السؤال: ما هي شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الجواب: يشترط في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر امور:
١- معرفة المعروف والمنكر – ولو إجمالاً - فلا يجب الامر بالمعروف على الجاهل بالمعروف، كما لا يجب النهي عن المنكر على الجاهل بالمنكر نعم قد يجب التعلّم مقدّمة للأمر بالأول والنهي عن الثاني .
٢- احتمال ائتمار المأمور بالمعروف بالأمر ، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي ، فلو علم أنه لا يبالي ولا يكترث بهما ، فالمشهور بين الفقهاء أنه لا يجب شيء تجاهه ، ولكن لا يترك الاحتياط بإبداء الانزعاج والكراهة لتركه المعروف أو ارتكابه المنكر وإن علم عدم تأثيره فيه.
٣- أن يكون تارك المعروف أو فاعل المنكر بصدد الاستمرار في ترك المعروف وفعل المنكر، ولو عرف من الشخص أنّه بصدد ارتكاب المنكر أوترك المعروف ولو لمّرة واحدة وجب أمره أو نهيه قبل ذلك.
٤- أن لا يكون فاعل المنكر أوتارك المعروف معذوراً في فعله للمنكر أوتركه للمعروف ، لاعتقاد أن ما فعله مباح وليس بحرام ، أو أنّ ما تركه ليس بواجب . نعم ، إذا كان المنكر ممّا لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحترمة فلا بدّ من الردع عنه ، ولولم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عمّا إذا كان جاهلاً .
٥- أن لا يخاف الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر ترتّب ضرر عليه في نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتدّ به ، ولا يستلزم ذلك وقوعه في حرج شديد لا يتحمّل عادة ، إلاّ إذا أحرز كون فعل المعروف أوترك المنكر بمثابة من الأهميّة عند الشارع المقدّس يهون دونه تحمّل الضرر والحرج.
وإذا كان في الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الإضرار ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه . نعم ، إذا كان المعروف والمنكر من الامور المهمّة شرعاً فلا بدّ من الموازنة بين الجانبين من جهة درجة الاحتمال وأهميّة المحتمل ، فربّما لا يحكم بسقوط الوجوب.
السؤال: ورد في كتاب منهاج الصالحين في باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الذي لا يكترث ولا يبالي حيث يقول سماحتكم يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذا اجتمعت فيه شرائط ولكن على نحو الاحتياط الوجوبي فكيف يكون ذلك وهل يلاحظ مسألة التأثر في مراتب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر؟
الجواب: من شروط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو احتمال التأثير فاذا لم يحتمل التأثير بأن كان الفاعل لا يبالي بالأمر والنهي فقد ذكر المشهور سقوط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن سماحة السيد يحتاط احتياطاً وجوبياً بإظهار الكراهة فعلاً أو قولاً بأن يظهر استياءه من فعل المنكر.
السؤال: هل يجب النهي عن المنكر مع عدم معرفة ديانة الشخص او مع احتمال كونه على غير دين الاسلام (في المهجر)؟
الجواب: يجب إعلام الجاهل بالحكم الشرعي مع الأمن من الضرر ولم يوجب الوقوع في الحرج وإذا عرف الحكم وخالف فيجب النهي عن المنكر.
السؤال: في هذا الزمان لا أحد يتقبّل النهي عن المنكر، وكلـّما قمنا به ينتهي الامر إلى مشادة كلامية وقد تصل للخصومة فما الحكم؟
الجواب: إذا إحتملت الضرر فلا يجب النهي وإذا علمت عدم التأثير فلا يجب أيضاً ولكن الأحوط حينئذٍ إظهار التنفـّر.
السؤال: هل يجوز معاملة الرجل الذي يشرب الخمر ولكن لا يؤذي الناس ويحب الخير دائماً؟
الجواب: تجوز المعاملة معه مع عدم منافاتها للنهي عن المنكر عند توفر شروط وجوبه. السؤال: ما هو راي سماحتكم بالنسبة الى علاقة الشباب بالشابات غير الشرعية كيف تعالج هذه الظاهرة وبماذا تنصحون هؤلاء وما هي وظيفة العلماء والخطباء والشباب المتدينين نحو ذلك؟
الجواب: ان ما بدأ ينتشر في كثير من المجتمعات الاسلامية من اختلاط الجنسين واقامة العلاقات بينهم على خلاف الموازين الشرعية امر يدعو للأسف الشديد واني انصح اخواني المؤمنين واخواتي المؤمنات برعاية ما حددته الشريعة المقدسة في هذا المجال كما ادعو العلماء والاعلام والخطباء الكرام وسائر المؤمنين بالقيام فيما هو وظيفتهم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
السؤال: هل على الزوج الزام زوجته المتبرجة بالحجاب او منعها من ممارسة بعض المعاصي كسماع الاغاني، وما عليه ان يفعل ان لم يستطع ردعها عن ذلك؟
الجواب: يلزمه امرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وفق المراتب المذكورة في الرسالة العملية وان لم تستجب فلا شيء عليه بشأنها ولكن لابد ان يتخذ الاجراء المناسب لئلا يؤثر سلوكها المنحرف في تربية اولاده.
السؤال: اذا سمع الغيبة ولم يستطع نصر المستغاب فهل يجب عليه ترك المكان ام يبقي ويلتزم الصمت؟
الجواب: لا تجب عليه مغادرة المكان اذا لم يستطع ردع القائل ولكن اذا امكنه ابداء الانزجار والتذمر من قوله لزمه ذلك على الأحوط وان علم انه يؤدي الى ردعه عنه.
السؤال: هل يجوز الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بعدم التأثير وافتراض انتشار المخالفات الشرعية نفسها في اجواء المدرسة؟
الجواب: يجوز ـ بل يجب على الأحوط ـ في بعض مراتبه وهو اظهار الكراهة قولاً وفعلاً.
السؤال: ما رايكم في ضرب الطالب اذا عمل مخالفات شرعية وتركه على عدم معاقبته انتشار المخالفات الشرعية نفسها في اجواء المدرسة؟
الجواب: اذا لم يمكن ردعه الا بأعمال القوة ولابد ولكن بأخف من الضرب كفرك الاذن جاز ضربه ما لا يزيد على ثلاثة اسواط على الأحوط ويلزم ان يكون ذلك بإذن الولي ويكون برفق الى الحد الذي لا يوجب احمرار البدن والاّ واستوجب الدية.
السؤال: اذا كنت مرغمة على سماع اغاني وانا في السيارة ولا استطيع الامر بالمعروف فماذا افعل، كذلك اي منكر اخر لا استطيع دفعه سواء في السيارة او في مكان لا استطيع مغادرته؟
الجواب: اذا كنت متمكنة من ابداء التذمر والانزعاج من ارتكاب المنكر لزمك ذلك والاّ فلا باس عليك.
السؤال: هل يحق للمسلم ان يجبر زوجته واولاده عنوة للصلاة قبل انتهاء وقتها خاصة صلاة الصبح؟
الجواب: يحق له ذلك باتباع مراحل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وشروطهما.
السؤال: هل يجوز الحضور في واحدة من تلك الحفلات مع العلم المسبق بوجود اغان وموسيقي، وما الوظيفة الشرعية ان فوجئ الحاضر بعد حضوره بوجود مثل ذلك؟
الجواب: الحضور في تلكم المجالس مع السكوت عما يجري فيها من المنكرات ربما يعدّ نحو امضاء لها بل ونوع تشجيع على ارتكابها، بالاضافة الى ان مقتضي وجوب النهي عن المنكر في ظرف تحقق شروطه هو القيام بما يوجب الردع عنها، واذا فوجئ الحاضر باشتمال الحفل على شيء من المحرمات لزمه النهي عن المنكر مع توفر شروط وجوبه المذكورة في الرسالة العملية.
السؤال: ما هي الشروط في وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر؟
الجواب: يشترط في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر امور:
أ ـ معرفة المعروف والمنكر ولو اجمالاً ، فلا يجب الامر بالمعروف على الجاهل بالمعروف ، كما لا يجب النهي عن المنكر على الجاهل بالمنكر ، نعم قد يجب التعلم مقدمة للأمر بالأول والنهي عن الثاني.
ب ـ احتمال إئتمار المأمور بالمعروف بالأمر ، وانتهاء المنهي عن المنكر بالنهي ، فلو علم انه لا يبالى ولا يكترث بهما فالمشهور بين الفقهاء (رض) انه لا يجب شيء تجاهه ولكن لا يترك الاحتياط بإبداء الانزعاج والكراهة لتركه المعروف أو إرتكابه المنكر وان علم عدم تأثيره فيه.
ج ـ ان يكون تارك المعروف أو فاعل المنكر بصدد الاستمرار في ترك المعروف وفعل المنكر ولو عُرِف من الشخص انه بصدد ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ولو لمرة واحدة وجب امره أو نهيه قبل ذلك.
د ـ ان لا يكون فاعل المنكر أو تارك المعروف معذوراً في فعله للمنكر أو تركه للمعروف ، لاعتقاد ان ما فعله مباح وليس بحرام ، أو ان ما تركه ليس بواجب ، نعم إذا كان المنكر مما لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً كقتل النفس المحترمة فلا بد من الردع عنه ولو لم يكن المباشر مكلفاً فضلاً عما إذا كان جاهلاً.
هـ ـ ان لا يخاف الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ترتب ضرر عليه في نفسه أو عرضه أو ماله بالمقدار المعتد به ولا يستلزم ذلك وقوعه في حرج شديد لا يتحمل عادة ، الا إذا احرز كون فعل المعروف أو ترك المنكر بمثابة من الاهمية عند الشارع المقدس يهون دونه تحمل الضرر والحرج.
وإذا كان في الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر خوف الاضرار
ببعض المسلمين في نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به سقط وجوبه ، نعم إذا كان المعروف والمنكر من الامور المهمة شرعاً فلا بد من الموازنة بين الجانبين من جهة درجة الاحتمال واهمية المحتمل فربما لا يحكم بسقوط الوجوب.
السؤال: ماهي مراتب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر؟
الجواب: للامر بالمعروف والنهي عن المنكر عدة مراتب:
(الاولى): ان يأتي المكلف بفعل يظهر به انزجاره القلبي وتذمّره من ترك المعروف أو فعل المنكر كالأعراض عن الفاعل وترك الكلام معه.
(الثانية): ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بقوله ولسانه ، سواء أكان بصورة الوعظ والارشاد أم بغيرهما.
(الثالثة): أن يتخذ اجراءات عملية للإلزام بفعل المعروف وترك المنكر كفرك الاذن والضرب والحبس ونحو ذلك.
ولكل مرتبة من هذه المراتب درجات متفاوتة شدة وضعفاً ، ويجب الابتداء بالمرتبة الاولى أو الثانية مع مراعاة ما هو اكثر تأثيراً واخف ايذاءً ثم التدرج إلى ما هو اشد منه.
وإذا لم تنفع المرتبتان الاولى والثانية تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة والأحوط لزوماً استحصال الاذن من الحاكم الشرعي في إعمالها ، ويتدرج فيها من الاجراء الاخف ايذاءً إلى الاجراء الاشد والاقوى من دون ان يصل إلى حد الجرح أو الكسر.
السؤال: هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان المأمور ليس موالياً لأهل البيت (ع) ، أو كان من الكتابيين الذين يحتمل التأثير فيهم مع الأمن من الضرر؟
الجواب: نعم يجبان مع توفر بقية شروط وجوبهما ، ومنها أن لا يكون الفاعل معذوراً في ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ، ومن غير المعذور الجاهل المقصر فيرشد الى الحكم أولاً ، ثم يؤمر أو ينهى إن أراد مخالفته.
هذا ولو كان المنكر مما أحرز أن الشارع لا يرضى بوقوعه مطلقاً ، كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك ، فلا بدَّ من الردع عنه ، ولو كان الفاعل جاهلاً قاصراً.
السؤال: ما هي الامور التي هي من المعروف ؟
الجواب: منها : الاعتصام بالله تعالى ، قال الله تعالى : ( ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ) وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : « أوحى الله عز وجل إلى داود : ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ، ثم تكيده السماوات و الأرض من فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن » .
ومنها : التوكل على الله سبحانه ، الرؤوف الرحيم بخلقه العالم بمصالحه والقادر على قضاء حوائجهم . وإذا لم يتوكل عليه تعالى فعلى من يتوكل أعلى نفسه ، أم على غيره مع عجزه و جهله ؟ قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) وروي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « الغنى والعز يجولان ، فإذا ظفرا بموضع من التوكل أوطنا » .
ومنها : حسن الظن بالله تعالى ، فعن أمير المؤمنين عليه السلام فيما قال : «والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن ، لأن الله كريم بيده الخير يستحي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه ، فأحسنوا بالله الظن و ارغبوا إليه» .
ومنها : الصبر عند البلاء، والصبر عن محارم الله ، قال الله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث أنه قال : « فاصبر فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً ) ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : « لا يعدم الصبر الظفر وإن طال به الزمان » ، وعنه عليه السلام أيضاً : « الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن جميل ، وأحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله تعالى عليك » .
ومنها : العفة ، فعن أبي جعفر عليه السلام : « ما عبادة أفضل عند الله من عفة بطن و فرج »، وعن أبي عبد الله عليه السلام : « إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر » عليه السلام.
ومنها : الحلم ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : « ما أعز الله بجهل قط ، ولا أذل بحلم قط » ، وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : « أول عوض الحليم من حلمه أن الناس أنصاره على الجاهل » وعن الرضا عليه السلام أنه قال : « لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليما » .
ومنها : التواضع ، روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله ، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله ومن بذر حرمه الله ، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله تعالى » .
ومنها : إنصاف الناس ، ولو من النفس ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : «سيد الأعمال إنصاف الناس من نفسك ، ومواساة الأخ في الله تعالى على كل حال » .
ومنها : اشتغال الإنسان بعيبه عن عيوب الناس ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال : « طوبى لمن شغله خوف الله عز وجل عن خوف الناس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب المؤمنين » وعنه صلى الله عليه و آله : « إن أسرع الخير ثواباً البر ، وإن أسرع الشر عقاباً البغي ، وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه ، وأن يعير الناس بما لا يستطيع تركه ، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه» .
ومنها : إصلاح النفس عند ميلها إلى الشر ، روي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال : «من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته ، ومن عمل لدينه كفاه الله دنياه ، ومن أحسن فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس» .
ومنها : الزهد في الدنيا وترك الرغبة فيها ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وانطلق بها لسانه ، وبصره عيوب الدنيا داءها و دواءها ، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام » ، وروي إن رجلاً قال لأبي عبد الله عليه السلام: إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به ؟ فقال عليه السلام : « أوصيك بتقوى الله ، والورع والاجتهاد ، وإياك أن تطمع إلى من فوقك ، وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه و آله ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا ) وقال تعالى : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ) فإن خفت ذلك فاذكر عيش رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنما كان قوته من الشعير ، وحلواه من التمر ووقوده من السعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله صلى الله عليه و آله فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط » .
السؤال: ما هي الامور التي هي من المنكر ؟
الجواب: منها : الغضب . فعن رسول الله صلى الله عليه واله إنه قال : « الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل » وعن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « الغضب مفتاح كل شر » و عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : « إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النار ، فأيما رجل غضب على قومه وهو قائم فليجلس من فوره ذلك ، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه ، فإن الرحم إذا مست سكنت» .
ومنها : الحسد ، فعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا : « إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب » ، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ذات يوم لأصحابه : « إنه قد دب إليكم داء الأمم من قبلكم ، وهو الحسد ليس بحالق الشعر ، ولكنه حالق الدين ، وينجى فيه أن يكف الإنسان يده ، ويخزن لسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن».
ومنها : الظلم ، روي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : « من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده »، وروي عنه أيضاً إنه قال : « ما ظفر بخير من ظفر بالظلم ، أما أن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم » .
ومنها : كون الإنسان ممن يتقى شره ، فعن رسول الله صلى الله عليه و آله إنه قال : « شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم » ، وعن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال : «ومن خاف الناس لسانه فهو في النار» وعنه عليه السلام أيضاً : «إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه» .
السؤال: هل سقوط وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند احتمال وقوع الضرر على الآمر أو الناهي (سقوط رخصة) : فيجوز له الأمر والنهي إن شاء مع علمه أو احتماله ولوقع الضرر عليه ،أم (سقوط عزيمة) : فيحرم عليه الأمر والنهي حينئذٍ ويكون آثماً إن فعل ؟
الجواب: يجوز مالم يكن الضرر المحتمل بليغا كالهلاك او ما يقرب منه كما يجوز ان كان الاحتمال ضعيفا لا يوجب الخوف لدي العقلاء .
السؤال: ما هو درجة الضرر الموجبة لسقوط التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علماً أو ظناً أو احتمالاً ؟
الجواب: الضرر الوجب لسقوط التكليف هو المقدار المعتد به من الضرر على النفس او المال او العرض ومثله الحرج الذي لا يتحمل عادة .
السؤال: لو تخلي الأفراد بما هم أفراد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوي احتمال وقوع الضرر ، وأدي ذلك إلى انتشار الجريمة في المجتمع ،فهل يجب الأمر والنهي حينئذٍ على الأفراد –بما هم أفراد- وإن اُحتمِل وقوع الضرر ؟
الجواب: نعم اذا احرز كون المنكر بمثابة عند الشارع يهون دونه تحمل الضرر وجب ذلك .
السؤال: هل يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان المأمور ليس موالياً لأهل البيت (ع) ، أو كان من الكتابيين الذين يحتمل التأثير فيهم مع الأمن من الضرر؟
الجواب: نعم يجبان مع توفر بقية شروط وجوبهما ، ومنها أن لا يكون الفاعل معذوراً في ارتكاب المنكر أو ترك المعروف ، ومن غير المعذور الجاهل المقصر فيرشد الى الحكم أولاً ، ثم يؤمر أو ينهى إن أراد مخالفته.
هذا ولو كان المنكر مما أحرز أن الشارع لا يرضى بوقوعه مطلقاً ، كالإفساد في الأرض وقتل النفس المحترمة ونحو ذلك ، فلا بدَّ من الردع عنه ، ولو كان الفاعل جاهلاً قاصراً.
السؤال: هل على الزوج الزام زوجته المتبرجة بالحجاب او منعها من ممارسة بعض المعاصي كسماع الاغاني، وما عليه ان يفعل ان لم يستطع ردعها عن ذلك؟
الجواب: يلزمه امرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وفق المراتب المذكورة في الرسالة العملية وان لم تستجب فلا شيء عليه بشأنها ولكن لابد ان يتخذ الاجراء المناسب لئلا يؤثر سلوكها المنحرف في تربية اولاده.
السيرة الذاتية لسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
وبعد / لقد أثمر منبر الإمام السيد الخوئي (قدس سرّه ) خلال أكثر من نصف قرن ثماراً عظيمة جليلة هي الأزكى والأفضل عطاءاً على صعيد الفكر الإسلامي وفي مختلف العلوم والقضايا والمواقف الإسلامية المهمّة ، حيث تخرّج من بين يديه مئات العلماء والفضلاء العظام الذين اخذوا على عاتقهم مواصلة مسيرته الفكرية ودربه الحافل بالبذل والعطاء والتضحية لخدمة الإسلام والعلم والمجتمع، ومعظمهم اليوم أساتذة الحوزات العلمية وبالخصوص في النجف الأشرف ومنهم من هو في مستوى الكفاية والجدارة العلمية والاجتماعية التي تؤهله للقيام بمسؤولية التربية والتعليم ورعاية الأمة في يومنا الحاضر.
المزيد
ومن أهم وابرز أولئك العباقرة هو سيدنا الأستاذ آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه ) فهو من أبرز تلامذة الإمام الخوئي الراحل (قدس سرّه ) نبوغاً وعلماً وفضلاً وأهليّةً ، وحديثنا في هذه السطور حول شخصية هذا العلم الكبير موجز في عدّة نقاط :
ولادته ونشاته
ولد سماحته في التاسع من شهر ربيع الأول عام 1349 للهجرة في المشهد الرضوي الشريف في أسرة علمية معروفة ، فوالده هو العالم المقدّس( السيد محمد باقر ) ووالدته هي العلوية الجليلة كريمة العلامة ( المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي) وجدّه الادنى هو العالم الجليل ( السيد علي ) الذي ترجم له العلامة الشيخ آغا بزرك في طبقات أعلام الشيعة قائلاً: ( انه كان في النجف الأشرف من تلامذة الحجّة المؤسس المولى علي النهاوندي وفي سامراء من تلامذة المجدد الشيرازي، ثم اختص بالحجة السيد اسماعيل الصدر، وفي حدود سنة 1318 هـ عاد إلى مشهد الرضا ( عليه السلام ) واستقر فيه وحاز مكانة سامية مع ما كان له من حظ وافر من العلم مقروناً بالتقى والصلاح ) ومن تلامذته المعروفين الفقيه الكبير الشيخ محمد رضا آل ياسين (قدس سرّه ).
وأسرة سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ــ التي هي من الاسر العلوية الحسينية ــ كانت تقطن مدينة (اصفهان) في القرن الحادي عشر الهجري ، ومن ابرز اعلامها يومذاك الفيلسوف الشهير ( محمد باقر الداماد ) صاحب كتاب القبسات، ومن أحفاده العلم الكبير ( السيد محمد ) الذي عيّن في منصب ( شيخ الاسلام ) في بلاد ( سيستان ) في زمن السلطان حسين الصفوي فانتقل اليها وسكنها هو وذريته من بعده، وأول من هاجر منهم إلى مشهد الرضا (ع) هو المرحوم( السيد علي ) المار ذكره، حيث استقرّ فيه برهة من الزمن في مدرسة المرحوم الملا محمد باقر السبزواري ومن ثمّ هاجر الى النجف الأشرف لاكمال دراسته ثم الى سامراء المقدسة للغرض نفسه.
وقد نشأ سيدنا ( دام ظلّه ) في مسقط رأسه المشهد الرضوي نشأة عالية فتدرج في الأوليات والمقدمات ، حيث بدأ وهو في الخامسة من عمره بتعلم القرآن الكريم ثم دخل مدرسة دار التعليم الديني لتعلم القراء والكتابة ونحوهما ، فتخرج من هذه المدرسة وقد تعلم أثناء ذلك فن الخط من استاذه ( الميرزا علي اقا ظالم ).وفي أوائل عام (1360 هـ.ق) بدأ بتوجيه من والده بقراءة مقدمات العلوم الحوزوية ، فأتم قراءة جملة من الكتب الأدبية كشرح الألفية للسيوطي والمغني لابن هشام والمطول للتفتازاني ومقامات الحريري وشرح النظام عند المرحوم الاديب النيشابوري وغيره من أساتذة الفن، وقرأ شرح اللمعة والقوانين عند المرحوم السيد احمد اليزدي المعروف بـ (نهنگ ) وقرأ جملة من السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية عند آية الله الميرزا هاشم القزويني، وقرأ جملة من الكتب الفلسفية كشرح منظومة السبزواري وشرح الاشراق والاسفار عند المرحوم الايسي، وقرأ شوارق الالهام عند المرحوم آية الله الشيخ مجتبى القزويني ، وحضر في المعارف الالهية دروس آية الله المرحوم الميرزا مهدي الاصفهاني المتوفى أواخر سنة (1365 هـ . ق) كما حضر بحوث الخارج لآية الله الميرزا مهدي الآشتياني صاحب التعليقة على شرح المنظومة وآية الله المرحوم الميرزا هاشم القزويني (قدّس سرهما).
وفي أواخر عام 1368 هـ انتقل الى الحوزة العلمية الدينية في قم المقدسة فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه والاصول، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجّة الكوهكمري(قدّس سرّه).
وخلال مدّة اقامته في قم راسل العلاّمة المرحوم السيد علي البهبهاني عالم الأهواز الشهير ومن اتباع مدرسة المحقق الطهراني، وكان موضوع المراسلات بعض مسائل القبلة حيث ناقش سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه) بعض نظريات المحقق الطهراني ووقف السيد البهبهاني موقف المدافع عنها ، وبعد تبادل عدّة رسائل كتب المرحوم السيد البهباني لسيدنا الأستاذ (دام ظلّه) رسالة مؤرخة في ( 7/ رجب /1370 هـ ) ــ وهو شاب في الواحدة والعشرين من العمر ــ يثني فيها على مهارته العلمية واصفاً اياه بـ (عمدة العلماء المحققين ونخبة الفقهاء المدققين) وموكّلا ﱟ تكميل البحث إلى حين اللقاء به عند التشرّف بزيارة الإمام الرضا (عليه السلام ).
وفي أوائل عام (1371 هـ ) غادر سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) مدينة قم متجهاً إلى موئل العلم والفضل للحوزات العلمية النجف الأشرف، فوصل كربلاء المقدسة في ذكرى أربعين الامام الحسين ( عليه السلام ) ثمّ توجّه إلى النجف الأشرف فسكن ( مدرسة البخارائي العلمية )، وحضر البحوث الفقهية والاصولية للعلمين الكبيرين السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه ) ولازمهما مدّة طويلة ، وحضر خلال ذلك ايضاً بحوث بعض الأعلام الآخرين منهم السيد الحكيم (قدّس سرّه ) والسيد الشاهرودي (قدّس سرّه ).
نبوغه العلمي
لقد برز السيد السيستاني ( دام ظلّه ) في بحوث اساتذته بتفوق بالغ على اقرانه وذلك في قوّة الإشكال وسرعة البديهة وكثرة التحقيق والتتبع ومواصلة النشاط العلمي وإلمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، ومما يشهد على ذلك أنه منح من بين زملاه واقرانه في عام 1380 هـ وهو في الحادية والثلاثين من عمره ـ ( شهادة الاجتهاد المطلق ) من قبل استاذيه السيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ الحلي (قدّس سرّه ) ولم يمنح السيد الخوئي شهادة الاجتهاد الإّ لنادرٍ من تلامذته منهم سيدنا الأستاذ وآية الله الشيخ علي الفلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة كما لم يمنح الشيخ الحلي اجازة الاجتهاد المطلق لغيره ( دام ظلّه ) وقد كتب له ايضاً شيخ محدّثي عصره العلاّمة الشيخ آغا برزك الطهراني (قدّس سرّه ) شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث وهي مؤرخة كذلك في عام 1380 هـ.
عطاؤه الفكري وتأليفاته
اشتغل سيدنا الأستاذ (دام ظلّه) من أوائل عام 1381 هـ بإلقاء محاضراته (البحث الخارج) في الفقه في ضوء مكاسب الشيخ الأعظم الأنصاري، وأعقبه بشرح العروة الوثقى ، فتمّ له منه شرح كتاب الطهارة وأكثر كتاب الصلاة وقسم من كتاب الخمس وتمام كتاب الصوم والاعتكاف ثم شرع في شرح كتاب الزكاة.
وقد كانت له محاضرات فقهية اخرى خلال هذه السنوات تناولت كتاب القضاء وابحاث الربا وقاعدة الإلزام وقاعدة التقية وغيرهما من القواعد الفقهية،كما كانت له محاضرات رجالية شملت حجية مراسيل ابن ابي عمير وشرح مشيخة التهذيبين وغيرهما.
وابتدأ ( دام ظلّه ) بإلقاء محاضراته في علم الأصول من شعبان عام (1384 هـ ) وقد أكمل دورته الثالثة في شعبان عام ( 1411 هـ ) ، ويوجد تسجيل صوتي لجميع محاضراته الفقهية والأصولية من عام 1397 هـ وإلى اليوم.
وقد خرّج بحثه الشريف عدّة من الفضلاء البارزين وبعضهم من أساتذة البحث الخارج : كالعلاّمة الشيخ مهدي مرواريد ، والعلاّمة السيد مرتضى المهري والعلاّمة المرحوم السيد حبيب حسينيان والعلاّمة السيد أحمد المددي والعلاّمة الشيخ مصطفى الهرندي والعلاّمة السيد هاشم الهاشمي وغيرهم من أفاضل أساتذة الحوزات العلمية.
وضمن اشتغال سماحته ( دام ظلّه ) بالدرس والبحث خلال هذه المدّة كان مهتمّاً بتأليف كتب مهمّة وجملة من الرسائل بالإضافة إلى ما كتبه من تقريرات بحوث اساتذته فقه وأصولاً، وسيأتي ذكر جملة منها في موضع آخر.
منهجه في البحث والتدريس
وهو منهج متميز على مناهج كثير من أساتذة الحوزة وأرباب البحث الخارج فعلى صعيد الأصول يتجلّى منهجه بعدّة خصائص :
أ- التحدث عن تأريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية كمسالة بساطة المشتق وتركيبه أو عقائدية وسياسية كبحث التعادل والتراجح الذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي احاطت بالأئمة( عليهم السلام ) ومن الواضح أن الإطّلاع على تأريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصلنا إلى واقع الآراء المطروحة فيها .
ب- الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة ففي بحثه حول المعنى الحرفي في بيان الفارق بينه وبين المعنى الاسمي وهل هو فارق ذاتي ام لحاظي؟
اختار اتجاه صاحب الكفاية في أن الفرق باللحاظ لكن بناه على النظرية الفلسفية الحديثة وهي نظرية التكثر الادراكي في فعالية الذهن البشري وخلاقيته، فيمكن للذهن تصور مطلب واحد بصورتين: تارة بصورة الاستقلال والوضوح فيعبر عنه بالاسم وتارة بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف.
وعندما دخل في بحث المشتق في النزاع الدائر بين العلماء حول اسم الزمان، تحدّث عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة وهي انتزاع الزمان من المكان (زمكان) بلحاظ تعاقب النور والظلام ، وفي بحثه حول مدلول صيغة الأمر ومادته وبحثه في التجري طرح نظرية بعض علماء الاجتماع من أن تقسيم الطلب بامر والتماس وسؤال نتيجة لتدخل صفة الطالب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً.
وكذلك جعل ضابط استحقاق العقوبة عنوان تمرد العبد وطغيانه على المولى مبني على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد وعالي وسافل وما أشبه ذلك. فهذه نظرة من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح الانسانية العامة.
ج- الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه : ان الطالب الحوزوي يلاحظ في كثير من العلماء اغراقهم واسهابهم في بحوث اصولية لا يعدّ الاسهاب فيها الإّ ترفاً فكريّاً لا ينتج ثمرةً علميةً للفقيه في مسيرته الفقهية كبحثه في الوضع وكونه امراً اعتبارياً أو تكوينياً وأنّه تعهد أو تخصص ، وبحثهم في بيان موضوع العلم وبعض العوارض الذاتية في تعريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك.
ولكن الملاحظ في دروس سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) هو الاغراق وبذل الجهد الشاق في الخروج بمبنى علمي رصين في البحوث الأصولية المرتبطة بعملية الاستنباط كمباحث الاصول العملية والتعادل والتراجح والعام والخاص ، وأمّا البحوث الأخرى التي أشرنا لبعض مسمياتها ، فبحثه فيها إنما هو بمقدار الثمرة العلمية في بحوث أخرى أو الثمرة العملية في الفقه.
د- الابداع والتجديد : هناك كثير من الأساتذة الماهرين في الحوزة لا يملك روح التجديد بل يصب اهتمامه على التعليق فقط والتركيز على جماليات البحث لا على جوهره فيطرح الآراء الموجودة ويعلّق على بعضها ويختار الأقوى في نظره ، الإّ أن سيدنا الأستاذ يختلف في هذا النهج فيحاول الابداع والتجديد إما بصياغة المطلب بصياغة جديدة تتناسب مع الحاجة للبحث كما صنع ذلك عندما دخل بحث استعمال اللفظ في عدة معانٍ حيث بحثه الأصوليون من زاوية الإمكان والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه وبحثه سيدنا الأستاذ من حيث الوقوع وعدمه لانه أقوى دليل على الإمكان، وبحثه كذلك من حيث الاستظهار وعدمه.
وعندما دخل بحث التعادل والتراجح رأى أن سرّ البحث يكمن في علّة اختلاف الأحاديث فإذا بحثنا وحدّدنا أسباب اختلاف النصوص الشرعية انحلّت المشكلة العويصة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت ( عليهم السلام ) وذلك يغنينا عن روايات الترجيح والتخيير كما حملها صاحب الكفاية على الاستحباب .
وهذا البحث تناوله غيره ولكنه بشكل عقلي صرف،أما السيد الأستاذ فإنه حشد فيه الشواهد التأريخية والحديثية وخرج منه بقواعد مهمّة لحلّ الاختلافات وقام بتطبيقها في دروسه الفقهية أيضاً.
هـ - المقارنة بين المدارس المختلفة : ان المعروف عن الكثير من الأساتذة حصر البحث في مدرسة معينة أو اتجاه خاص ولكن السيد السيستاني يقارن بحثه بين فكر مدرسة مشهد وفكر مدرسة قم وفكر مدرسة النجف الأشرف فهو يطرح آراء الميرزا مهدي الاصفهاني (قدّس سرّه) من علماء مشهد وآراء السيد البروجردي (قدّس سرّه ) كتعبير عن فكر مدرسة قم وآراء المحققين الثلاثة ( الشيخ النائيني والشيخ العراقي والشيخ الاصفهاني ) والسيد الخوئي (قدّس سرّه ) والشيخ حسين الحلّي (قدّس سرّه) كمثال لمدرسة النجف الأشرف.
وتعدّد الاتجاهات هذه يوسع امامنا زوايا البحث والرؤيا الواضحة لواقع المطلب العلمي .
وأمّا منهجه الفقهي فله فيه منهج خاص يتميز في تدريس الفقه وطرحه ، ولهذا المنهج عدّة ملامح :
1- المقارنة بين فقه الشيعة وفقه غيرهم من المذاهب الاسلامية الأخرى ، فإنّ الإطّلاع على الفكر الفقهي السني المعاصر لزمان النص كالاطلاع على موطأ مالك واخراج ابي يوسف وآراء الفقهاء الآخرين يوضّح أمامنا مقاصد الأئمة ( عليهم السلام ) ونظرهم حين طرح النصوص.
2- الاستفادة من علم القانون الحديث في بعض المواضع الفقهية كمراجعته للقانون العراقي والمصري والفرنسي عند بحثه في كتاب البيع والخيارات ، والاحاطة بالفكر القانوني المعاصر تزوّد الإنسان خبرة قانونية يستعين بها على تحليل القواعد الفقهية وتوسعة مداركها وموارد تطبيقها .
3- التجديد في الأطروحة : إنّ معظم علمائنا الأعلام يتلقون بعض القواعد الفقهية بنفس الصياغة التي طرحها السابقون ولا يزيدون في البحث فيها الإّ عن صلاحية المدرك لها أو عدمه ووجود مدرك آخر وعدمه ، أما السيد السيستاني فإنّه يحاول الإهتمام في بعض القواعد الفقهية بتغيير الصياغة ، مثلاً بالنسبة لقاعدة الإلزام التي يفهمها بعض الفقهاء من الزاوية المصلحية بمعنى أنّ للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من بعض القوانين للمذاهب الأخرى وإن كان مذهبه لا يقرّه ، يطرحه السيد السيستاني على أساس الاحترام ويسميّها بقاعدة الاحترام أي احترام آراء الآخرين وقوانينهم ، وانطلاقه من حريّة الرأي وهي على سياق ( لكلّ قوم نكاح ) و (نكاح أهل الشرك جائز ) وكذلك بالنسبة الى قاعدة التزاحم التي يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة يدخلها السيد الأستاذ تحت قاعدة الاضطرار التي هي قاعدة شرعية اشارت لها النصوص نحو ( ما من شيء حرّمه الله الإّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه ) فإنّ مؤدى قاعدة الاضطرار هو مؤدى قاعدة التزاحم بضميمة متمم الجعل التطبيقي .
وأحياناً يقوم بتوسعة القاعدة كما في قاعدة ( لا تعاد ) حيث خصّها الفقهاء بالصلاة لورود النص في ذلك بينما السيد السيستاني جعل صدر الرواية المتضمن لقوله (ع) : ( لا تعاد الصلاة إلا ّ من خمسة ) مصداقاً لكبرى أخرى تعمّ الصلاة وغيرها من الواجبات ، وهذه الكبرى موجودة في ذيل النص ( ولا تنقض السنّة الفريضة)، فالمناط هو تقديم الفريضة على السنّة في الصلاة وغيرها ، ومن مصاديق هذا التقديم هو تقديم الوقت والقبلة ...الخ على غيرها من أجزاء الصلاة وشرائطها لأنّ الوقت والقبلة من الفرائض لا من السنن .
4- النظرة الاجتماعية للنص : إنّ من الفقهاء من هو حرفي الفهم بمعنى أنّه جامد على حدود حروف النص من دون محاولة التصرف في سعة دلالات النص وهناك من الفقهاء من يقرأ أجواء النص والظروف المحيطة به ليتعرف على سائر الملابسات التي تؤثر على دلالته ، فمثلاً في ما ورد من أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) حرّم أكل لحم الحمر الأهلية يوم خيبر ، أخذنا بالفهم الحرفي لقلنا بالحرمة أو الكراهة لأكل لحم الحمر الاهلية ولو اتبعنا الفهم الاجتماعي لرأينا أنّ النص ناظر لظروف حرجة وهي ظروف الحرب مع اليهود في خيبر والحرب تحتاج لنقل السلاح والمؤنة ولم تكن هناك وسائل نقل إلاّ الدواب ومنها الحمير ، فالنهي في الواقع نهي إداري لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك ولا يستفاد منه تشريع الحرمة ولا الكراهة ، وسيدنا الأستاذ من النمط الثاني من العلماء في التعامل مع النص.
5- توفير الخبرة بمواد الاستنباط : إنّ السيد السيستاني يركّز دائماً على انّ الفقيه لا يكون فقيهاً بالمعنى الأتم حتى يتوفر لديه خبرة وافية بكلام العرب وخطبهم واشعارهم ومجازاتهم كي يكون قادراً على تشخيص ظهور النص تشخيصاً موضوعيّا لا ذاتيا وأن يكون على اطلاع تام بكتب اللغة وأحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها فإنّ ذلك دخيل في الاعتماد على قول اللغوي أو عدم الاعتماد عليه وأن يكون على احاطة باحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) ورواتها بالتفصيل ، فإنّ علم الرجال فن ضروري للمجتهد لتحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك ، وله آراء خاصّة يخالف بها المشهور في هذا العصر مثلاً ما اشتهر من عدم الاعتداد بقدح اين الغضائري اما لكثرة قدحه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب إليه مما لا يرتضيه سيدا الأستاذ بل يرى ثبوت الكتاب وان ابن الغضائري هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل اكثر من النجاشي والشيخ وامثالهما ويرى الاعتماد على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسنداً أو مرسلاً على ما قرّره السيد البروجردي (قدّس سرّه ).
ويرى أيضاً ضرورة الإلمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة حال المؤلف من حيث الضبط والتثبت ومنهج التأليف ، وأما ما يشاع في هذا المجال من كون الصدوق اضبط من الشيخ فلا يرتضيه، بل يرى الشيخ ناقلاً أميناً لما وجده من الكتب الحاضرة عنده بقرائن يستند اليها.
فهذه الجهات الخبرية قد لا يعتمد عليها كثير من الفقهاء في مقام الاستنباط بل يكتفي بعضهم بالظهور الشخصي من دون أن يجمع القرائن المختلفة لتحقيق الظهور الموضوعي بل قد يعتمد على كلام بعض اللغويين بدون التحقيق في المؤلف ومنهج التأليف ولا يكون لبعض آخر أي رصيد في علم الرجال والخبرة بكتب الحديث.
معالم شخصيته
إنّ من يعاشر السيد السيستاني ( دام ظلّه ) ويتصل به يرى فيه شخصية فذّة تتمتع بالخصائص الروحية والمثالية التي حثّ عليها أهل البيت ( عليهم السلام) والتي تجعل منه ومن امثاله من العلماء المخلصين مظهراً جليّاً لكلمة ( عالم رباني ) وقوله ( عليه السلام ) ( مجاري الامور بيد العلماء امناء الله على حلاله وحرامه ) ومن أجل وضع النقاط على الحروف اطرح بعض المعالم الفاضلة التي رأيتها بنفسي عند اتصالي به درساً ومعاشرة :
ﺃ- الانصاف واحترام الرأي : فان السيد السيستاني انطلاقاً من عشق العلم والمعرفة ورغبة في الوصول إلى الحقيقة وتقديساً لحرية الرأي والكلمة البناءة تجده كثير القراءة والتتبع للكتب والبحوث ومعرفة الآراء حتى آراء بعض العلماء من غير اساتذته أو آراء بعض المغمورين في خضم الحوزة العلمية فتراه بعض الاحيان قد يشير في بحثه لرأي لطيف لأحد الأفاضل مع أنه ليس من أساتذته كالشيخ محمد رضا المظفر في كتابه اصول الفقه، فطرح هذه الآراء ومناقشتها مع أنها لم تصدر من اساطين اساتذته يمثل لنا صورة حيّة من صور الانصاف واحترام آراء الآخرين .
ب- الأدب في الحوار : ان بحوث النجف معروفة بالحوار الساخن بين الزملاء او الأستاذ وتلميذه وذلك مما يصقل ثقافة الطالب وقوته العلمية وأحياناً قد يكون الحوار جدلاً فارغاً لا يوصل لهدف علمي بل مضمونه ابراز العضلات في الجدل وقوة المعارضة وذلك ما يستهلك وقت الطالب الطموح ويبعده عن الجو الروحي للعلم والمذاكرة ويتركه يحوم في حلقة عقيمة دون الوصول للهدف، أما بحث السيد السيستاني (دام ظلّه) فإنّه بعيد كل البعد عن الجدل واساليب الإسكات والتوهين فهو في النقاش مع أساتذته وآراء الآخرين يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ مقام العلماء وعظمتهم حتى ولو كان الرأي المطروح واضح الضعف والاندفاع ، وفي اجابته لاستفهامات الطالب يتحدث بانفتاح وبروح الارشاد والتوجيه ولو صرف التلميذ الحوار الهادف إلى الجدل الفارغ عن المحتوى فان السيد السيستاني يحاول تكرار الجواب بصورة علمية ومع اصرار الطالب فان السيد الأستاذ حينئذ يفضل السكوت على الكلام.
ج ـ خلق التربية : التدريس ليس وظيفة رسمية او روتينية يمارسها الأستاذ في مقابل مقدار من المال ، فإن هذه النظرة تبعد المدرس عن تقويم التلميذ والعناية بتربيته والصعود بمستواه العلمي للتفوق والظهور، كما أن التدريس لا يقتصر على التربية العلمية في محاولة الترشيد التربوي لمسيرة الطالب بل التدريس رسالة خطيرة تحتاج مزاولتها لروح الحب والإشفاق على الطالب وحثّه نحو العلم وآداب العلم ايضاً وإذا كان يحصل في الحوزة أو غيرها احياناً رجال لا يخلصون لمسؤولية التدريس والتعليم فإن في الحوزات أساتذة مخلصين يرون التدريس رسالة ساوية لابدّ من مزاولتها بروح المحبّة والعناية التامة بمسيرة التلميذ العلمية والعملية ، وقد كان الإمام الحكيم (قدّس سرّه) مضرب المثل في خلقه التربوي لتلامذته وطلاّبه وكما كانت علاقة الإمام الخوئي (قدّس سرّه) بتلامذته فقد رأيت هذا الخلق متجسّداً في شخصية السيد السيستاني (دام ظلّه ) فهو يحثّ دائماً بعد الدرس على سؤاله ونقاشه فيقول : اسألوا ولو على رقم الصفحة لبحث معين او اسم كتاب معين حتى تعتادوا على حوار الأستاذ والصلة العلمية به وكان يدفعنا لمقارنة بحثه مع البحوث المطبوعة والوقوف عند نقاط الضعف والقوة وكان يؤكد دائماً على احترام العلماء والالتزام بالأدب في نقاش أقوالهم ويتحدث عن أساتذته بروحية وهمّة عالية وأمثال ذلك من شواهد الخلق الرفيع .
د – الورع : إنّ هناك ظاهرة جليّة في كثير من العلماء والأعاظم وهي ظاهرة البعد عن مواقع الضوضاء والفتن وربما يعتبر هذا البعد عن البعض موقفاً سلبيّاً لأنه هروب من مواجهة الواقع وتسجيل الموقف الصريح المرضي للشرع المقدس ولكنه عند التامل يظهر بانه موقف ايجابي وضروري احياناً للمصلحة العامة ومواجهة الواقع وتسجيل الموقف الشرعي يحتاج لظروف موضوعية وارضية صالحة تتفاعل مع هذا الموقف ، فلو وقعت في الساحة الإسلامية أو المجتمع الحوزوي إثارات وملابسات بحيث تؤدي لطمس بعض المفاهيم الأساسية في الشريعة الإسلامية وجب على العلماء بالدرجة الاولى التصدي لإزاحة الشبهات وابراز الحقائق الناصعة فإذا ظهرت البدع وجب على العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان ، كما جاء في الحديث .
ولكن لو كان مسار الفتنة مساراً شخصياً وجواً مفعماً بالمزايدات والتعصبات العرقية والشخصية لمرجع معيّن أو خط معيّن او كانت الأجواء تعيش حرباً دعائية مؤججة بنار الحقد والحسد المتبادل فإنّ علماء الحوزة ومنهم السيد السيستاني ( دام ظلّه ) يلتزمون دوماً الصمت والوقار والبعد عن هذه الضوضاء الصاخبة وما يحدث غالباً من التنافس على الألقاب والمناصب والاختلافات الجزئية كما هو الحال في يومنا الحاضر ، هذا مضافاً لزهده المتمثّل في لباسه المتواضع ومسكنه الصغير الذي لا يملكه وأثاثه البسيط.
هـ ـ الإنتاج الفكري: السيد السيستاني ليس فقيهاً فقط بل هو رجل مثقّف مطّلع على الثقافات المعاصرة ومتفتح على الأفكار الحضارية المختلفة ويمتلك الرؤية الثاقبة في المسيرة العالمية في المجال الاقتصادي والسياسي وعنده نظرات إدارية جيدة وأفكاراً إجتماعية مواكبة للتطور الملحوظ واستيعاب للأوضاع المعاصرة بحيث تكون الفتوى في نظره طريقاً صالحاً للخير في المجتمع المسلم.
إمامته في الصلاة
كان سيدنا الأستاذ (مدّ ظلّه ) في عيادة استاذه المرحوم الإمام الخوئي ( قدّس سرّه )في (29/ ربيع الآخر / 1409 هـ ) لوعكة صحية ألمّت به فطلب منه أن يقيم صلاة الجماعة في محرابه في جامع الخضراء فلم يوافق على ذلك في البداية فألحّ عليه في الطلب وقال له ( لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمّي لحكمت عليكم بلزوم القبول ) فاستمهله بضعة أيّام وفي نهاية الأمر استجاب لطلبه وأمّ المصلين من يوم الجمعة (5/ جمادى الأولى / 1409 هـ ) إلى الجمعة الأخيرة من ذي الحجّة عام 1414 هـ حيث أغلق الجامع من قبل السلطة كما سيأتي .
مسيرته الجهادية
كان النظام البعثي يسعى بكل وسيلة للقضاء على الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ السنين الأولى من تسلمه السلطة في العراق ، وقد قام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، ولاقى سيدنا الأستاذ ( مدّ ظلّه ) عناءاً بالغاً من جرّاء ذلك وكاد ان يسفّر عدّة مرّات وتمّ تسفير مجاميع من تلامذته وطلاّب مجلس درسه في فترات متقاربة ، ثمّ كانت الظروف القاسية جدّاً أيّام الحرب العراقية الإيرانية ، ولكن على الرغم من ذلك فقد أصرّ ( دام ظلّه ) على البقاء في النجف الأشرف وواصل التدريس في حوزته العلمية المقدّسة إيماناً منه بلزوم استمرار المسار الحوزوي المستقل عن الحكومات تفادياً للسلبيات التي تنجم عن تغيير هذا المسار.
وفي عام 1411 هـ عندما قضى النظام على الانتفاضة الشعبانية اعتقل سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) ومعه مجموعة من العلماء كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الميرزا علي الغروي وقد تعرّضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية إلى أن فرّج الله عنهم ببركة أهل البيت ( عليهم السلام ).
وفي عام 1413 هـ عندما توفي الإمام السيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) وتصدّى سيدّنا الأستاذ ( دام ظلّه ) للمرجعية ـ كما سيأتي ـ حاولت سلطات النظام السابق تغيير مسار المرجعية الدينية في النجف الأشرف وبذلت ما في وسعها في الحطّ من موقع السيد الأستاذ ( دام ظلّه ) ومكانته المتميزة بين المراجع وسعت إلى تفرق المؤمنين عنه بأساليب متعدّدة منها إغلاق جامع الخضراء في أواخر ذي الحجّة عام 1414 هـ كما تقدّم .
وعندما وجد النظام أنّ محاولاته قد باءت جميعاً بالفشل خطّط لاغتيال سيدنا الأستاذ وتصفيته ، وقد كشفت وثائق جهاز المخابرات عن عدد من هذه المخطّطات ولكن مكروا ومكر الله والله خير الماكرين .
وهكذا بقي سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) رهين داره منذ أواخر عام 1418 هـ حتى أنّه لم يتشرف بزيارة جدّه الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) طوال هذه الفترة.
وقد تعرّض لضغوط كثيرة من اجهزة النظام وأزلامه ولكنه قاوم جميع الضغوطات إلى أن منّ الله على العراقيين بزوال النظام ونسأله تبارك وتعالى ان يمنّ عليهم بالتحرر من الاحتلال ايضاً.
مرجعيته
في السنوات الاخيرة من حياة سماحة الإمام الخوئي ( رضوان الله عليه ) كان هاجس كثير من الفضلاء في النجف الأشرف وخارجها البحث عمن يصلح ان يخلف الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) في مرجعيته للطائفة الإمامية ليحافظ على كيان الحوزة العلمية واستقلالية المرجعية الدينية ويتحلى بما يلزم توفره في شخص المرجع من مؤهلات علمية وورع وتقوى وحكمة وتدبير.
وقد توجّه أنظار الكثير من الفضلاء إلى سيدنا الأستاذ ( دام ظلّه ) وقد اختاره الإمام الخوئي ( قدّس سرّه ) للصلاة في محرابه في جامع الخضراء كما تقدّم فبدأ ينتشر صيته في أوساط العامة بعد ان كان محصوراً في الأوساط العلمية والحوزوية التي عرفته أستاذاً قديراً في البحث الخارج طوال ربع قرن من الزمن .
وعندما التحق الإمام الخوئي بالرفيق الأعلى في (8/ صفر / 1413 هـ ) ارجع اليه في التقليد جمع من العلماء الأعلام يأتي في مقدمتهم سماحة آية الله السيد علي البهشتي (قدّس سرّه ) وسماحة آية الله الشيخ مرتضى البروجردي (قدّس سرّه ) فقلّده كثير من المؤمنين في العراق وايران وبلاد الخليج وباكستان والهند ، وبعد وفاة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري في (27/ صفر /1414 هـ ) رجع اليه معظم مقلديه في العراق وقسم في خارجه ، وعندما توفي آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني (قدّس سرّه ) في (24 / جمادي الآخرة / 1414 هـ ) عمّ تقليد سيدّنا الأستاذ (دام ظلّه ) وبشكل سريع مختلف الأقطار الإسلامية ورجع إليه معظم المؤمنين في العراق والاحساء والقطيف وايران ولبنان ودول الخليج وباكستان والهند والمغتربين في اوربا والامريكيتين واستراليا وغيرهم، وقد توسع الرجوع إليه أكثر فأكثر بعد وفاة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (قدّس سرّه ) وآية الله العظمى السيد محمد الروحاني (قدّس سرّه )، فسيدنا الأستاذ (دام ظلّه ) ــ اليوم ــ هو المرجع الأعلى للطائفة الإمامية، أدام ظلّه السامي ونفع بوجوده الإسلام والمسلمين . رجوع