهاء لا يرون ذلك وأيضاً بعضهم يرى كفاية الرؤية بالتلسكوب ونحوه وبعضهم يشترط الرؤية بالعين المجرّدة. وبعض الاختلاف ينشأ من اعتماد البعض على شهادات برؤية الهلال في مناطق يرى البعض الآخر عدم إمكانية رؤية الهلال فيها وفق المعلومات الفلكية الدقيقة ولذلك لا يعتمد تلك الشهادات.
السؤال: هل يجب التحقق من ظهور هلال شهر رمضان؟
الجواب: لا يجب التحقق من ذلك ، ولو أراد الصوم نوى كونه من شعبان الا إذا ثبت كونه من شهر رمضان في أثناء النهار فيعدل عن نيته الأولى.
السؤال: في اداء مناسك الحج هل العبره بأول الشهر في وطن المكلّف أو في الديار المقدسة، في حالة اختلاف بداية الشهر بينهما؟
الجواب: العبرة بأول الشهر في الديار المقدسة، نعم إذا ثبت الهلال فيها عند السلطات الرسمية ولم يثبت وفق الضوابط الشرعية عندنا ففي الاجتزاء بأداء مناسك الحج معهم إشكال ويمكن الرجوع في المسألة إلى فقيه آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم.
السؤال: وجه لسماحتكم سؤال حول رؤية الهلال وكان الجواب الصادر من جهة المكتب هكذا : (( في شهادة العدلين بالهلال لابد ان تكون شهادتهما غير معارضة حكما بشهادة اخرى وإلا فلا يؤخذ بها، فإذا اخبر الفلكيون بعدم كون الهلال قابلاً للرؤية بالعين المجردة وحصل الوثوق بصحة ما يقولون فهذا يعني الوثوق بوقوع العدلين في الخطأ والاشتباه فتترك شهادتهما لذلك.))، وعليه وجهت بعض الأسئلة وهي:
١- الفلك من العلوم الظنية أما الرؤية بالعين المجردة فحجة شرعية أمرنا الشارع بالتعبد بها فكيف يسقط العلم الظني لذلك؟
٢- لو كان هناك أكثر من شاهدين عدلين بالرؤية (أربعة أو ستة أو ثمانية شهود بالرؤية) فهل هذا يعني وقوعهم بالخطأ والاشتباه وعليه تترك شهادتهم؟
٣- ما هي المراصد الفلكية التي يمكن الاعتماد عليها؟
٤- لو تفرد فلكي في قول وهو كون الهلال قابل للرؤية ومجموعة من الفلكين اجمعوا بعدم كون الهلال قابلاً للرؤية فهل يكون ذلك داخلاً تحت وثوق ووقوع العدلين بالخطأ والاشتباه؟ (بمعنى هل قول الفلكي الواحد يكون خارق لإجماع الفلكين)؟
٥- نلاحظ في كثير من الإجابات وكثير من المسائل ان الركيزة الأساسية في إثبات الهلال هو الاطمئنان السؤال هو: في حالة ما اذا لم يحصل الاطمئنان بقول الفلكي بعدم كون الهلال قابل للرؤية بالعين المجردة وفي مقابل ذلك حصل الاطمئنان بقول الشاهدين إضافة الى عدالتهما، فهل يؤخذ بقول الشهود أم لا؟ نرجو من سماحتكم التوضيح ان أمكن.
٦- اذا لم يحصل الوثوق بقول الفلكيين بعدم الرؤية كما هو الحاصل عند بعض الفضلاء حفظهم الله وكثير من المؤمنين فما هو الحكم؟
٧- من افطر على البينة ولم يكن يعلم بهذه المسألة فهل يجب عليه قضاء ذلك اليوم وكذلك من افطر على قول الثقة المورث للاطمئنان هل يجب عليه الإعادة؟
٨- ما هو المقصود بوحدة الأفق نرجو منكم الإجابة بغير خطوط الطول والعرض وما هو المبنى في ذلك؟
الجواب: في الكلام المنقول أولا خلط بين أمرين:
١) ان من شروط حجية البينة على رؤية الهلال هو عدم العلم او الاطمئنان باشتباههما فان حصل العلم أو الاطمئنان بذلك ولو من اخبار الفلكيين بكون الهلال بعدُ في المحاق فلا عبرة بالبينة.
٢) ان من شروط حجية البينة أيضاً ان لا يكون لها معارض حكمي كما اذا استهل جماعة كبيرة من أهل البلد فادعى الرؤية منهم عدلان فقط.
وأما الجواب على الأسئلة فهو كما يأتي :
١- إخبارات الفلكيين على قسمين فمنها ما يعتمد الحسابات الرياضية ولا يتخللها الاجتهاد والحدس الشخصي كإخبارهم عن زمان ولادة الهلال ووقت خروجه من المحاق ومقدار ارتفاعه فوق الأفق ونسبة القسم المنار منه ونحو ذلك. ولا يحدث اختلاف بين الفلكيين في هذا القسم، نعم ربما يخطأ احدهم في المحاسبة.
ومنها ما يخضع للحدس والاجتهاد ويعتمد التجربة والممارسة كقول بعضهم ان الهلال لا يكون قابلاً للرؤية الا اذا كان بارتفاع (٥) درجات فوق الأفق أو بحجم كذا أو يبعد كذا عن الشمس وأشباه ذلك، وفي هذا القسم يكثر الاختلاف في وجهات النظر.
فاذا كانت شهادة الشاهدين على رؤية الهلال مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الأول يحصل العلم والاطمئنان بخطأ الشهادة كما اذا اخبروا وفق محاسبات دقيقة ان الهلال بعدُ في المحاق او انه قد غرب قبل غروب الشمس ومع ذلك شهد اثنان او أزيد برؤيته!! واما اذا كانت الشهادة مخالفة لإخبار الفلكيين من القسم الثاني فربما يحصل الاطمئنان بخطأ الشهادة وربما لا يحصل.
٢- قد ظهر الحال فيه مما مرّ.
٣- تقدم ضابط ما يعتمد عليه من إخبار الفلكيين والمراصد التي تشتهر بدقتها فهي معروفة في العالم.
٤- اذا كان الاختلاف في ذلك ناشئاً من الاختلاف في الحدس والتجربة (القسم الثاني المتقدم) فقد تقدح مخالفة فلكي معروف بدقته في حصول الاطمئنان بخطأ الشهادة.
٥- اذا لم يحصل الاطمئنان بخطأ الشاهدين العادلين يؤخذ بشهادتهما بشرط عدم وجود المعارض الحكمي كما تقدم.
٦- كل يعمل وفق علمه أو اطمئنانه.
٧- اذا لم يظهر له الخلاف فلا شيء عليه في إفطاره.
٨- العبرة بالعلم بان التمكن من رؤية الهلال في احد المكانين يلازم التمكن من رؤيته في المكان الثاني لولا السحاب ونحوه من الموانع الطارئة.
وهذا يختلف باختلاف الأماكن بل باختلاف الأشهر والأزمنة فقد يكون التمكن من رؤية الهلال في استراليا مثلاً مستلزماً للتمكن من رؤيته في العراق وفي شهر آخر لا يكون كذلك لكون الهلال في استراليا في هذا الشهر مرتفعاً جداً وان كان ضعيفاً فيكون قابلاً للرؤية واما في العراق فهو على الرغم من زيادة حجمه الا انه يكون عند الغروب قريباً من الأفق فلا يمكن رؤيته.
السؤال: إذا شهد لدى الانسان - برؤية الهلال - زوجته وبناته واخواته وامثالهن ممن يثق بهن ويعتمد عليهن ، فهل تكون شهادتهن ماضية لديه ويجب عليه ترتيب الاثار على شهادتهن إذا لم تبلغ حدّ الشياع ؟
الجواب: إذا حصل له الاطمئنان برؤية الهلال عمل وفق اطمئنانه والاّ فلا عبرة بشهادة النساء في هذا المورد .
السؤال: من صام باعتقاد انه اول يوم من شهر رمضان وهو ٣٠ من شعبان لجهله بحكم مرجعه بوجوب وحدة الافق معتمدا على ثبوت الهلال في الشرق ، وفي خلال نهار صومه او في اليوم التالي علم بالحكم ، فهل يحسب من شعبان رغم عدم النية ؟
الجواب: نعم يقع مندوباً الاّ إذا كانت ذمته مشغولة بقضاء رمضان وعلم قبل الزوال أنّ هذا اليوم ليس من رمضان فإنّه يعدل به إلى القضاء ويصح أيضاً.
السؤال: ما معنى الاستهلال؟
الجواب: هو مشاهدة الافق طلبا لرؤية الهلال، ويكون ذلك عادةً بعد غروب الشمس من اليوم التاسع والعشرين.
السؤال: ما هو حكم من أفطر في آخر يوم من شهر رمضان بتصوّر ثبوت الهلال لشهر شوال. وهل يفرق في المقام بين وجود الحجة الشرعية وعدمها ؟
الجواب: اذا أفطر وهو واثق من جواز الافطار له - مهما كان سبب الوثوق – او كانت له حجّة شرعية أخرى كشهادة العدلين ثم انكشف الخلاف فليس عليه سوى قضاء ذلك اليوم واما لو لم يكن واثقا بجواز الافطار ولم تكن له حجّة شرعية أخرى ومع ذلك أفطر فعليه القضاء والكفارة والله العالم.
السؤال: سبق ان سئلتم عن حكم من افطر في آخر يوم من شهر رمضان المبارك اعتماداً على الاعلان عن رؤية هلال العيد في بلد مجاور ونحو ذلك ، فذكرتم في الجواب : ان من افطر واثقاً بجواز الافطار في ذلك اليوم يلزمه القضاء فقط ، واما من افطر من دون الوثوق بذلك فتلزمه الكفارة مع القضاء . وسؤالنا هو :
ان الحكم بوجوب القضاء هل يشمل من افطر واثقاً بحلول يوم العيد ولا يزال على وثوقه بذلك ؟ وايضاً هل يشمل من افطر اعتماداً على قيام البينة وفق شروطها الشرعية على رؤية هلال العيد عند أحد وكلائكم المعتمدين في المنطقة ولم يثبت عنده خطأ تلك البينة ؟
افتونا مأجورين فقد استغل ( البعض ) هذا الامر لإثارة البلبلة والاساءة إلى وكلائكم .
الجواب: وجوب القضاء لا يشمل الموردين المذكورين ، ولا وجه للاعتراض على من افطر وفق ما حصل له من الاطمئنان بحلول يوم العيد او استناداً إلى شهادة العدلين رؤية الهلال بشروطها المذكورة في الرسالة الفتوائية ، والمرجو من اخواننا المؤمنين وفقهم الله تعالى لمراضيه ان لا يفسحوا المجال لمن يريد ان يتخذ الخلاف في امر العيد ذريعة لايقاع الفرقة بينهم والاساءة إلى علمائهم العاملين في خدمة الشرع الحنيف حفظهم الله تعالى وسدّد خطاهم .
السؤال: هل نقوم بأعمال يوم عرفة مع الحجاج في مكة بالرغم من أن العيد لدينا بعدهم بيوم؟
الجواب: بل تقومون بالأعمال بحسب ثبوت الرؤية الشرعية في بلدانكم.
السؤال: غالباً ما يحدث الاختلاف في تحديد رؤية الهلال لتحديد بداية الشهر، الآن ما حكم الاختلاف في شهر ذي الحجة حيث مراسم الحج والوقوف على عرفات وتحديد اول يوم العيد ومسئلة صوم عرفة حيث بالتأكيد سيكون صوم اول ايام العيد الذي هو يوم عرفة عندنا؟
الجواب: إنّ التعويل في صيام يوم عرفة وأعمال العيد على ثبوت رؤية الهلال حسب الموازين الشرعيّة في البلد الذي يكون المكلّف موجوداً فيهِ في ذلك الزمان. وأمّا مسألة أداء مناسك الحج من الوقوف بعرفة ومزدلفة وأعمال منى فأن تيسّر الاتيان بها في ازمنتها بموجب ثبوت الرؤية بحجّة شرعية فلا إشكال ولا يجوز الاكتفاء بالوقوف معهم على الاحوط وجوباً ويمكن الرجوع في ذلك إلى مجتهدٍ آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم.
السؤال: إذا حدث اختلاف بين طائفتين مؤمنتين في ثبوت الهلال وعدمه، وكلتاهما ثقة فما العمل هنا؟
الجواب: لا أثر لهذا الإختلاف فيما هو وظيفة المكلّف من إتّباع الطرق المقررة لثبوت الهلال فإن لم يكن شيء منها أكمل الشهر ثلاثين يوماً.
السؤال: ما المراد بتطوق الهلال؟ هل هو بروز طرفيه أو كونه محاطا بهالة من النور؟
الجواب: المراد ظهور النور حوله كطوق مع ظلام دامس في الوسط ، علماً أنه لا اثر للتطويق عند سماحة السيد (دام ظله) .
السؤال: لو حصل لديَّ اطمئنان شخصي بصحة الحسابات الفلكية لتولد الهلال بعد صدورها من مختصّين، فهل يمكنني ان اعتمد على اطمئناني هذا في اثبات اول الشهر فأصوم، أو العيد فأفطر؟
الجواب: لا أثر للاِطمئنان بتولد الهلال، بل لابدّ من الاطمئنان بكون الهلال قابلاً للرؤية بالعين المجرّدة في أفق بلد المكلّف ، وهو ما لا يحصل عادة من مجرّد توقعات الفلكيين بالرؤية.
السؤال: نحن في بريطانيا وفي بعض الشهور يعلن عن ثبوت الهلال عند بعض العلماء في بعض بلاد الشرق استناداً الى أقوال بعض من شهدوا برؤيته فيها، ولكن يقترن ذلك ببعض الأمور:
١. كون الشهود وعددهم ٣٠ مثلا ـ موزعين على عدة بلدان، مثلا في أصفهان، قم، يزد، الكويت، البحرين، الأحساء، سوريا، وهكذا.
٢. صفاء الافق في عدد من البلاد الغربية واستهلال المؤمنين فيها مع عدم وجود مانع لرؤية.
٣. اعلان المرصد الفلكي البريطاني انه يستحيل رؤية الهلال في تلك الليلة في بريطانيا ما لم يستخدم المنظار «التلسكوب» وأن رؤيته بالعين المجردة إنما يتيسر في الليلة اللاحقة.
فما هو الحكم في هذه الحالة؟
الجواب: هنا أمران :
اولاً: ان توزع الشهادات على عدّة بلدان قد يمنع من الاعتماد عليها وذلك فيما اذا استهل في كل بلد جمع من الناس ولم يدّع الرؤية الاّ نفر قليل منهم وفي الباقين من يماثلونهم في معرفة مكان الهلال وحدّة البصر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤية الآخرين ،فان في مثل هذه الحالة لا يعتد بدعاوى الرؤية حسب فتوى سماحة السيد(دام ظلّه).
ثانياً: إنّ ثبوت رؤية الهلال في ايران وبلاد المشرق العربي لا يقتضي إمكانية رؤيته في بريطانيا ونحوها من البلاد الاوربية اذ لدرجة ارتفاع الهلال عن الأفق دخل تام في إمكانية الرؤية وعدمها وقد يكون الهلال قابلاً للرؤية في الشرق لارتفاعه عن الأفق بما يزيد عن ثماني درجات ولا يكون قابلاً للرؤية في الغرب لكون ارتفاعه دون خمس درجات مثلاً.
السؤال: إذا ثبت الهلال في الشرق، فهل يثبت عندنا في الغرب؟ وإذا ثبت في أمريكا فهل يثبت في أوروبا كذلك؟
الجواب: إذا ثبت الهلال في الشرق فهو ثابتٌ للغرب أيضاً، مع تقارب المكانين في خطوط العرض بان لم يكن الاختلاف بينهما الا بدرجة أو درجتين مثلاً.
وأما إذا ثبت في الغرب فلا يقتضي ثبوته في الشرق. نعم إذا مكث الهلال في الاول بعد الغروب بأزيد مما يختلف به المكانان في طلوع الشمس وغروبها ولم يكن الاختلاف بين المكانين في خطوط العرض بمقدار معتد به كأن كان بنحو درجة أو درجتين ثبت الهلال في الشرق أيضاً.
---------
(١) تهذيب الأحكام ج٤ ص ١٥٦ .
(2) الجواهر ج ١٦ ص ٣٦١ ، التحفة السنية ص ١٦٧ ، المستمسك ج ٨ ص ٤٧٠ ، مستند العروة ج ٢ ص ١١٢ ، مغني المحتاج ج ١ ص ٤٢٢ .
(3) الدروس ج ١ ٢٨٥ .
(4) مستند الشيعة ج ١٠ ص ٤٢٣ .
(5) تهذيب الأحكام ج٤ ص ١٥٦، ١٦٠ ، ١٦٤ .
السيرة الذاتية لسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
وبعد / لقد أثمر منبر الإمام السيد الخوئي (قدس سرّه ) خلال أكثر من نصف قرن ثماراً عظيمة جليلة هي الأزكى والأفضل عطاءاً على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمّة ، حيث تخرّج من بين يديه مئات العلماء والفضلاء العظام الذين اخذوا على عاتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والعلم والمجتمع، ومعظمهم اليوم أساتذة الحوزات العلمية وبالخصوص في النجف الأشرف ومنهم من هو في مستوى الكفاية والجدارة العلمية والاجتماعية التي تؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ورعاية الأمة في يومنا الحاضر.
المزيد
ومن أهم وابرز أولئك العباقرة هو سيدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه ) فهو من أبرز تلامذة الإمام الخوئي الراحل (قدس سرّه ) نبوغاً وعلماً وفضلاً وأهليّةً ، وحديثنا في هذه السطور حول شخصية هذا العلم الكبير موجز في عدّة نقاط :
ولادته ونشاته
ولد سماحته في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 للهجرة في المشهد الرضوي الشريف في أسرة علمية معروفة ، فوالده هو العالم المقدّس( السيد محمد باقر ) ووالدته هي العلوية الجليلة كريمة العلامة ( المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي) وجدّه الادنى هو العالم الجليل ( السيد علي ) الذي ترجم له العلامة الشيخ آغا بزرك في طبقات أعلام الشيعة قائلاً: ( انه كان في النجف الأشرف من تلامذة الحجّة المؤسس المولى علي النهاوندي وفي سامراء من تلامذة المجدد الشيرازي، ثم اختص بالحجة السيد اسماعيل الصدر، وفي حدود سنة 1318 هـ عاد إلى مشهد الرضا ( عليه السلام ) واستقر فيه وحاز مكانة سامية مع ما كان له من حظ وافر من العلم مقروناً بالتقى والصلاح ) ومن تلامذته المعروفين الفقيه الكبير الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سرّه ).
وأسرة سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ــ التي هي من الاسر العلوية الحسينية ــ كانت تقطن مدينة (اصفهان) في القرن الحادي عشر الهجري ، ومن ابرز اعلامها يومذاك الفيلسوف الشهير ( محمد باقر الداماد ) صاحب كتاب القبسات، ومن أحفاده العلم الكبير ( السيد محمد ) الذي عيّن في منصب ( شيخ الاسلام ) في بلاد ( سيستان ) في زمن السلطان حسين الصفوي فانتقل اليها وسكنها هو وذريته من بعده، وأول من هاجر منهم إلى مشهد الرضا (ع) هو المرحوم( السيد علي ) المار ذكره، حيث استقرّ فيه برهة من الزمن في مدرسة المرحوم الملا محمد باقر السبزواري ومن ثمّ هاجر الى النجف الأشرف لاكمال دراسته ثم الى سامراء المقدسة للغرض نفسه.
وقد نشأ سيدنا ( دام ظلّه ) في مسقط رأسه المشهد الرضوي نشأة عالية فتدرج في الأوليات والمقدمات ، حيث بدأ وهو في الخامسة من عمره بتعلم القرآن الكريم ثم دخل مدرسة دار التعليم الديني لتعلم القراء والكتابة ونحوهما ، فتخرج من هذه المدرسة وقد تعلم أثناء ذلك فن الخط من استاذه ( الميرزا علي اقا ظالم ).وفي أوائل عام (1360 هـ.ق) بدأ بتوجيه من والده بقراءة مقدمات العلوم الحوزوية ، فأتم قراءة جملة من الكتب الأدبية كشرح الألفية للسيوطي والمغني لابن هشام والمطول للتفتازاني ومقامات الحريري وشرح النظام عند المرحوم الاديب النيشابوري وغيره من أساتذة الفن، وقرأ شرح اللمعة والقوانين عند المرحوم السيد احمد اليزدي المعروف بـ (نهنگ ) وقرأ جملة من السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية عند آية الله الميرزا هاشم القزويني، وقرأ جملة من الكتب الفلسفية كشرح منظومة السبزواري وشرح الاشراق والاسفار عند المرحوم الايسي، وقرأ شوارق الالهام عند المرحوم آية الله الشيخ مجتبى القزويني ، وحضر في المعارف الالهية دروس آية الله المرحوم الميرزا مهدي الاصفهاني المتوفى أواخر سنة (1365 هـ . ق) كما حضر بحوث الخارج لآية الله الميرزا مهدي الآشتياني صاحب التعليقة على شرح المنظومة وآية الله المرحوم الميرزا هاشم القزويني (قدّس سرهما).
وفي أواخر عام 1368 هـ انتقل الى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه والاصول، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجّة الكوهكمري(قدّس سرّه).
وخلال مدّة اقامته في قم راسل العلاّمة المرحوم السيد علي البهبهاني عالم الأهواز الشهير ومن اتباع مدرسة المحقق الطهراني، وكان موضوع المراسلات بعض مسائل القبلة حيث ناقش سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه) بعض نظريات المحقق الطهراني ووقف السيد البهبهاني موقف المدافع عنها ، وبعد تبادل عدّة رسائل كتب المرحوم السيد البهباني لسيدنا الأستاذ (دام ظلّه) رسالة مؤرخة في ( 7/ رجب /1370 هـ ) ــ وهو شاب في الواحدة والعشرين من العمر ــ يثني فيها على مهارته العلمية واصفاً اياه بـ (عمدة العلماء المحققين ونخبة الفقهاء المدققين) وموكّلا ﱟ تكميل البحث إلى حين اللقاء به عند التشرّف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام ).
وفي أوائل عام (1371 هـ ) غادر سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) مدينة قم متجهاً إلى موئل العلم والفضل للحوزات العلمية النجف الأشرف، فوصل كربلاء المقدسة في ذكرى أربعين الامام الحسين ( عليه السلام ) ثمّ توجّه إلى النجف الأشرف فسكن ( مدرسة البخارائي العلمية )، وحضر البحوث الفقهية والاصولية للعلمين الكبيرين السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه ) ولازمهما مدّة طويلة ، وحضر خلال ذلك ايضاً بحوث بعض الأعلام الآخرين منهم السيد الحكيم (قدّس سرّه ) والسيد الشاهرودي (قدّس سرّه ).
نبوغه العلمي
لقد برز السيد السيستاني ( دام ظلّه ) في بحوث اساتذته بتفوق بالغ على اقرانه وذلك في قوّة الإشكال وسرعة البديهة وكثرة التحقيق والتتبع ومواصلة النشاط العلمي وإلمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، ومما يشهد على ذلك أنه منح من بين زملاه واقرانه في عام 1380 هـ وهو في الحادية والثلاثين من عمره ـ ( شهادة الاجتهاد المطلق ) من قبل استاذيه السيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ الحلي (قدّس سرّه ) ولم يمنح السيد الخوئي شهادة الاجتهاد الإّ لنادرٍ من تلامذته منهم سيدنا الأستاذ وآية الله الشيخ علي الفلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة كما لم يمنح الشيخ الحلي اجازة الاجتهاد المطلق لغيره ( دام ظلّه ) وقد كتب له ايضاً شيخ محدّثي عصره العلاّمة الشيخ آغا برزك الطهراني (قدّس سرّه ) شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث وهي مؤرخة كذلك في عام 1380 هـ.
عطاؤه الفكري وتأليفاته
اشتغل سيدنا الأستاذ (دام ظلّه) من أوائل عام 1381 هـ بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) في الفقه في ضوء مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري، وأعقبه بشرح العروة الوثقى ، فتمّ له منه شرح كتاب الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وقسم من كتاب الخمس وتمام كتاب الصوم والاعتكاف ثم شرع في شرح كتاب الزكاة.
وقد كانت له محاضرات فقهية اخرى خلال هذه السنوات تناولت كتاب القضاء وابحاث الربا وقاعدة الإلزام وقاعدة التقية وغيرهما من القواعد الفقهية،كما كانت له محاضرات رجالية شملت حجية مراسيل ابن ابي عمير وشرح مشيخة التهذيبين وغيرهما.
وابتدأ ( دام ظلّه ) بإلقاء محاضراته في علم الأصول من شعبان عام (1384 هـ ) وقد أكمل دورته الثالثة في شعبان عام ( 1411 هـ ) ، ويوجد تسجيل صوتي لجميع محاضراته الفقهية والأصولية من عام 1397 هـ وإلى اليوم.
وقد خرّج بحثه الشريف عدّة من الفضلاء البارزين وبعضهم من أساتذة البحث الخارج : كالعلاّمة الشيخ مهدي مرواريد ، والعلاّمة السيد مرتضى المهري والعلاّمة المرحوم السيد حبيب حسينيان والعلاّمة السيد أحمد المددي والعلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي والعلاّمة السيد هاشم الهاشمي وغيرهم من أفاضل أساتذة الحوزات العلمية.
وضمن اشتغال سماحته ( دام ظلّه ) بالدرس والبحث خلال هذه المدّة كان مهتمّاً بتأليف كتب مهمّة وجملة من الرسائل بالإضافة إلى ما كتبه من تقريرات بحوث اساتذته فقه وأصولاً، وسيأتي ذكر جملة منها في موضع آخر.
منهجه في البحث والتدريس
وهو منهج متميز على مناهج كثير من أساتذة الحوزة وأرباب البحث الخارج فعلى صعيد الأصول يتجلّى منهجه بعدّة خصائص :
أ- التحدث عن تأريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية كمسالة بساطة المشتق وتركيبه أو عقائدية وسياسية كبحث التعادل والتراجح الذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي احاطت بالأئمة( عليهم السلام ) ومن الواضح أن الإطّلاع على تأريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصلنا إلى واقع الآراء المطروحة فيها .
ب- الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة ففي بحثه حول المعنى الحرفي في بيان الفارق بينه وبين المعنى الاسمي وهل هو فارق ذاتي ام لحاظي؟
اختار اتجاه صاحب الكفاية في أن الفرق باللحاظ لكن بناه على النظرية الفلسفية الحديثة وهي نظرية التكثر الادراكي في فعالية الذهن البشري وخلاقيته، فيمكن للذهن تصور مطلب واحد بصورتين: تارة بصورة الاستقلال والوضوح فيعبر عنه بالاسم وتارة بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف.
وعندما دخل في بحث المشتق في النزاع الدائر بين العلماء حول اسم الزمان، تحدّث عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة وهي انتزاع الزمان من المكان (زمكان) بلحاظ تعاقب النور والظلام ، وفي بحثه حول مدلول صيغة الأمر ومادته وبحثه في التجري طرح نظرية بعض علماء الاجتماع من أن تقسيم الطلب بامر والتماس وسؤال نتيجة لتدخل صفة الطالب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً.
وكذلك جعل ضابط استحقاق العقوبة عنوان تمرد العبد وطغيانه على المولى مبني على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد وعالي وسافل وما أشبه ذلك. فهذه نظرة من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح الانسانية العامة.
ج- الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه : ان الطالب الحوزوي يلاحظ في كثير من العلماء اغراقهم واسهابهم في بحوث اصولية لا يعدّ الاسهاب فيها الإّ ترفاً فكريّاً لا ينتج ثمرةً علميةً للفقيه في مسيرته الفقهية كبحثه في الوضع وكونه امراً اعتبارياً أو تكوينياً وأنّه تعهد أو تخصص ، وبحثهم في بيان موضوع العلم وبعض العوارض الذاتية في تعريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك.
ولكن الملاحظ في دروس سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) هو الاغراق وبذل الجهد الشاق في الخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الأصولية المرتبطة بعملية الاستنباط كمباحث الاصول العملية والتعادل والتراجح والعام والخاص ، وأمّا البحوث الأخرى التي أشرنا لبعض مسمياتها ، فبحثه فيها إنما هو بمقدار الثمرة العلمية في بحوث أخرى أو الثمرة العملية في الفقه.
د- الابداع والتجديد : هناك كثير من الأساتذة الماهرين في الحوزة لا يملك روح التجديد بل يصب اهتمامه على التعليق فقط والتركيز على جماليات البحث لا على جوهره فيطرح الآراء الموجودة ويعلّق على بعضها ويختار الأقوى في نظره ، الإّ أن سيدنا الأستاذ يختلف في هذا النهج فيحاول الابداع والتجديد إما بصياغة المطلب بصياغة جديدة تتناسب مع الحاجة للبحث كما صنع ذلك عندما دخل بحث استعمال اللفظ في عدة معانٍ حيث بحثه الأصوليون من زاوية الإمكان والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه وبحثه سيدنا الأستاذ من حيث الوقوع وعدمه لانه أقوى دليل على الإمكان، وبحثه كذلك من حيث الاستظهار وعدمه.
وعندما دخل بحث التعادل والتراجح رأى أن سرّ البحث يكمن في علّة اختلاف الأحاديث فإذا بحثنا وحدّدنا أسباب اختلاف النصوص الشرعية انحلّت المشكلة العويصة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) وذلك يغنينا عن روايات الترجيح والتخيير كما حملها صاحب الكفاية على الاستحباب .
وهذا البحث تناوله غيره ولكنه بشكل عقلي صرف،أما السيد الأستاذ فإنه حشد فيه الشواهد التأريخية والحديثية وخرج منه بقواعد مهمّة لحلّ الاختلافات وقام بتطبيقها في دروسه الفقهية أيضاً.
هـ - المقارنة بين المدارس المختلفة : ان المعروف عن الكثير من الأساتذة حصر البحث في مدرسة معينة أو اتجاه خاص ولكن السيد السيستاني يقارن بحثه بين فكر مدرسة مشهد وفكر مدرسة قم وفكر مدرسة النجف الأشرف فهو يطرح آراء الميرزا مهدي الاصفهاني (قدّس سرّه) من علماء مشهد وآراء السيد البروجردي (قدّس سرّه ) كتعبير عن فكر مدرسة قم وآراء المحققين الثلاثة ( الشيخ النائيني والشيخ العراقي والشيخ الاصفهاني ) والسيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه) كمثال لمدرسة النجف الأشرف.
وتعدّد الاتجاهات هذه يوسع امامنا زوايا البحث والرؤيا الواضحة لواقع المطلب العلمي .
وأمّا منهجه الفقهي فله فيه منهج خاص يتميز في تدريس الفقه وطرحه ، ولهذا المنهج عدّة ملامح :
1- المقارنة بين فقه الشيعة وفقه غيرهم من المذاهب الاسلامية الأخرى ، فإنّ الإطّلاع على الفكر الفقهي السني المعاصر لزمان النص كالاطلاع على موطأ مالك واخراج ابي يوسف وآراء الفقهاء الآخرين يوضّح أمامنا مقاصد الأئمة ( عليهم السلام ) ونظرهم حين طرح النصوص.
2- الاستفادة من علم القانون الحديث في بعض المواضع الفقهية كمراجعته للقانون العراقي والمصري والفرنسي عند بحثه في كتاب البيع والخيارات ، والاحاطة بالفكر القانوني المعاصر تزوّد الإنسان خبرة قانونية يستعين بها على تحليل القواعد الفقهية وتوسعة مداركها وموارد تطبيقها .
3- التجديد في الأطروحة : إنّ معظم علمائنا الأعلام يتلقون بعض القواعد الفقهية بنفس الصياغة التي طرحها السابقون ولا يزيدون في البحث فيها الإّ عن صلاحية المدرك لها أو عدمه ووجود مدرك آخر وعدمه ، أما السيد السيستاني فإنّه يحاول الإهتمام في بعض القواعد الفقهية بتغيير الصياغة ، مثلاً بالنسبة لقاعدة الإلزام التي يفهمها بعض الفقهاء من الزاوية المصلحية بمعنى أنّ للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من بعض القوانين للمذاهب الأخرى وإن كان مذهبه لا يقرّه ، يطرحه السيد السيستاني على أساس الاحترام ويسميّها بقاعدة الاحترام أي احترام آراء الآخرين وقوانينهم ، وانطلاقه من حريّة الرأي وهي على سياق ( لكلّ قوم نكاح ) و (نكاح أهل الشرك جائز ) وكذلك بالنسبة الى قاعدة التزاحم التي يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة يدخلها السيد الأستاذ تحت قاعدة الاضطرار التي هي قاعدة شرعية اشارت لها النصوص نحو ( ما من شيء حرّمه الله الإّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه ) فإنّ مؤدى قاعدة الاضطرار هو مؤدى قاعدة التزاحم بضميمة متمم الجعل التطبيقي .
وأحياناً يقوم بتوسعة القاعدة كما في قاعدة ( لا تعاد ) حيث خصّها الفقهاء بالصلاة لورود النص في ذلك بينما السيد السيستاني جعل صدر الرواية المتضمن لقوله (ع) : ( لا تعاد الصلاة إلا ّ من خمسة ) مصداقاً لكبرى أخرى تعمّ الصلاة وغيرها من الواجبات ، وهذه الكبرى موجودة في ذيل النص ( ولا تنقض السنّة الفريضة)، فالمناط هو تقديم الفريضة على السنّة في الصلاة وغيرها ، ومن مصاديق هذا التقديم هو تقديم الوقت والقبلة ...الخ على غيرها من أجزاء الصلاة وشرائطها لأنّ الوقت والقبلة من الفرائض لا من السنن .
4- النظرة الاجتماعية للنص : إنّ من الفقهاء من هو حرفي الفهم بمعنى أنّه جامد على حدود حروف النص من دون محاولة التصرف في سعة دلالات النص وهناك من الفقهاء من يقرأ أجواء النص والظروف المحيطة به ليتعرف على سائر الملابسات التي تؤثر على دلالته ، فمثلاً في ما ورد من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) حرّم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر ، أخذنا بالفهم الحرفي لقلنا بالحرمة أو الكراهة لأكل لحم الحمر الاهلية ولو اتبعنا الفهم الاجتماعي لرأينا أنّ النص ناظر لظروف حرجة وهي ظروف الحرب مع اليهود في خيبر والحرب تحتاج لنقل السلاح والمؤنة ولم تكن هناك وسائل نقل إلاّ الدواب ومنها الحمير ، فالنهي في الواقع نهي إداري لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك ولا يستفاد منه تشريع الحرمة ولا الكراهة ، وسيدنا الأستاذ من النمط الثاني من العلماء في التعامل مع النص.
5- توفير الخبرة بمواد الاستنباط : إنّ السيد السيستاني يركّز دائماً على انّ الفقيه لا يكون فقيهاً بالمعنى الأتم حتى يتوفر لديه خبرة وافية بكلام العرب وخطبهم واشعارهم ومجازاتهم كي يكون قادراً على تشخيص ظهور النص تشخيصاً موضوعيّا لا ذاتيا وأن يكون على اطلاع تام بكتب اللغة وأحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها فإنّ ذلك دخيل في الاعتماد على قول اللغوي أو عدم الاعتماد عليه وأن يكون على احاطة باحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ورواتها بالتفصيل ، فإنّ علم الرجال فن ضروري للمجتهد لتحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك ، وله آراء خاصّة يخالف بها المشهور في هذا العصر مثلاً ما اشتهر من عدم الاعتداد بقدح اين الغضائري اما لكثرة قدحه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه مما لا يرتضيه سيدا الأستاذ بل يرى ثبوت الكتاب وان ابن الغضائري هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل اكثر من النجاشي والشيخ وامثالهما ويرى الاعتماد على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسنداً أو مرسلاً على ما قرّره السيد البروجردي (قدّس سرّه ).
ويرى أيضاً ضرورة الإلمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة حال المؤلف من حيث الضبط والتثبت ومنهج التأليف ، وأما ما يشاع في هذا المجال من كون الصدوق اضبط من الشيخ فلا يرتضيه، بل يرى الشيخ ناقلاً أميناً لما وجده من الكتب الحاضرة عنده بقرائن يستند اليها.
فهذه الجهات الخبرية قد لا يعتمد عليها كثير من الفقهاء في مقام الاستنباط بل يكتفي بعضهم بالظهور الشخصي من دون أن يجمع القرائن المختلفة لتحقيق الظهور الموضوعي بل قد يعتمد على كلام بعض اللغويين بدون التحقيق في المؤلف ومنهج التأليف ولا يكون لبعض آخر أي رصيد في علم الرجال والخبرة بكتب الحديث.
معالم شخصيته
إنّ من يعاشر السيد السيستاني ( دام ظلّه ) ويتصل به يرى فيه شخصية فذّة تتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حثّ عليها أهل البيت ( عليهم السلام) والتي تجعل منه ومن امثاله من العلماء المخلصين مظهراً جليّاً لكلمة ( عالم رباني ) وقوله ( عليه السلام ) ( مجاري الامور بيد العلماء امناء الله على حلاله وحرامه ) ومن أجل وضع النقاط على الحروف اطرح بعض المعالم الفاضلة التي رأيتها بنفسي عند اتصالي به درساً ومعاشرة :
ﺃ- الانصاف واحترام الرأي : فان السيد السيستاني انطلاقاً من عشق العلم والمعرفة ورغبة في الوصول إلى الحقيقة وتقديساً لحرية الرأي والكلمة البناءة تجده كثير القراءة والتتبع للكتب والبحوث ومعرفة الآراء حتى آراء بعض العلماء من غير اساتذته أو آراء بعض المغمورين في خضم الحوزة العلمية فتراه بعض الاحيان قد يشير في بحثه لرأي لطيف لأحد الأفاضل مع أنه ليس من أساتذته كالشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه، فطرح هذه الآراء ومناقشتها مع أنها لم تصدر من اساطين اساتذته يمثل لنا صورة حيّة من صور الانصاف واحترام آراء الآخرين .
ب- الأدب في الحوار : ان بحوث النجف معروفة بالحوار الساخن بين الزملاء او الأستاذ وتلميذه وذلك مما يصقل ثقافة الطالب وقوته العلمية وأحياناً قد يكون الحوار جدلاً فارغاً لا يوصل لهدف علمي بل مضمونه ابراز العضلات في الجدل وقوة المعارضة وذلك ما يستهلك وقت الطالب الطموح ويبعده عن الجو الروحي للعلم والمذاكرة ويتركه يحوم في حلقة عقيمة دون الوصول للهدف، أما بحث السيد السيستاني (دام ظلّه) فإنّه بعيد كل البعد عن الجدل واساليب الإسكات والتوهين فهو في النقاش مع أساتذته وآراء الآخرين يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ مقام العلماء وعظمتهم حتى ولو كان الرأي المطروح واضح الضعف والاندفاع ، وفي اجابته لاستفهامات الطالب يتحدث بانفتاح وبروح الارشاد والتوجيه ولو صرف التلميذ الحوار الهادف إلى الجدل الفارغ عن المحتوى فان السيد السيستاني يحاول تكرار الجواب بصورة علمية ومع اصرار الطالب فان السيد الأستاذ حينئذ يفضل السكوت على الكلام.
ج ـ خلق التربية : التدريس ليس وظيفة رسمية او روتينية يمارسها الأستاذ في مقابل مقدار من المال ، فإن هذه النظرة تبعد المدرس عن تقويم التلميذ والعناية بتربيته والصعود بمستواه العلمي للتفوق والظهور، كما أن التدريس لا يقتصر على التربية العلمية في محاولة الترشيد التربوي لمسيرة الطالب بل التدريس رسالة خطيرة تحتاج مزاولتها لروح الحب والإشفاق على الطالب وحثّه نحو العلم وآداب العلم ايضاً وإذا كان يحصل في الحوزة أو غيرها احياناً رجال لا يخلصون لمسؤولية التدريس والتعليم فإن في الحوزات أساتذة مخلصين يرون التدريس رسالة ساوية لابدّ من مزاولتها بروح المحبّة والعناية التامة بمسيرة التلميذ العلمية والعملية ، وقد كان الإمام الحكيم (قدّس سرّه) مضرب المثل في خلقه التربوي لتلامذته وطلاّبه وكما كانت علاقة الإمام الخوئي (قدّس سرّه) بتلامذته فقد رأيت هذا الخلق متجسّداً في شخصية السيد السيستاني (دام ظلّه ) فهو يحثّ دائماً بعد الدرس على سؤاله ونقاشه فيقول : اسألوا ولو على رقم الصفحة لبحث معين او اسم كتاب معين حتى تعتادوا على حوار الأستاذ والصلة العلمية به وكان يدفعنا لمقارنة بحثه مع البحوث المطبوعة والوقوف عند نقاط الضعف والقوة وكان يؤكد دائماً على احترام العلماء والالتزام بالأدب في نقاش أقوالهم ويتحدث عن أساتذته بروحية وهمّة عالية وأمثال ذلك من شواهد الخلق الرفيع .
د – الورع : إنّ هناك ظاهرة جليّة في كثير من العلماء والأعاظم وهي ظاهرة البعد عن مواقع الضوضاء والفتن وربما يعتبر هذا البعد عن البعض موقفاً سلبيّاً لأنه هروب من مواجهة الواقع وتسجيل الموقف الصريح المرضي للشرع المقدس ولكنه عند التامل يظهر بانه موقف ايجابي وضروري احياناً للمصلحة العامة ومواجهة الواقع وتسجيل الموقف الشرعي يحتاج لظروف موضوعية وارضية صالحة تتفاعل مع هذا الموقف ، فلو وقعت في الساحة الإسلامية أو المجتمع الحوزوي إثارات وملابسات بحيث تؤدي لطمس بعض المفاهيم الأساسية في الشريعة الإسلامية وجب على العلماء بالدرجة الاولى التصدي لإزاحة الشبهات وابراز الحقائق الناصعة فإذا ظهرت البدع وجب على العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان ، كما جاء في الحديث .
ولكن لو كان مسار الفتنة مساراً شخصياً وجواً مفعماً بالمزايدات والتعصبات العرقية والشخصية لمرجع معيّن أو خط معيّن او كانت الأجواء تعيش حرباً دعائية مؤججة بنار الحقد والحسد المتبادل فإنّ علماء الحوزة ومنهم السيد السيستاني ( دام ظلّه ) يلتزمون دوماً الصمت والوقار والبعد عن هذه الضوضاء الصاخبة وما يحدث غالباً من التنافس على الألقاب والمناصب والاختلافات الجزئية كما هو الحال في يومنا الحاضر ، هذا مضافاً لزهده المتمثّل في لباسه المتواضع ومسكنه الصغير الذي لا يملكه وأثاثه البسيط.
هـ ـ الإنتاج الفكري: السيد السيستاني ليس فقيهاً فقط بل هو رجل مثقّف مطّلع على الثقافات المعاصرة ومتفتح على الأفكار الحضارية المختلفة ويمتلك الرؤية الثاقبة في المسيرة العالمية في المجال الاقتصادي والسياسي وعنده نظرات إدارية جيدة وأفكاراً إجتماعية مواكبة للتطور الملحوظ واستيعاب للأوضاع المعاصرة بحيث تكون الفتوى في نظره طريقاً صالحاً للخير في المجتمع المسلم.
إمامته في الصلاة
كان سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه ) في عيادة استاذه المرحوم الإمام الخوئي ( قدّس سرّه )في (29/ ربيع الآخر / 1409 هـ ) لوعكة صحية ألمّت به فطلب منه أن يقيم صلاة الجماعة في محرابه في جامع الخضراء فلم يوافق على ذلك في البداية فألحّ عليه في الطلب وقال له ( لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمّي لحكمت عليكم بلزوم القبول ) فاستمهله بضعة أيّام وفي نهاية الأمر استجاب لطلبه وأمّ المصلين من يوم الجمعة (5/ جمادى الأولى / 1409 هـ ) إلى الجمعة الأخيرة من ذي الحجّة عام 1414 هـ حيث أغلق الجامع من قبل السلطة كما سيأتي .
مسيرته الجهادية
كان النظام البعثي يسعى بكل وسيلة للقضاء على الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ السنين الأولى من تسلمه السلطة في العراق ، وقد قام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، ولاقى سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) عناءاً بالغاً من جرّاء ذلك وكاد ان يسفّر عدّة مرّات وتمّ تسفير مجاميع من تلامذته وطلاّب مجلس درسه في فترات متقاربة ، ثمّ كانت الظروف القاسية جدّاً أيّام الحرب العراقية الإيرانية ، ولكن على الرغم من ذلك فقد أصرّ ( دام ظلّه ) على البقاء في النجف الأشرف وواصل التدريس في حوزته العلمية المقدّسة إيماناً منه بلزوم استمرار المسار الحوزوي المستقل عن الحكومات تفادياً للسلبيات التي تنجم عن تغيير هذا المسار.
وفي عام 1411 هـ عندما قضى النظام على الانتفاضة الشعبانية اعتقل سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ومعه مجموعة من العلماء كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الميرزا علي الغروي وقد تعرّضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية إلى أن فرّج الله عنهم ببركة أهل البيت ( عليهم السلام ).
وفي عام 1413 هـ عندما توفي الإمام السيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) وتصدّى سيدّنا الأستاذ ( دام ظلّه ) للمرجعية ـ كما سيأتي ـ حاولت سلطات النظام السابق تغيير مسار المرجعية الدينية في النجف الأشرف وبذلت ما في وسعها في الحطّ من موقع السيد الأستاذ ( دام ظلّه ) ومكانته المتميزة بين المراجع وسعت إلى تفرق المؤمنين عنه بأساليب متعدّدة منها إغلاق جامع الخضراء في أواخر ذي الحجّة عام 1414 هـ كما تقدّم .
وعندما وجد النظام أنّ محاولاته قد باءت جميعاً بالفشل خطّط لاغتيال سيدنا الأستاذ وتصفيته ، وقد كشفت وثائق جهاز المخابرات عن عدد من هذه المخطّطات ولكن مكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وهكذا بقي سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) رهين داره منذ أواخر عام 1418 هـ حتى أنّه لم يتشرف بزيارة جدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طوال هذه الفترة.
وقد تعرّض لضغوط كثيرة من اجهزة النظام وأزلامه ولكنه قاوم جميع الضغوطات إلى أن منّ الله على العراقيين بزوال النظام ونسأله تبارك وتعالى ان يمنّ عليهم بالتحرر من الاحتلال ايضاً.
مرجعيته
في السنوات الاخيرة من حياة سماحة الإمام الخوئي ( رضوان الله عليه ) كان هاجس كثير من الفضلاء في النجف الأشرف وخارجها البحث عمن يصلح ان يخلف الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) في مرجعيته للطائفة الإمامية ليحافظ على كيان الحوزة العلمية واستقلالية المرجعية الدينية ويتحلى بما يلزم توفره في شخص المرجع من مؤهلات علمية وورع وتقوى وحكمة وتدبير.
وقد توجّه أنظار الكثير من الفضلاء إلى سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) وقد اختاره الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) للصلاة في محرابه في جامع الخضراء كما تقدّم فبدأ ينتشر صيته في أوساط العامة بعد ان كان محصوراً في الأوساط العلمية والحوزوية التي عرفته أستاذاً قديراً في البحث الخارج طوال ربع قرن من الزمن .
وعندما التحق الإمام الخوئي بالرفيق الأعلى في (8/ صفر / 1413 هـ ) ارجع اليه في التقليد جمع من العلماء الأعلام يأتي في مقدمتهم سماحة آية الله السيد علي البهشتي (قدّس سرّه ) وسماحة آية الله الشيخ مرتضى البروجردي (قدّس سرّه ) فقلّده كثير من المؤمنين في العراق وايران وبلاد الخليج وباكستان والهند ، وبعد وفاة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري في (27/ صفر /1414 هـ ) رجع اليه معظم مقلديه في العراق وقسم في خارجه ، وعندما توفي آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني (قدّس سرّه ) في (24 / جمادي الآخرة / 1414 هـ ) عمّ تقليد سيدّنا الأستاذ (دام ظلّه ) وبشكل سريع مختلف الأقطار الإسلامية ورجع إليه معظم المؤمنين في العراق والاحساء والقطيف وايران ولبنان ودول الخليج وباكستان والهند والمغتربين في اوربا والامريكيتين واستراليا وغيرهم، وقد توسع الرجوع إليه أكثر فأكثر بعد وفاة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (قدّس سرّه ) وآية الله العظمى السيد محمد الروحاني (قدّس سرّه )، فسيدنا الأستاذ (دام ظلّه ) ــ اليوم ــ هو المرجع الأعلى للطائفة الإمامية، أدام ظلّه السامي ونفع بوجوده الإسلام والمسلمين . رجوع